الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المدنية ومازق الاسلام السياسي في مصر

محمد فاضل نعمة

2012 / 9 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ربما يعتقد البعض ممن لم يقرأ التاريخ المصري المعاصر ان الصراع بين دعاة الدولة المدنية ودعاة الاشكال الاخرى للدولة ، الدينية منها والعسكرية ، ترجع الى تداعيات ثورة 25 يناير ، وهذا بالطبع اعتقاد خاطىء، فقد ثار الصراع حول ماهية الدولة قبل ذلك عام 1924 في عهد الملك فؤاد في اطار سعيه لنقل الخلافة الاسلامية التي كان يمثلها السلطان العثماني الى مصر بعد انهيار الدولة العثمانية والغاء الخلافة فيها من قبل اتاتورك ، ولم يكن واضحا حينها للكثير من المصريين مدى التغيير الذي يمكن ان يحدثه ذلك على طبيعة الدولة اذا نجح الملك فؤاد في مسعاه ، الا ان قسم من النخبه السياسية والثقافية المصرية في تلك الفترة وقفت بوجه هذا المشروع ، عندما ادركت ان الخلط بين السياسة والدين ماهو الا نوع من الانتكاس لمشروع الدولة العصرية المصرية التي تمثل التوجهات المدنية والانجازات التي تحققت في ظلها للمواطنين ، ومعروف في هذا الصدد دور الشيخ الازهري علي عبد الرازق الذي انكر من داخل المؤسسة الدينية علاقة الدين بالحكم او السياسة ، نافيا ان تكون خلافة الراشدين في حينها خلافة دينية ، وقد اثار موقفه هذا سخط القصر الملكي عليه ، وذهب بنفس المذهب في الدفاع عن الدولة المدنية المفكر طه حسين في رفضه الربط بين السياسة والدين في الحكم ، وقد اتهمه معارضوه بالترويج للخط التغريبي في الفكر العربي .
لقد عانت مصر في السنوات الستين الاخيرة من ضبابية في طرح مفهوم الدولة المدنية نتيجة لمعاناتها من اشكالية حقيقية في توصيف الحريات العامة والفردية بعد تاسيس النظام الجمهوري فيها ،حيث كان النظام السياسي يسمح ببعض الحريات السياسية مثل تشكيل الاحزاب وتاسيس الصحف واجراء الانتخابات البلدية والبرلمانية ،لكن هذه الحريات كانت مشروطة بعدم كشف عورات السلطة وتصرفاتها الخاطئة مما أفرغها من محتواها الحقيقي ، وكذلك الخلط الواضح والمتعمد ما بين مفهومي الوطن والسلطة ، حيث يتوحد الوطن والحاكم او السلطة في بوتقة واحدة، بشكل يعد معه انتقاد السلطة ورموزها اعتداء على الوطن وامنه القومي ومصالحه العليا ، ويدخل الفعاليات السياسية في اطار نظرية التخوين ،لذا كان النظام السياسي في مصر ينظر الى الخطر الداخلي باعتباره ذو اولوية على الخطر الخارجي وبالتالي فان اليات تقييد الحريات العامة والصحافة وتزوير الانتخابات وتلفيق التهم للمعارضين كان ممارسة ممنهجة وجزء من السياسية العامة ، مما اوجد تناقضا اخلاقيا واضحا بين شكل الدولة ونظامها الذي يمكن اعتباره مدنيا، وبين مضمونها او طبيعة علاقتها الداخلية التي كانت بعيدة عن مدنية الدولة .
غالبا ما كان النظام السياسي في مصر يمارس لعبة التوازنات مستفيدا من حالة التنافر والصراع بين القوى المدنية ومعارضيهم الاسلاميين ، لتقوية موقفه ، ومحاولة ابعاد الطرفين عن المشاركة في اتخاذ القرارات او تقليل فرصهما في توليد ضغط على النظام لتمرير اجندتهما ، لذا لجا النظام الى تغيير الادوار المستمر في تقريب طرف وابعاد الاخر ، واللعب على مشاعر خوف كل طرف من الاخر ، لتحقيق مكاسب مرحلية تديم استمراره في السلطة ، وتعد قضية اعادة صياغة المادة (2 ) من الدستور المصري ابان حكم الرئيس السابق انور السادات خير دليل على هذه السياسة ، ويرى العديد من الباحثين ان المادة (2) من الدستور المصري التي صيغت مطلع سبعينيات القرن الماضي، والتي اعتبرها البعض مؤشر على تدهور واقع الدولة المدنية المصرية حيث اضيفت ( ال) التعريف الى كلمة مصدر رئيسي لتتحول الى ( مبادىء الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي..)، وكان هدف السادات من هذا التعديل وفقا للخبراء الدستوريين هو زجه مع مجموعة اخرى من التعديلات ومن بينها بقاء الرئيس مدى الحياة لاستمالة الشرائح المتدينة في الشارع المصري ، لذا يعتبر العديد من الباحثين ان وجود هذه المادة كان طعم لاغلب الشعب المصري المتدين ليوافق على التعديلات .
وفي ذات الوقت لا يمكن الاقرار بوجود خط واضح الملامح يفصل فصلا تاما بين القوى السياسية المصرية من دعاة الدولة المدنية ومعارضيهم د ، حيث قد تختلف هذه القوى حول مفهوم الدولة ، لكنها قد تجتمع على موقف واحد في موضيع اخرى مثل المطالبة بحقوق فئات معينة او تغيير النظام او ايه قضية اخرى ، وخير مثال على ذلك موقف الاخوان المسلمين ، فعلى الرغم من ان ادبياتهم وبالاخص اراء مؤسسها حسن البنا التي ترى ان الخلافة الاسلامية هي النظام المنشود للاخوان باعتبارها رمز للوحدة الاسلامية وانها شعيرة اسلامية ،وان التوجه نحو الدولة الدينية التي تتخذ من الشريعة الاسلامية عماد لها هي حتمية شرعية وتاريخية، وبذلك هم يختلفون مع العديد من القوى السياسية الليبرالية والعلمانية المطالبة بدولة مدنية ، الا انهم كانوا حاضرين في سياق المطالبة بالاصلاح والتغيير ويشاركون في انشطة حركة كفاية ويتحالفون مع الاشتراكيين الثوريين ويغازلون الحكومة ويلوحون للمرشحين بالانتخابات الرئاسية على قدرتهم على تقديم الدعم والمساندة.
لقد ساهمت المتغيرات على الساحة السياسية المصرية لمرحلة ما بعد ثورة 25 يناير في زيادة حدة الاستقطابات مابين دعاة الدولة المدنية ومعارضيها ، وخصوصا مع صعود تيار الاسلام السياسي الى قمة المشهد السياسي المصري واتساعه ليشمل قوى اكثر راديكالية لم يكن يسمح لها بالعمل العلني على الساحة ،وتداخل اجندات القوى السياسية المدنية منها والدينية مع اجندات وارتباطات ومصالح خارجية اقليمية منها او دولية .
يرى العديد من قوى الاسلام السياسي في مصر من سلفيين واخوان ان تقسيم الاسلام الى اسلام سياسي وغير سياسي او اسلام معتدل وراديكالي بدعة في حد ذاته، فالاسلام من وجهة نظرهم هو الدين الذي رضي به رب العباد، بما فيه من عقائد وعبادات وتشريعات ومعاملات ، ويرون في هذا التهجم من قبل خصوم الاسلام السياسي بانه استهداف للاسلام ،ونوع من الاستبداد الفكري الذي يمارسه العلمانيون من خلال فصل الاسلام عن الحركة الاسلامية ، وفي المقابل يمارس بعض الاسلاميين نفس الاستبداد تجاه خصومهم، الى الحد الذي يدفع بالسيد صبحي صالح القيادي في جماعة الاخوان المسلمين المصرية، حد النفي لكل التيارات الفكرية غير الاسلامية بقوله ( لا يوجد مسلم ليبرالي او مسلم يساري وانما يوجد فقط مسلم ) ، متهمين الفكر العلماني بفرض فكره على الناس قسرا وممارسة نوع من الوصاية ، وان الحديث عن الدولة المدنية هو منهج علماني وان تبناه بعض الاسلاميين، وهذا المنهج يحاكي الفكر الغربي في ماهية السياسة ،وانه من الخطا وصف الدولة الاسلامية تاريخيا بالدولة المدنية لان الاخيرة تنكر حق الله في التشريع وتجعله مختصا بالناس، ويرى العديد من الدارسين لموقف الاسلام السياسي من الديمقراطية، ان رفض المنظور الاسلامي للديمقراطية الغربية ارتبط بالتجربة العدائية بين العالمين الاسلامي والغربي ولم يكن نتاج تمحيض وتدقيق بالمضامين .
ينطلق الاسلاميون في تقييمهم لدعوات الدولة المدنية التي يتبناها العلمانيون بوجود ازمة حضارية للخطاب العلماني تحاول ايجاد شرعيتها ووجودها من خلال نقل التجربة العلمانية الغربية الى المجتمعات الاسلامية، وان النخب العلمانية لا تعبر عن الدولة المدنية بقدر ما تتكلم عن الدولة العلمانية ، دون مراعاة للخصوصية الثقافية والاجتماعية ،مؤكدين ان مفهوم الدولة المدنية هو احد المفاهيم التي يروج لها العلمانيون باعتبارها نقيض للدولة الدينية وبالتالي هي نقيض للدولة الاسلامية ، معتبرين ان الدولة المدنية كانت السبيل لنهضة اوربا من خلال فصل الدين عن الدولة ، وبالتالي فان هذه الشروط النهوية الغربية لا تنطبق على العالم الاسلامي من حيث الظروف والاليات ، لانها جاءت كرد فعل على تحالف الكنيسة مع الحكام المستبدين منذ ايام الدولة الرومانية ، عندما منح الحاكم قدسية لا يجوز الاعتراض عليها اومخالفتها بموجب عقد ضمني بين الطرفين تضمن :
