الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدين.. رؤية أخري

رفعت السعيد

2012 / 9 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لعل الكثيرين لا يعرفون قصة المفكر السوداني محمود محمد طه وقصة جماعته «الإخوان الجمهوريين» وكيف عصف حكام السودان بالرجل وبجماعته واتهموهم بالكفر والارتداد وحكموا علي محمود محمد طه بالإعدام ونفذوا فيه الحكم فعلا بعد أن استتابوه وطلبوا منه أن يتوب عن أفكاره فرفض وتمسك بكل ما قال، وبعد رحيله نهض واحد من أتباعه ليصدر كتابا بالإنجليزية بعنوان «نحو تطوير التشريع الإسلامي» والمؤلف هو الدكتور عبدالله أحمد النعيم الذي أراد أن يسير علي هدي أستاذه وأن يفضح دعاوي حكام السودان المتأسلمين لدي الرأي العام العالمي ، وقد ترجم الكتاب إلي العربية، الأستاذ حسين أحمد أمين الذي قال في مقدمته للترجمة «إن كثيرا مما تخاله من الدين هو من نتاج حسابات تاريخية واجتماعية معينة ومن إضافات بشر في حقبة متعاقبة، وقد كان من شأن هذه الحسابات والإضافات أن أسدلت حجابا كثيفا علي جوهر الدين وحقائقه الأساسية الخالدة، فإن الرسالة الدينية بحقائقها العالمية والخالدة لا يمكن أن تبلغ لمجتمع معين في حقبة تاريخية محددة وهو ما يجعل من المحتم أن تدفع الرسالة ثمن ذلك في صوره الدخيل المؤقت، والعارض المحلي، أي غير الجوهري وغير الأساسي، فلو أن الرسالة الخالدة لم تراع جهاز الاستقبال لدي من تسعي إلي مخاطبته والوصول إليه، لضاعت في الأثير واستحال التقاطها، أما المؤلف فقد كتب في مقدمة الطبعة العربية «المنهج الإصلاحي المقترح إنما يقف في المكان الأول والأخير علي القرآن الكريم والسنة النبوية باعتبارهما الأصل الأصيل لأي فكر أو تشريع إسلامي في أي زمان ومكان.

إلا أن البداهة تقول بأن المصادر الإلهية لم ولن تجد سبيلها إلي التطبيق العملي في سلوك المسلمين وإدارة أمورهم إلا عن طريق الفهم البشري، فالله – سبحانه وتعالي – لا يشرع لكماله هو وإنما لقصور البشر، وسبيله إلي ذلك هو مخاطبة عقولهم بالفهم الذي يتصاعد بحياتهم إلي قيم الإنسانية الرفيعة، وتقودنا هذه الحقيقة الظاهرة من النص الصريح للقرآن، إلي إدراك أن الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تقوم إلا علي أساس الفهم البشري للوحي الإلهي، وتقود هذه البداهة إلي خلاصة لازمة وهي أن فهم المسلمين للمصادر الإلهية للتشريع الإسلامي لابد أن يختلف باختلاف الزمان والمكان».

ثم يتساءل المؤلف «فإذا كان فهم الوحي ومن ثم تطبيقه العملي لا يتم بل لا يمكن أن يتم إلا من خلال الفهم التاريخي البشري، فمن أين يأتي القول بتغيير الشريعة الإسلامية بفهم المسلمين الأوائل لها، هؤلاء الأوائل الذين عاشوا في إطار تاريخي يختلف جذريا عن الإطار التاريخي الذي تعيشه اليوم..» ثم يمضي ليقول «ومن الواضح عندي أن مبعث هذه المغالطة هو حرص فئات من الصفوة علي احتكار حق فهم الوحي الإلهي وتسخير هذا الفهم لخدمة مصالحها الدنيوية، ويستوي في ذلك حكام الأمس وجماعات الإسلام السياسي الحالية فغاية هؤلاء وأولئك هي السلطة السياسية، ومن ورائها شهوة الحكم والكسب المادي، فإذا كان الأمر بالوضوح الذي أراه، فمن أين يأتي هؤلاء الأدعياء باحتكار المعرفة ودلالات الوحي؟ بل ما هو السبيل إلي خلاص المسلمين من دعاوي الكهنوت والوصاية هذه؟» ثم يلخص المؤلف أهدافه قائلا «الغاية من هذا الكتاب هي التأسيس الموضوعي لمطالبتي لعامة المسلمين والمتعلمين منهم خاصة، بمنازعة أدعياء الوصاية والاحتكار لفهم الدين، وغاية الكتاب الثانية هي مساهمة عملية في ممارسة حق وواجب الفهم البشري المعاصر للوحي الإلهي» فهم معاصر مثل ماذا؟ يجيب المؤلف وبوضوح «التمسك الكامل بضمانات حقوق المواطنة وحقوق الإنسان للجميع، من غير أي نوع من التمييز بين المسلمين وغير المسلمين، وبين الرجال والنساء في المجتمع، كما أدعوا إلي تأسيس هذه الضمانات في الفهم الإسلامي بحيث يتقبلها المسلمون من منطلق اعتقادهم الديني».

وهنا تتضح الحقيقة..

فالمتأسلمون في السودان ربما لم تزعجهم أسس الفكرة التي دعا إليها محمود طه وجماعته وإنما أزعجتهم النتائج المترتبة عليها..

> رفض احتكار حفنة من المتأسلمين للوصاية علي فهم المسلمين لإسلامهم.

> التمسك الكامل بضمانات حقوق الإنسان.

> التمسك بضمانات حقوق المواطنة للجميع.

> رفض التمييز بين المسلمين وغير المسلمين.

> رفض التمييز بين النساء والرجال.

.. ولأنهم يرفضون ذلك كله ويمارسون عكسه خلال تحكمهم في السلطة فقد اعتبروا صاحبها مرتدا.. وأعدموه.

إنها دروس التحكم المتأسلم في السلطة، ودروس النضال ضده دفاعا عن حقوق الإنسان وحقوق المواطنة مهما كانت التضحيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عدم صلاح حكم الاسلاميين
حكيم فارس ( 2012 / 9 / 26 - 12:26 )
السيد الكاتب المحترم
يكفي ان هذا الانسان الذي توصل لتلك النتائج التي لا يختلف على انسانيتها اثنان
يقوم الاسلاميين باعدامه فهو دليل قاطع على عدم صلاحية هؤلاء للحكم


2 - فعلا
اسامة على عبد الحليم ( 2012 / 9 / 27 - 10:47 )
الحركة الجمهورية حركة عالمية ترى ان اسلام القرن السابع لاينفع لانسان القرن العشرين
ويرون ان الجهاد والزكاة وتعدد الزوجات والحجاب ليست اصولا فى الاسلام, وان الصلاة نفسها قدترفع من الانسان الذى يرتقى بها وويتحول الى انسان كامل, وان الاسلام ارفع فى الدرجة من الايمان
هل هذا هو الدين ؟ ان تنكر المعلوم منه الدين بالضرورة؟ هل تحارب الاسلام السياسى ام انك ضد التدين على الاطلاق؟
ومع ذلك فان قتل السيد محمود محمد طه يبقى جريمة لن ينساها التاريخ لحركة الاخوان المسلمين الابالسة

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah