الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوة التأثير على الناس البسطاء

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2012 / 9 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل فكّرتم مرة كم من السهل أحيانا (خاصة على أناس بمواقع ووظائف معينة) التأثير على آراء وتصرفات الآخرين؟ لم أعلم ذلك الى حين اشتراكي في اجتماعين للأهالي في روضتي ابنتَي الإثنتين خلال هذا الأسبوع. ما شهدته أصابني بالذهول. لم أصدّق كم من السهل التأثير على آراء وتصرّفات الآخرين ببساطة بواسطة إدلاء رأيك الشخصي، خاصة اذا كان معظم الناس يفتقرون للمعلومات التي يحتاجونها لتشكيل آرائهم الخاصة، أو أنهم ببساطة ليسوا على القدر الكافي من المعرفة والوعي.
في السنتين الأخيرتين، لم أكلّف نفسي عناء الإشتراك في اجتماعات الأهالي التي أقامتها روضتا ابنتَي. لا أدري لم أحببت هذا العام الذهاب والإشتراك والإستماع ومشاهدة ما يجري في مثل تلك الإجتماعات، فذهبت الى الإجتماع الأول في الروضة (أ) التي تتعلم/تذهب اليها احدى ابنتَي، ثم الى الإجتماع الذي أقيم في روضة (ب) التي تتعلم/تذهب اليها ابنتي الأخرى، وبصراحة أقول لكم إنني خرجت منهما بدهشة وذهول مما شهدت!
في الإجتماع الأول في الروضة (أ) كان السؤال الشاغل والمحيّر لأولياء الأمور: كم دورة إثراء سيتلقى الأولاد في الروضة؟ واحدة أم اثنتان؟ وان كانت واحدة فأية دورة ستكون؟ رغم أن هذا السؤال لم يشغل أحدا في اجتماعات الأهالي في الرياض الأخرى.
اذن، كيف حدث ذلك؟
عندما دخلت الى الروضة (أ) وجدت المعلمة التي جلست أمام الأهالي تتحدث وتجيب عن أسئلة إحدى الأمهات. وبانتظار وصول أكبر عدد ممكن من الأهالي قرّرت أن تخبرنا قليلا عن دورات الإثراء التي ستقام هذا العام في الروضة، كما أنها ذكرت أن مركّزة قسم الطفولة المبكرة ستأتي الينا لاحقا حتى تخبرنا عنها بالتفصيل. ولا أدري لِم قرّرَت أن تمهّد لنا عن الموضوع، إذ أخبرتنا أن هناك دورتين لرياض الأطفال هذا العام وكلتاهما تختص بالموسيقى والرقص والحركة. ثم قالت إن برأيها الشخصي تكفي دورة واحدة للأولاد وهي سمّت لنا أية دورة برأيها هي الأفضل ولماذا، وقالت إن وجود الدورتين تؤثّر سلبا على عملها مع الأولاد، ولهذا قالت تكفي دورة واحدة، ولكن، في النهاية، القرار يعود إلنا نحن الأهالي.
وبعد هذه الأقوال، كان من اللزام علينا نحن الأهالي أن نقرّر: هل نختار أن يتلقى أولادنا دورة واحدة أم اثنتين؟ وإن كانت واحدة فأية دورة؟ إحتار الجميع في الأمر وعندما وصلت مركزة قسم الطفولة المبكرة لتشرح لنا عن الدورتين ذكرت لنا أن باقي الرياض في القرية رضيت بإقامة الدورتين و هي لا تعلم لماذا نحن نتساءل ونحتار في عدد الدورات! في النهاية قررنا أن نقوم بالتصويت فاختار أغلب الأهالي دورة واحدة فقط بدل دورتين. ثم قالت المعلمة: اذن أية دورة تختارون؟ تلك الدورة أفضل أليس كذلك؟ وسمّت الدورة التي أخبرتنا أنها تظنها الأفضل لأولادنا. وهكذا تمّ الإتّفاق على الموضوع وقلنا السلام وعدنا الى بيوتنا.
في اليوم التالي، كنت في اجتماع الأهالي في الروضة (ب) خاصة ابنتي الأخرى. وهناك سار موضوع الدورات على نحو مختلف تماما. لم تتطرق المعلمة كثيرا الى الموضوع الا في بداية الإجتماع حين ذكرت ان المركزة ستأتي لاحقا وتشرح لنا عنه. وعندما وصلت المركزة وأخبرتنا عن الدورتين وشرحت لنا عنهما، تساءل بعض الأهالي عن أمر آخر تماما: لماذا كلتاهما تختصان في نفس المجال؟ لماذا ليس هناك تنوّع؟
لم يسأل أحد إن كانت هناك إمكانية لدورة واحدة مكان دورتين ولا احتار أحد في اختيار عدد الدورات، ولا تخوّف أحد إن كانت إقامة الدورتين تؤثّران سلبا على عمل المعلمة مع أولادنا، رغم أن عليها تحضير هؤلاء الأولاد للصف الأول وليس للبستان الإلزامي مثل المعلمة الأخرى. ولكن فوجئت اذ ذكرت المركزة عما جرى في ذلك الإجتماع وأخبرتنا أن الأهالي اختاروا إقامة دورة واحدة فقط للأولاد ثم بعد ذلك اتصلت بها لجنة الأهالي في الروضة وغيّرت الى دورتين اثنتين بادّعاء أنه: لماذا لا يتلقى أولادنا دورتين مثل باقي الأولاد؟!!
بعد أن عدت الى البيت واستحضرت في ذهني كل ما جرى في ذلك الإجتماع الأول في الروضة (أ)، تعجّبت في داخلي: لماذا تدخّلت المعلمة وعبّرت لنا عن رأيها في اقامة الدورتين في روضتها؟! ولماذا بدت لي كأنها تعترض، لسبب ما، إقامة تلك الدورة التي لم تحبّذها وحاولت فرض رأيها علينا؟!
ثم خطر لي: كم من القوة تمتلك حتى استطاعت أن تؤثّر على تصرّف الأهالي لاختيار الدورة التي بدت أنها ترغب بها دون الأخرى! ما شهدته أدهشني وأثار في نفسي تساؤلات كثيرة: كم من مرة يؤثر علينا، نحن الناس العاديين، البسطاء، أصحابُ المواقع والوظائف، يدلون الينا بآرائهم، يخفون عنا المعلومات، يملون علينا تصرّفاتنا حسب الطريقة التي يرغبون بها دون أن ندرك شيئا مما يخفون وراء أقوالهم وأفعالهم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو