الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تظاهرات إسلامية ضد الرسول الكريم!

نضال شاكر البيابي

2012 / 9 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كيف يتصور الناس أربابهم؟ وكيف يفكرون في وجودهم؟ وهل تأتيهم الأفكار من حيث لا يدرون، وبالرغم من ذلك، تتحكم بهم، في رؤيتهم للأنا والآخر؟ أترانا نبالغ حين نزعم أن المحصلة النهائية من معظم تصورات الناس هي خدمة القوى الاجتماعية المهيمنة اقتصادياً وسياسياً ودينياً؟

كل هذه الأسئلة تقودنا نحو الأيديولوجيا، فشيوع مجموعة من أنماط التفكير والسلوك في مجتمع معين، إنما هو خاضع بالضرورة للسياقات المؤسسية المنبثقة بالدرجة الأولى من رحم الأيديولوجيا المهيمنة، التي تهدف إلى المحافظة على الواقع الراهن، باعتباره معطى ثابتاً، والتي غالباً ما تحول دون توافر أجواء حرة لتفتّح عفوي للتفكير التأملي الخلاق.

وحسب المنظور الفوكوي، إن الطريقة التي يفكر بها الناس، بل حتى الطريقة التي يستشعر بها الناس الأشياء، والكيفية التي تثار بها حساسيتهم، وكل سلوكهم، تحكمها - في جميع الصور- بنية نظرية، نسق، يتغير مع العصور والمجتمعات، إلا أنه يظل حاضراً في كل العصور.

إنّها معبودات الذاكرة، أو كما يطلق عليها فرنسيس باكون "معبودات القبيلة، معبودات السوق، معبودات المسرح.."، أي الذاكرة السحيقة التي تمثل إجمالاً آليات التفكير والقابليات الذهنية والنفسية والعادات والتقاليد والمحرمات التي تسود في مجتمع معين. وهو "الإرث الروحي" بتعبير شيغان، الذي يرثه الفرد عن جذوره، والذي يبقى أميناً له، أمانته لرباط مقدّس.

الإرث الروحي الذي يشكّل المصدر الأساسي لتكوين الفرد، النفسي/السلوكي، والذي قد يستعبد الفرد دون وعي منه في آخر المطاف، سيّما حين تنعدم المسافة بينه وبين تصوراته، إذ إن انعدام الوعي بوجود مسافة بين الفرد وقيمه، تصوراته، وهذا هو المخيف، يعني بالضرورة انعدام النظرة النقدية في داخله، أي إلغاء كل قدرة أو قابلية نقدية، وبالتالي قد يتحول إلى متعصب صرف، متعصب ينطوي في داخله على رغبة تدميرية لكل من لا يستجيب إلى نواهيه. بمعنى أن هذه التصورات تصبح بمثابة قوة ذاتية متسلطة، تُخضع الفرد لسطوتها، وحينئذ يجد نفسه مهوساً بكل ما يتعلق بها.

فالذات بالمعنى المستقل للكلمة، كما يرى إدغار موران الفيلسوف الفرنسي، "يمكن أن تصبح ذاتاً (بالمعنى غير المستقل للكلمة) عندما تهمين الأنا المثالية للدولة والحزب، أو الرئيس أو الرمز المقدس داخل برنامج التضمين. حينئذ يمكن أن نكون مهووسين شخصياً بإله، أو أسطورة، أو فكرة، فتهيمن هذه الفكرة أو الأسطورة، التي سُجلت داخل برنامج ذاتي المركز، وتتحكم بنا قسرياً بينما نعتقد أننا نُكرس لهما أنفسنا طوعاً".

وحين نتفحص النُظم داخل البناء الاجتماعي - الذي هو عبارة عن مجموعة من الأنساق الاجتماعية - في الدول التي يطغى عليها الطابع السلفي أو الروح الماضوية، نكتشف بأنها أنتجت مجموعة من الآليات العقلية والحيل الدفاعية النفسية، منها:

- اتباع المنهج القياسي والاستنباطي، ثقافياً وتعليمياً، وفحوى هذا النمط الحكم على قضايا الواقع الشائكة وشديدة التعقيد قياساً على ما جرى في الماضي، الإسلامي تحديداً، ومن ثم استنباط الأحكام على هذا الأساس، وكأنما تضمر آلية التفكير هذه مسلمة في غاية السذاجة، مفادها: إن التاريخ يعيد نفسه على الدوام! ومن هنا يمكن تفهم أسباب سريان التفكير الخرافي ذي النزعة الماضوية الرومانسية واهتراء أدوات التفكير الجدلي في المجتمعات الماضوية، فالدافع وراء انبجاس هذا النمط، هو الاعتقاد الجازم بأن الحقيقة الخالصة هي التي أنتجها "السلف"، السلف الذي يوصف دائما بأنه صالح، أو معصوم من الخطأ في بعض الأحيان، وبالتالي لا مناص من الاقتداء به.

