الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البراغماتية والقيمية في التحليل السياسي

عماد صلاح الدين

2012 / 9 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



بأفول نجم الحضارة الإسلامية عن واقع الحياة الإنسانية منذ قرون سيطر على الفكر الإنساني عموما والفكر السياسي خصوصا مقولات مادية وواقعية مجردة تنطلق من ما يسمى فكرة الموجودات وحالة المعالجة ومن ثم المخرجات. وهذه المقولات نجد سندها في جذور الحضارة الرومانية واليونانية التي تعتبر المنطلق الإشعاعي لقيام ومن ثم انتشار الحضارة الغربية المادية على مختلف توجهاتها الرأسمالية الفردية أو الاجتماعية ذات الهدف الاشتراكي أو الشيوعي اللاحق.
تأثر بهذه المدرسة قطاع عريض من العلمانيين العرب وحتى المفكرين والاستراتيجيين الإسلاميين، فكان معظم هؤلاء ينطلقون في التحليل السياسي وفهم الأوضاع القائمة واستشراف المستقبل من النظر إلى الحقائق المجردة وتفاعلاتها ومن ثم مآلاتها.
هذا التفكير البراغماتي أو ما يسمى الواقعي العملي قاد إلى عديد من الكوارث السياسية والاجتماعية والإنسانية وحتى البيئية في العالم الغربي؛ حيث انطلقت الحروب المدمرة والصراعات الأهلية فيما بين الجماعات الأوروبية نفسها في القرنين السابع عشر والثامن عشر ومن ثم قادت إلى الحروب العالمية في النصف الأول من القرن العشرين المنصرم.
هذه المادية المجردة غير المتجاوزة إلى العالم الآخر برغم كل تجليات الجانب المادي في المكتشفات العلمية والتكنولوجية وحتى على مستوى التخطيط الاجتماعي والإداري الناجح في مجتمعات الحضارة الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها لم تكن على المستوى الفكري الإنساني الاجتماعي والسياسي الرسمي بقادرة على تلافي أو الحد من الكوارث الحربية المدمرة عبر حروب الوكالة التي كان يضطرها إليها تفكيرها المادي المجرد.
وعلى المستوى العربي والإسلامي الرسمي رأينا أن النزعة البراغماتية قادت إلى كثير من التراجعات والتنازلات سواء ما تعلق بمصير الفلسطينيين أو بمصير كيانات ودول عربية، وكل ذلك لان المنطلق مادي لا يستند إلى اعتبارات المبادئ ومنظومة القيم التي تقوم عليها أية حضارة إنسانية ناجحة بما فيها الحضارة الإسلامية حيث جوهر الثقافة فيها هي الأخلاق .
ومنذ عديد سنوات كان هناك صراع محتدم بين تيارين كبيرين في المنطقة سواء على مستوى التشكيل أو على مستوى التحالفات؛ تيار ما يسمى بالمقاومة والممانعة وتيار الاعتدال العربي الموالي للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين بما فيهم إسرائيل.
اذكر أن جملة التحليلات التي كانت تخرج في دراسات أو أوراق عمل أو مؤتمرات أو حتى في كتابة مقالات كانت تشير إلى احتمالية الحرب على هذه الجبهة أو تلك مرة من جهة حزب الله اللبناني بينه وبين إسرائيل ومرة أخرى بين إسرائيل وحماس أو توقع نشوب حرب مدمرة بين إيران وسوريا من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، وهكذا دواليك.
كان المديح والتشجيع والاصطفاف وقتها في أوجه من قبل قادة مثقفين وسياسيين ومفكرين مع تيار المقاومة والممانعة بما فيه سوريا وإيران.
كانت توقعات التحليل السياسي والاستراتيجي تتجه إلى أن الحرب بين هذه الأطراف اليوم أو غدا، كانت الآمال الكبيرة معلقة على هذا الطرف أو ذاك.
اليوم تغيرت الأمور رأسا على عقب وفي الاتجاه المضاد بعد اندلاع شرارة الثورات العربية في تونس أولا ومن ثم في مصر وليبيا.
لم يكن ليتوقع احد قيام هذه الثورات في المنطقة العربية في ظل التصور البراغماتي والمادي (الموضوعي)، ولم يكن احد ليتوقع هذا التغير في الموقف من سوريا وإيران وحزب الله اللذين كانوا عدو الشيطان الأكبر أمريكا وحلفائها، حيث أصبح هؤلاء اليوم هم الشياطين وأعداء الإنسانية الذين يجب أن نحذرهم ويحذر منهم الناس أجمعون.
قامت الحراكات الجماهيرية المحدودة في أراضي الضفة الغربية ضد المنظومة المالية الفاشلة للسلطة الفلسطينية، ولم يكن احد بالطبع يتوقع قيام هذه التحركات والمظاهرات وربما الثورة تاليا وبشكل مفاجئ بسبب الأساس السياسي الفاشل لهذه المنظومة المالية أو الاقتصادية المقننة في بروتوكولات باريس الاقتصادية لسنة 1994.
ما السبب في كل هذا الارتباك في التحليل وفهم الواقع واستشراف المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبالتالي إطلاق الحكم أو المقولة الصائبة مبدئيا وسياسيا على وقائع معاشة ومتداخلة في المجتمع الفلسطيني وعموم المجتمعات العربية والإسلامية؟
انه بلا شك عائد إلى غياب منظومة القيم والمبادئ التي تقوم عليها الحضارات الإنسانية والتي من خلالها يتم فهم الوقائع والملابسات وتخريجها بالتالي من خلال ما يسمى بالظواهر الاجتماعية، وهي هي التي نتبين من خلالها كيف تؤول المجتمعات والأمم إلى الانحطاط والاندثار ومن ثم حتمية الثورات في نهاية المطاف لان الإنسان طبيعته تأبى الفراغ والسكون المؤبد.
قبل اندلاع المظاهرات الأخيرة بسبب الأزمة المالية في الضفة الغربية بخمسة أشهر كتبت مقالا فلسفيا يخضع لاعتبارات القيم والمبادئ وحقوق الإنسان بعنوان( أيها الشباب الفلسطيني…… هذا هو ضغط التاريخ) تطرقت فيه إلى مقولة فلسفية اجتماعية بان قدر الشباب في المجتمع المضطهد المتخلف هو التراجع وعدم الإبداع والإنتاج الحقيقي حتى لو كانت هناك محاولات فردية جادة للتغيير والتطور نحو الأفضل ما دام أن البيئة الاجتماعية الحاكمة هي نفسها مضطهدة ومتخلفة، ما لم يتحرك الشباب ويثور على الأوضاع القائمة.
هذه المقال وغيره من نفس الطراز أجد ككاتب صعوبة في نشره سواء في الصحف أو في المواقع الإعلامية الالكترونية؛ لأنه كما قال لي صديق وازن في الشأن الثقافي أن هذا يعتبر في نظر كثيرين من الغيبيات والمبادئ والقيم غير المستندة إلى الواقع الملموس براحة الكفين.

محام وكاتب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ


.. الحوثيون يعلنون استهداف -سفينة إسرائيلية- في بحر العرب| #الظ




.. قصف إسرائيلي يستهدف بلدات الخيام وعيتا الشعب وكفرشوبا وشبعا