الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاهيم سوسيولوجية حديثة 6- رأس المال الاجتماعي Social Capital

حسني إبراهيم عبد العظيم

2012 / 10 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يطلق مصطلح رأس المال capital على كل ثروة تجلب لصاحبها دخلا، ويقصد بالدخل هنا العوائد والأرباح وبدلات الإيجار وغيرها، ويطلق المصطلح أيضا على كل ثروة معدة لإنتاج ثروات أخرى. وقد كان رأس المال أحد الكتب الهامة لكارل ماركس صدر عام 1867 وهو بمثابة إنجيل الاشتراكية الاقتصادية المعاصرة.(جميل صليبا 602:1982)

أما رأس المال الاجتماعي social capital فيعني – بصورة عامة - أن العلاقات التي يكونها الأفراد تمثل مصدراً قوياً للحصول على منافع وأرباح، ولذلك فإن هذا النمط من رأس المال يتشكل من العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد والأسر والجماعات ، بحيث تتيح هذه العلاقات الفرصة للوصول الى فوائد أو موارد قيمة.(koniordos 2008:564 & Turner 2006:557)

وقد صك هذا المصطلح عالم الاجتماع الأمريكى جيمس كولمان، واستخدمه لوصف أنواع العلاقات بين الأفراد فى إطار الأسرة والمجتمع المحلى، والتى يعتقد أنها تمارس تأثيرا قويا على مستويات التحصيل الدراسى ) انظر مؤلف جيمس كولمان وتوماس هوفر المعنون: المدارس الثانوية الحكومية والخاصة : دراسة لتأثير المجتمعات المحلية، الصادر عام ١٩٨٧) ويناظر هذا المصطلح مصطلحى رأس المال المادى ورأس المال البشرى المستخدمين فى علم الاقتصاد. (جوردون مارشال651:2007)

وقد بذل عالم الاجتماع الفرنسي الأشهر(بيير بورديو) جهدا عميقا في تحديد المصطلح وضبطه، وقدم إسهامات نظرية رصينة لتمكين هذا المصطلح في المعجم السوسيولوجي المعاصر، فقدم بورديو تعريفا لرأس المال الاجتماعي بأنه كم الموارد الواقعية أو المحتملة التي يتم الحصول عليها من خلال امتلاك شبكة من العلاقات الدائمة المرتكزة على الفهم والوعي المتبادل ، وذلك في إطار الانضواء تحت لواء جماعة معينة ، فالانتماء لجماعة ما يمنح كل عضو من أعضائها سنداً backing من الثقة والأمان الجماعي. (Bourdieu 1986:247)

وقد ذهب كولمانJ. Coleman وهوفرHover إلى أن أوجه القصور فى رأس المال الاجتماعى، كتلك التى تنجم عن غياب أحد الأبوين فى الأسرة، أو انخفاض درجة اهتمام الوالدين بالطفل أو بأنشطة الأسرة، وكذلك انخفاض مستويات تفاعل البالغين فى الأسرة، خاصة الوالدين، مع شئون المجتمع المحلى، إن أوجه القصور تلك إنما تكون وخيمة العواقب على نمو الطفل فى مرحلة المراهقة. (جوردون مارشال651:2007)

ويعتمد حجم رأس المال الاجتماعي الذي يتحصل عليه فاعل معين على حجم شبكة العلاقات التي يمكنه إدارتها بكفاءة ، ويعتمد كذلك على كم رؤوس الأموال الأخرى كرأس المال الثقافي والرمزي والاقتصادي التي يمتلكها الفاعلون الآخرون المشاركون في شبكة العلاقات (Bourdieu 1986:247)

ويرى كولمان أن "رأس المال الاجتماعى الخاص بنمو أحد الشباب يتمثل فى أداء المجتمع المحلى لوظائفه أداء جيدا، وفى العلاقات الاجتماعية الحقيقية بين الوالدين، وفى التحديد والخصوصية الذى يتجلى فى بناء تلك العلاقات، وفى علاقات الوالدين بمؤسسات المجتمع المحلى. كذلك تمثل مجموعة المعايير التى تتكون فى المجتمعات المحلية ذات الدرجة العالية من الخصوصية جزءا من رأس المال الاجتماعى هذا". فالشبكات الاجتماعية المغلقة هى التى تخلق الأداء الوظيفى الناجح للمجتمعات المحلية والجماعات، وهى التى تغرس بين الصغار الذين يعيشون فيها أشياء معينة مثل: الامتثال للمعايير التى تفرضها المدرسة، والاهتمام بالأمور الأكاديمية، والبعد عن الانحراف. أما غياب التفاعل بين الوالدين والأطفال، وكذلك بين الوالدين وبقية الكبار فى المجتمع يكون من العوامل المسئولة عن وجود شبكات العلاقات(الاجتماعية) المفتوحة، ونقص الاتصال، وضعف الإيمان بالمعايير وبالضوابط الأسرية وتنفيذها. وكل ذلك من شأنه أن يقلل من احتمالات وامكانيات تكوين رأس المال البشرى ويزيد من احتمالات السلوك المنحرف. (جوردون مارشال-651:2007-652)

وقد ذهب البعض إلى أن تلك الآراء تمثل تحولا مهما فى تفكير كولمان حول موضوع التنشئة الأكاديمية عما كان قد قال به فى أعمال سابقة. فقد اتجه كولمان فى مؤلفه (الكلاسيكى المعنون: مجتمع المراهقين) الصادر عام ١٩٦١ إلى تأكيد أهمية المراهقة والانجاز الدراسى لثقافات الشباب فى داخل المدارس، على حين أن مفهوم رأس المال الاجتماعى يُبرز تأثير المجالات خارج المدرسة، أى الأسرة أساسا وعملية تفاعلها مع المجتمع المحلى الذى تعيش فى وسطه. غير أنه قد اتضح – في كتابات أخرى - أنه من الممكن المزاوجة بين كلا التفسيرين، أى قبول فكرة أن رأس المال الاجتماعى (أى نقص مراقبة الوالدين، وقرار الاستقرار فى حى معين، وتكوين علاقات مع بعض آباء التلاميذ الآخرين، وليس معهم جميعا، وكذلك مع بعض مؤسسات المجتمع المحلى، وليس معها كلها) وقبول فكرة أنه يؤثر بشكل غير مباشر على اختيار الأطفال لجماعات الرفاق التى ينتمون إليها. وبذلك يكون رأس المال الاجتماعى محددا غير مباشر للثقافة الفرعية التى ينتمى إليها الصغار، سواء داخل المدرسة أو فى المجتمع المحلى (جوردون مارشال652:2007)

ومن جهة أخرى يرى بيير بوديو أن عملية إعادة إنتـــاج رأس المـال الاجتماعي تستلزم حداً أدنى من التجانس الموضـــوعي a minimum of objective homogeneity بين أعضاء الجماعة، كما تستلزم جهداً متواصلاً للحفاظ على تماسك الجماعة وتضامنها، وتستلزم كذلك مزيداً من الادراك والوعي المتبادل بين أعضاء الجماعة أيا كان شكلها (أسرة – أمة – جماعة أو حزبا سياسياً) (Bourdieu 1986:248:249)

يتضح إذن أن برديو يؤكد على أن مفهوم رأس المال الاجتماعي يشير الى الموارد resources التي يمتلكها الأفراد سواء أكانت موارد كمية أو كيفية ، والتي يمكن أن تستخدم بطريقة إستراتيجية للحصول على مزايا وموارد أخرى- إقتصادية على وجه الخصوص _ ولذلك فإن رأس المال الاجتماعي يمثل قوة Power تساعد على خلق وترسيخ مزايا اجتماعية للفاعلين (Turner 2006:558)

ولقد أسهمت رؤية برديو لرأس المال الاجتماعي في إثارة العديد من الأفكار والأطروحات حوله ، وأصبح آداة منهجية يستخدمها الباحثون في مختلف العلوم الاجتماعية ، فيرى وليم والترز (Walters 2002:379) أن علماء الاجتماع يستخدمون هذا المصطلح بصورة نمطية للإشارة الى قدرة الفاعلين actors على الحصول على منافع benefits بموجب عضويتهم في الشبكات الاجتماعية Social networks أو أية كيانات اجتماعية أخرى، ويستخدم علماء السياسة المفهوم بطريقة مغايرة _ وإن كانت تتفق بشكل عام مع تصور برديو - إذ أنهم يعتبرون رأس المال الاجتماعي سمة للمجتمعات والأمم، وليس للأفراد فقط ، بمعنى أن رأس المال الاجتماعي يشير الى السمات الموجودة في التنظيم الاجتماعي كالثقة Trust والمعيارية ، والترابط ، والتي تيسر الفعل الاجتماعي وتنظمه ، مما يسهم في رفع كفاءة البناء الاجتماعي.

ويوجد الآن العديد من الاتجاهات المثمرة للبحث الأمبيريقي التي استوحت أو على الأقل تأثرت بنموذج بورديو في رأس المال الاجتماعي، أحد هذه الاتجاهات قدم دليلاً قوياً على الارتباط بين رأس المال الاجتماعي والحصول على وظائف أفضل والترقي المهني المبكر والأرباح العالية والرعاية الصحية العضوية والنفسية، وكشف اتجاه آخر من هذه البحوث عن أن نقص رأس المال الاجتماعي قد فاقم مشكلات الفقراء. إن الإقصاء الاجتماعي وهو أحد أشكال نقص رأس المال الاجتماعي يؤدي بالافراد والأسر وكل الجماعات غير المستفيدة من الامتيازات الاجتماعية إلى السقوط في دائرة الفقر، وأخيراً يمكن القول أن رؤية بورديو تقدم فهماً أفضل لفوائد شبكة العلاقات والاتصالات بمالكي رأس المال الاجتماعي في الحصول على فوائد مهمة في مواقع اجتماعية متنوعة خاصة عملية التوظيف (Turner 2006:558)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس الاتحاد الإفريقي - -أزمة القمصان-.. -الفاف- يتقدم بشكوى


.. نيكاراغوا تحاكم ألمانيا على خلفية تزويد إسرائيل بأسلحة استخد




.. سيارة -تيسلا- الكهربائية تحصل على ضوء أخضر في الصين


.. بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس • فران




.. زيلينسكي يدعو الغرب إلى تسريع إمدادات أوكرانيا بالأسلحة لصد