- الآلية التي تقصر الحق والحقيقة على ما انتهت إليه، والباطل على ما انتهى إليه الآخر، والتي لا ترى في أفكار وسلوكيات "الآخرين" سوى المتفق المقبول والمختلف المرفوض، الاتفاق المفضي إلى "الجنة" والاختلاف المفضي إلى "النار". تلك النزعة المتعصبة الوحيدة الاتجاه، التي لا تنحاز إلاّ لتيارات النقل الجامدة، التي تؤثر الاتباع على الابتداع، والتقليد على التجديد، وعليه تنظر إلى كل مساءلة لمقولات "السلف الصالح" على كونها محض ضلالة ومعصية.

- الآلية الاتباعية، حيث يتمركز القاصرون والمقلدون حول الأب، الزعيم الضرورة، الذي منه وإليه تبدأ وتنتهي الحقيقة والحق، والتي تحاط شخصيته غالباً بنوع من المهابة أو القدسية التي لا تُمس.

- الآلية الأسطورية، وهي التماس الحلول الجذرية من مصادر غيبية، تفرج الكروب وتقضي الحاجات، وتبسط المشكلات المعقدة.

- الآلية الإسقاطية، أي عزو مشكلات الذات إلى عوامل خارجية، فمثلا تفشي الأمية على المستويين الثقافي والديني، وتخلف مناهج التربية والتعليم عن حاجات المجتمع، وتطورات العصر، وانعدام الحريات على كافة المستويات، وضعف المشاركة الشعبية الحقيقية والفاعلة، لا لعوامل التقهقر والضعف الذاتيين، وإنما لعوامل خارجية لا يعلمها إلاّ الله والراسخون في العلم، ويمكن القول ببساطة إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه!.

على ضوء هذه المقاربة يمكن أن نفهم لماذا بدا معظم من شارك في التظاهرات المنددة بالفيلم المسيء للرسول الأكرم، وكأنما تنطوي دواخلهم على رغبة تدميرية عمياء لكل شيء يقع تحت أيديهم ولا يستجيب إلى نواهيهم؟!

ويمكن القول أيضاً، إن للفيلم الركيك فنياً ورؤيوياً جانباً مضيئاً، وذلك لأنه أعاد للأذهان المسكوت عنه في الخطاب العربي والإسلامي، ليس التسلط السياسي أو الديني فحسب، وإنما الأنساق الاجتماعية التي أنتجت كل أنواع التسلط والقهر في الجسد الاجتماعي بكامله. وما دام المجتمع مكتظاً بالكبت والحرمان والقمع، فمن الطبيعي والمتوقع أن تكون تعبيراته عنيفة وعدوانية حين يزول أثر الكوابح. وما دام الاستبداد موزّعاً في الجسد الاجتماعي بكامله، ففي قلب كل فرد بذرة عصيان، وفي عمق كل تسلط مُعلن أو مقنّع تكمن تراكمات عدوانية جموحة.

وعليه يمكن القول إن التظاهرات الكرنفالية ذات الطابع التنفيسي ساهمت في تفريغ العدوانية وتكريس الوضع القائم في آن، لأن أوهام التحرر والثأر يمكن لها، كما يرى جميس سكوت، أن تسهم في الحفاظ على السيطرة بتبديد الطاقات الجماعية على بلاغات طقوسية لا ضرر منهما نسبياً على الجذور التي أنتجت الفعاليات والفواعل التسلطيّة.

ومن هذا المنظور نقرأ التظاهرات الغاضبة، التي تمتص بمعنى ما التوترات والإحباطات التي أنتجها الواقع السياسي والاجتماعي، وبالتالي تلعب دوراً حيوياً في تفريغ العدوانية واحتقاناتها، وتنسي الناس، وهذا هو الأهم، ما هم ضحايا له من قهر وتسلط.

وكل هذا يستدعي سؤالاً آخر: هل غيرت الثورات العربية من بنية العقل التسلطي الذي أنتج الديكتاتوريات المتهاوية، أم أن واقع معظم الانتفاضات هو مجرد تغيير في الشخوص والشعارات لا في المضمون والفعاليات، حيث على السطح هناك هيمنة ضعفت وتآكلت لتفسح المجال لهيمنة أخرى في شكل مقنّع؟!

يقول فرويد: بدأت الحضارة عندما قام رجل غاضب لأول مرة بإلقاء كلمة بدلاً من حجر.

