الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاعبون بالنار

فريدة النقاش

2012 / 9 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


امتدت طوابير المنافقين للإسلام السياسي بعد وصوله إلي الحكم وشارك في هذا النفاق من كانوا في السابق يعارضون الإخوان المسلمين والجماعات السلفية بقوة.

وأخذ بعض المبدعين يتقربون إلي هذه الجماعات، ويغيرون الطابع الحداثي العلماني لخطابهم، ويفعلون ذلك إما من موقع الانتهازية الخالصة ابتغاء المكاسب، خاصة مع ارتباط بعض هذه الجماعات بالثروات النفطية، أو من باب الإيمان بأن برنامج الإسلام السياسي هو برنامج المقاومة الوحيد للاستعمار والاحتلال في منطقتنا وعلي الصعيد العالمي.

فإذا افترضنا حسن النية سوف نقول إن المبرر الآخر لمساندة مزيد من المثقفين والمبدعين للحركات الإسلامية وصولا حتي لتغيير خطابهم ورؤاهم وصبغها بهذا الطابع الديني الدعائي أحيانا، فهو تصورهم للمشروع الديني القائم باعتباره مشروعا لتغيير العالم إلي الأفضل.

ويبرز في أعمال هؤلاء ما نسميه بـ «البطل الإيجابي ذي طابع ديني»، وتتجلي تصورات هذا البطل عن التغيير وتتشكل رؤاه وإدراكاته علي اعتبار أن نموذجه قد قام في الماضي في زمن النبي – صلي الله عليه وسلم – ويعرف الأدب والسينما والمسرح والدراما التليفزيونية هذا النوع من الشخصيات بوفرة الآن.

ولا يندر أن تتراجع الأسئلة في هذا الإبداع بقلقها ونارها لتحل محل الأجوبة باطمئنانها وانطفائها، لأن صوت المثقف النقدي يجري إسكاته أمام اليقين الغلاب للرؤية الدينية الشائعة دون الرؤية الأخري الدينية أيضا لكن الصراعية الجدلية، ولهذا اليقين طابع شعبوي سحري عميق الجذور وراسخ، وهو يتمتع بقدرة هائلة علي إسكات أي صوت آخر لا في داخل المواطن العادي فحسب، وإنما حتي في داخل المبدع نفسه وينعكس ذلك سلبا علي البناء الفني ويلغي تعدد الأصوات من أجل الصوت المفرد.

لطالما قطع الوطن العربي بل والعالم الإسلامي الطريق علي مسيرة الإصلاح الديني، وهو الإصلاح الذي استهدف دائما إعلاء شأن العقل والتأويل ولم يستهدف أبدا كما يقول خصومه فصل الدين عن الحياة أو المجتمع، وإنما كان السعي دائما لفصل الدين عن العلم والسياسة والدولة، حتي لا يتلوث المقدس باليومي، ولا يتجمد اليومي بسبب المقدس.

وكلما كانت تبدأ مسيرة الإصلاح منذ «ابن رشد» قبل ثمانية قرون، وحتي الإمام «محمد عبده» في القرن التاسع عشر، وصولا لـ «نصر حامد أبوزيد» في القرن العشرين.. كانت القوي المحافظة والجامدة تدفع بها إلي الوراء، بل وتمارس ضغوطها لإجبار بعض هؤلاء المصلحين علي العودة إلي الخلف من حيث كانوا قد بدأوا.. إلي حظيرة النقل لا العقل ولنا مثل فيما نقوله الآن زغلول النجار عن العلاج ببول الإبل واعتزامه إنشاء مركز لمثل هذا العلاج ليصبح التراث العقلاني للثقافة العربية الإسلامية وفلاسفتها العظام تراثا مهجورا، بينما يجري علي قدم وساق إحياء كل ما هو ضد العقل والعلم والمنطق فيها، وبذلك فات ثقافتنا أن تجدد الفكر الديني لتنتج منه رؤية تحررية شاملة علي غرار لاهوت التحرير.

لعب كل من الانقطاع عن تراث الإصلاح الديني والإحياء لتراث النقل أدوارا مركزية في تشكيل ووعي ووجدان الشعوب وفي القلب منها المبدعون أنفسهم إلا قلة علي امتداد العصور، قلة اجترأت علي السائد وطرحت الأسئلة وشككت في الأجوبة الجاهزة، وخاضت معركة حرية الفكر والاعتقاد والتعبير بجسارة غير منكورة، وقدمت للإبداع العربي بعض أعظم أعماله علي كل المستويات ورأت أن النموذج الأمثل هو عملية تشكل دائمة ومتغيرة تتقرر في الحاضر والمستقبل وليس في الماضي، وتخاطب في المتلقي وعيه الناقد لا وعيه المشوه.

أما هؤلاء الذين يحرثون في الأرض دون تقليبها وتعريضها لضوء الشمس، فإنهم يبقون عابرين حتي لو كان إنتاجهم غزيرا، لأن بعضهم ينطلق فيما يخص انتشار الجماعات الدينية ليس من الرؤية الموضوعية لهذا الانتشار، وإنما من رؤية فحواها أن مشروع هذه الجماعات هو مشروع للثورة وللمقاومة وللتغيير، وهم لا يتوقفون أمام سؤال أي تغيير؟ وهل هو عملية ديناميكية تنهض علي حرية الفكر والاعتقاد وتحرير المرأة وإعمال مبدأ المواطنة والعدالة الاجتماعية، أم أنه تغيير يعود بنا للوراء لما قبل الحداثة وشروطها، وذلك فضلا عن أن هناك علامات استفهام بل وشكوك جدية في مشاركة قوي الإسلام السياسي في الثورة، وكتب الدكتور «كمال الهلباوي» أحد قادة الإخوان المسلمين والذي انشق بسبب رفضه لممارساتهم إن الإخوان المسلمين هم آخر من التحق بالثورة وأول من خرج منها.

وتدلنا الأدبيات والممارسات علي أن العودة إلي الوراء هي بالضبط مشروع الجماعات الإسلامية التي تري المرأة كائنا ناقصا وعورة، وأصحاب الديانات الأخري أهل ذمة، وأصحاب العقول النقدية كفرة، تفعل ذلك حتي وهي تستخدم أحدث أشكال التكنولوجيا لتبدو من الخارج كأنها في قلب العصر.


وواقع الأمر أن مثل هؤلاء المبدعين سواء انطلقوا من تبنيهم لرؤي هذه الجماعات من موقع انتهازي ارتزاقي، أو من تصورات تري فيهم قوة مقاومة وثورة وتغيير، إنما يلعبون بالنار التي ستحرقنا جميعا إذا لم يراجعوا أنفسهم، ويحللوا الواقع وموقفهم تحليلا صحيحا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا ليس عيب في الاسلام السياسي
روح الفكر ( 2012 / 9 / 26 - 12:11 )
قبل ان ادخل في الموضوع الجميع يذكر الاسلام السياسي لهذا هناك اسلام دعوي لماذا تهاجموا الدعاة حينما يتحدثون عن الاسلام وتتهمونهم بصنع الفتن طالما انكم لاتريدونهم في العمل السياسي فأتركوهم في عملهم الديني ثانيا...ماتقصدينهم هنا هم فئة الطبالين والزمارين هؤلاء يتلونون بكل لون سواء اعلاميين او سياسيين ايضا سوء مع الحزب الحاكم اوضده كما فعلوا مع مبارك عندما ساعدوه علي افساد البلد قفزوا من المركب وهاجموه ويوجد الان حرب طائفيه سياسيه بين الاحزاب المفلسه والا حزاب ذات الشعبيه وهو ما سيضر بالفكر السياسي لان الجميع يوجة افكاره ضد الاخر وليس لمصلحة البلد وهو ما ينبء بثورة شبابية ترفض كل هؤلاء ثم سيتبعها ثورة الجياع


2 - الماضى القريب
حاتم حسن ( 2012 / 9 / 26 - 15:18 )
كلام الكاتبه به ظل من الحقيقه
ولكن ماذا عمن دعموا التشكيل العصابي بزعامه مبارك بلعب دور الكومبارس
اليساري لمسرحياته الديمقراطيه وانتخاباته الهزليه
لماذا يفقد بعض الكتاب فضيله النقد الذاتي قبل توجيه سهام النقد للغير
ولماذا يراهنون علي ضعف ذاكره الناس
لماذا يعجزون عن رؤيه خطاياهم قبل ترصد اخطاء الاخرين


3 - الأستاذة فريدة النقاش المحترمة
ليندا كبرييل ( 2012 / 9 / 26 - 15:58 )
إنهم القوة الوحيدة في البلاد التي يمكن للغرب أن يعتمد عليها ، من هنا كان انضمام بعض الفئات إليهم للمصلحة وابتغاء المكاسب
مذهب النفعية عرف في تاريخنا قبل الغرب ، وإن كانت النظرية جاءت من الغرب فإن البرهان جاء من عندنا على صحتها ، هؤلاء يلعبون حتى لو كان على حساب الوطن مع أن الزمن في أعلى درجات الجدية
يبقى الأمل فيكم أن يبدد نوركم الظلمة والوحشة التي نعيشها
تفضلي تقديري واحترامي


4 - اللاعبون بالنار
ناس حدهوم أحمد ( 2012 / 10 / 17 - 18:59 )
الحداثة هي ما يحتاج إليه العالم العربي فالتاريخ قادر على إنارة الطريق لنا حتى نستطيع أن نرى الأمور على ضوء المستجدات الإيجابية التي
نحتاجها أما ما يحدث الآن من طمس للحقائق التاريخية فذلك له معنى
واحد وهو الحرب الأهلية وتكريس الفتن والتخلف
فالتاريخ يشرح لنا كيف تخلفنا عن الركب الحضاري للأمم المتقدمة
والسبب واضح وهو عدم فهمنا للدين الصحيح و خلطه بالسياسة فتاريخنا كله حمام دم منذ وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
فبدلا من الإصلاح الديني أصبحنا نهفو نحو الخلف بسبب تخلف
شعوبنا العربية والإسلامية وعدم إلمامها بالحقائق التاريخية إضافة
إلى عدم وجود حكام صالحين يقودون البلاد نحو شاطىء النجاة
وها نحن نتقدم نحو تغيير حكام فاسدين قدماء بحكام فاسدين جدد

اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب