الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلل في العقول وليس في المناهج العلمانية أو الدينية

سامي بن بلعيد

2012 / 10 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تشير النتائج الكلية النهائية للمفكرين والباحثين العرب بغالبيتهم إلى أن أسباب إندفاع العرب بعكس التيار الحضاري يعود إلى ذلك الخلل القائم في كينونة الانسان العربي والذي تجسّد وتجذّر على مر التأريخ الطويل الذي أفرز الاستعمار ورديفه المتمثّل بالاستبداد , وتلك المرض لا يمكن تسميتها بمعرفات مرضية مختلفة أو منحها في كل يوم تسمية معينه تظفي عليها جلد مزيّف وخادع مثله مثل بعض الافكار المتقلبة

والخلل الذي في ماهية الانسان العربي هو إن العربي لم يجتاز مراحل التفكير العاطفي الانفعالي ليهيئ نفسه لمراحل النشاط والعمل العقلي , وقد يتهيئ للبعض إننا ننشط ونكتب ونتحرّك ونثور بأشكال ثورية ديمقراطية علمانية تختلف عن الاشكال العتيقة أو الاشكال المهيمنة على الشعوب ولكنهم لم يدركوا إننا نتحرّك خارج إطار الميادين الثورية العقلية , لا زال الصندوق الاسود العتيق يحتفظ بنفس المعلومات وبنفس المشاعر التي تحرّك العقل الباطن دون تدخل العقل الواعي الذي يمر في مرحلة الجمود

هناك أسئلة لم تحصل على إجابات , وعندما يراها الكثيرين سيستحسنها ولكنه سيمر من أمامها مرور الكرام ولن يكلف نفسه عناء البحث لأن الاجابات العاطفية قد أصبحت هي السلوك الغالب وهي تحدد إتجاهات المرء مقدماً دون أن يجد العقل حقه في التحليل والبحث عن المسببات ووضع المعالجات

ومن ضمن الاسئلة
لماذا لا يمتلك العربي قدرة على التحليل ؟
لماذا تمر عليه المصيبة ليبدأ بصناعة مصائب جديدة ؟
لماذ نراه وبأستمرار مكافح وثائر وما أن يشرع بثورة حتى يبدأ التفكير بصناعة ثورات من بطن تلك الثورة ؟
لماذا كل ثورات العربي تنتهي بالفشل ؟
فغياب الاجابات العلمية المنهجية عن تلك الاسئلة جعلت العربي يتحرّك عكس حركة التطور الحضاري العالمي

لماذا لماذا لماذا ؟؟؟

العاقل يستطيع أن يتخير من بين الاشياء أفضلها , ويستطيع التمييز بين الاشياء ولديه القدرة على الاستنتاج وتعلُّم العبر والدروس من كوارث الحياة من جهة ومن إيجابياتها من جهةٌ أخرى , كما إنه يستطيع الموازنة بين الاشياء بوسطية وإعتدالية مقبوله .... أما العربي فلا مجال له في ذلك

العربي العلماني اليساري أو الديني أو الليبرالي ... لا يحلا له المقام إلاّ على مدارات التطرُّف , فيا أما إبداع وعمل مضني يدفع نحو الماضي وجموده وأغلب قديمه الخرافي والمتخلّف ويا إما إبداع وعمل مضني ودؤوب نحو المستقبل ببهيميته وإنحلاله وظاهرته الصوتية البعيدة عن الجماهير وكلا الاثنان ليس لهما علاقة بالحاضر

وفي تلك الحالة العاطفية والظاهرة الصوتية المُفرغة يدور العربي بصورة سريعة دون إمتلاك خارطة ولا حتى مرايات عاكسه تحميه من الاصطدامات المتكررة المُميتة ولا محطات إصلاح ومراجعة وتزويد , بل إن هناك من يوجهه الى الهاوية , هناك من القلائل التي ترتبط بشبكات الاستخبارات الصهيونية ومن يدور في فلكهم ممن يصنع الخطاب القائم على الفتنة وتحريك المشاعر وإشعالها , وأولئك متواجدين في الاعلام بكل أنواعه وفي التربية والتعليم وفي المناهج الدينية والعلمانية وحكومات الفساد العربي تدير ذلك المشروع الذي رسم له وخطط وباشراف من بعيد تلك القوى الصهيونية الرأسمالية العائلية الاستبدادية

ولذلك ستظل كل الاعمال عبارة عن سراب نجني منه الويلات لأننا نحمل عناوين الاشياء وشعاراتها دون إمتلاك القدرة على إدراك مضامينها , نتعارك على النصوص الماركسية والعلمية بنفس الطريقة التي تعاركنا وما زلنا نتعارك عليها في إطار حرب النصوص الدينية , وبالفعل نحن نعيش أصداء التأريخ وما معنا من التأريخ الحديث والمعاصر إلاّ إسمه فقط , فالاجساد عائشة ولكنها بدون عقول

كم من الكتابات الجميلة لكثير من كُتاب وكتابات هذا الموقع نراهم يطرقون قضايا محورية من خلال مواضيعهم , يبذلون الجهود في البحث والتنقيب والتحري من أجل تفنيد العلل وتقديم المعالجات والبدائل وكل ذلك من أجل خدمة الحقيقة التي يعود نفعها على الجميع فيأتي من أولئك الموظفين ليبثوا سموهم وبدلاً من إن يناقش الموضوع والافكار التي يحملها يحولوه إلى شجار أو يلقون فيه الاتهامات أو يطرحون ما يحرّك النفس العربية الانفعالية وهم يعلمون أين تكمن مواقع الضعف لانهم قد تعلموا ذلك في المدارس والمعاهد الخاصة لقوى المال والاستكبار والسيطرة

هناك دواعي ضرورية لاستخدام العقل لكي لا تذهب الجهود مع ادراج الرياح , هناك عمل إنساني جمعي مشترك يعيد تماسك الشعوب بإحياء عقولها ودفعها نحو راحبة الحرية والعلم والمعرفة والمدنية ... ومع ذلك هناك معوقات وهناك إستفسارات يستحب الاجابة عليها بموضوعية وعقلانية بعيدة عن التعصُّب لكي تظهر القيمة الحقيقة لهذا الموقع وكل رواده ومتابعيه

هل نموت من أجل الدين ــ أي دين ــ ونقطّع الشعوب من أجلها ايضاً ؟
هل نموت من أجل العلمانية ونقطّع الشعوب من أجلها ؟ وهل العلمانية تحمل مفهوم واحد أمام الاديان والحياة وتطورها ؟
وهل يجوز نقد السلوك السلبي لليهود كمثل ما ننتقد السلوك السلبي للعرب ؟


أنا متأكد إننا سننطلق ثانيتاً من نفس دوائر العاطفة والانفعال التي أحرمت العربي من منافع العقل الواعي , ولماذا أنا متأكد ؟ طبعاً لأننا لا زلنا نعيش الحالة دون أن نعلم , ولن نتجاوزها إلاّ بتنفيذ ثورة تغيير فكرية قيمية منهجية علمية إنسانية شاملة , ثورة يكون وطنها الاول هو الانسان بكل أطيافه ومكوناته , ثورة تنقل العربي من مدرارات التعصُّب والعنف والتآكُل والانفعال ــالذي يريد الاستعمار وأعوانه أن يبقوننا فيها الى الابد ــ ألى مدارات العقل والحكمة والحرية والابداع والسلام , وذلك هو ما يؤكده جل المفكرين والاكاديميين والباحثين العرب

والجدير ذكره إن ملامح تلك الثورة قد تجلّت في طيات ثورات الربيع العربي , تلك الثورات التي سيكون مشوارها طويل نظراً لثقل التركة الاستعمارية الاستبدادية المتخلفة الموروثة من القرون الطويلة المنصرمة , وتلك الثورات للأسف أتى من يقول إنها صهيونية التخطيط والفكرة وبالفعل الصهاينة يرحبون بمثل هذا الكلام ويعملون بطريقة تحاول بعث الشكوك في النفوس التي تحرّك الاجساد دون العقول والهدف هو إبقاء العربي داخل مربعات الجمود والتخلّف والصراع ولا يتركون له تلك الفرصة التأريخية التي دعت اليها ثورات الشعوب وهي التغيير من العنف الى السلم , من العاطفة الى العقل ,وأضاف أعداء الشعوب ومن يمثل الدين من الوهابيين وأتباع الاسلام السياسي وقالوا أن ثورات الربيع إسلامية ويا حسره هم من يمثل الاسلام وبالفعل جعلوا منها إسلامية وهم يعلمون إن الساحة فاضية من النخب الاخرى ولكنهم لا يعلمون إن مجرى الحرية يدفع ما هو سلبي في مقدمة النهر ليذهب الى غير رجعة لان الاسلام السياسي هو رديف حقيقي للقوى الرأسمالية ولكن الاهم من كل ذلك أن لا نقتل الشعوب ونشتتها تحت هذه الاعذار والمسميات

