الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المثقف والسلطة والمصالحة الوطنية

شاكر الناصري

2012 / 10 / 1
المجتمع المدني


رعاية رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عُقِدَ في بغداد مؤتمر تحت عنوان (المثقف والمصالحة ). حضره عدد من فناني وأدباء وأكاديميي العراق حسبما تقول جريدة الصباح الممولة من الحكومة العراقية .

يأتي عقد المؤتمر في ظل أوضاع وصراعات سياسية حساسة، تنذر بالكثير من العواقب. هذه الأوضاع هي حصيلة صراعات القوى والأحزاب السياسية التي وصلت الى الحكم في العراق بعد إسقاط نظام البعث الفاشي بفعل الحرب والاحتلال الأمريكي للعراق.

نظرة سريعة على مشروع المصالحة الوطنية الذي انطلق منذ عدة سنوات ستكشف لنا انه لم يكن سوى مشروع من أجل دمج أعضاء وكوادر حزب البعث في دوائر ومؤسسات الدولة، العسكرية والأمنية والخدمية، من أجل الحد من مشاركاتهم في اعمال العنف المسلح والعمليات الإرهابية التي لم تتوقف وكذلك لدفعهم للمشاركة في ما يسمى بالعملية السياسية. ولذلك لم تكن المصالحة مشروعا من أجل إعادة دمج مكونات المجتمع العراقي وفق هوية محددة أو مشروعا لتعزيز قيم المواطنة واتخاذها كهوية أساسية قادرة على إنقاذ العراق من مخاطر كثيرة.

الشعوب والبلدان التي تخرج من حكم أنظمة استبدادية وعنصرية وطائفية كنظام حكم البعث وصدام حسين سيكون من مصلحتها ان تعمل على تحقيق مصالحة وطنية شاملة تطوي صفحات الماضي وتعيد الاعتبار للضحايا واعتراف الجلاد بخطاياه. ولنا فيما تحقق في جنوب أفريقيا مثال رائع ومثير وقابل للتحقق في العراق وكل البلدان الأخرى التي تتشارك مع العراق بقوة نكباته وقسوة دماره وخرابه.

لم يتوقف كتاب العراق ولا مثقفوه من تسطير الكتب والصفحات بملاحظات حول مشروع المصالحة وبمقترحات عملية وواقعية تجعل من هذه العملية عملية ناجحة ومثمرة وقابلة للتحقق؛ لكن كل ما كان يقدم أو يقال كان يذهب هباءً على جدران التعنت والتجاهل والإهمال الذي يمارسه السياسي والسلطة. هذا السياسي الذي يريد تمرير مشاريعه السياسية رغم كل ما تحمله من مخاطر على الدولة والمجتمع في العراق وتحقيق مصالحه ومصالح حزبه وقوميته وطائفته وعشيرته أيضا. لذلك كان الساسة والقوى الحاكمة هم الأكثر خرقا لقيم المصالحة، فأشاعوا الخراب والدمار وجعلوا المواطن العراقي عرضة لمخاطر القتل والتهجير.

لم ينشغل المثقف بقضايا المصالحة وحدها، فقط؛ بل كان له دور في لفت نظر السلطات الى ما يعانيه المجتمع العراقي من ظواهر كثيرة بدأت تستشري وتهدد ما تبقى من مظاهر مدنية أو روابط اجتماعية كانت من العناوين الأساسية للتآلف والتسامح والاعتراف المتبادل بين العراقيين. لم يتوقف المثقف عن تشخيص معالم انهيار التعليم في العراق او انهيار الواقع الصحي والخدمي وما تعانيه المرأة من ظلم وجرائم متواصلة بذريعة الشرف وغسل العار وسلطة العائلة والعشيرة. لم يتوقف الكثير من المثقفين عن تحديد مخاطر الانسياق وراء زج العشيرة في اللعبة السياسية واتخاذها كعامل ضغط في مواجهة الخصوم أو فرض التنازلات عليهم أو في تبيان مخاطر تحول العرف العشائري الى سلطة موازية لسلطة القانون وقادرة على سحقه وتجاوزه في أحيان كثيرة بفعل الدعم الذي تتلقاه من السلطة الحاكمة والحزب الحاكم. لم يتوقف كذلك عن كشف مخاطر اللعب بالنزعات الطائفية والقومية وإنها ستكون لعبة محفوفة بالمخاطر وستحيل العراق الى مستنفع للخراب والفساد واستغلال قوة الطائفة أو القومية في حسم الصراعات وبما يؤدي الى خلق حالة من الكراهية والنفور وتبادل الاتهامات بين مختلف شرائح ومكونات المجتمع العراقي . إلا ان ما يفعله الساسة هو مواصلة السعي وراء مصالح وصراعات سياسية كان الإنسان في العراق هو ضحيتها المباشرة.

اليوم، يذكرنا الحديث عن دور للمثقف في تحقيق المصالحة -شئنا أم أبينا- بكل ممارسات نظام البعث الفاشي،الذي كان يجمع الكتّاب والشعراء والمثقفين في مؤتمر أو قاعة ليلقي عليهم القائد الضرورة خطبة تحمل رسائل عدة يتخللها طبعا الإشادة بالدور الهام والحيوي للمثقف والإشارة الى مكانته الاجتماعية. لكن الهدف الأساسي هو استغلال هذه المجاميع من المثقفين والكتاب والأكاديميين لتمرير مشروع معين. أي استغلالهم في الدعاية السياسية للسلطة ولأهدافها التي أوصلت العراق الى هاوية الخراب.

الخراب والدمار ومهرجانات الإرهاب التي تتواصل بفعل الساسة وصراعاتهم ومصالحهم وتوازناتهم وطائفيتهم وقومياتهم ونزعاتهم العنصرية ومليشياتهم ومفخخاتهم وعصاباتهم التي تواصل عبثها المريع بحياة وأمن الأبرياء والعزل في البيوت والأسواق والمدارس وأماكن العمل، وحولتها الى ساحة لتصفية الحسابات وكذلك مساعيهم للحصول على تنازلات سياسية تحميهم وتحمي مصالحهم. كل هذا الخراب الذي وصل الى مديات مريعة طالت كل جوانب حياة المواطن العراقي وجعلته أسير السياسي وتحت رحمته، لا يمكن ان يتحمل مسؤولية إصلاحه احد سوى الساسة أنفسهم.

ما يسعون اليه الان لدفع المثقف العراقي الى واجهة صراعاتهم او جعله شريكا في أصلاح كل خرابهم هو محاولة بائسة لا تعدو ان تكون محاولة لتبرئة الذمة: ذمة السياسي المخرب، القاتل،الفاسد الذي يريد ان يقول انه عجز عن أصلاح ما خربه. لكنها تبرئة ذمة ملغومة ومفخخة برسائل كثيرة وأولها ستكون للمثقف نفسه بأنها قادرة على تحويله الى شريك في كل الأخطاء السياسية الكارثية التي ترتكب في العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تبا لثقافة كهذه
طلال الربيعي ( 2012 / 10 / 2 - 00:07 )
ان المؤتمر جزء من مشروعهم بتحويل المثقف الى صدى لذواتهم المنخورة وشاهد زور لخطاياهم وآثاماهم. تبا لثقافة كهذه.
مع وافر المودة


2 - من يحتاج من ؟
حسين طعمة ( 2012 / 10 / 2 - 16:40 )
عزيزي الناصري .يطمح السياسي الى كسب ود المثقف لتبرير ودعم مشروعه السياسي ،وتلك وسيلة اباحها الكثير من السياسيين واصبحت من البديهيات في عرف السياسة والسياسيين ،ولكن الطامة الكبرى والعصية على الفهم والمشروعية ،هي ان يتصاغر ويستميت المثقف ،مستخدما اساليبا وضيعة وحقيرةلأرضاء السياسي والنزول الى خسة تمجيده ،لا لشئ ،سوى نيل بعض المكاسب التافهة والانية التي لا تغني ولا تشبع .ولكنه ديدن الانتهازيون والتأريخ له شواهد.اروع ما يناقش مسألة المثقف والسلطة هو المفكر الكبير ادوارد سعيد .

اخر الافلام

.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع


.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة




.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون


.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر




.. كل يوم - خالد أبو بكر: الغذاء ينفد والوقود يتضاءل -المجاعة س