الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفية ومستقبل المسلمين

أحمد عصيد

2012 / 9 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تتناسل التنظيمات السلفية في ظل الحراك الشعبي والدعوة إلى التحرّر وإسقاط الإستبداد وبناء الديمقراطية، والمثير للإنتباه أن هذه التنظيمات التي تظل أقليات صغيرة، تريد الحرية لنفسها والحجر على غيرها، لأنها ترى أن حرية غيرها تتعارض مع قيمها الخاصّة وتمثل "استفزازا لمشاعرها". يريد السلفيون مكانا لهم في الديمقراطية دون أن يعترفوا بها، يريدون أن يأخذوا من ثمرات عصرهم دون أن يعطوا شيئا في مستوى ما أخذوا.
يدلّ هذا بوضوح على استحالة فهم الإسلاميين المتشدّدين لمعنى الحرية، لأنهم لا يفصلون بين الحرية وفكرة نقاء العقيدة التي يتبنونها، أو فكرة "الدين الصحيح" التي يؤمنون به إيمانا مطلقا ولكنه إيمان مدمّر. بينما تتسم فكرة الحرية بنسبيتها، وبطابعها الإنساني وفق التعبير التالي: لا يمكن أن أشعر بالسعادة وأنعم بحريتي ما دام الآخر مقموعا، السلفية تقلب هذا المعنى رأسا على عقب، تنزع عنه طابعه النسبي والإنساني، فيصير على الشكل التالي: لا يمكن أن أشعر بالسعادة في حريتي ما دام الآخر مختلفا عني". ولهذا لا يهمّ السلفي أن يكون حرا ليعيش تدينه في حياته الخاصّة ويمارس شعائره كما يريد، فردا أو مع الجماعة التي ينسجم معها، بل يظلّ مهموما باختلاف الآخرين عنه، الهمّ الذي يتحول بالتدريج بسبب لا مبالاة الآخرين به، إلى كراهية وحقد ثم إلى نزعة إجرامية.
مكمن الخلل في تفكيرالسلفيين هو أنه يستلهم بداوة الفكر الوهابي المحدود في مجتمع عصري منفتح، ويقترح منظومة قيم مغلقة ومنتهية بشكل ماحق في عالم يضجّ بالمعنى في كل الإتجاهات، حيث المعرفة انفجار يومي هائل، والإبداع خاصية العقل العلمي المعاصر.
أصل الحكاية أن السلفي من أتباع محمد بن عبد الوهاب لا يمكن أن يرى العالم إلا بلون واحد، ففكرة "البدعة" تجعل كل سلوك مختلف عن "الضوغما" خارج الشرعية، ولا يمكن قبوله، كما أن الإيمان لا يمكن حصره في دائرة الإختيار الفردي لأن هذا لا يمكّن من "الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" باليد أو باللسان أو بالقلب.
لا يفطن السلفي إلى أن معاني "المنكر" و"المعروف" قد تغيرت، كما أنه لا يقبل ذلك حتى ولو فطن به وأدركه، لأن السلفية تعني إلغاء التاريخ، عبر الإقتداء بـ"السلف" الذين عاشوا عصرا غير عصرنا وزمانا غير زماننا.
ترسم هذه الجماعات المتشدّدة مستقبل الإسلام والمسلمين الكالح، والذي يمكن اختزاله في عبارة سبق أن طبعت تاريخ المسلمين كله بطابع مأساوي مظلم وهي "الفتنة الكبرى"، فالذي أبدع المذهب الوهابي ووضع أسسه وأرسى مبادئه وعمل على تمويله ونشره عبر العالم هو أكبر عدو للمسلمين اليوم بلا منازع، لأنه المذهب الذي يستحيل أن يترك المسلمين على حال من الاستقرار الذي يسمح بالنهضة أو التقدم أو التنمية، بل إن هذا المذهب سينتهي حتما بالمسلمين إلى الإقتتال والمذابح، وهي نفس الصورة التي انطلقت بها الوهابية نفسها في جزيرة العرب قبل قرنين عبر جنون القتل والإحراق والتخريب.
من المستفيد يا ترى من هذه الخطة الجهنمية ؟ المفارقة أن أول مستفيد هو الغرب وإسرائيل اللذين يناصبهما السلفيون العداء (ظاهريا على الأقل)، فإسرائيل ستتحوّل من موقع الدفاع إلى موقع المتفرج على فِتن المسلمين وفضائحهم، والخوف الذي لدى الغرب من التطرف الإسلامي سيقلّ، لأن هذا التطرف سيرتدّ في نحور المسلمين وداخل مجتمعاتهم، بعد أن كان عنفا مهاجرا في أوروبا وأمريكا بسبب ملاحقة المتشدّدين الدينيين من طرف الأنظمة السابقة، لكن صعود نجم الإسلاميين في عالم السياسة سيجعل هؤلاء المتطرفين يعودون إلى بلدانهم تحت وهم إقامة "الخلافة"، مما سيحذو بالغرب إلى إغلاق أبوابه على عالم مليء بالفوضى، وفي نفس الوقت، سينتظر أن يسحق المسلمون بعضهم بعضا ليعرفوا من منهم على "الدين الصحيح"، وطبعا لن يعرف المسلمون أبدا من على "الدين الصحيح"، لأنّ المشكل في الحقيقة، هو أن الدين الصحيح هو ما يؤمن به كل واحد إيمانا عميقا، وهذا يعني عدم إمكان حل المشكل بين المسلمين، كما لم يكن ممكنا حله بالإقتتال بين البروتستانت والكاثوليك قبل قرون، ولا شيء يمكن أن ينقذ هؤلاء غير ما أنقذ الغرب آنذاك، وهو العلمانية، أي حياد المؤسسات في موضوع الدين، واعتبار الإيمان أمرا شخصيا لا دخل للجماعة أو للسلطة فيه، وإرساء تنظيم المجتمع على قوانين محايدة تضمن الحق والعدل للجميع في إطار المساواة التامة، مهما كان دين الفرد أو عرقه أو لونه أو لغته، لكن معركة السلفيين حسب ما يقولونه هي ضد هذه العلمانية بالذات، وهو ما يعني استحالة الخروج من النفق،إلا في حالة وقوع السيناريو الأكثر تفاؤلا: صحوة الجماهير الشعبية وهبّتها ضدّ السلفية والتطرف الديني كما حدث في ليبيا في مواجهة "أنصار الشريعة".
وإلى أن يفهم المسلمون موطن الداء في عالمهم، نقول للمتطرفين الذين ينظرون شزرا إلى من يخالفونهم في الملة أوالرأي أوالمذهب أوالذوق، سلاما سلاما !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما الحل استاذي احمد؟
رويدة سالم ( 2012 / 9 / 27 - 12:14 )
شكرا استاذي على الشرح الواقعي لفكر السلفيين لكن في المقابل كأفراد لا نقبل بان نكون سلبيين في مجتمعتنا هل عينا ان نقول لهم سلام سلام يا سلفيين أم نكتفي بالتنديد أم نخفي رؤوسنا كنعامة في الرمل بانتظار الانفجار العظيم؟
ما الذي يمكن ان نقدمه للخروج من عنق الزجاجة خاصة وأن المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والحركات اليسارية -الكافرة- تقف عاجزة عن مواجهة الارهاب الفكري والمادي للسلفيين فهل علينا ان ننتظر الى ان يراق الدم وينجح هذا الفصيل او ذاك ثم هل علينا ان نعيش ما عاشته اوروبا في صراعها لاثبات ان العلمانية هي الحل؟
مودتي


2 - اصالة الفكر الوهابي
عبد الله اغونان ( 2012 / 9 / 27 - 23:17 )
يعتمد فكر الوهابية على الكتاب والسنة هو نفسه فكر ومنهج الامام مالك الذي بعتنقه المغاربة كمذهب ونفس الشيئ نجد تحالف العلماء مع السلطة قديما وحديثا هناك او هنا
التنظيمات السلفية اقليات صغيرة لاادري عماذا تعتمد الخريطة السياسية تقول العكس فحزب الاستقلال حزب سلفي في التصور على الاقل وحزب العدالة سلفي في العمق وجماعة العدل والاحسان سلفية وهناك تشكيلات سلفية كثيرة منها الشعبية بل والرسمية
الوهابية ذات اصالة وليست هي بالضبط النظام السعودي الذي تعادونه انطلاقا من النزعة اليسارية
الكلاسيكية في حين لم تكونوا تعادون الانظمة الدكتاتورية الحاملة ليافطة اليسار كا البعث عراقيا كان ام سوريا


3 - اصالة الفكر الوهابي
عبد الله اغونان ( 2012 / 9 / 27 - 23:17 )
يعتمد فكر الوهابية على الكتاب والسنة هو نفسه فكر ومنهج الامام مالك الذي بعتنقه المغاربة كمذهب ونفس الشيئ نجد تحالف العلماء مع السلطة قديما وحديثا هناك او هنا
التنظيمات السلفية اقليات صغيرة لاادري عماذا تعتمد الخريطة السياسية تقول العكس فحزب الاستقلال حزب سلفي في التصور على الاقل وحزب العدالة سلفي في العمق وجماعة العدل والاحسان سلفية وهناك تشكيلات سلفية كثيرة منها الشعبية بل والرسمية
الوهابية ذات اصالة وليست هي بالضبط النظام السعودي الذي تعادونه انطلاقا من النزعة اليسارية
الكلاسيكية في حين لم تكونوا تعادون الانظمة الدكتاتورية الحاملة ليافطة اليسار كا البعث عراقيا كان ام سوريا


4 - تنميرت على هذه المقاربة
محمد أغ محمد ( 2012 / 9 / 28 - 19:00 )
مقاربة ذكية جدا، وتحليل رائع لأيديولوجية شديدة التعقد، والتعقيد، وتناقضات السلفية مع الواقع، ومع أنفسهم تربي على الحصا، ويدعون على الغرب بالزوال في المساجد عبر -ادوات صنعها الغرب- -الميكرفون-، والدمار عبر وسائل من يد الغرب -النت/ التلفاز !!!- ..
مثلما يكفرون الديمقراطية التي يطلبون من العالم تقبلهم بدليل الديمقراطية!!!!
فلو مات الغرب كله بإعصار كما يدعون آناء الليلو أطراف النهار لما صولتنا أصواتهم المزعجة، ولما وصلتنا كتبهم الفارغة!

اخر الافلام

.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س


.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية




.. 131-An-Nisa