نضال البيابي

كاتب سعودي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فضيحة من العيارالثقيل !!
مريم رمضان ( 2012 / 9 / 22 - 15:51 )

قامت الدنيا ولم تقعد على الفلم الذى يوصف حياة محمد وحقيقته،وإتهموا إلأقباط لكي ينالوا منهم ما يقدرون من قتل وتهجير ويضعوا الأقباط تحت الإضطهاد والقمع والتذليل وهذا ما في نفس يعقوب القروضاي صاحب الخيانه العظمى لبلده والكذب على شعب أمته متمثلا في سيده ونبيه.وهو صاحب فتاوي التدمير والمؤامرات الخبيثه.
والأدهى من ذلك أن له أتباع مثله. !!


فضيحة من العيارالثقيل قطرمولت الفيلم المسئ للرسول الكريم والقرضاوي دققه !!
رابط ا لخبر من موقع قناة الجزيرة نت




http://www.aljazeera.net/news/pages/958df69c-8dcd-4351-9394-b68da93d5f03


2 - الأخت مريم
الباشت ( 2012 / 9 / 23 - 05:06 )
الخبر يتحدث عن فلم آخر لم ير النور بعد ..لذا وجب التنويه


3 - قرأ الرابط بدقه،
مريم رمضان ( 2012 / 9 / 23 - 06:15 )
يقول الرابط.
الأربعاء 12ء09ء2012 01:39 مساء
الصورة المرفقة تجمع الشيخ يوسف القرضاوي الذي يتوسط (باري أوسبورن) منتج الفلم المسيء للرسول صلى الله عليه و سلم ، و رئيس مؤسسة النور القابضة القطرية الممولة الرئيسية للفلم المسيء للرسول صلى الله عليه و سلم .
القرضاوي دوره في الفلم التدقيق في مجريات أحداثه و اعطائه الشرعية الدينية في الإنتاج ، و مؤسسة النور القابضة دورها تمويل الفلم ، و المخرج ( باري اوسبورن ) إخراج الفلم المسيء للرسول صلى الله عليه و سلم .


4 - أخ باشت
مريم رمضان ( 2012 / 9 / 23 - 06:49 )
ً .
إذا كان هناك فيلم آخر ليُسئ الى محمد والقرضاوي يدققه ويشرف على صحته ويموله، فيعني هذا أنه صاحب الفلم الأول والثاني ،وهذا لا يبرأه من أن الفلم المسيء لمحمد هو فكرة وتصميم القراضاوي.، وفي الإسلام الحرب خدعه.
فكري عاجز على إستعاب الكم الهائل من الحقد والكراهيه والغدر التي في قلب هذا الثعبان القرضاوي تجاه المسيحيين لكي يتهمهم بصناعة الفلم ليحرض المسلمين عليهم .


5 - ليس كذلك بل هو فلم آخر تماما
الباشت ( 2012 / 9 / 23 - 07:16 )
لا توجد في المقال كلمة -مسيء- إطلاقا..الخبر يتحدث عن فلم آخر تماما أخت مريم..منتج الفلم السابق هو سام بسيل ومنتج هذا الفلم هو شخصية أخرى تسمى باري أوسبورن..نرجو عدم الخلط

وفوق كل هذا هل تظنين أن موقع الجزيرة كان ليذكر خبرا قد يسيء لحبيبها القرضاوي؟


6 - فلم اخر
سلمى محمد ( 2012 / 9 / 23 - 15:33 )
http://www.youtube.com/watch?v=tlwX40cwTKU سيدي اهديك هذا الانتاج ارجوا ان يعجبك


7 - الأخت سلمى
الباشت ( 2012 / 9 / 23 - 19:39 )
والله هلكتينا كل شوي واضعه وصله لهذا الفلم في زاوية من الموقع..أخاف أنهض بكرة من النوم وألاقيك حاطة الوصلة تحت المخده
هناك المئات إن لم يكن الآلاف مثل هذا وأكثر في اليوتيوب ولا أرى ضرورة لكل هذا الجهد من أجل هذا الفلم الذي لم يرقى -في نظري- إلى أن يكون في مصاف أفلام أخرى تنتقد الدين بطريقة منهجية وليس تهكمية مثل التي يحملها هذا الفلم..لا أدري..ولكن عندما أشاهد فلما عن الإسلام أنتجه مسيحيون أو العكس فلا أجد فيه إلا الحقد والكره وليس بث رسالة لأجل الحقيقة..وكأن الأمر تصفية حسابات لا غير


8 - أخي باشت الله يسعد أيامك
مريم رمضان ( 2012 / 9 / 23 - 22:41 )

لقد وضعت الرابط أمامك يقول الرابط الفلم المسيء للرسول،ثم إذا كان فلم آخر مسيء للرسول كما تقول ولم يرى النور لماذا يدققه ويموله القرضاوي ، كما أن القرضاوي أقر أنه سوف لا يعجب المسلمين .سام باسيل إسم مستعار ليس له وجود

اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال