الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الربيع العربي ودعوات احياء الدولة الدينية

محمد فاضل نعمة

2012 / 9 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد شكل تحالف المؤسسة الدينية مع مؤسسة الحكم سمة بارزة عبر التاريخ الانساني لمعظم المجتمعات ،عندما استطاع رجال الدين عبر ما يتمتعون به من هالة القدسية وصورة نمطية ميتافيزيقية لدى المواطنين العاديين باعتبارهم صلة الوصل بين السماء والارض ، وحفظة القيم السماوية المقدسة والمسؤولين عن تفسيرها وتحويلها الى قيم دنيوية قابلة للتطبيق البشري ، من ان يشكلوا قوة لايستهان بها احتاجت الى قوة السلطة لتحويل قيمها الى قوانين نافذة ، مثلما احتاجت السلطة قدسية الدين لتدعيم ديمومتها عبر تحويل جزء من النصوص الدينية لخدمة الحاكم وسلطته ، لذلك كنتيجة لهذه العلاقة غير البريئة ظهر لدينا ما يصطلح عليه بالدولة الدينية ، التي يستغل فيها العامل الديني بشكل مباشر ويكون لرجال الدين فيها دور مميز وفاعل .
ان فكرة الدولة الدينية لا تقدم نفسها كنموذح جاهز موحد بل ظهرت من خلال نماذج مختلفة عبر الزمان والمكان والمجتمعات والثقافات ، فنماذج الدول الدينية في اوربا المسيحية تختلف عن نظيرتها الاسلامية او الهندية او الصينية اوتلك التي ظهرت في اسيا و افريقيا ، فكل منها كان له خصوصياته المميزة وان اشترك في عامل استغلال الدين في تدعيم سلطة الحاكم.
لقد سميت الدولة التي ظهرت بعد نبوة الرسول الكريم محمد ابن عبد الله (ص) في جزيرة العرب بالدولة الاسلامية والتي امتدت من اواسط اوربا غربا الى حدود الصين شرقا مستندة في بنائها على قيم الدين الاسلامي وتطبيقاته الشرعية التي تفاوت تطبيقها وفقا لهوى الحكام ومصالحهم الشخصية او الفئوية ، حيث كان الحكام يقربون الفقهاء والعلماء والمفسرين الذين يلتقون معهم في التوجهات ، ويضطهدون ما سواهم ، وكان للمفتي او قاضي القضاة او علماء الطوائف دور بارز في التاثير في السياسة العامة للدولة .
تقوم الدولة الدينية على الحكم بالتفويض الالهي ،وهي الدولة التي يتولى فيها الحاكم السلطة باسم الدين لا باسم الشعب حيث تزعم الطبقة الحاكمة انها تحكم نيابة عن الله او بتفويض منه ، لهذا تؤمن بعض الجماعات الاسلامية بمبدا عدم جواز الخروج على الحاكم باعتباره ولي الامر وهو خليفة الله او رسوله، وقد عرف التاريخ الانساني نوعين من الدولة الدينية :
1- الدولة الثيوقراطية : التي يعتبر فيها الحاكم نفسه ظل الله في الارض ، ولا يحق لاحد محاسبته او عزله باعتباره مفوض من الله .
2- دولة رجال الدين : عندما يتحالف الحاكم مع مؤسسة دينية ليحكم باسم الدين وتوفر له هذه المؤسسة الغطاء الشرعي ، فيعتبر كل من يعارضه خارجا على الدين .
الفكر الاسلامي فكر غني ومتنوع يتفق في الثوابت العامة ويختلف في الجزئيات الفرعية، لذلك لايمكن التاكيد على وجود قالب فكري اسلامي او راي موحد بشان تفاصيل وشكل الدولة ،بقدر ماهي اراء متعددة واحيانا متعارضة تنطلق من رؤى ومرجعيات اسلامية لا يمكن جمعها في سلة واحدة ، فقد شهد المجتمع الاسلامي ظهور العديد من الافكار التي اختصت بها جماعات معينة كميزة فكرية لها، منها ما هو قديم كالخوارج والشيعة والمرجئة والمعتزلة واصحاب الحديث والاحناف والشافعية والمالكية والحنابلة والماتردية والمتصوفة ، ومنها ما هو حديث نسبيا استطاع تطوير بعض الافكار القديمة مثل الوهابية والسنوسية و المهدية و البهائية والقادينانية والاخوان المسلمين و جماعة التكفير والهجرة والجماعة السلفية وجملة من الحركات الاخرى التي نعتت بالاصولية او الجهادية ، والمشترك بين هذه القوى والحركات والافكار انتسابها الى الاسلام رغم اختلافاتهم النسبية واحيانا تناقضاتهم وادعاء كل منهم الانتساب الى السلف الصالح واحتكار الفضيلة والخلاص النهائي .
ولم يعرف التاريخ الاسلامي وغير الاسلامي دولة دينية عادلة او رشيدة الا نوادر، وهي غالبا ما تقترن بالظلم والاستبداد، وتستند الى الغيبيات والتوجه الفكري الواحد في التفسير لاستنباط الاحكام العملية، وربطها بشريحة معينة من رجال الدين التي تسبغ على ارائها وتفسيراتها ورؤاها قدسية مستمدة من الله لايمكن للافراد تجاوزها او الاعتراض عليها ، اضافة الى رفضها الاخر المختلف او تهميشه .
لقد اتخذت النظم السياسية الاسلامية الحاكمة عبر التاريخ من سلطتها وجبروتها اداة لقمع كل من يفكر بالخروج عليها بالثورة او بالعصيان ، ولم تقتصر قوة السلطان على القمع بل عززتها بالتحالف مع بعض المؤسسات او الحركات الدينية التي روجت الى فكرة ولي الامر بشكل مشوه ، حيث اعتبرت الحاكم ظل الله في الارض وبالتالي فان حرمته مقدسة فوق اية محاسبة او مسائلة ، وقد راجت هذه الافكار منذ عهود الاستبداد الاموي والعباسي حيث اصطبغت بطابع ديني مقدس يحرم على المسلمين الخروج او شق عصا الطاعة باعتبارها من المبادىء العقيدية، الا ان دعوات قدسية الحاكم دينيا لم تستطع ان تكبح جماح المعارضة السياسية العنيفة في التاريخ الاسلامي ومحاولات الثورة او الانقلاب على الحكام التي نجح بعضها وفشلت اخريات .
على الرغم من انحسار فكرة الدولة الدينية في العصر الحديث لصالح اشكال اخرى علمانية ،مدنية ،ديمقراطية الا انها لم تنقرض تماما ،والنماذج المعاصرة لهذه الدول في السعودية وايران واسرائيل، خير دليل على خطورة الدولة الدينية على حرية المواطنين واراداتهم .
ان فكرة الدولة الاسلامية ذات المرجعية الدينية التي تطبق الشريعة وفقا للصورة النمطية للدولة الاسلامية القديمة في اذهان المتدينين ، ما تزال حلم يراود شرائح عديدة من الجمهور في البلدان العربية ، كما انه شكل هدفا مركزيا للعديد من قوى الاسلام السياسي المعاصر ، التي سعت الى تحقيقه بالدعوة السلمية او عبر حمل السلاح وتكفير الحكومات القائمة ، على الرغم من هيمنة القوى العلمانية على راس السلطة في اغلب البلدان العربية ، وانتشار القيم الليبرالية فيها منذ مايقرب من القرن من الزمان .
لقد شكلت متغيرات الثورات العربية التي انطلقت في تونس ومصر وامتدت الى بلدان عربية اخرى ، فرصة للعديد من القوى الاسلامية لاعادة احياء فكرة الدولة الدينية التي تستند الى الشريعة والحاكمية الالهية ومبدا الخلافة ، بدلا من الدولة المدنية الديمقراطية ،التي يحكمها دستور وقانون وضعي من صنع الافراد ، وقد تحول الموضوع الى سجالات وصراع بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة المدنية ، ومما زاد من حدته وصول القوى الاسلامية الى سدة الحكم بشكل غير مسبوق ، واستحواذهم على غالبية اصوات الناخبين وبالتالي هيمنتهم الفعلية على المؤسسات التنفيذية والتشريعية في الدول التي اجتاحتها التغييرات السياسية ، وبالتالي توجس الاخرين من قدرتهم على تغيير شكل الدولة من مدنية الى دينية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ذرائع واهية لإسطوانة قد سئمنا سماعها
سامي بن بلعيد ( 2012 / 9 / 25 - 07:10 )
فشلتم في الوصول الى الجماهير وثوراتها الربيعية التي تتمتع بشعارتها اليسارية الثورية الواضحة وذهبتم تعزفون على وتر ألأوهام الذي تعيشون عليه وتحاجون به أصحاب المفاهيم والمناهج الميتافيزيقية
أنا أتفكر كيف لو كان أولئك الميتافيزيقيين يمتلكون مناهج علمية منهجية ؟
إذا كانوا هزموكم بمنهج الخرافة فهذا دليل ضعفكم ودليل غيابكم عن الواقع وأنتم نائمين على العسل ومحافظين على الظاهرة الصوتية المُجرّدة
متى ستتعلمون وتقدمون مصالح الشعوب وإستقرارها على أوهامكم التي أرهقت الجميع ويقابلها أوهام ألإسلام السياسي
غيروا أنفسكم بما يتناسب ومصالح الشعوب وتعمّقوا في قراءة ألتأريخ لأننا نرى ألرأسمالية ألإستغلالية تسحب البساط من تحت أقدامكم وقد تدفعكم نحو العراء ألأبدي
تحيتي


2 - سامي بلعيد مخكم صخر عتيد
حميد كركوكي ( 2012 / 9 / 25 - 08:48 )
ثورات پترودولارية سعودية خريفية سوف تذهب الجميع مع بلعيد إلى جهنم وبإس المصير ، و معهم ال { السي آى إيه } !!!!


3 - الى جهنم وبئس المصير
سامي بن بلعيد ( 2012 / 9 / 25 - 10:35 )
تعرف تدعي بطريقة الوهابيين
الذين يريدوا تجميد عقليات الشعوب
التغيير عكس الجمود والموت
وسيمضي الى مرافيه النهائية مهما طالة المراحل ومهما كانت الصعوبات
تعرف لماذا
لأن زمن التخلف قد أنتهت صلاحية العمل بأفكاره
فحتمية الزمن الجديد صارت مُلحّة
يا من تنسبون كل ثورة تغيير الى الغرب الذي تتعبدون به

اخر الافلام

.. القوى الوطنية والإسلامية بفلسطين: ندين أى محاولة للنيل من مص


.. طريقة اختيار المرشد الأعلى في إيران.. وصلاحياته




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. بن غفير يقتحم المسجد الأقصى


.. وزير الخارجية الأردني تعليقا على اقتحام المسجد الأقصى: يدفع




.. وسط حراسة مشدد.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي يقتحم المسجد ا