فنحن العرب نمتلك الحق بأن نعيش عرب ونحافظ على التنوّع الديني والسياسي والثقافي ونطوره ليخدم الحياة الانسانية برمتها , من حقنا أن نصحّي عقولنا ولا يجوز لاحد أن يجبرنا على التفكير بعقول غيرنا تحت مسميات أكانت دينية أو علمانية , يجب أن ننهض بسيقاننا واقدامنا وليس بسيقان وأقدام ألآخرين , ننهض بأسامينا وليس بأسامي ألآخرين
ومع كل ذلك يكون نهوضنا إنساني يقوي روابط الشعوب قبل ان تصبح بمتدينيها وعلمانييها فريسةٌ للوحوش الرأسمالية ألمتعطشة للكرامة والدماء مثل تعطشها للمال والسلطة والاستكبار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كيف ننقذ العقول بالجملة!ع
علاء الصفار ( 2012 / 10 / 8 - 12:44 )
تحيات الاستاذ بن بلعيد
تطرقت الى الرد عاطفي او الحسي وهو ما موجود فعلا على كل خارطة الربيع العربي. لماذأ ذلك! هل هذا اختصاص ام امر له جذور؟
لو نرجع الى خمسينات القرن الماضي نرى ان هناك انجازات فقد تحررت الجزائر بجبهة الشعب و كذلك المغرب وبرجال دين ثوريين لا مفتي دجال كما القرضاوي الذي حلل دم العربي وسكت عن الارهاب والغزو الامبريالي! ما اريد قوله حول الجبهة والاحزاب وتحقيق نصر التحرير .ان ما جرى في ذلك التاريخ كا ن عمل الشعب .حين رُكز عمل الشعب في احزاب وتحالفات, من اجل هدف حصل ثمر. بكلمة اخرى العمل السياسي يحتاج الى تسلح فكري و نظري ومعرفة للهدف وعبر تحشيد البشر و تثقيفهم يصبح فهم وتعقل اي تختفي الفورات الانفعالات العاطفية, اذ وراء البشر يركن رجل يتعب في الدرس و تمحيص الدروس و التجارب ويصقلها و تقديمها للبشر او الشعب. قاد هوشي منه شعب فيتنام الامي للانتصار على اعتى امبريالية تكنلوجية بربرية و للان يولد مشوهون في فيتنام من اثار النابالم و الاسلحة البكتيرية.من هذا اقول العاطفة مهمة لكن القائد و الحزب من يسلحها بالفكر و التجربة ويجعلها رزين حكيمة الخطوة و الحراك.نحن بحاجة لتنظيم ونخبة!ع


2 - مرحبا أستاذ علاء
سامي بن بلعيد ( 2012 / 10 / 8 - 13:18 )
للامر العاطفي الانفعالي العربي جذور غارقة في القدم منذ ما قبل الاسلام
الحالة العاطفية التي تأرجحت وترنّحت فيها ثورات الربيع هي من آثار ذلك الموروث
وانا معاك إن العقل الباطن مهم لانه موطن الارادة والقوة ولكنه من غير عقل واعي موجه يتحول الى معول هدم ولا أقصد بالعقل لموجه بالقيادة الحكيمة فقط بل بايقاظ العقول على مستوى الشعوب كي تدرك الفرق وتميز ولا تظل تابعة مثل قطعة القماش المتحركة مع اتجاهات الرياح ولا تميز الفرق بين من ينقب لها عن معادن
وبين من يحفر لها قبراً
على فكرة
مقالك الاخير كان له دور في كتابتي لهذا المقال
أطيب تحيه استاذ علاء


3 - إضافه
سامي بن بلعيد ( 2012 / 10 / 8 - 13:41 )
الى الاستاذ علاء
والثورات الربيعية هي أول نمط ثوري يرفع شعار السلمية والعقل
في مرحلة لا زلنا نعيش مع العاطفة والانفعال ومع ما أفرزته عبر مراحل التأريخ الطويل من دمار للذاكرة العربية وما انتجته من تخلّف مهّد للاستعمار واعوانهم من امراء الجهل والظلام الذي يكافحون الى جانب القوى الاستعمارية من أجل ابقاء العرب في دائرة الانفعال والعنف والقهر الخارجي والداخلي الذي أنتج الشخصية العربية الشيئية التي أصبحت تدار بواسطة المادة من قبل الحكومات الريعية المتخلفة
ولا ننسى أن منطقتنا صارت ساحة للصرعات وهناك من يغذيها بمنهجية علمية غير عادية وان لم تتكاتف الشعوب سيصبح الجميع ضحية للوحوش الرأسمالية المسعورة
تحيتي

اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة