الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإبداع بين الحرية والالتزام

أبو الحسن سلام

2012 / 9 / 24
المجتمع المدني


# ( خلق الإنسان على صورته) فما أبدع ما خلق
# لأنا خلقنا علي أحسن صورة ؛ لذلك كتب علزينا الإبداع؛ فإذا توقفنا عن الإبداع لا نكون
# الإبداع فعل متجدد فينا ما حيينا
# الإبداع فعل مستقبلي
# الإبداع فعل ثوري منفلت من الماضي في الحاضر ومن الحاضر في المستقبل
# عودة الإبداع الى الماضي نبشا عن إشراقات التراث ليس خدمة للماضي وليس
خدمة للتراث بل هو إصلاح للحاضر أو تغيير له في اتجاه مستقبل مشرق أ
أرفع وأنفع.
# نعلم كما يعلم دعاة تحريم الإبداع أو تقييد أن الكون هبة الإبداع الإلهي العظمى
لمخلوقاته .
فسبحان مبدع الأكوان .. بديع السموات والأرض ؛ الذي خلـق الإنسان في
أحسن صورة ترونها .خلقه على صورته فما أجمل وما أبدع ..
# لأن الحياة ثمرة إبداع إلهي من العدم ؛ فإبداع من عليها إعمال للهدف الإلهي
من استخلافا لنا على الأرض من أجل إعمار . وهل العمران سوى إبداع
متواصل بتواصل الحياة الاجتماعية وتدفق عطائها ؟!

لا تصح الحياة إذن بدون الإبداع ؟ ولا يصح الإبداع بدون انفلات من قيود الواقع وفرامانات الأنظمة الحاكمة وتعقيداتها وأنوف القلة المندسة في عمل المبدعين ؛ بسيل ممن يمتهنون الفتوى من غير اختصاص ولا ضرورة ؛ بخاصة في عصور الانحطاط المتقنع بأقنعة افهام صنائع التحزب أو التدين السياسي ؛ برغمة حاجة النفس البشرية إلى الترويح تلك الحاجة التي باشرها الحديث النبوي حيث قال : ( روّحوا عن القلوب ساعة) فإذا بالبعض يسعى ليضيق سعة الله على خلقه تدخلا فيما لا يفهم وفيما لا يعنيه ؛ رغبة في تقييد حرية الفكر والتعبير والإبداع دون أن يعرف :
أن كل إبداع يصنع حريته ويصنع قيوده أيضاً ويصنع التزامه بنفسه .
ونعلم كما يعلم دعاة تحجيم الإبداع أو تحريمه أن ليس في الكون شيء بدون قيود إن لم تكن من صنع الشيء نفسه فهي من خارجه . وليس في الكون شئ بدون قيد سوى الفوضي ؛ أو هذا ما يبدو لنا ؛. مع أن الحقيقة هي أن الفوضي مقيدة أيضاً بفوضى أخرى مضادة لها ؛ ذلك أن لا شئ في هذا الكون إلا ويحمل نقيضه بداخله حتى يتوازن الكون .

ولأن الإبداع فعل بهيج باهر منفلت من عقال الواقع ومردود إليه ؛ لذا كان محل نظرة ارتياب من ذلك الواقع نفسه الذي انفلت منه خارجا عليه . ليس هذا فحسب بل هناك أنظمة سياسية لا تكتفي بمجرد الارتياب في كل ما يصدر عن الحركة الإبداعية أدبا كانت أم فنا بصرف النظر عن تنوع ألوانه وتبدل صوره سينمائية كانت أم مسرحية أم شعرا ورواية. وربما لم ينج من دائرة الريبة الرسمية أو التدينية من الفنون سوى فنون الموسيقى البحتة وفنون الرقص بمختلف أنواعها وفنون التشكيل تصويرا أو فنون تمثال ؛ لحسن حظ تلك الفنون الرفيعة أن حكامنا لا ينظرون إلى فنون التشكيل وفنون الموسيقى البحتة والرقص - حتى فن الباليه - نظرة اهتمام لأن مثل تلك الفنون الرفيعة تبهج رائيها أو سامعها ولا تبوح ببديع المسكوت عنه من جوهر معانيها الشعرية والشاعرية إلا لمتأمل مسكون برهافة الحس ؛ وأنا لحكامنا ما تطلبه تلك الفنون الرفيعة من شروط التلقي. !!
ولكن من سوء حظ فنون الإبداع الكلامي أن ثلاثة أرباع محتواه الفكري مكشوفة العورة أمام عين حكام النظم الشمولية وحملة مباخرهم الذين لا يلتفتون إلى العمل الإبداعي إلا من ناحية المعنى ؛ الذي يذهب إليه طيش فهمهم - إن تصادف وجوده فيه من الأصل - يذهب فهمهم الشقي إلى تصنيف ما ظنوا أنهم فهموه إلى الحكم المشمول بالنفاذ إلى. حيثية هل هو ( معنا أو ضدنا) وليس قياس هكذا يصلح لأدب أو لفن . فالعملية الإبداعية نسجية جمالية تتشكل من عناصر ومكونات مختلفة غالبا لا تجتمع إلا ببراعة هوية الفنان أو الأديب المبدع لتعبر وتمس شغاف وجدانه قبل أن تمس وجدان متلقيها فتمتع قبل أن تقنع ؛ وبذلك لا تسلم مفاتيح دلالتها لمقتحم خصوصيتها ليراها منزوعة الثوب ! مجرد فكرة تتطابق مع فكرة ما مقولبة في رأسه يقيس بها ما يتلقاه كقياس سرير ( بروكرست ) الأسطوري الشهير . فذلك قياش طيش ليس بعده طيش.
إن مكونات كوب ليمونادة ( ماء وسكر وعصير ليمون تتشكل تبعا لشكل الإناء ) لكل مكون اسمه وشكله الصلب أو السائل قبل صنعه ؛ وبعد أن يصنع يأخذ مسمى آخر له خاصية آخرى وشكلا آخر يتشكل تبعا لشكل الإناء ؛ فهل إذا حاول مجرب ما - كما يفعل أصحاب إسهال الفتاوى الآن - فصل مكونات ذلك المشروب فهل يعود الليمون ليمونا ويعود السكر إلى حبيبات ؟
هكذا العمل الأدبي شعرا أو نثرا وهكذا العمل الفني ؛ مادة تشكل لتتمتع فاقنع فتؤثر لكن من أين لنا بفهم يزن الإبداع بميزانه في زمن فيه من مظاهر التزمت والتضييق على الفكر وعلى الإبداع متدرعين بدروع التدين والدين براء من مزاعمهم. فالله جميل يحب الجمال .
وهل كان المسرح منذ نشأته الأولى إلا محاكاة تهدف إلى تطهير النفس البشرية شأنه شأن الدين ؛ ارتكازا على الإيهام الذي هو تصديق لكل معطيات الخطاب المسرحي وعلى الإندماج الذي ينقطع فيه المتلقي عن كل ما حوله أسوة بالممثل عندما يتواصل مع الشخصيات؛ وهما ركيزتان مناظراتان للركيزتين اللتين قامت عليها أهداف الدين للسمو بالإنسان وهما الإيمان الذي هو تصديق بكل معطيات الخطاب الديني والخشوع الذي يلزم المؤمن بالانقطاع عن كل ما حوله عندما يتصل بربه
ولنا أسوة في تاريخنا الذي هو درة تاريخ حضارة الشعوب قديما وحديثا ؛ فنحن أحفاد صناع الفنون في العمارة وفي المسرح تلك الفنون التى ارتبطت بالعقائد الدينية التى توحدت على يد إخناتون نحن أحفاد من تركوا لنا عمارة المساجد متوجة بالجامع الأزهرالشريف ؛ فما من أحد فينا إلا وهو مسكون بالفن وبالإيمان متزاوجين ممتزجين بدمه . فلئن منع أحدنا عن أن يبدع إنطلاقا مما يؤمن به ما الذي يمنعه من أن ينهش كبد من يحول بين إبداعه : أو أن يموت دون ذاط !!

لكل ما تقدم نقف اليوم في مواجهة محاولات الالتفاف حول حركة الإبداع وتقييد حرية المبدعين بفرض الوصاية عليهم سواء بالقذف وبالسب العلني وبالتعرض لأعراض الفنانات بألفاظ يجرمها القانون وبالفتاوى المنفلتة خارج إطارالقوانين التي تضبط علاقة الأفراد بالدولة وعلاقة الأفراد بعضهم بعضا ونحن في دولة ما تزال دولة مدنية .
لقد آن للمفكرين وللمثقفين وللإعلاميين كما آن للمبدعين أن ينفروا جميعا في وجه أية وصاية رسمية أو حزبية عليهم ؛ خاصة عندما تكون على هيئة رسالة مطروحة من وزارة الثقافة المصرية التي توجه إلى تكوين مجلس وصاية على الإبداع وعلى المثقفين من خارج حقلهم بفرض مجلس أمناء لإدارة كل قصر من قصور الثقافة من ممثلي الأحزاب والمجالس المحلية بتوجيه أو تكليف مباشر من محافظى الأقاليم ونذّكر بأن تلك التجربة قد نفذت في أيام رئاسة الدكتور الفنان آحمد نوار ولم تستمر لأكثر من شهرين حيث أثبتت فشلها الذريع مع أن الأعضاء المختارين وقتئذ كانوا جميعهم من أساتذة الجامعات ؛ فما البال والعضوية المقترحة لمجالس الأمناء على الثقافة في أنحاء مصر مختارون من محافظي الأقاليم الذين يقومون على تنفيذ سياسات الحزب الحاكم ( حزب الحرية والعدالة الإخواني ) المسألة بلا مواربة تتمحور حول محاولة السيطرة على مفاصل الحركة الثقافية وتوجيهها في اتجاه ثقافة البيداء التى هي نقيض هويتنا الثقافية ثقافة الماء والنماء -التي هي أساس العمران. - بتعبير ابن خلدون في مقدمته -
إن ثقافة العمران المدني هي تلك الثقافة التى يقوم فيها الإبداع على الحرية انفلاتا إيجابيا من كل قيد يأتي من خارجه ؛ ذلك أن الإبداع الذي يصنع حريته ويصنع قيوده ويلتزم بها تحقيقا لنفسه وتطهيرا للأنفس أو تغييرا للمصائر في اتجاه الأرفع والأنفع للمجتمع وللآنسانية هو الذي يؤسس لنهضة حقيقية تؤدى إلى إحسان الناس لحياتهم المشتركة في هذه الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر