الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الانسان وربه ...

حسين الصالح

2012 / 9 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لطالما تساءلت لماذا انقطع الوحي السمائي عن الارض ؟ هل الله غاضب على عبيده؟؟ ام ان للامر علاقة باساطير الشعوب واليوم لانجد مجال للاسطورة بعد حربين عالميتين وعصر عولمة وتكنلوجيا يضربان في افاق المستقبل ؟؟
صحيح اننا سمعنا عن ديانات ظهرت بعد الاسلام والذي يعد اخر الاديان الابراهيمية .. لكن الاسلام كما جاء في ادبياته انه خاتم الاديان وعندها لمعت مئات علامات الاستفهام حول هذه الفكرة .. والتساؤل كان دائما يبدا ... بلماذا ؟؟
بمقارنة بسيطة نجد ان الاسلام لم يقدم عمليا اكثر مما قدمته المسيحية واليهودية وهذا ليس تقليل من شان الدين الاسلامي دونما كونه دليل على انه حلقة اخرى في سلسلة تاريخ اديان الرب على الارض وانه بالتاكيد مكملا لرسالة الرب ..
فعندما نبحر في عالم الرياضيات قليلا سنجد ان اعداد المسلمين اقل من المسيحيين في الكرة الارضية .. وعندما نتابع حال الدول الاسلامية فسنجد ان قليلا منها يحيا بسلام بل ان اغلبها في قتال مستمر حول السلطة وشعوبها تعيش في حالة لا استقرار تصل الى حد فقدان الصفة البشرية قيمتها .. طبعا المسيحية عانت وتعاني في بعض المناطق الان نفس المشكلة وكذلك الديانة الام اليهودية ...
والاهم من هذا كله ان اغلب مايتناوله المسلمون واليهود والمسيحيون هو موروث بشري بحت له ماله وعليه ماعليه .. لذلك سمعنا عبر التاريخ عن حروب الرب وفرسان المعابد وسلاطين وخلفاء وملوك ناطقين باسم الرب , ربما حتى قبل ظهور الديانات بالاف السنين ..
وهنا يعيدنا الحديث الى حقيبة الاسئلة التي لاتنتهي .. عن ماهية الدين ؟؟ وهل ان الدين عبارة عن حركة اصلاحية واشارات سماوية لاعادة الانسانية الى مساراها الصحيح ؟؟ ام انه اختبار من رب سماوي جالس على عرشه بانتظار يوم الحساب ؟؟ هل تساءل احد منا لماذا نحاسب ؟؟ وهل الخوف من النار هي الطريقة المثلى لتعليم البشر فن الاخلاق و المفاهيم الانسانية التي يحتاجها للتعايش في حين نحن نتحدث اليوم عن طرق لتعليم الطفل بعيدة عن الضغوط والقسوة والعقاب ...؟؟
هل جرب احد منا ان يعاقب انسان اخر اساء اليه او حتى قتل اقرب الناس الى قلبه بالحرق مثلا ؟؟ اشك ان اغلبنا سينجح في انزال هذا العقاب مهما كانت كمية مشاعر الغضب بداخله ...
اذن كيف لنا ان نتخيل رب تملئه الرحمة يتوعد بهذا العقاب لمخالفيه؟؟

قبل ان نتسرع .. وقبل ان تتصاعد مشاعر الغضب في داخلنا من قراءة الترهات التي طرحتها اعلاه .. دعونا نحاول ان نفهم ماهية الرب بعيد عن الموروث .. فكل ماطرحته سابقا مبني على الموروث وليس ارادة الرب التي لم نفهمها للاسف ..

في واقع الامر ارى ان سبب انقطاع الوحي هو ان الرب سعيد جداااااا بالكائنات البشرية .. وهي دليل اخرعلى ان غاية الرب هي ليست العقاب وان صور العذاب العالقة في مخيلتنا ماهية الا جزء من مبالغات بشرية لا اكثر ..
لو نتابع سياسة الرب على الارض نجد ان اغلب الاديان الابراهيمية والتي هي تمثل الغالبية اليوم قد ظهرت في الشرق الاوسط .. ومن هذا نرى ان الرب قد اراد ان يبذر بذرة في منطقة ما لا لانها مقدسة ولكن ربما للامر علاقة بتطور الحياة البشرية هناك وظهور الحضارات والمجتمعات المتقدمة او لاسباب اخرى نجهلها اصلا .. وعليه فان الستراتيجية قامت على ارساء الفكرة في بقعة ما ومن ثم لها ان تنتشر عبر القارات .. اما المحور المهم الاخر في تلك الستراتيجية انها كانت تحاور انسان عصره وتعالج مشاكله بطريقة تتوافق مع بيئته وثقافته وهذا سبب نجاح الفكرة في مجتمعاتها ..
ومن هذين المحورين سنجد ان الله في قمة سعادته اليوم ( وطبعا هذا تعبير مجازي لان ماهية الرب تختلف عن مفهومنا البشري) لذلك لم نسمع عن دين ابراهيمي جديد .. فالانسان اليوم وبعد ملايين السنين من عمره على الارض توصل الى مفاهيم واخلاقيات وقوانين دقيقة جدا تمكنه من التعايش الانساني الصحيح .. فهنالك اجزاء من الكرة الارضية اليوم وضعت قوانين لابسط الممارسات وكونت وحدات مجتمعية متالفة وتتمتع برفاه حياتي جميل وعليه وبالاخذ بالمحور الاول لستراتيجة الرب نجد ان الفكرة ممكن ان تنتقل من منطقة الى مادامت موجودة في بقعة ما على وجه الارض .. ولعل اهم مايميز هذه النظم البشرية انها متجددة وتمتاز بالديناميكية والمرونة لذلك نجدها تحاكي العصر والبيئة وتقف عند تحدياتهما وبذلك فانها جائت متناغمة مع ستراتيجة الرب السابقة ..

