الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعليم المقهورين من فريري إلى بوال

عائشة خليل

2012 / 10 / 14
التربية والتعليم والبحث العلمي


كتب الفيلسوف البرازيلي باولو فريري كتابه الرائد "تعليم المقهورين" عام 1968، والذي ترجم إلى الإنجليزية عام 1970، وترجمه مؤخرًا إلى العربية مازن الحسيني تحت عنوان "نظريات في تربية المعذبين في الأرض" وصدر عن دار التنوير، عام 2002. وكان الكتاب سببًا في سجن الكاتب ثم نفيه من موطنه البرازيل، ولكنه كان أيضًا سببًا في ظهور حركة "التعليم النقدي" وانتشارها في أرجاء المعمورة. ومن الصعوبة بمكان اختزال أفكار فريري في عدة أسطر، بيد أنه يمكننا القول إنه ينتقد ما يلقبه بالتعليم البنكي: أي التعليم المبني على أساس إيداع المعلومات من قِبَل المعلم لدى الطلاب، ثم استدعائها آخر العام. يرى فريري في العملية التعليمية تجربة تحررية يستفيد منها الطرفان - الطلاب والمعلم - وبالتالي فإن على المعلم أن يبدأ بدون أفكار مسبقة، ويتوقع أن لدى طلابه ما يعلمونه إياه. يرسم فريري أيضًا تصوراته للتعليم المبني على البحث عن حل لمشكلة ما، بحيث يبحث الطلاب سويا مع المعلم إيجاد حل للمشكلة المطروحة، فالتعليم لدى فريري هو عملية تمكينية - وليست تلقينية – للطلاب.
وبما أننا نتحدث عن "حركة تعليم نقدي" فلقد تشعب استخدام الفكرة بين العديد من العاملين في مجالات التمكين، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة. ولعل أبرز من احتفى بفريري وفكرته الرائدة في مجال النسويات، الكاتبة الأمريكية من أصل أفريقي بال هُوكسْ فلقد وجدتها وسيلة رائعة لتعليم الطلاب في الفصل الدراسي بالأسلوب النقدي، ولكن أهم تطور لفكرة كانت على يد المخرج البرازيلي الراحل أوغسطو بوال، والذي تعرض أيضًا للسجن والنفي من موطنه البرازيل كصديقه فريري. يستعدي بوال فكرة أن التعليم الأفقي (من أعلى إلى أسفل) يكرس الهيمنة، ويستخدمها في مسرحه "مسرح المقهورين" فالمسرح بحسب بوال يجب أن يكون مساحة ليتعلم المقهورون أن عدة عوامل تتقاطع لتكرس هيمنة شخص ما على آخر (أو على موقف) كي يسيطر، ويهيمن، وفي النهاية يكسب. ولذا يقوم بوال برسم موقف ما، يحاول فيه شخص الهيمنة على آخر، ويقوم المشاركونً برسم السيناريوهات المحتملة لرد العدوان أو محاولة الهيمنة، ثم يقومون بتمثيلها، حتى يصلوا إلى حل مُرضي. وبالطبع تقوم فكرة "مسرح المقهورين" على انعدام الهرمية بين المخرج والكاتب والممثل من جهة والمشاهدين من جهة أخرى، وهو تطوير لفكرة انعدام التعليم الأفقي التي دعا إليها فريري. ففي مسرح بوال لا يوجد مخرج وإنما وسيط يدعى"الجوكر" ينظم الحوار بين المشاركين، ويستدعيهم لتمثيل ما طرحوه من أفكار ومناقشتها مع غيرهم من المشاركين.
ولأن كلا من فريري وبوال ينتصران للمقهورين، فلقد وجدت أفكارهما أرض خصبة بحيث تطورت وأخذت أبعادًا جديدة. فمثلا تستخدم فكرة "مسرح المقهورين" بين الجماعات التي تعمل على تمكين المرأة، لرسم سيناريوهات محتملة لمواقف متباينة قد تتعرض لها النساء- فمن التحرش في مجال العمل، إلى العنف الأسري، إلى الاعتداء من أجل السرقة بالإكراه، إلى غيرها الكثير - رسمت تلك الجماعات سيناريوهات مختلفة ودعوا (المشاركات والمشاركين) لطرح ردود أفعال عن تلك السيناريوهات المحتملة. والفكرة في استخدام ذلك من أجل تمكين المرأة، هو إعداد المرأة بردود أفعال محتملة عن تلك السيناريوهات شبه الواقعية حتى تكون جاهزة للرد عند وقوعها، ولا تفاجأ مما ييسر عليها الموقف إلى حد ما.
وقد يكون "مسرح المقهورين" أداة فاعلة للتخفيف من التحرش الجنسي الذي تتعرض له المصريات في الشوارع والذي زادت وتيرته مع الانفلات الأمني بعد الثورة - وتضافر مع غض المجتمع البصر عنه- ليشكل ظاهرة باتت تعاني منها الفتيات والسيدات بشدة بحيث تناقلتها وسائل الإعلام العالمية. تسمع كل فتاة أو سيدة عن التحرش الجنسي، وقد تتعرض له مرات ومرات؛ ولكنها تبقى غير مستعدة لرد فعَّال. وقد يساعد مسرح المقهورين كونه مسرحا للمقهورين، في إيجاد مساحة آمنة للسيدات والفتيات للتعاطي مع مشكلة أصبحت تؤرق الشارع القاهري؛ فهل من مجيب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزتي الأستاذة عائشة خليل المحترمة
ليندا كبرييل ( 2012 / 10 / 15 - 03:45 )
شعرت وأنت تتكلمين عن مسرح أوغسطو بوال كأنك تقصدين هذا الموقع الذي نشارك فيه بآرائنا وأفكارنا
الموقع هنا أيضاً مسرح
حيث تطرح قضية ، مسألة، ثم يبدأ المشاركون بطرح ردود الأفعال، كما أفعل أنا الآن، وكلها آراء محتملة تهيئ الناس لمختلف التيارات وتأثيراتها
والحوار بين الناس أداة فاعلة للتخفيف من الغلواء والتطرف وإطلاق المخزون قبل أن يتفجر ويسبب ما لا تحمد عاقبته
المناقشات السليمة، وحتى الرديئة المكروهة، إلا ما تعدت حدود الأدب واللياقة، تطلع الآخرين على كيفية طرق التفكير عند الناس لإيجاد الحلول المناسبة
لن نتجاوز إلى الإيجابية ما لم نعرف مواطن الضعف
المسرح ، أكثر الفنون التي تصلح للتعليم لأنه يتعامل بشكل مباشر مع الجمهور
قدمت لنا ما تستحقين عليه التحية والتقدير
شكراً

اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط