الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنتدى الاجتماعي العالمي في مهد الثورات العربية... بين اليسار والإسلام السياسي

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2012 / 9 / 23
المجتمع المدني


تعقد الدورة العاشرة من المنتدى الاجتماعي العالمي خلال النصف الثاني من مارس المقبل في تونس، وهي المرة الأولى التي تستضيف فيها دولة عربية هذا المنتدى منذ تأسيسه عام 2001 في مدينة بورتو آليجري البرازيلية في حركة مناهضة للمنتدى الاقتصادي العالمي المعروف إعلاميا بـ"منتدى دافوس الاقتصادي"، والذي يروق لي أن أطلق عليه "مجلس إدارة العالم".
وفي الأسطر القادمة، سوف نحاول إلقاء الضوء على عدة محاور، وهي تاريخ المنتدى الاجتماعي العالمي من خلال مرور سريع عليه، والتساؤلات، التي يطرحها انعقاده في دولة عربية مثل هذا التوقيت — الذي يشهد فيه العالم العربية حالة ثورية عارمة تصعد فيها قوى الإسلام السياسي لموقع الصدارة — حول الكيفية التي سوف تتعامل بها هذه القوى مع ملف العدالة الاجتماعية، الذي يعتبر أولوية قصوى لدى المنتدى. مع الإشارة إلى حجم الدور الذي من الممكن أن تلعبه الحركات الاجتماعية بخاصة الجديدة منها التي تنأى بنفسها عن الأحزاب والمنظمات غير الحكومية.

المنتدى الاجتماعي العالمي
يقدم المنتدى تعريفا لنفسه على الموقع الخاص بالدورة الثامنة التي أقيمت عام 2011 بالعاصمة السنغالية دكار، فيقول المنتدى إنه فضاء لحوار ديمقراطي وعميق للأفكار، وصياغة المقترحات وتبادل الخبرات وتفاعل الحركات الاجتماعية والشبكات والمنظمات غير الحكومية ومكونات أخرى للمجتمع المدني المناهضة لليبرالية الجديدة والهيمنة على العالم من قبل رأس المال وكل أشكال الإمبريالية"، مضيفا أنه "بعد للقاء العالمي الأولى سنة 2001 ، ولدت دينامكية عالمية للبحث وبناء بدائل للسياسات النيو ليبرالية. وهذا التعريف مكرس في ميثاق مبادئ المنتدى الاجتماعي العالمي".
ويحدد المنتدى الاجتماعي العالمي مجموعة من الأهداف المشتركة بين الجماعات والحركات المشاركة ومن بينها بناء مجتمع يشمل كوكب الأرض كله، وإقامة علاقات مثمرة بين الإنسان والإنسان, وبينه وبين الأرض، بالإضافة إلى الأهداف التقليدية من مناهضة الليبرالية والهيمنة.
وقد ساهم المنتدى في تأسيس الكثير من المنتديات، منها المنتدى الاجتماعي الأوروبي، والمنتدى الاجتماعي الآسيوي، والمنتدى الاجتماعي المتوسطي، وكثير من المنتديات الاجتماعية المحلية والوطنية مثل المنتدى الاجتماعي الايطالي ومنتدى ليفربول الاجتماعي ومنتدى بوسطن الاجتماعي. وتلتزم معظم المنتديات الاجتماعية، إن لم يكن كلها، بميثاق المنتدى الاجتماعي العالمي، وذلك وفقا لما نقلته موسوعة ويكبيديا العالمية عن المنتدى.

الإسلام "السياسي" والعدالة الاجتماعية
على رغم أنه من بين أوائل من اعتنقوا الإسلام في شبه الجزيرة العربية كانوا من العبيد والأرقاء الذين وجدوا في الإسلام ما يمنحهم آدميتهم وكرامتهم التي فقدوها تحت سياط العبودية، فإن هناك من لا يزال يشكك في أن بالإسلام من التعاليم والمبادئ ما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس. ولكي لا يكون الكلام الذي يقال هنا مرسلا، سنورد في الأسطر القادمة ما يؤكد على أن الإسلام يحوي من المبادئ ما يكفي لإقامة مجتمع العدالة الاجتماعية بين الناس.
يأتي اهتمام الإسلام بمبدأ العدالة الاجتماعية باعتبارها وسيلة لضمان السلم الاجتماعي من خلا القضاء على الفوارق بين الطبقات. ومن بين الوسائل الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية في الإسلام تأتي الزكاة. فالزكاة تمثل حقا للجماعة المسلمة على الفرد في ماله؛ بحيث تؤخذ من مال القادر لتعطى إلى غير القادر بما يحقق العدالة الاجتماعية ويقضي على الفوارق الاجتماعية بين الناس. ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن الزكاة ليست تفضلا من جانب من يعطيها، ولكنها حق أكيد من حقوق المجتمع المسلم على القادرين فيه، وفي هذا السياق حديث صريح للرسول عليه الصلاة والسلام يحث الناس على ألا يتركوا بينهم جائعا، فيقول عليه الصلاة والسلام "أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله"، متفق عليه.
وقد بلغ حرص الإسلام على أن يلتزم الفرد المسلم بالزكاة أن كانت ركنا أساسيا من أركان الدين، وقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)، متفق عليه، بما يقضي على أي لبس يتعلق بدور الزكاة وموقعها في الإسلام.
يمكن أن ينظر إلى ما سبق أنه أمر له جانب اقتصادي فقط، ولكن بالتعمق في التحليل نرى أن له جانبا اجتماعيا أيضا، وهو التأليف بين القلوب. لذلك ورد عن أبي ذر رضي تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبسمك في وجه أخيك لك صدقة. وقد جاءت الصدقة لتطهير المانح نفسا ومالا ولتطييب نفس الممنوح. ولكن كما يشير الحديث، فإن الصدقة ليست فقط بالمال، ولكنها بالتبسم وهو من الأمور المعنوية؛ بحيث يتحقق السلم الاجتماعي بالتأليف بين القلوب وتذويب الفوارق الطبقية من خلال التصدق المعنوي بالابتسام.
هذه مجرد ملامح من القواعد التي وضعها الإسلام لتحقيق العدالة الاجتماعية، فماذا عن قوى الإسلام السياسي؟!
يشيع الخلط كثيرا بين الإسلام وقوى الإسلام السياسي، وهو الخلط الذي يجعل البعض يسحب أخطاء وخطايا تيار الإسلام السياسي ليعممها على الإسلام نفسه كدين، على الرغم من تنافي هذه الأخطاء مع المعروف من جوهر الدين الإسلامي.
فعلى سبيل المثال، تولت جماعة الإخوان المسلمين زمام الأمور في مصر بشكل شبه كامل بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت بين شهري مايو ويونيو الماضيين، كأول انتخابات رئاسية تجري بعد ثورة يناير. وعلى الرغم من تبني هذه الجماعة الإسلام كمرجعية شاملة لها، نجدها لا تطبق جوهر الفكر الإسلامي في الكثير من الممارسات ومن بينها الجانب الاقتصادي الاجتماعي، الذي يدور حوله موضوعنا هذا. فمن أول الإجراءات التي اتخذها الرئيس المصري محمد مرسي لإصلاح الأوضاع الاقتصادية المتردية طلب القروض من صندوق النقد الدولي على الرغم من الاشتراطات التي تتنافى مع مبادئ العدالة الاجتماعية التي يقررها الصندوق، ومن بينها رفع أو تقليل الدعم على السلع الحيوية في البلاد ومن بينها الوقود والمشتقات البترولية بشكل عام.
إذن، يمكن القول إن قوى الإسلام السياسي أحيانا تحيد عن مبادئ العدالة الاجتماعية، بسبب المساومات السياسية التي تدخل فيها؛ فقد أراد الإخوان المسلمون من طلب القرض توجيه رسالة طمأنة إلى الغرب لكي يساعدها على التثبت في مكانها بأن جماعة الإخوان المسلمين ليست "متشددة"، وهي تستطيع الانخراط في قواعد اللعبة الدولية من حيث التعامل بالقروض مع ما تجره من "إصلاحات" رأسمالية تفرضها المؤسسات المالية الدولية غربية التبعية.
نخلص من ذلك إلى أنه من الخطأ الفادح تعميم الانتقادات التي توجه للتيارات الإسلامية السياسية على الإسلام كدين، وهو ما يستلزم من كل من يرى سلبيات أو نقائص في أداء التيارات الإسلامية أن يرجع إلى صحيح الدين الإسلامي قبل أن يتهم الدين بما ليس فيه نتيجة أخطاء — ربما تكون مقصودة أو غير مقصودة — في الممارسة لا في النظرية نفسها، مع التشديد على أنه في كثير من الأحيان يكون انتساب تيار سياسي للإسلام بهدف حشد الأنصار لا عن نية حقيقية في تطبيق التعاليم الأساسية للدين في مختلف جوانب العمل السياسي.
بالعودة إلى المحور الخاص بإمكانية تعامل قوى الإسلام السياسي مع مبدأ العدالة الاجتماعية بشكل إيجابي، يمكن القول إن هذه القوى لن تخرج عن أداء النظام المخلوع في مصر، بالإبقاء على السياسات الرأسمالية مع إضفاء مسحة اجتماعية بغرض إبقاء السخط الاجتماعي عند مستوى يمكن التحكم فيه مع التخلص من الفساد في الدوائر الحكومية للمساهمة في خفض مستوى التوتر الاجتماعي الناجم عن تطبيق سياسات "الإصلاح الاقتصادي" الغربية!

هل من دور للحركات الاجتماعية؟!
بعبارة صريحة يمكن القول إنه لا يوجد أفق كبير أمام الحركات الاجتماعية لتفعيل أدائها في السعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، على الرغم من تواجدها المكثف على مواقع التواصل الاجتماعي بخاصة فيسبوك. والسبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى طبيعة المجتمعات الإنسانية السائدة حاليا، والتي لا تسير إلا بالوقود المالي!
فهذه الجماعات تفتقر إلى التمويل المنتظم الجيد الذي يتيح لها أن تحقق أهدافها بالتواجد على الأرض وسط الفقراء والمهمشين من خلال المشروعات البسيطة وغيرها من الإجراءات التي لا تسهم إلا بقدر بسيط في تحسين الحال المجتمعي ناهيك عن تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع. إلى جانب عقبة مهمة كبيرة توجد في المجتمعات العربية، وهي التنظيمات السياسية التي تملك المال وتعمل على حشد الأنصار من خلال العمل الخيري؛ حيث لا تتيح هذه التنظيمات أية فرصة للحركات الاجتماعية للتحرك الشعبي الفاعل، لأن القوى السياسية ذات التمويل الجيد تعمل على التشكيك في نوايا هذه الحركات بما يفقدها المصداقية عند أفراد الطبقات الفقيرة الذين يكونون في غالبيتهم من محدودي الثقافة والذين يسهل توجيههم.
إلا أن الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه هذه الجماعات في المجتمع هو توعية الطبقات المتوسطة بمشكلات العدالة الاجتماعية، بما قد يؤدي في النهاية إلى خلق ثقافة تتأسس في المجتمع بمرور الزمن حتى تصبح ثقافة سائدة بما يساهم في تفعيل العمل الواقعي على الأرض لهذه الحركات.

الختام
إذن، يأتي انعقاد المنتدى الاجتماعي العالمي في تونس في ظل تحديات كبيرة تواجه المنطقة العربية من سيادة قوى سياسية لا تتبنى أفكار العدالة الاجتماعية بما يجعل المنتدى يسبح ضد التيار، وفي ظل عجز — وإن كان مرحليا — من الحركات الاجتماعية على تحقيق اختراق مهم فيما يتعلق ببناء ثقافة العدالة الاجتماعية في المجتمعات العربية. ويبقى التأكيد أن الإسلام يحرص على العدالة الاجتماعية، وهو برئ من أية انتهاكات حقوقية واجتماعية ترتكبها قوى الإسلام السياسي متخذة من الدين ستارا لها.
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في الشمال السوري ضد موجة كراهية بحق اللاجئين في ترك


.. السودان.. مبادرات لتوفير مياه الشرب لمخيمات النازحين في بورت




.. بتهمة ا?نه يحيى السنوار.. محرر فلسطيني يروي تعذيب الاحتلال ل


.. ما هو الوضع الإنساني في مناطق الاشتباكات بالسودان؟




.. الرئاسة التركية: نجري متابعة للأجواء السلبية ضد اللاجئين الس