الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوازن بين مطالب الجسد والروح

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2012 / 9 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


طبيب نفسى كتب فى تعليقه على مقالى السابق، أن الغرب، خاصة أمريكا، فصلت تماما بين الدين والدنيا، وحولت الأمريكيين إلى كائنات تسعى لإشباع مطالب الجسد «طعام وجنس» وبالتالى فقدوا الطمأنينة التى يصنعها الدين، وانغمسوا فى الخمور والمخدرات لإشباع فراغهم الروحى، وأن فساد العالم يرجع لغياب التوازن النفسى الذى يصنعه الدين بين مطالب الجسد ومطالب الروح. هذه الفكرة تضلل العقول عن الأسباب الحقيقية للفساد الناتج عن النظام الطبقى الأبوى «العالمى والمحلى» هى فكرة قديمة، سادت فى مدارس الطب النفسى الأوروبى فى القرن التاسع عشر، وتم نقلها إلى مستعمراتهم ومنها إلى بلادنا.

درست الطب فى القاهرة، باللغة الإنجليزية من مراجع بريطانية يختلط فيها الدين بالطب، كتاب كانينجهام تعلمنا منه التشريح لم ترد فيه صورة أو كلمة واحدة عن وظيفة الأعضاء الجنسية للمرأة، باعتبار أن وظيفة المرأة حسب الكتاب المقدس هى أن تحمل وتلد فى الأسى، وتشتاق لزوجها وهو يسود عليها.

سيجموند فرويد من أوائل من كشفوا عن علاقة التعصب الدينى بالأمراض النفسية والعصبية، لكنه لم يتعرض لفكرة التوازن النفسى الناتج عن الدين.

الدراسات الجديدة أثبتت أن التوازن بين مطالب الجسد والروح يحدث طبيعيا للإنسان وكل الكائنات الحية، لأن الطبيعة لا تفصل بين الجسد والروح، وهناك فصائل من الأفيال والكلاب أكثر إخلاصا ووفاءا من بعض البشر. لا تؤمن الحيوانات بالأديان، لكن يمكن أن نغرس فى عقولها القيم الإنسانية النبيلة بالتربية والتعليم الجيد، فى القارات الخمس بلايين البشر لا يؤمنون بآلهة سماوية أو أرضية، لكنهم تربوا منذ الطفولة على الأمانة والصدق والعدل وغيرها من القيم النبيلة، التى تصنع الضمير الحى. المسألة إذن هى «تربية الضمير» منذ الطفولة وغرس القيم الإنسانية النبيلة فى العقول والنفوس، بعض الناس يؤمنون أن الضمير هو الله.

يحدث التوازن بين المطالب الجسدية والروحية بسبب الضمير الحى، وليس بسبب الخوف من نار الآخرة، يشعر الإنسان النبيل بالسعادة حين ينطق الصدق، أو يحكم بالعدل، أو يضحى برغبات جسدية من أجل المسؤولية الإنسانية والوفاء بالعهد فى حياته العامة أو الخاصة. يستمد الطفل والطفلة القيم الأخلاقية الرفيعة «أو الغليظة» من أمه أو أبيه أو المدرسين والمدرسات.

فى المدرسة الابتدائية ضربنى «الأفندى» بالمسطرة على أصابعى حتى تورمت لماذا؟ لأنى غضبت حين قال، الله خلقنى نصف الولد لأنى بنت.

أمى أكدت أن البنت مساوية للولد، وقد تفوقه ذكاء وخلقا، أبى قال الله عادل لا يفرق بين البشر.

لو كانت أمى أو أبى بعقلية المدرس لانتهت حياتى فى المطبخ والسرير، أو خادمة للأطفال والقطط فى البيوت.

العدالة بين البشر هى قمة الفضائل، تنغرس فى الأطفال بالتربية الصحيحة والتعليم الراقى، ولا علاقة لها بالأديان أو العقائد.. هل المسلم أكثر صدقا من المسيحى لمجرد أنه مسلم؟.. هل الزوج أكثر صدقا من زوجته لمجرد أنه رجل؟.. هل الرجل الاشتراكى أو الماركسى أكثر صدقا فى حياته العامة والخاصة من الرجال الآخرين؟

ينمو الضمير الإنسانى فى الطفولة المبكرة كالشجرة تنمو، يصبح إنسانا مستقيم الخلق أو معوجا، قد نعتنق «فى مرحلة متأخرة» عقيدة نبيلة من زملائنا بالحزب مثلا، قد تساعدنا على إلقاء الخطب الثورية وكتابة المقالات العظيمة والظهور كزعماء سياسيين أو دينيين، لكنها لا تغير الاعوجاج الأول، ولا تصنع إنسانا نبيلا يتمسك بالعدل والصدق وإن أدخلوه السجن أو حكموا عليه بالموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تناقض صارخ
الاشوري الحر ( 2012 / 9 / 23 - 08:37 )
سيدتي الفاضلة، لا ارى من اين تأتي العدالة (التي هي قمة الفضائل!) بعيدا عن الخالق ، ألسنا حيوانات نعيش في غابة؟ !!! .. ولن اتحدث عن الضمير لان الحديث لن يكون له قيمة

المفارقة هي ان مجمل منضري الإلحاد لديهم قيم إنسانية آتية من تربيتهم المسيحية او على الاقل من قراءتهم للكتاب المقدس (الذي هو المصدر الرئيسي للصواب والخطأ كما نعرفهم اليوم) ،ولكنهم يفشلون الى اليوم في وضع تلك القيم على خريطة إلحادهم _ لانه باختصار ليس هناك قيم تأتي من انفجار من العدم


2 - الخوف من العقاب يقتل الضمير الحــي
فؤاده العراقيه ( 2012 / 9 / 23 - 10:17 )
تحية حب وتقدير واعجاب
الخوف من العقاب والطمع في الثواب يغرس الأزدواجية في نفوسنا , كثير ممن رأيناهم يقدسون الدين ويقتبسون الضمير الحي منه بالشكل فقط دون قناعة ولو ارادوا ان يطلقوا العنان لتفكيرهم لسرقوا وعاثوا في الأرض فساد , فالشكل الجميل ما ينشدون متناسين جوهرهم والذي هو اهم من جميع ما يلهثون ورائه
الأهم من التلقين هو غرس القيم الأنسانية منذ الطفولة
تولد اطفالنا وهم صفحات بيضاء لكنهم يتشوهون تدريجيا من خلال تربية الوالدين ومن ثم يتعلمون الكذب والخداع وانواع الغش من هذه المجتمعات
كلامكِ لا غبار عليه فالف تحية وتقدير وتبجيل لكِ


3 - السيدة الغالية نوال السعداوي
مروان سعيد ( 2012 / 9 / 23 - 11:20 )
تحية كبيرة لك وللجميع
ان من شب على شيئ شاب عليه وان كلامك صحيح الاثاث هي تربية الاطفال وتنشئتهم بطريقة صحيحة
اما الكتاب المقدس كتب قبل الاف السنين وترجم الى عدة لغات واعتقد با كلمة يسود عليك يوجد بها غلط بالترجمة يمكن ان تكون يعتني بك او يرعاكي او يحميكي
وترين بالحياة الدنيا بان المراءة والرجل بحاجة تامة لبعضهما هي ينبوع الحنان والعاطفة لذا يكون اشتياقها اكثر لرجل قوي يحميها ويدافع عنها انهما مكمل لبعضهما البعض لذا قال الله يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامراءته فيصيران جسدا واحدا وهنا نقدر ان نقول فضل المراءة عن الرجل لاانه يترك عئلته ويلتصق بامراءته
لذا لايوجد تفضيل احد على الاخر ولايوجد تعدد الزوجات بالتشريع الاهي
وعندما يصيران جسد واحد لايمكن ان يفرق الرجل جسده عن جسد امراته المها يؤلمه ولايوجد طلاق الا لعلة الزنى واعتقد بان الله احب المرءاة اكثر من الرجل لاانها مظلومة من كثيرين
ولك كل المودة والاحترام


4 - ألطبيب كان مُحقاً
سامي بن بلعيد ( 2012 / 9 / 23 - 11:46 )
طبيب نفسى كتب فى تعليقه على مقالى السابق، أن الغرب، خاصة أمريكا، فصلت تماما بين الدين والدنيا، وحولت الأمريكيين إلى كائنات تسعى لإشباع مطالب الجسد «طعام وجنس» وبالتالى فقدوا الطمأنينة التى يصنعها الدين، وانغمسوا فى الخمور والمخدرات لإشباع فراغهم الروحى، وأن فساد العالم يرجع لغياب التوازن النفسى الذى يصنعه الدين بين مطالب الجسد ومطالب الروح
هذا إقتباس لكلامك عن الطبيب وأنا أعتقد إنّه كان محقاً وكلامه واقعياً فنحن نلتمسه كل يوم على واقع الحياة وليس مجرّد أفكار نظرية ترى الحياة من عيون الطبقة أو الطبقات
ولا ترى إلا ما تريد أن ترى , وهذا الصنف دائماً ما يكون مُنتج للصراع وألأزمات مهما كان يتمتع بأهلية علمية عالية لأن هوس الظهور يمنعه من أن يعتدل في أفكاره ويخدم المجتمع برمّته , فلذلك يصبح حريصاً على إسمه حتى وإن كان الوطن يذهب مع أدراج الرياح
تحيتي الحارة للأستاذة الكبيرة نوال السعداوي


5 - شكرا د. نوال
ايفا الناصر ( 2012 / 12 / 30 - 02:15 )
الدين مسالة شخصية بين الانسان وربه , والسيد الذي ادعى ان الغرب غارق في المخدرات والكلام المكرر الذي لايسمن ولا يغني من جوع . انا ضمن فريق لمساعدة متشردين في الولايات المتحدة وكثيرا منهم من الاخوة المسلمين هل الدين منعهم من يقعوا في فخ التشرد حتما لا . الشعب الامريكي الذى تدعون انه شعب فاسق هو اكثر يحترم الحقوق الانسانية الدول العربية دول اسلامية هل منعهم هذا من سفك الدماء فى الشوارع العربية
د. نوال لك كل الشكر مقال رائع

اخر الافلام

.. 163-An-Nisa


.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و




.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف


.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله




.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446