الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرق بين النكاح والزواج في القرآن

نافذ الشاعر

2012 / 10 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في مقالي السابق المعنون بـ (مثنى وثلاث ورباع) اعترض البعض على استخدام القرآن لفظ النكاح بدلا من الزواج!
والسؤال هو: لماذا استعمل القرآن لفظ النكاح للدلالة على الزواج ولم يستعمل لفظ الزواج؟
التزاوج والمُزاوجة والازدواج في اللغة لا يدل على الزواج، إنما يدل على الاقتران والالتصاق الذي لا يوجد فيه انفصال، يقال ( زوّج ) الأشياء تزويجا وزواجا قرن بعضها ببعض[1]. وكل شيئين اقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان، وهو يكون بين الإنسان والحيوان والجماد والنبات.. فالتزاوج والمزواجة ليس بالضرورة أن يكون فيهما نكاح، فعلى سبيل المثال نجد أن القرآن يعبر عن إنجاب الرجل للبنين والبنات بلفظ التزويج: (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى:50). كما أنه يعبر بلفظ الزوج عن خروج أصناف النباتات: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى) (طه53). كما أنه يعبر عن الاقتران بين الشيئين بلفظ التزوج، يقال: زوجت إبلي: إذا قرنت بعضها إلى بعض، ومنه قوله عز وجل: ( وإذا النفوس زوجت) (التكوير) وقوله: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) أي قرناءهم.

فلو استخدم القرآن لفظ الزواج بدلا من النكاح لكان هذا معناه أن كل من يتزوج لا يمكن أن ينفصل عن زوجته بطلاق أو بغيره، وأن الالتصاق والاقتراف الذي حدث بينهما شيء كوني لا يمكن فصله..
ومعناه أيضا أن كل زواج يتم هو زواج مثالي يحوي كل معنى الزوجية التي أرادها الله.. وهذا كلام مخالف لسنن الكون، حيث نجد أن كثيرا من الأزواج لا يربط بينهما إلا غرفة النوم، ولا يربط بينهما إلا سقف البيت فقط..
ولهذا استخدم القرآن لفظ النكاح الذي يدل على الزواج، لأن كل زواج بين رجل وامرأة لابد أن يقوم على النكاح، لكن ليس كل نكاح فيه معنى الزواج، ويشير القرآن إلى الزواج بلفظ النكاح في جميع آياته فيقول مثلا: (ولاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) (البقرة235)، ويقول أيضا: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)النور33 ويقول أيضا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) (الأحزاب:49)
ولم يستخدم القرآن لفظ الزواج للدلالة على الزواج المعروف الناس إلا في موضعين فقط؛ الأول: في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش؛ حيث قال: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا) (الأحزاب37)، لأن ما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين زينب بنت جحش ليس نكاحا، كالمعروف بين الناس إنما هو زواج في أرفع معانيه؛ لأن زينب رضي الله عنه أعطت زوجها كل ما تستطيع إعطاؤه دون إمساك أو تحفظات أو مساومات، ودون حساب لما أعطت وما أخذت..
ولا يصح أن نطلق على ما حدث بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين السيدة زينب، كلمة زواج بمعناها الشرعي أو الديني فحسب، ولكن يجب أن نستخدم كلمة زواج بأوسع معانيها الروحية، وهو الاتحاد الدائم السعيد بين روحيين وجسديين متآلفين..

والموضع الثاني الذي استخدم القرآن فيه لفظ الزواج ولم يستخدم لفظ النكاح عند الحديث عن زواج المؤمن من الحور العين في الجنة فقال: (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) (الطور20)، وقوله: (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) (الدخان54)

أما كلمة النكاح في اللغة فهي مجاز وهي ليس بمعنى الوطء، ولم يستخدم القرآن كلمة الوطء للدلالة على الزواج، إنما استخدم معنى مجازيا غير موضوع للوطء أصلا، وهو النكاح، فالنكاح في اللغة معناه المخالطة بين شيئين قد يحدث بينهما انفصال، وهو مأخوذة من قولهم: (نَكَحَهُ الدَّوَاءُ إذَا خَامَرَهُ وَغَلَبَهُ، أَوْ مِنْ تَنَاكَحَتْ الْأَشْجَارُ، إذَا انْضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، أَوْ مِنْ نَكَحَ الْمَطَرُ الْأَرْضَ إذَا اخْتَلَطَ بِثَرَاهَا.. وَعَلَى هَذَا َيَكُونُ النِّكَاحُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ غَيْرِهِ) [2]

----------------------------------------
[1] المعجم الوسيط، باب الزاي
[2] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حلقة والكل يستمع
طه بن شيخة ( 2012 / 10 / 10 - 05:54 )
بعد التحية
ارجوا ان يكون سبب تجنبك الاجابة عن السؤال الاخير مدعاة لتحرير مقال مطول في شانه
ارجوا ان لا تكون الاجابة المنتظرة هي مجرد ترديد لحكمة الاسلاف الكبار البالغة
وحينئذ سوف تألفنا وقد انتظمنا في شكل حلقة والكل يستمع
وللتذكير السؤال هو
لماذا يعالج الاسلام انانية الرجل باباحة التعدد ولم يعالج امراض المرأة النفسية الكثيرة التى تنجم عن هذا التعدد
وسوف لن اعلق على اجابتك لان الساحة ستترك لمن اضطهدهن التعدد ليدلوا بشهاداتهن
وبخصوص قضية الرق
انا أوافقك في كون الرق قد انحصر بعد الاسلام لان موسى ابن نصير لم يسبي سوى 300 الف قوطي منهم 30الف قوطية شقراء
ارسلت فورا لعاصمة الخلافة لقتل انانية الرجال الى الابد
ولتنمية روح التنافس و الحب و التقرب الى الزوج الوحيد بين الزوجات اليتامى حتى لا يبيت غضبان عنهن
دون ذكر القبطيات والفارسيات والسودانيات والامازيغيات
وفي المستقبل الذي هو آتي لا ريب فيه سوف نلغي قوانيين الامم المتحدة الكافرة ونسبي الامريكيات والفرنسيات و الصينيات او يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما وعد بذلك امامنا السلفي القدير حبر الامة الحويني
وشكرا من جديد


2 - لماذا لم تفسر الموضع الثاني
حكيم فارس ( 2012 / 10 / 10 - 11:07 )
السيد الكاتب المحترم
تقول وردت كلمة زواج في موضعين فقط
واعطيت تفسير في الموضع الاول وهو زواج محمد من زوجة ابنه زينب
ولكن لماذا لم تعطي تفسير في الموضع الثاني وهو الزواج من حور العين
ببساطة لانك لو حاولت تفسر لنسفت فكرة المقال برمتها
حيص بيص اسلامي منقطع النظير


3 - رد الكاتب د.نافذ الشاعر
د.نافذ الشاعر ( 2012 / 10 / 10 - 16:05 )
ياسيد طه بن شيخة يجب أن تعلم أنه قد أثبت المختصون بشئون الأسرة أنه من المرغوب فيه صحيا أن ينفصل الزوجان أحدهما عن الآخر في إجازات قصيرة بين الحين والآخر، لأنه حتى أشد العلاقات بهجة يمكن أن تصير إلى الملل من خلال التكرار المستمر، والمرء يمل الواجبات المتكررة ولو كانت من أفخر الأطعمة.. وهذا ما يتم في الزواج من أكثر من زوجة، فليس هذا أمرا مفروضا على كل مسلم، وإنما هو علاج لبعض الأمزجة من البشر، ممن يحبون التغيير، وممن يكونون سريعي الملل، وممن يملكون القدرة على فتح أكثر من بيت، ولكن القرآن يقول : -فإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ-
ومن أجل أن الإسلام هو دين الفطرة، ودين العالمية، فيجب أن يضع الحلول للكل المشاكل الإنسانية، هذا بالإضافة إلى أن الزواج بأكثر من واحدة، قد يلجأ إليه المرء لمرض في زوجته، أو قد يلجأ إليه الإنسان لطلب الولد إن كانت زوجته عاقرا، أو قد يلجأ إليه الزوج تأديبا لنشوز زوجته، وإلى آخر هذه الأسباب..
وشكرا


4 - الاحسن ان نشتغل على الاطار الابسيمولوجي
طه بن شيخة ( 2012 / 10 / 11 - 03:53 )
يا استاذ نافذ انت باحث قدير و تبحث دائما عن التجديد وقد قرات لك في اصوات الشمال و تتبعت دفاعاتك الحارة حول الحق في تجديد التفسير والحق في امتلاك حرية النقد و الفكر لكن ما يعوز طروحاتك ليس سعة البحث والتقصي وغزارة المعلومة وانما يعوزها عدم الاستناد الى اطار ابستيميلوجي قوى وفعال
بمعنى ان اجتهاداتك لا تزال حبيسة النظام المعرفي الاسلامي الاصولي و الذي اصبح متجاوز بفعل الثورات المنهجية الحديثة
مثال ذلك ان افكارك لا تزال عاجزة عن تجاوز التاسيسات الاصولية الشافعية التي ادعت انها حددت بدقة القواعد الضرورية و الواجبة لفهم و تفسير القرآن بينما المناهج العلمية الحديثة قد تجاوزت درس الشافعي وافرزت بالمقابل مناهج جديدة تخص كيفية فهم عملية اشتغال الرموز الدينية في النص المقدس ومن هذه المناهج المنهج السيميائي الذي طبقه الراحل محمد اركون على عدة سور من القرآن وكتابه من التفسير الموروث الى تحليل الخطاب الديني خير دليل على ذلك
يا اخ نافذ انت تعلم اكثر مني ان خصومك من حراس التفسير القديم هم اكثر الناس مقتا لتجديداتك
الاحسن ان نشتغل على الاطار الابسيمولوجي
رجاء يتبع


5 - الاشتغال على الاطار الابستميلوجي سيجنبنا المزالق
طه بن شيخة ( 2012 / 10 / 11 - 04:07 )
بدل تضيع الجهد في وظيفة الشرح و التفسير واكتشاف المضامين الخفية للنص لان هذه وظيفة اللاهوت في القرون الوسطى كما ابان ذلك ميشال فوكو في كتابه الكلمات والاشياء
وحتى نتفادى الوقوع في صراع التاويلات و الهرمينوطيقات
ومنطق الملل الهالكة والفرق الناجية
الاشتغال على الاطار الابستميلوجي سيجنبنا هذه المزالق جميعا
يجب ان نسال النص ما لم يقله ولا نكتفي بالاذعان لما قاله فقط
يجب ان نحاور النص و لا نكون مجرد مناصرين له داعمين له كيفما كان
لان النصرة هي من وظيفة المؤمن وليست من وظيفة الباحث العلمي الرزين
فالباحث العلمي لا ينخرط مباشرة في التبرير والشهادة والنصرة
الباحث العلمي يبدا بالشك والاختراق ثم الزحزحة والتجاوز
لاحظ كيف ان النص الديني غزير بالاصالة والتوتر المعرفي والروحي
بيينما النص التفسيري غني باليقينيات الجامدة والادبيات التبسطية التبريرية المملة القاتلة لروح الابداع والفكر الخلاق
لا يمكن ان نصل الى التجربة الروحية الاصيلة عن طريق التقليد
وانما نصل اليها حقا لما تكون لنا الشجاعة الكاملة لتجريب مقولاتنا الشخصية في فهم واستيعاب اشكالات الميتافيزيقا
تقبل انتقاداتي بروح الباحث وشكرا


6 - رد الكاتب د.نافذ الشاعر
د.نافذ الشاعر ( 2012 / 10 / 11 - 19:34 )
تحياتي اليك طه بن شيخة ليس بالضرورة كي يكون الشخص مفكرا لابد أن يتجاوز طروحات الشافعي أو يتجاوز التراث القديم برمته، إنما في تراثنا القديم الغث والسمين، فيجب على الشخص أن يكون منصفا وحياديا في هذه الأمور، فقد ترك لنا أسلافنا تراثا عظيما وزادا فكريا لا يمكن إغفاله..
والحقيقة أنا لم أقرأ لمحمد أركون وإن كانت كتبه عندي تنتظر الوقت لقراءتها، ولكن قرأت كل ما كتبه نصر أبو زيد وحسن حنفي وهم من نفس المدرسة ولا أعتقد أن طروحات أركون تبعد كثيرا عنهم، ومع ذلك فإننا نجد المفكر الكبير حسن حنفي لا ينادي بإلقاء طروحات الشافعي وغيره من مفكرين الأمة، إنما يجب أن نبني على هذا التراث العظيم ولا ننبذه..
أنا كتبت مقالات كثيرة حول التفسير وفهم القرآن ويمكنك أن ترجع لمقالي المعنون (مفهوم النسخ في القرآن) وسترى في هذا المقال رؤية جديدة لفهم القرآن العظيم..
تحياتي إليك

اخر الافلام

.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية #سوشال_سكاي


.. بايدن: إسرائيل قدمت مقترحا من 3 مراحل للتوصل لوقف إطلاق النا




.. سعيد زياد: لولا صمود المقاومة لما خرج بايدن ليعلن المقترح ال


.. آثار دمار وحرق الجيش الإسرائيلي مسجد الصحابة في رفح




.. استطلاع داخلي في الجيش الإسرائيلي يظهر رفض نصف ضباطه العودة