الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معنى النسيان

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2012 / 10 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


*مآلات فهم النسيان والذاكرة وفق الدماغ المشروط بالزمن وحتمية تقدمه*


لا يمكن أن تبحث عن معنى الذاكرة وجدواها ومداها، دون أن تبحث عن معنى النسيان، فلولا النسيان ما كانت الذاكرة ولولا الذاكرة لما كان النسيان

ماذا يعني الموت بالنسبة للذاكرة، وماذا تعني الذاكرة بالنسبة للموت؟ لا أحد منا يتذكر أي وجود له قبل هذه الحياة فضلا عن أن يتذكر أنه قد مات قبل ذلك...

ما علاقة الذاكرة بالموت؟

هل الموت هو الطريقة التي ينهي بها الوجود ذاكرة "الأنا" الشاهدة... هل هو مبرر لنهاية الذاكرة

وهل الحياة إذا هي بداية لذاكرة جديدة، أم بداية جديدة لذاكرة أنا قد محيت، وكيف تتماسك الأنا إذا ما محيت كل ذكرياتها..

هل الحياة هي بداية ذاكرة مؤقتة تنتهي بالموت؟

ما مقدار الألم الذي تسببه فكرة أن شخصا عزيزا عليك في هذه الحياة ستنساه وينساك تماما ويواصل كل منكما رحلته الأزلية الأبدية بعد أن ينسى من كان يحبهم ومن كانوا يحبونه بل من كان هو نفسه قبل ذلك... هل هذا مخيب للأمل؟... وماذا يتبقى من خيبة الأمل بعد محو الذاكرة...

أيا كان مقدار ذلك الألم المتصور، فالنسيان كفيل بإلغائة، يكسره ليخلق دورة عبثية متجددة نرى فيها وهم البدايات ووهم النهايات...

هل تفتقد أنت الآن أحدا من حياتك السابقة؟

هل يمكن أنك في مرحلة تم محوها من ذاكرة "روحك" كنت تحب أحدا معينا وشديد التعلق به إلى حد تمني الأبدية معه، وأنت الآن لا تذكره ولا يذكرك

هل الموت والنسيان هي أدوات الوجود للتغلب على الملل من الأبدية، ولماذا يكون هذا هو الحل للتغلب على الملل؟

هل تشكل الأبدية تهديدا للحب المشروط والتعلق؟ ألهذا السبب يلزم النسيان ويلزم التعلق بحالات جديدة؟




* النسيان كتصفير للمعنى .. "وللكارما لا؟".. مرة أخرى وفق فهم الدماغ المشروط بالزمن*

ماذا سنتذكر بعد الموت؟ وهل سنتوق إلى أية عدالة افتقدناها في حياتنا؟ وكيف، ما دمنا تحررنا من ذاكرة هذه الحياة... وما دمنا نسينا كل ألم وكل ظلم حل بنا... ألا يؤول كل شيء إذا ما نسيه الجميع إلى اللامعنى... وهل هذا عدل؟

النسيان في هذه الحالة يحررنا، نعم، وقد يريحنا، ولكنه بالتأكيد يهزمنا.. ويكشف عجزنا الكامل عن الاحتفاظ بذواتنا، وبمشاعر تمنينا لها الاستمرار...

* الذاكرة .. كعائق أمام التغيير *

هل تتذكر قول مورفيوس لنيو في فيلم ماتريكس في أول لقاء لهما: "أرى رجلا يتقبل ما يراه لأنه يتوقع أن يصحو"...

على مستوى العقل الباطن، هناك دائما توقع للمألوف، بل واطمئنان له، وهذا المألوف ما هو، أليس تراكمات الذاكرة "في الحياة الحالية" عن طبيعة العالم؟ ليس هناك توقع للمألوف فقط، بل إن هناك اطمئنانا له، أي أنك على مستوى غير مدرك تفضل المألوف على ما تتمناه، ولهذا تتمنى وتصلي وتتخيل وتتصور دون أن يتجلى في حياتك شيء له علاقة بهذه الأمنية (والتجلي ليس تحقق الأمنية بالضرورة، فقد يكون تجليا يبدي لك أن الأمنية لم تكن صوابا، أو أنك على مستوى أعمق، مشتوى أقل مباشرة، وأقوى تأثيرا، تتمنى شيئا آخر)...


*هامش*

إن من يتتبع ما يتجلى له في حياته لحظة بلحظة، يلاحظ أن هناك تسارعا ملحوظااليوم بين الفكرة والاستجابة لها، أو للتذكير، ما انتشر في السنوات الأخيرة على أنه "قانون الجذب"، تفكر في الفكرة فتجد ما يتجلى عنها، شيء من الكثافة والتباطؤ بدأ يضمحل ويتخلخل

كان تجلي الأفكار والأفعال والهواجس يأخذ وقتا أطول بكثير، بحيث لا يتسنى لكثيرين أن يجروا الربط، فكانت الأشياء والحوادث حين تتجلى، يكون الناس قد نسوا أفكارهم أو أفعالهم التي أدت إلى ذلك التجلي، ومع تسارع العملية، سيبدأ الناس بالربط شيئا فشيئا بين ما يحدث وبين الإرادة الروحية الفردية أو الجماعية التي كانت سببا له

أحداث وأفكار كبيرة وقديمة تشهد اليوم تجليا احتاج لآلاف السنين حتى يتمظهر، بينما الاستجابة الحديث لتمظهرات تلك الأفكار القديمة التي تحدث اليوم لا تحتاج إلى ذات الوقت

التجليات تتسارع أســّـيّا،، وهذا سيقودنا قريبا إلى حالة من الاستفاقة لم يكن أحد ليتوقعها في ظل ما يبدو أنه أحط مراحل الوعي "الاستهلاك عالميا، والأخونة عربيا كنماذج"، لكن هذه الاستفاقة مغطاة بقشة... وهذا التسارع قد يقود إلى كشوفات مذهلة ...



* عودة .. الذاكرة كعائق*

ما يتجلي في حياتك مرتبط بذاكرتك وبالمألوف بالنسبة لك، لكنه يتعلق أيضا بمكانك في ذاكرة الآخرين والمألوف عنك بالنسبة لهم.. وهناك مقولة مشهورة عن أن الخياط هو أفضل من يمكنك التعامل معه، لأنه يأخذ مقاسك في كل مرة، بينما يعاملك من يعرفونك بمقاييسهم وانطباعاتهم عنك

وكنت قد عبرت عن هذا العائق الذي تفرضه ذاكرة الآخر، في قصيدة كتبتها قبل سنوات قلت في جزء منها:

"لست ُ شخصا واحداً

مع أنني لا أصطنع

كل ما في الأمر أني

دون قصدٍ ... أقتنع ْ

بانطباع عندهم عني ..

جميلٍ .. أو بشعْ

كلـّما صادفتُ سيناً

صرتُ عبداً لانطباع ٍ عندَ سين ِ

مثلـَما عوَّدتـُه عنّي - ولو زوراً - ستبقى صورَتي

معْ أنـَّـني لا أصطنعْ

لم أكنْ حقاً “أنا” .. إلا هنا في عـُـزلـَـتي

حتى أتتْ سلمى

لصمتي تستمعْ
...

(سلمى 2 - أسباب النزول)


* النسيان ... ولعبة الوجود المشروط*

لعبة الحياة ..... تدخلها ناسيا كل شيء قبلها بما في ذلك أنها واقع افتراضي، وتبدأ تبحث عن الغاية في حين أنه لا غاية، أو بالحد الأقصى الغاية هي اللعبة نفسها، وتبدأها صفحة بيضاء تملأها بشروط الواقع الافتراضي نفسه ظانا أنها حقائق مطلقة، من شروط هذا الواقع أيضا أن الأفكار بشكل عام يحددها الوجود الاجتماعي للإنسان بمعنى أن المادة "مكون العالم الافتراضي" هي فعلا اللاعب الأساسي ضمن هذا الوجود الافتراضي طالما كنت خاضعا لشروطه، وهذا يثير السخرية في النهاية من ذلك السجال اللامنتهي بين المادية والمثالية، وشرط هذا الواقع الافتراضي الأكثر مكرا هو أنه مع انهماكك فيه يصبح كل ما هنالك في نظرك وبالتالي لا يعود وجودك خارجه ممكنا، وهذا ينتج الخوف، الخوف يحرك كل شيء، وتبدأ افتراضاتك عن ما سيحدث عند خروجك من هذا العالم، افتراضاتك المتفائلة بخصوص ما هو خارجه تتغذى من شروطه هو، وأيضا افتراضاتك المتشائمة أو المستسلمة لشروطه وشروط مكونه الافتراضي "المادة" تتغذى أيضا من شروط هذا الوجود الافتراضي، مغادرتك له حتمية، وليس لك أن تجزم، تتغذى فقط بافتراضات خلقها ذهنك المشروط، والناس من حولك تغادر دون أن تعرف ما حل بها بعد خروجها، ولا يمكنك ضمن أدوات هذا الوجود الافتراضي الماكر أن تتواصل إلا مع من هم داخله، وهو عند أغلب اللحظات كل ما هنالك بالنسبة لك....

ويبقى السؤال، هل يتغير معنى الذاكرة (كاستيعاب لمعلومات متلاحقة وفقا لترتيب زمني) في وجود غير مشروط بالزمن... أو يختلف فيه إدراك الزمن ...

http://1ofamany.wordpress.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير سياسي من مبابي بشأن انتخابات فرنسا


.. بوتين يزور كوريا الشمالية لأول مرة منذ 24 عامًا.. وهذا ما سي




.. ضحايا وعشرات المصابين على إثر حريق مستشفى خاص في إيران


.. الجيش الإسرائيلي يحقق في احتمال تهريب حماس رهائن إلى خارج رف




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة| #ال