فاليوم لا استطيع ان ابشر للاسلام في اوربا بطريقة قريش قبل اكثر من اربعة الاف عام .. فان بينت ان الغاية من قوامة الرجل على المراة هو لحفظها وخدمتها وصيانتها من قسوة المجتمع القديم لن يفهمني احد في ظل مجتمع يعتبر المراة كائن مساوي للرجل ولاتحتاج لاب او زوج او اخ ليعيلها او يوفر لها الامان والسكن حتى وان لم تمتلك عملا !!!!
ولن استطيع ان ابرر لماذا حصة الرجل تعادل ضعف حصة المراة في الارث وربما للسبب نفسه !!! وبالتاكيد ساعجر عن تبيان الكثير من احكام الجهاد .. او حتى حرمة الخمر في مجتمع يقيد وينظم تعاطي الخمور بحزمة قوانين للاسف هي حتى غير موجودة في مجتمعات دينية في الشرق الاوسط ..
فانا اعتقد ان الانسان اليوم وضع تفاصيل حياتية كثيرة تتوافق مع ارادة الرب و تفسر سبب تحريمات الرب سابقا عندما كان يخاطب مجتمعا رجعيا لايعرف كيف سيمتنع عن شرب الخمر عند صلاته لربه المطلق .. او كيف سيعامل زوجته وابنته ...
الرب او الالهة او الطاقة التي اوجدت الموجود من اللاموجود هي فلسفة اكبر من ان تتمكن عقولنا من ادراكها .. لذلك من الغير مجدي ان نخسر جزءا مهما من حياتنا الفانية في محاولة البحث عنها او حتى ارضائها ..
فنحن لايمكن لنا ان نسقط مفاهيمنا البشرية او حتى الحيوانية على الرب .. فالغضب والحب والكره والسعادة والحزن والرضى والنرجسية والقوة والحكمة والعقاب ماهي الا صفات يشترك فيها الانسان والحيوان بدرجات متفاوته ومن الغير منطقي اسقاطها على فكرة الرب .. وطبعا سبب تصوير الرب بهذه الاوصاف هو نابع من مفهومنا البشري للرب من جهة ومن (ارادة الرب) في تصوير نفسه بطريقة قريبة لتصور الانسان ليتفهم مايريده منه الرب ...
فالرب يتعامل مع الغايات وليس مع الممارسات ولعل اجمل ماقدمه لنا الرب هو طريقته في محاكاة عقولنا العنيدة والتواقة للتعلم بجنون ..
لذلك اعتقد ان فلسفة الانسان هي الواقع .. ونحن لانحتاج سوى للتفاهم على مستوى انساني .. اما اعتناق الفكرة والذود في سبيلها او التهجم على فكر مخالف وتسفيهه كلها افعال لاتجدي ولاتفيد الانسان ... اتمنى ان نفهم الانسان قبل كل شي .. وفهم الانسان لايحتاج الى موروث مثقل بعقد السلاطين ومعارضيهم .. الانسان هو انا وانت ومن يجد صعوبه في فهمه والتواصل معه فهذا معناه اننا سنبقى اسيري الجذور ...

هناك مقولة لا اذكر من صاحبها على مااذكر انه روائي سويدي يقول (( نحن لانمتلك جذور بل ارجل )) .. فلسفة الرب هي بعيدة عن مانفكر به .. ماهية الخالق السمائي او الفيزيائي لاتنطبق عليها فعالياتنا الحياتية .. الرب بكل اشكاله يكون ماهية مجهولة بالنسبة لنا وهو اراد لنا ان نفهم ماهيتنا البشرية قبل ان نفهم ماهيته لذلك نراه قد تعمد تقريب صورته لعقولنا البشرية رغم كونها تختلف كثيرا عن مخيلتنا ..
فلو جمعنا على سبيل المثال اوصاف مايسمى باسماء الله الحسنى عند المسلمين سنخرج عندها بمحصلة غريبة جدا ممكن ان نسقطها على صور مختلفة قد تكون على شكل طاقة فيزيائية غريبة تحمل هذه الصفات او صورة رب بشري او مجموعة الهة خارقة او فلسفة ميتافيزيقية او تكنلوجيا معقدة .. وهذا ماقام به الانسان من تصورات عن الرب عبر رحلته الطويلة على الارض والى يومنا هذا ..

فاختلافنا هو جوهر تطورنا وصراع الاضداد يحمل وجهين احدهمها حلو .. والحضارة هي حصيلة عقول متخالفة تطرح الاسئلة للوصول لحالة اكثر رقيا ..
فالرب المطلق اراد منا ان نفهم انفسنا النسبية اولا .. لا ان نلعب بانفسنا دور المطلق .. فكل الافكار نسبية مهما كانت درجة اقناعها وعلميتها ..
وان تكون مسلما او مسيحيا او بوذيا او لادينيا لن يغير شيء من كينونتك بالنسبة للرب .. الانسان بحاجة لصفاء يمكنه من الوصول للقناعة والايمان وان كانت له صور مختلفة فهذا لايعني انها على خطأ او ان احداها افضل من الاخرى فكلها لم تبتعد عن الرب .. وعليه فان نظرنا للامر من هذه الزاوية عندها سنصل لحالة من التوافق الانساني الذي سيمكننا من توحيد فعالياتنا النفسية الخاصة والانسانية العامة وبهذا نصل الى حالة تقبل الاخر في اطار لم يبتعد عن ماهية الرب المطلق والانسان النسبي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah