الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم الافكار والتيليماتيك.

عبد العزيز شوحة

2012 / 10 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عالم الأفكار والتليماتيك .
بقلم: الأستاذ عبد العزيزشوحة ،استاذ بجامعة باتنة -الجزائر
كتبها تلميذه:سيف الدين .

إن السمة التي تطبع عصرنا هو دخول الحضارة الإنسانية عصر التيليماتيك، الذي أتاح التواصل عبر السمعي البصري للإنسان، فطوت المسافات والزمان والمكان، وفرض تحديات خطيرة على عصرنا، فقد انتهى عصر الخيال العلمي ليتحول إلى حقيقة ملموسة، وبدا عصر التحكم في صياغة المجتمع والثقافة والحضارة والتاريخ، وصارت القيم الثقافية والأخلاقية التي كانت قائمة على مبدأ العزلة وتميز المجتمعات في الماضي ،وصار العالم قرية واحدة تنصهر فيه الأسرة الكونية في بوتقة واحدة، وصار قانون التكيف مع الحضارة التنكلوجية العالمية من المسلمات، وصار دعاة الشعارات الدينية الدين يريدون صياغة النموذج الإنساني وفق معايير الماضي من مخلفات القرون، وصارت شعارات مثل( الحل الإسلامي) والنموذج الديني على العموم شعارات ممجوجة تثير الامتعاض لدى جيل الشباب ،خاصة جيل الانترنت والفايسبوك، وسقطت عروش الإمبراطوريات السلفية بجميع أطيافها الدينية العالمية إلى الحضيض، وصار المخيال الذي يوجه الشباب قاطبة بما فيه بلاد الإسلام هي أفلام الخيال العلمي مثل فيلم ماتريكس وحرب النجوم..
وأمام هذا الزخم التكلنوجي العالي يتحتم على دعاة الإسلام أن يجددوا أفكارهم ويغيروا أطروحاتهم وبرامج عملهم وإلا أصابهم ما أصاب الكائنات القديمة في العصر الحجري حينما تحولت إلى مستحثات تروي قصة مرحلة من التاريخ الاركيلوجي مصت ولن تعود .

إن أوطأ ضربة تلقاها دعاة التحجر في آليات الفكر الماضوي كانت دخول التكلنوجيا إلى كل أسرة وبيت من المجتمع ،وانتقال الصراع الفكري من ميدان الكتب والصحف والمجلات إلى ميدان التلفاز والانترنيت ومواقع الفايسبوك لتفرض الحضارة قيما جديدة تزعزع عروش الأفكار الطوباوية الميتة والقابعة في تكايا التاريخ، وضرب عليها العنكبوت بنسجها حتى صارت من الماضي الذي لا إمكان لعودته أبدا. ومن اكبر الدلائل على ذلك الهزيمة التي منيت بها السلفية النصوصية في عالم الإسلام وبروز حركات الإسلام الحضاري وفوزها بأكثر من موقع من ارض الإسلام وإرغام جناح من السلفية على تبني الخطاب البرغماتي كما في الجزائر ومصر لتحاشي المواجهة مع الهبة العاصفة لقيم العولمة التي حتمت على البشر أن يعيشوا حضارة واحدة بايديولوجات متعددة ،وهو الأمر الذي شرحناه في مقالة بعنوان: القرن الواحد والعشرون والمآل الكوني للحضارة الإنسانية.

لقد صار الإسلامي لا يزعجه أن يجلس في برلمان واحد مع الشيوعي أو العلماني أو المسيحي أو اليهودي ويدل على حيوية هذا التواصل الثقافي اتفاق العقلاء في العالم الإسلامي والغربي على احترام الشعور الديني على خلقية الفلم والرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وإتباع أسلوب الحوار الاجتماعي بدل اللجوء إلى العنف .وصار دعاة الحل الإسلامي الحضاري يبحثون عن الأفكارالتي تسعفهم في التكيف مع روح العصر والانعتاق من الماضي ورواسبه السلبية ، وهنا لاحظت اتجاه كثير من الشباب وخاصة في الجزائر إلى إعادة قراءة فكر مالك بن نبي وعلي شريعتي وسيد قطب مما تميزت به نظرية هؤلاء ومالك بن نبي خاصة في التجديد الحضاري من سعة الأفق ومرونة في كيفية صياغة الحل الحضاري الإسلامي بما يتناسب مع حضارة العصر ومنطقه ،وهو أمر كان في الماضي من المحرمات حينما اتهم كثيرون مالك بن نبي بأنه متأثر بالفكر الاستشراقي الغربي في أطروحاته الفكرية وبرنامجه في إعادة بعث الحضارة الإسلامية الذين زعموا انه لا يختلف عن أراء المستشرقين كما صوره مؤلف مجهول هو غازي توبة في كتابه المعروف عن أعلام الفكر الإسلامي والذي هاجم فيه نخبة من المصلحين والمجددين الإسلاميين ولم ير نموذجا إلا حسن البنا الإمام الشهيد عليه رحمة الله، الذي نحترمه ولكن لا نختزل الإسلام في شخصه وكتاباته .

بل نقول لهؤلاء الذين روجوا لذلك الفكر في بلادنا هل عقمت أرحام أمهاتنا المسلمات حتى نختزل التجربة الإسلامية في شخص ولو كان حسن البنا ،ونسي أن مالك بن نبي أنصف الإمام في كتابه وجهة العالم الإسلامي حين اعتبر أن دعوته ومنهجه في إحياء النص القرآني قد أعاد التوتر لضمير المسلم فدخل بذلك أغنى حقول النهضة وهي التي انبثقت في منهجه في تبليغ القران الذي انعكس على الجانبي الاجتماعي والأخلاقي.
لقد ألهب حسن البنا ضمير المسلم وبعث فيه حرارة المجتمع الإسلامي الأول الذي أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم خصوصا انه أتيح لدعوته أن تنتشر على يد مفكر عظيم ذي قلم ساحر كسيد قطب رحمة الله ،غير أن ذلك لا يمنع مالك بن نبي من تسجيل ملاحظة هامة وهي أن حركة الإخوان المسلمين رغم أنها حلت محلها التيارات التقليدية أي تيارات الإصلاح التي سبقتها من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وحتى رشيد رضا وابن باديس، قلت يرى مالك بن نبي أنه رغم ذلك فإن حركة الإخوان المسلمين كما شرحه في نهاية كتابه وجهة العالم الإسلامي قد أغفلت الفكر الصناعي في عملها أي ما يسمى ألان بالتكلنوجيا والتسيير العقلاني العلمي للمؤسسات الذي نقل الميتافيزيقا من عالم الأفكار والنظريات إلى رسم نماذج للمستقبل وكيفية الحياة فيه عن طريق استلهام النموذج الكوني من أفلام الخيال العلمي التي صارت حقيقة في أذهان الشباب وأتاحت التواصل مع الأخر حتى صار الذي لا يعرف شيئا عن فلسفات وديانات الأمم الأخرى ابعد ما يكون عن التأثير في جيل الشباب وإقناعه.

لقد جلست مع الملحدين وعبدة الشيطان وناقشتهم ووجدت أنهم شباب ينشدون الحقيقة ، وانه يستحيل على دعاة الفكر الأصولي السلفي الذي لا يكف عن محاولاته اليائسة في كبح جامح التواصل والتناغم من حركة الثقافة والحضارة العالمية ، ولا أقول الغزو الثقافي والاجتماعي لان العصر تجاوز هذه الشعارات التي بان زيفها لكل إنسان. ويؤكد صحة ما أقول استفحال ظاهرة العنف والإرهاب واتساع نطاقه وتوجهه الأعمى إلى محاولة فرض نمط متحجر من الحياة على الناس.

إن سقوط الأنظمة الشمولية في العالم العربي والإسلامي لتتاح الفرصة للديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم العولمة واجتياح الصيغ القائمة على التحاور واحترام التنوع في الرأي في عالم الإسلام حيث يقبل حزب من التيار السلفي أن يلج باب الانتخابات ويقبل نتائجها واحترام إرادة الشعب -كما في مصر- فهذا الموقف يعتبر موقفا ايجابيا ينهي استعمال أسلوب العنف والإرهاب والتخويف لإجبار المجتمع على قبول الأفكار البالية التقليدية مما يعتبر سقوط الديكتاتوريات العسكرية واحدة تلو الأخرى وتراجع كريزماتية شيوخ الدعوة الإسلامية كالقرضاوي والبوطي والعودة إلى الحضيض بعد أن سقطوا في فخ الألعوبة السياسية بالانضمام الأعمى لهذا الحاكم أو ذاك .

ومن هنا يأتي توجيه نقد إلى زعماء الحركات الإسلامية في العالم العربي عامة وفي الجزائر خاصة فنقول للراغبين في إحلال الاتجاه الحضاري في العالم الإسلامي محل الحكومة الوطنية أن الإسلام يجب أن يبقى دينا محترما بعيدا التوظيف السياسي وان الأولوية يجب أن تعطى للبرامج والحلول وتطوير التكلنوجيا والقبول بتعدد الطيف السياسي والثقافي مهما كانت أطروحاته ولو كانت من عبدة الشيطان!!.

وأنهم إن لم يغيروا طريقتهم فعيا يبحثون لهم عن دور لهم وسط هذا الحراك الحاسم، كما أن التجربة علمتنا بأنه يجب الحذر من تعطش الكرادلة الجدد في عالم الإسلام إلى بسط نفوذهم في السلطة والمال لا لخدمة الدين ولكن لإرواء ظمأهم إلى التحكم في حياة الآخرين ومصادرة حرياتهم بالاستناد إلى صكوك الغفران التي يتيحها لهم الفكر الديني التقليدي، وإننا نرفض الوصاية على حرية الأفكار ، فقد أتاح لنا اندماجنا في الوسط الجامعي العلمي ،وتواصلنا مع الحضارة الكونية العالمية والحوار مع شباب الفايسبوك، قلت أتاح لنا ذلك أن ندرك ببصيرة قوية أن رياح التغير العاصفة قد أطاحت بالفعل برمز النرجسية الدينية الأصولية ليحل محلها وعي جديد يتيح لكل فكرة متوثبة جديدة أن يكون لها مكان في اهتمام هؤلاء الشباب مهما كانت أطروحاتها وانه لا فرق في ذلك ما دمنا نسعى إلى إعادة صياغة أنفسنا وفق منطق حضارة العصر وتكلنوجيا الاتصال وضرورة التعامل مع الجميع لضمان سلامة المجتمع وأبدية الحضارة الإنسانية.

ومعذرة إلى شيوخ ما يسمى بالدعوة الإسلامية وشيوخ الدين والإفتاء إن وصفتهم بالاكليروس الجديد في عالم الإسلام، فبعد تورطهم في اللعبة السياسية القذرة ارفع إليهم رأي جيل الشباب وهو أنهم تحولوا إلى أوثان جديدة وسماسرة يتاجرون بالدين والدم لدعم تعطشهم إلى التحكم والسيطرة والمال في عالم صار فيه كل شيء على طاولة النقد والجرح والتعديل من المسلمات بل من وسائل التقدم لتجاوز المكابح والضوابط التي يريد هؤلاء أن يكبلوا بها حراك هؤلاء الشباب الجديد الذي سيحل في توجيه الحياة محل هؤلاء العجائز الذين صاروا مثل القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا إلا أن يتزوجوا زواج متعة مع أنظمة ورموز بالية افتضح أمرهم فتحركت شعوبهم لإسقاطهم وإنهاء عهد التسلط والديكتاتوريات والفكر الأحادي والشوفيني الذي لا يرى حلا إلا في أن يضع قبضته ويشد الوثاق على المجتمع ليعوض عن عقدة النقص التي أوصلته إليها نفسه بتعنته وتحجره وتشدده الأعمى بأذيال الماضي وأطروحاته البالية ، بل بتشبثه بسلطة الحكم والمال.
. الجزائر10-2012.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لقد نطقت نيابة عن ضمائرنا
محمد الشريف ( 2012 / 10 / 9 - 21:17 )
شكرا لك أستاذنا عبد العزيز: لطالما أثلجت صدورنا بأفكارك المتبصرة والراقية.
إن جيلنا اليوم أصبح على حالة من اللتحدد أي أنه جيل منعتق من كل القيود الأيديولوجية هذا الذي يجعله حكما جيدا ضد آفة التضليليين من العلمانيين والإسلاميين او السلافيات المتغربة والماضوية في الآن نفسه ، لهذا فإن مقالكم هذا كان توصيفا عميقا لحالة الشباب الذي يأس من خطاب لا يمس واقعه ومن شعارات عن الإسلام وليست منه تغطي عجز المتسيسين على مستوى الفهم والفكر والنظر العقلي. لقد بات جيل اليوم يفهم لغة المعرفة القائمة على الحجة لاعلى شعارات زائفة.
لهذا كله فإن الأستاذ الفاضل انطلق من هم خبره مع الحركة الإسلامية ، وتبصر عاشه بين أبنائه الطلبة .


2 - الفوارق الفلكية !!.
حيران بن الاضعف ( 2012 / 10 / 10 - 17:53 )
..ماذكره الاستاذ يعبر عن رغبة مكبوتة وفكرة متخمرة في ذاته الواعية الشاهدة على صراع الحق والباطل كما دعى اليها علي شريعتي ،و كما علمنا ملك بن نبي ان الفكرة -الانف ذكرها-لابد لها من محضن لتبذر فتنموا فتثمر ومن ثم تقطف ،واستاذنا الفاضل وجد لها المحضن المناسب وهو الشباب الواعي -على قلتهم -ذو النظرة الناقدة التي ترى الامور بالرؤية الكلانية والمقاصدية للاحداث والافكار .
ان ما فعله الاكليروس لايعرف جنايته على الكون والانسان الا الذين تشضوا بنار فتاويه ذات الصكوك .والدليل ان صيغته الكهنوتيه -للاسف-لم تظهر سوءتها الابعد قرون نظرا للغيبوبة الحضارية التي دخلها العباد بفعل السائد والمقدس واغلاق باب الاجتهاد وتسليم المقاليد لعصبة السلطان والفقيه وجلاوزتهم وعسسهم وعبيدهم ..
شكرا لكم ومساكم الله بالخير وحفظكم من قبائح العصبة السابقة الذكر والقادمة منه..امين.


3 - لنقم صرح الأفكار و لنحطم الأصنام
أنور ( 2012 / 10 / 10 - 21:59 )
إنني أقرأ من خلال كلمات أستاذنا العزيز تلك الروح التي سكنت في مالك بني رحمه لله و ليس ذلك غريب عن أستاذنا الذى فقه النموذج الحضارى الذى فكك من خلاله مالك بن نبي واقع عصر ما بعد الموحدين و أعاد من خلاله تأصيله لمعادلة الحضارة طرحه لمعضلات الأفكار في العالم الإسلامي .
نحن في هذا العصر نحتاج أن نكون أكثر و ضوحا فمنطق الخطاب الذى نتمسك به بحاجة إلى منطق عملى يعطيه فعاليته و هو الفحوة الكبرى التي لازالت ثلما يطغى عن عموم الطيف الثقافي العربي
لقد شخص أستاذنا الفاضل الجراح بعمق الدراية و الرواية و الخبرة و التجربة فكان تحليلا وصفيا عميق . .

اخر الافلام

.. مختلف عليه| النسويّة الإسلامية والمسيحية


.. كلمة أخيرة - أسامة الجندي وكيل وزارة الأوقاف: نعيش عصرا ذهبي




.. من يدمر كنائس المسيحيين في السودان ويعتدي عليهم؟ | الأخبار


.. عظة الأحد - القس تواضروس بديع: رسالة لأولادنا وبناتنا قرب من




.. 114-Al-Baqarah