1- ان الحاكم يتولى السلطة بامر من الله وليس باختيار الشعب ( التفويض الالهي ) مستمدا شرعيته من الله ، وبالتالي عدم جواز الاعتراض عليه.
2- سلطة رجال الدين في هذه الدولة واسعة فهم يمثلون المعرفة المطلقة والوساطة بين الله والناس وهم حفظة الاحكام المقدسة وهم مسؤولون عن تحديد المعتقدات الاساسية وبطلانها .
3- الاعتراف بدين واحد في الدولة واستبعاد باقي الاديان ، بل وصل الامر حد استبعاد باقي المعتقدات الاخرى في الدين الواحد ايضا .
ويرى العديد من الاسلاميين ان هناك مشكلتين رئيستين تتقاطع مع توجهات انصار الدولة المدنية، المشكلة الاولى تكمن في الاليات ادارة الدولة التي يعتقد الاسلاميين انها لا بد ان تتم عبر ركيزتين اساسيتين وهما الحاكمية الالهية ومبدأ الخلافة، حيث شكل مفهوم الحاكمية الالهية الذي ابتدعه المفكر الاسلامي الهندي ابو الاعلى المودودي الاطار النظري للاسلام الراديكالي المعاصر ، الى جانب طروحات سيد قطب في هذا المجال التي تبنتها حركات الاسلام السياسي التي ترى ان هدف المسلم الدنيوي الرئيس ، يكمن في مقاتلة الدولة الكافرة والجائرة واستبدالها بدولة اسلامية، في حين شكل نظام الخلافة في فكر قوى الاسلام السياسي على اختلاف مسمياته الراديكالي منه والمعتدل شعيرة دينية ذات قدسية مرتبطة بشكل وبناء الدولة الاسلامية ..اما المشكلة الثانية فتكمن في الشروط والمواصفات التي ينبغي توافرها في من يولى الامر ، فهل تكون شروط الحاكم عند دعاة الدولة المدنية ان يكون مسلما ، ام يجوز ان يكون كافرا ، ما دام انه يتمتع بصفة المواطنة ؟ وهل يشترط عندهم ان يكون صالحا تقيا ام يجوز ان يكون فاسقا عصيا لرب العالمين ؟ وهل يشترط عندهم ان يكون رجلا ام يجوز تولي المراة ولاية الامر ؟، وفي المقابل فان القوى السياسية الاسلامية تقبل بمفهوم الدولة مهما كانت تسميتها ، مدنية او غير ذلك مادامت تحافظ على برنامج الحد الادنى من الثوابت الذي يرضى بها او توافقت عليها قوى الاسلام السياسي المتمثلة:
1- احياء العمل بالكتاب والسنة.
2- الانتصار لفكرة الحاكمية الالهية دون تدخل بشري.
3- الالتزام الصارم والانضباط المتمثل في الطاعة.
4- التحرك العملي الذي يتجاوز الوعظ والارشاد.
5- الذروة العليا هي الجهاد.
6- الفرق الاسلامية الباطلة ( من وجهة نظرهم ) خارج الحسابات.
ويبرر بعض الاسلاميين المشاركة بالعملية الديمقراطية على انها وسيلة مؤقتة لتبرير غاية قصوى تتمثل في اقامة الدولة الاسلامية ، ويثير هذا الطرح حفيظة الليبراليين والعلمانيين من نوايا الاسلاميين في الاستيلاء على السلطة ، وخصوصا مع قدرة الايدلوجية الاسلامية على تحقيق هذه الغاية عبر صناديق الاقتراع لاسباب مرتبطة بطبيعة المجتمع العربي ذاته حيث يمثل الدين مكانة متميزة في فكر الافراد ، كما يساهم انتشار الفساد وغياب العدالة في نظم عربية حسبت على العلمانيين والليبراليين مبررا اضافيا لتصويت المواطنين لرموز الحركة الاسلامية وان لم ينتموا اليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القوى الوطنية والإسلامية بفلسطين: ندين أى محاولة للنيل من مص


.. طريقة اختيار المرشد الأعلى في إيران.. وصلاحياته




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. بن غفير يقتحم المسجد الأقصى


.. وزير الخارجية الأردني تعليقا على اقتحام المسجد الأقصى: يدفع




.. وسط حراسة مشدد.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي يقتحم المسجد ا