الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار أملاه الحاضر 6 الشريعة وتطبيق الحدود ....الزنا (1)

عبد المجيد حمدان

2012 / 10 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حوار أملاه الحاضر ... 6
الشريعة وتطبيق الحدود ..... الزنا (1)
قلت لمحدثي : موضوع الزنا ، وهو فاحشة وإحدى الكبائر السبعة ، كونه العلاقة بين رجل وامرأة ، خارج إطار الزوجية ، هو أكثر الموضوعات حضورا عند الوعاظ ، وأئمة المساجد ، ومتصدري الجلسات العامة ، ومظهريي التدين ...الخ . والدعوة لتطبيق حد الزنا يتصدر الدعوات لتطبيق الشريعة وحدودها ، أليس كذلك ؟ قال : نعم هذا صحيح . ذلك أن تخليص المجتمع مما يتردى فيه من فساد ، ومعالجة ما تشهده مجتمعاتنا من فسق وفجور ، لا بد وأن يبدأ من هذه القضية المركزية . انتشار الزنا ، كما تعلم ، سببه غياب العقوبة الرادعة . والسكوت عليه يعني انتشار الرذيلة ، وإصابة الأسرة ، اللبنة الأساسية في تكوين أي مجتمع ، بخلل يعقبه عطب ، يشكل المرتكز والأساس لكل الأمراض المجتمعية اللاحقة . تلك الأمراض التي تعطل طاقات وقدرات وإمكانات أي مجتمع على البناء والنمو والتقدم ....الخ . قلت : ولأن هذا الموضوع شائك ، وتركيبته معقدة ، وحدوده وتطبيقها أكثر تعقيدا ، فدعنا نحاول ، بأكبر قدر من الهدوء والمنطق ، فك طلاسمه ، علنا نفيد ونستفيد . قال : من قال أنه موضوع شائك ومعقد ؟ وعن أي طلاسم تتحدث ؟ على العكس تماما هو موضوع شديد الوضوح ، سهل وبسيط ، والحدود فيه أيضا شديدة الوضوح ، لا تعقيد فيها ولا ما يحزنون ، وتطبيقها في منتهى السهولة .
مجتمعات ما قبل الحداثة :
قلت : تعال إذن نلقي معا نظرة على خريطة العالم ، ونستعين بالانترنيت ، ندخل إلى موسوعة من الموسوعات ، ونسأل : ترى هل كان هناك مجتمع واحد ، حتى قبل مائة سنة ، وليس في عصر نزول الدعوة ، يرى في العلاقة خارج إطار الزوجية ، علاقة شرعية ؟ هل يوجد مجتمع واحد على ظهر كوكبنا الأرض ، الآن ، يسمي هذه العلاقة باسم آخر غير اسم الزنا ؟ وهل يوجد مجتمع لا يقدس الأسرة ، ولا يعمل على صحة روابط أعضائها ؟ ألا تقوم تعاليم الأديان كلها ، الوضعية قبل السماوية ، الوثنية قبل التوحيدية ، بالحض على قدسية هذه الروابط ؟ قال : طبعا توجد مجتمعات كثيرة . ماذا تقول في الغرب إذن ؟ الغرب الذي يشرع الزنا ، ويعيش تفكك الأسرة ، وانعكاساتها السيئة على الأبناء ؟ قاطعته قائلا : رويدك يا صاحبي . لا أريد الدخول معك في جدل ، حول أي الأسرتين ، المسلمة أو الأوروبية ، توفر بيئة صحية أفضل للطفل ، لأنه ، أي هذا الحوار ، سيدفع بنا إلى خارج دائرة موضوع حوارنا هذا . أنا سألتك عن مجتمعات العالم حتى قبل مائة سنة . والمجتمعات الغربية ، وهي كثيرة ، وشديدة التنوع ، بدأت تخطو نحو ، وعرفت هذا التسامح تجاه هذه العلاقة ، أي خارج إطار الزواج ، بعد الحرب العالمية الأولى وأهوالها ، ثم تقدمت خطوات أوسع وأعمق ، بعد الحرب العالمية الثانية ، الأشد هولا من الأولى . وهذه المجتمعات ، ويمكنك أن تتأكد من أي مصدر معرفي شئت ، ما زالت تصنف العلاقة خارج إطار الزوجية ، كخطيئة ،وتسميها بنفس التسمية الأولى ، أي الزنا . والتسامح الذي حدث ، كان تجاه العقوبة التي كانت قاسية ، بل وشديدة القسوة ، وحتى وصلت إلى ما هي عليه حاليا ، أي الانفصال . وافقني هذه المرة بهزة من رأسه ، ولأعاود سؤاله : في تقديرك كيف كان حال المجتمع الحجازي قبل الدعوة ؟ هل كان ينظر للعلاقة خارج إطار الزوجية ، كعلاقة محبذة ؟ مرغوبة ؟ محببة ؟ مقبولة ؟ هل كان لا يعتبرها زنا ومن ثم خطيئة ؟ وهل كانت هذه العلاقة متفشية في المجتمع ، أم انطبق عليها ذات الحال ، كما هي في مجتمعاتنا الحاضرة ؟ قال : كانت الرذيلة متفشية في مجتمع الحجاز – مكة المدينة ، التي كان اسمها يثرب ، الطائف ، وما جاورها من البوادي – . كان ذلك المجتمع فاسدا . وكما تعرف كان الإسلام صاحب الفضل في إخراجه مما كان فيه . قلت : هذا كلام خطير . ويبدو أنك مثل كثيرين غيرك ، واظبت على ترديده دون أن تتوقف لحظة للتفكير فيما يترتب على قولك من نتائج . قال : وكيف ذلك ؟ قلت : كان عرب الحجاز خصوصا ، والعرب عموما ، شديدي الفخر بأنسابهم . ولعلك لم تسأل نفسك ، كيف يتفق فخرهم هذا مع حقيقة تفشي الرذيلة ، حيث يمكن أن تكون الأم غير شريفة ، ويكون الأب الحقيقي غير الأب المنسوب إليه ؟ قال : ولكن تفشي الرذيلة كان حقيقة ساطعة . هكذا تعلمنا ، وبه تقول كل العظات التي وصلتنا على ألسنة الوعاظ ، وحتى الأئمة والفقهاء والعلماء . قلت : على مهلك يا صاحبي . أود أن أسألك ، ورجاء لا تعتبر سؤالي استفزازيا . لقد بلغ صحابة النبي أكثر من مئة ألف – 117 ألفا في بعض المراجع و119 ألفا في أخرى – فهل كان بينهم من كان مشكوكا في نسبه ؟ قال متحفزا : لا أحد . قلت : بلى ، ونعرف منهم اثنين فقط : زياد بن أبيه ، وعمرو بن العاص . قال : زياد بن أبيه نعم . هذا واضح . أما عمرو بن العاص ، فحاشا وكلا . قلت : عمرو بن العاص كان ابنا لواحدة من صاحبات الرايات الحمراء ، واسمها النابغة ، يملكها وغيرها أبوه العاص بن وائل السهمي ، يشغلهن في البغاء . وحسب قوانين تلك الفترة ، كما تعرف من أنواع الزواج آنذاك ، كانت الواحدة إذا حملت تجمع الرجال الذين دخلوا عليها ، وتقول لواحد منهم : أنت والد من في بطني . ويقضي عرف ذلك الزمان أن يعترف ذلك الشخص بأبوة ذلك الطفل ، وهو ما حصل مع العاص وابنه عمرو . قال : هذا محض افتراء ، وهذا الصحابي الجليل أرفع وأشرف من أن يقال عنه مثل هذا الكلام . قلت : إذن اقرأ تاريخ الطبري ، أو تاريخ ابن كثير ، أو من شئت ، وتوقف عند الحوار الذي جرى بين علي بن أبي طالب وعمرو بن العاص ، أثناء معركة صفين . شتمه علي قائلا ، يا ابن النابغة . فرد عمرو والله لن أجالسك بعد اليوم أبدا . ومعنى مثل هذه الشتيمة عند العرب ، أن الرجل حين ينادى باسم أمه ، يقال له أنت ابن زنا . ولذلك كان رد عمرو ما رأيت . قال : سأرى ، رغم أن كتب التاريخ ليست بالمصادر التي يعتد بها في مثل هذه الأمور ، ورغم أنني متأكد ، ولا يخالجني أدنى شك ، بأن هذا الصحابي الجليل أشرف وأرفع مقاما من أن يقال فيه مثل هذا الكلام الفارغ . قلت إذن ما معنى وصفك لمجتمعات مكة ويثرب والطائف آنذاك بالسقوط في الرذيلة ، ثم لا تجد واحدا من أبناء ذلك العصر يمكن أن يُطعن في نسبه ؟ إذن ألا يحمل مثل هذا الوصف الكثير من المبالغة ، والكثير من التجني على الحقيقة ؟ وأخيرا دعني أسألك ، بعد كل هذا التمهيد للدخول في مسألة الحدود : هل كان مجتمع الحجاز قد شرع عقوبة ، وقام بتطبيقها ، لارتكاب الحرة – وأرجوك أن تتوقف هنا عند كلمة الحرة – أو الحر لخطيئة الزنا ؟ قال : لا أدري ، وربما يكون قد شرع لها عقوبة . لكن ما أعرفه أن ذلك المجتمع كان متسامحا أو متساهلا ، وربما ما كان يطبق أية عقوبة . قلت : ها أنت تعود لمغالطة نفسك من جديد . ودعني أنعش ذاكرتك : ألم تقرأ أسباب نزول آيات اللعان أو الملاعنة ؟ قال : بلى قرأتها . قلت : ألم يلفت نظرك أن المسلمين ، صحابة النبي المقربين ، تذمروا ووجدوا صعوبة في تقبل حكم الشهود الأربعة ، ومعها منع من يجد زوجته في حضن رجل ، وعلى فراش الزوجية ، من المساس بأي منهما ، والبحث عن شهود أربعة ، عدول ، لإثبات واقعة الزنا ؟ قال : نعم ذلك لفت نظري ، ولكن ما العمل ، فذلك حكم الله . قلت : أنا الآن لا أسألك عن حكم الله ، أسألك إن كنت فكرت في أسباب تذمرهم . قال : في الواقع لا . قلت : تذمروا لأن حكم الله نقض حكمهم القاضي بقتل طرفي الفعل فورا ، وبدون أي تردد . ذلك كان حكم الجاهلية ، كما تسميها أنت وأمثالك ، وهو الحكم المطبق منذ ما بعد الخلافة الراشدية ، وابتعاد العهد بالنبي وبدء الدعوة . وهو الحكم الذي تدافعون عنه بكل ما نراه من حماس ، وبدعوى أنه حكم الشرع . قال : ولكن ماذا تريدنا أن نفعل ؟ أتريدنا في غياب دولة الإسلام أن نترك الجناة يفلتون بفعلتهم ، فنهيئ تربة للفساد أكثر مما هو مهيأ لها ؟ قلت : إذن دعنا ننتقل لمسألة حد الزنا ، ولأسألك : هل عقوبة الزنا حد من عند الله ، أنزله ليضبط حال المجتمعات ، أم هو في الحقيقة تشريع سنه الناس ، لضبط مجتمعاتهم ، فارتضاه الله لهم ، على عادة أن يرتضي للناس ما ارتضوه لأنفسهم ؟
مع البداية :
قطعت على محدثي جوابه قائلا : قبل أن تجيب ، وقبل أن نبدأ في طرح وعرض أشكال وأنواع الزنا ، والعقوبات المقررة شرعا لكل نوع ، دعنا نعود قليلا إلى البداية . قال : أي بداية تقصد ؟ قلت بداية الخلق ، فبداية العلاقات بين البشر ، متدرجين فيها إلى ظهور الإسلام ، وفرض الحدود . وبعد أن تيقنت من موافقته أضفت : تتفق الديانات السماوية الثلاث في قصة خلق آدم وحواء ، وفي ظهور البشرية من نسلهما . كانت حواء تلد توأما ، في كل مرة ، ولد وبنت . وكان الولد يتزوج أخته من التوأم الثاني . نشأت البشرية ، تكاثرت وتطورت ، وظل عرف زواج الأخ من أخته قائما وساريا ، ردحا طويلا من الزمن . وكان الله راضيا طوال هذا الردح الطويل من الزمن . راضيا لأن هندسة نشأة وتكاثر وتطور البشرية ، بهذا النحو ، هي من فعله . هو من قال لفعل الزواج هذا ، زواج الأخ بأخته ، كن فكان . وراضيا لأنه لم يضمن رسالة أي رسول ، وتعاليم أي نبي ، شيئا ضد هذا الزواج . لم يشر حتى إلى كونه مكروها قبل أن يقول بحرمانيته . وبعد ظهور الإسلام بقليل ، مع بدء التشريع في المدينة ، غدا هذا النوع من الزواج ، فاحشة ، وكبيرة هي أكبر الكبائر . ومعنى هذا التشريع الإسلامي أن كل البشرية هم أبناء زنا . احتج محدثي قائلا : لا أسمح لك بمثل هذا الافتراء . قلت : لماذا هو افتراء ؟ ألا تقر كل الأدبيات الإسلامية بهذه البداية ؟ قال : ولكن القاعدة الشرعية تقول بأن الضرورات تبيح المحظورات . وزواج الأخ بأخته ، وحتى الصراع على الأخت الجميلة ، والذي أدى لأن يقتل قابيل أخاه هابيل ، هو من باب هذه الضرورات . قلت : أيعني قولك أن الله لم يكن قادرا على تغيير هذه الضرورات ، بأن يخلق أكثر من آدم واحد ، وأكثر من حواء واحدة ، وهو بالمناسبة ما تقوله نظريات التطور ، فلا يضطر الأخ للتزوج من أخته ، ولا تكون البشرية كلها بالتالي أبناء زنا ؟ . ولأني لاحظت أن محدثي يستعد لشن هجوم صاعق ، سارعت إلى تذكيره بحكاية لوط وزناه ببناته ، وكيف أن مكانته عند الله لم تتأثر بهذا الفعل . وأن ادعاء التوراة بأنه لم يعرف ما حدث لا يقبله رضيع ، قبل العاقل . كما ذكرته بأن إبراهيم أبو الأنبياء كان متزوجا من أخته . صرخ محدثي مستنكرا : هذا غير صحيح . هذا افتراء ، لا ينطق به مسلم مؤمن بالها وكتبه ورسله . قطعت عليه الحديث مذكرا إياه باتفاقنا عن عدم القذف بالتكفير ، ومضيفا : أنا لست من يقول هذا يا صديقي ، ولكنها التوراة هي من تقوله . والتوراة لا تكتفي بذلك ، بل وتضيف أن أبانا إبراهيم ، حين هاجر إلى مصر ، هربا من القحط الذي أصاب فلسطين ، وكانت زوجته سارة بما هي عليه من جمال ، وبما يعرفه عن عشق سادة المصريين للنساء الجميلات ، وبدعوى الخوف من احتمالية أن يقتله سيد مصر ، كي ينفرد بسارة ، اتفق معها على أن يقولا أنها أخته ، ومن ثم قدمها طائعا للحاكم ، ومعللا الأمر بأنه قد يصيبهما الخير بسبب ذلك . وتضيف التوراة أن ذلك هو ما حصل . استمتع بها الحاكم ، ثم اكتشف بالصدفة ، ومن مداعبة من إبراهيم لها ، أنها ليست أخته . لاحظ هنا ، وحسب كلام التوراة أن التقاليد المصرية قضت بمنع مداعبة ، ومن ثم زواج ، الأخ للأخت . اعترف إبراهيم بأنها زوجته ، وأنها أخته غير الشقيقة في ذات الوقت . غضب الحاكم وطردهما من مصر ، لكنه أعطاهما كل الخير الذي حصلت عليه بسبب استمتاعه بها ، وعادا به لفلسطين . احتج محدثي مذكرا أن ديننا نفى هذه الحادثة ، وأن الله تدخل في الأمر ، وحال بين الحاكم المصري وبين لمس سارة . قلت : نعم أوافقك في ذلك . لكن أنا هنا لا يعنيني الآن موقف المسلمين من التوراة . أو أن القرآن نفى أو لم ينف هذه الحادثة ، أو أنه حتى لم يشر إليها ، واكتفى بأن أشارت لها الأدبيات الإسلامية الأخرى . وبالمناسبة تقول التوراة أن إبراهيم كرر هذه الفعلة مرة ثانية ، لكن مع ملك جرار الفلسطيني هذه المرة ، وكان اسمه أبيمالك ، وحصل منه على الخير بسبب ذلك مرة أخرى . وأكثر من ذلك ، عاود ولده اسحق ذات الفعل ومع ملك آخر من ملوك جرار الفلسطينية ، وكان اسمه أيضا أبيمالك ، مطابقا لاسم الملك الأول الذي استمتع بأمنا سارة . ما يعنيني أن زواج الأخ من أخته استمر إلى أبعد كثيرا من نصف عمر البشرية . وأيضا أن الله لم يعتبر تقديم إبراهيم زوجته لاستمتاع الملوك بها ، على أنه دعارة ، أو زنا ، أو خطيئة ، أو فاحشة . ولم ينقص ذلك من قدر إبراهيم ، ومن بعده اسحق ، عند الله وزن خردلة . فهل لك أن تفسر لي ماذا عنى كل ذلك ؟ قال : أنت تطلب مني أن أفسر ما أعتبره كذبا وافتراء على الأنبياء ، وليس أي أنبياء ، بل على أبينا إبراهيم وعلى سيدنا اسحق ، ثم تقول لي فسر ؟ قلت لك أن المسلم لا يعترف بهذه التوراة المحرفة مرجعا له . وأنا أستغرب كيف تراها أنت مرجعا ، ثم تستشهد بما ورد فيها ، وتستند إليه . قلت : ليست صحة أو عدم صحة التوراة موضوع حوارنا الآن . ويمكننا أن نعود في جلسة أخرى ، ولكنني أريد أن أنبهك إلى أن قصصها ظلت من أكثر منابع التأثير في الثقافة الإنسانية . وأن مليارات البشر تربوا على هذه الثقافة . وأن هذه الحكايات دخلت ، بشكل أو بآخر ، في صميم تربيتهم . ولكل هذا سأتحفك بحكايتين أخريين . الأولى تتعلق بيعقوب ، أو إسرائيل بعد تحول اسمه . يعقوب هذا ، والقول للتوراة ، جمع بين الأختين . تزوج ليئة في البداية ، ثم تزوج بأختها الشقيقة راحيل . ولم يكتف بالجمع بين الأختين ، بل جمع إليهما خادمتيهما . يعني أن الزواج من أربع نساء ، هذا التشريع الإسلامي ، كان السبق فيه لإسرائيل ، يعقوب . والملفت للانتباه أن قدر يعقوب ، رغم جمعه بين أختين شقيقتين ، وهو خطيئة ترقى إلى مرتبة الفاحشة ، لم ينقص عند الله وزن خردله . وأكثر تمسك الله لهؤلاء الثلاثة بوعده في إعطاء أرض فلسطين لهم ، بعد إبادة شعبها . من جديد قال محدثي : هذا كلام لا وزن له عندي ، لأن التوراة الحاضرة ليست مرجعيتي . قلت وماذا عن داود ؟ أنت لاشك تعرف أن النبي لم يذكره مرة إلا ووصفه بأخي داود . وداود في القرآن صاحب التسع والتسعين نعجة ، الذي طمع في نعجة أخيه . وبالمناسبة هذه الحادثة مذكورة في التوراة بذات النص تقريبا . وفيها حرج داود الملك إلى سطح قصره ، فرأى من مكانه امرأة تغتسل في صحن بيتها . أعجبته . وباختصار أقام معها علاقة فحملت منه . ولأن زوجها ، واسمه أوريا الحثي ، كان في الحرب ، كان ظهور حملها سيشكل فضيحة . أرسل داود وراءه ، وجاء أوريا . لكنه رفض دخول بيته ، تطبيقا لقاعدة عسكرية تقول بعدم جواز اقتراب الجندي من زوجته ، وزملاؤه في المعركة . أعاده داود إلى الجبهة ، مع توصية بوضعه في الأماكن الأكثر خطورة ، وقتل . تزوج داود من زوجة أوريا ، وجاء ولدهما مشوها ، ومات بعد مدة . لكن هذه الزوجة ، واسمها بَثْشَيَع ، ولدت له فيما بعد سليمان المعروف بسلمان الحكيم ، والذي ورث الحكم من بعده . وأقول : نحن هنا ليس فقط أمام حادثة زنا صريحة وواضحة ، بل وأمام تآمر على الزوج انتهى بقتله . ومع ذلك لم تتأثر مكانة داود في عيني الرب ، وعلى العكس زاد رضا الرب منه . وانعكس هذا في تقديس كل الأمم التي آمنت بإحدى الديانات السماوية الثلاثة له . فكيف تفسر لي هذا ؟ قال لست مضطرا لتفسير أي شيء لأن ذلك مجرد محاولة لتشويه النبوة والأنبياء . ونحن كمسلمين ، نربأ بأي نبي عن فعل ما هو أقل من هذا بكثير . قلت : ولكن أنا لدي تفسير . وتفسيري أن الله دائما ارتضى للناس ما ارتضوه لأنفسهم . وما ارتضوه ، لم ينقص من قدر أنبيائه شيئا ، رغم أنه حرَّم مثيل ما فعلوه لاحقا ، بل وغلظ هذا التحريم تغليظا كبيرا . قال : لا أوافقك ، وكما قلت لك أنا غير مستعد لمجرد النظر فيه ، لأنني أعتبره زورا وبهتانا ليس غير . قلت : إذن دعنا ننتقل إلى نقطة أخرى . إلى أشكال الزنا ، وعقوباتها كما وردت ونص عليها الشرع . ولنرى إن كان ما قلناه زورا وبهتانا ، أم حقيقة ساطعة .
أشكال الزنا :
قلت : أنت تعرف أن الزنا ، الذي وصف بالفاحشة ، وبالكبيرة ، وبإحدى الكبائر السبعة ، يتعدى الزنا المتعارف عليه ، بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج . هذا الزنا يأخذ أكثر من شكل وصورة . قال : نعم هذا صحيح . قلت : أول أشكال الزنا هو الذي يقع بين امرأتين ، المثليات كما نصفه الآن ، وقد نصت عليه الآية 15 من سورة النساء . والثاني هو ما يحدث بين ذكرين – المثليين – أو ما يعرف باللواط ، ونصت عليه الآية 16 من ذات السورة . ثم هناك ثالثا سفاح القربى ، والاغتصاب رابعا ، ثم الزنا المعروف لنا خامسا . وسألت : هل نسيت شيئا ؟ قال : حسب معرفتي لا . قلت : عقوبة النوع الأول حددته الآية بالحبس في البيت حتى الوفاة أو يجعل الله لهن سبيلا ، التوبة مثلا . والثاني حدد عقوبته بالإيذاء ، وعلى مرأى من الناس ، حسب نص الآية . ولأن الله عاقب قوم لوط ، الذين استمرأوا هذه الفاحشة ، بإهلاك المدينتين – سادوم وعاموراه - بحمم بركان مدمر ، فهم المسلمون أن حد الإيذاء هو الحرق بالنار . وهذا الحد ظل يقام في خلافة أبي بكر ، ثم في خلافة عثمان . أما عمر وعلي فاستبدلوا الحرق بقتل الفاعلين ، برميهما من مكان عال ، من فوق جرف صخري ، أو من فوق بيت سكني عالي . الآن لا ينبس المطالبون بتطبيق الشريعة ، ببنت شفة عن هذين الشكلين من الزنا . وأنت تعرف أن السكوت على الشيء يعني الرضا به ، وإجازته . قال : هذا غير صحيح . لا يجيز ، لا الشرع ولا حتى التقاليد والأعراف ، هذين الشكلين . قلت : أنا أقول أن الوعاظ والأئمة ، وهم يصرخون ضد الزنا ، ويتحدثون عن الفضيلة والرذيلة ، يتجاهلون واقع أن هذين الشكلين موجودان ، وممارستهما قائمة . وحتى لو أنك سألتهم فإنهم ينكرون وجودهما . وهذا لا معنى له سوى الرضا بما هو قائم . وأريدك أن تفهم رأيي وهو أنهم خيرا يفعلون . غمغم محدثي بشيء لم أفهمه ، ولذلك تابعت : أما الشكلان الثالث والرابع فأنت تعرف أنه رغم أن عقوبتهما مغلظة ، وهي قتل الفاعل ، لكن القائمين على الشرع يقومون بعملية طبطبة على الموضوع ، ولا حيز له في خطبهم وعظاتهم . وما يحدث أنه في حال افتضاح جريمة زنا المحارم ، أو سفاح القربى ، يقدم الأهل على قتل الأنثى ، وتحت ما يسمونه بغسل العار ، أو الدفاع عن شرف العائلة ، فيما لا يُمس طرف العلاقة الثاني ، على عكس ما ينص الشرع . والأهم أن جريمة غسل العار هذه تحظى دوما بمباركة رجال الدين ، ومن منطلق ما يصفونه بمحاربة الرذيلة . وتابعت : الأسخم ما يحدث مع النوع الرابع . فإذا كانت الضحية بكرا يأتي الحل بتزويجها من المغتصب . وهذا الحل يعني ليس فقط عدم تطبيق الشرع ، وإنفاذ عقوبة الحد بحق فاعل الجريمة ، بل ومكافأته بالزواج من الضحية . وعلى الناحية الأخرى يتم عقاب الضحية مرتين . مرة وقت الاغتصاب ، وثانية كل حياتها الزوجية اللاحقة . قال : في غياب دولة الإسلام ماذا تتوقع من رجل الدين ، أيبارك ما يحدث أم ماذا ؟ قلت : ولكن القانون الوضعي أيضا يعاقب الفاعل عقابا صارما . فلماذا لا تطلبون تطبيقه ، وفيه ردع للجناة أكثر مائة مرة مما يتم تطبيقه ؟ قال : نحن يا سيدي نريد تطبيق شرع الله ، ولا شيء أقل . لكن حتى يقام شرع الله لا بد أن تقوم دولة الإسلام ، وهذا ما نسعى إليه . قلت : وماذا عن النوع الخامس ، هل أنتم بالفعل ملتزمون ب ، وعازمون على ، تطبيق شرع الله ؟ قال : نعم بالتأكيد نحن ملتزمون وعازمون . قلت : لكن مسألة التطبيق هنا في غاية التعقيد ، وقبل ذلك تتناقض مع التربية ، التي اجتهدتم سنين طويلة ، في تنشئة الناس عليها . قال : أنت وأمثالك من تقولون أنها معقدة . وفي واقع الحال أحكامها واضحة وضوح الشمس ، ومن ثم فتطبيقها يكون سهلا وبسيطا ، ورادعا في ذات الوقت . رادعا بحيث ينتشل شعوبنا من هذا الفساد ، ومن أحضان الرذيلة التي تدفقت علينا من الغرب الفاسد ، ووصفت بألفاظ كبيرة مثل التقدم والرقي والمدنية والعلمانية والحضارة . قلت : المسألة تماما غير ما تقول ، وأنت تعرف ومتأكد من ذلك . فالزنا ، وهو العلاقة غير الشرعية ، بين رجل وامرأة ، حظيت باهتمام كبير في النص القرآني . والنص وقف على تفاصيل أنتم يا من تطالبون بتطبيق الشرع أول من يرفضها . قال : من أين لك ذلك ؟ قلت من مسلككم وتركيزكم على بعض التفاصيل ، وقفزكم عن أخرى ، لا تقل أهمية ، وقد تزيد . قال متحفزا : وكيف ذلك ؟ قلت : لدينا النص القرآني ، ولدينا تطبيق النبي له . وأنت تعرف أن النبي طبق حد الزنا مرات عدة ، وعلمنا من هذا التطبيق ، عن التفاصيل التي لم يذكرها النص . قال : ذلك صحيح . قلت : لنبدأ أولا ، وكما علمنا النبي ، ومن بعده الخلفاء الراشدين ، بتعريف خطيئة الزنا التي توجب إيقاع الحد على فاعلها . فعل الزنا هو فعل الجماع ، أي دخول عضو الرجل في عضو الأنثى ، كالمرود في المكحلة ، أو الرشا في البئر . وسألته هل هذا صحيح ؟ قال : نعم صحيح . قلت : ومن التطبيق النبوي ، ومن بعده الراشدي ، يكون كل الفعل السابق له ، الممهد له ، كالاحتضان ، التقبيل ، وحتى المفاخذة والفاعلان عاريان ، ليس بزنا . ولا وجود لنص بعقوبة عليه . ومن التطبيق النبوي والراشدي ، لا يستوجب إقامة حد ، ولا حتى تعزير . صرخ محاوري : من أين لك ذلك ؟ وما هذا الافتراء على الشرع ؟ وكيف لفعل يمهد لوقوع الفاحشة لا تكون له عقوبة ؟ ألا تعلم يا سيدي أن تبرج المرأة زنا ؟ ألا تعرف أن صبغ الشفاه زنا ؟ ألا تعرف أن ضحكات الغنج زنا ؟ ألا تعرف ...؟ أوقفته قائلا : أعرف أن ذلك ما تقولونه أنتم . أعرف أنكم تتحدثون بشرع آخر غير الشرع الذي نزل به النص القرآني ؟ صرخ : وهل مثلك من يعلمنا بم يقوله النص ؟ قلت : للأسف نعم مثلي من يعلمكم . أعلمكم لأنكم كالعادة تقبلون من الشرع ما يتفق مع رغباتكم ، وتروجون له ، وترفضون ما لا يتفق مع تعصبكم ، ولا تذكرونه أو تتذكرونه . قال : ألم نتفق ، من بداية حوارنا ، على عدم التسفيه ، والاتهام . قلت : نعم اتفقنا ، وأنا لا ألجأ لأي منها . قال : كيف ذلك وأنت تتهمنا بأننا لا نرضى بآيات من القرآن ، ونهمل أخرى ، وأنت تعرف أن معنى ذلك هو الكفر . فمن آمن ببعض القرآن ، ولم يؤمن ببعضه الآخر كافر . قلت : ليس أنا من يقول ذلك ، ولكنها فتاواكم وأفعالكم ؟ قال : اللهم طولك يا روح . وكيف ذلك ؟
وقفة مع النص :
قلت : تعال معي إلى وقفة مع النص أولا ، ثم إلى أخرى مع التطبيق النبوي . بعد الموافقة مضيت قائلا : أنت تعرف أن رجم الزناة بالحجارة ، وحتى الموت ، لم ينزل به نص . قال : نعم صحيح . قلت : عقوبة الرجم ، وهي عقوبة زنا المتزوجين ، مأخوذة عن اليهود ومن التوراة . وفي هذه لا تقولون أن التوراة مزورة . فقد جاء إلى النبي حاخامات من يهود المدينة ، يسألونه الرأي في زنا رجل وامرأة منهما . سألهم النبي عن نص في التوراة يحدد العقوبة لهذه الفاحشة ، فأنكروا وجوده . ولأنه كان متأكدا من وجود نص ، طالبهم بإحضار التوراة ، وقراءة الآيات الخاصة بفعل الفاحشة هذا . وأثناء القراءة ، وكان عبد الله بن سلام يقف إلى جانبه ، تخطى القارئ الآية ، فنبهه عبد الله بن سلام لذلك . قرئت الآية ، وفيها النص بعقوبة الرجم . وكان أن النبي نفذ العقوبة بالزانيين اليهوديين . وبعد هذه الحادثة تم إقرار هذه العقوبة في الشرع ، رغم خلو النص منها . ولعلك تتذكر ، أضفت ، أن عمر بن الخطاب ، وهو على فراش الموت خاف على المسلمين ترك هذه العقوبة ، بسبب خلو النص منها . ونُسب إليه القول : كنا نقرأ " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " ولكنها رفعت وبقي حكمها ، ولولا أنني أخاف أن يقال أن عمر أحدث في القرآن لأعدتها . وقلت : نُسب إليه لأن النص من الضعف بما لا يتناسب إطلاقا مع بلاغة النص القرآني . على كل الأحوال ، وأخذاً ، كما يبدو بنصيحة عمر ، تم تثبيت هذه العقوبة في الشرع .
نأتي الآن إلى العقوبة التي قررها النص ، وفي الآية 2 من سورة النور . قررت الآية العقوبة ب 1 – مائة جلدة لكل من طرفي الواقعة . 2 – أن يتم الجلد بدون رأفة أو شفقة ، يحتمل أن تحفف من شدة العقوبة . 3 – أن تنفذ العقوبة في مكان عام ، وأن يشهدها طائفة من الناس . وأنت تعرف ، قلت لمحدثي ، أن إيقاع العقوبة هو نهاية الحدث ، لا بدايته . ما يعنينا هنا أن الآية لم تحدد نوع الجناة . أعزب أم متزوج ، بكر أم ثيب . النبي هو من فسر الآية وحدد نوع الجناة بأنهما من العزاب ، أو أبكار . هذا أمر ، والأمر الثاني أضيف لها عقوبة غير منصوص عليها في الآية وهي التغريب سنة ، والثالث وهو الأهم ، من وجهة نظري ، أن العقوبة نهائية . بمعنى لا عقوبة بعدها . بعد تنفيذها يعود كل إلى بيته ، والذي فيه لا تنفذ أي عقوبة جديدة . وسؤالي لك : بعد كل ما قامت به قوى الإسلام السياسي من تعبئة ، وبعد كل ثقافة الفضيحة ، هل يمكن لأي مسلم ، في شرقنا العربي قبول مثل هكذا عقوبة تطبق بحق ابنته الزانية ؟ هل يمكن أن لا يمسها أحد من الأسرة بعد وقوع الفضيحة وعلى رؤوس الأشهاد ؟ تلكأ محاوري قليلا ثم قال : ولم لا ؟ أليس هذا هو شرع الله ؟ قلت : لو ، لا سمح الله ، وقع هذا لأختك ، لابنتك ، لابنة أخيك ، لأي واحدة من محارمك ؟ فهل يمكنك أن تتخيل ، وأن تخبرني ، كيف ستتصرف ؟ ألن تقتلها في فورة غضب ؟ ثم ألا تعرف أن القضاء ، واستنادا لحكم الشرع ، سيحكم بقتلك بسبب ذلك ؟ قال : أيا كان الحال فذلك شرع ربنا ويجب أن يطبق .
قلت : تعال إذن لنتوقف عند الخطوات السابقة على هذه الخطوة النهائية . بداية مثل أي قضية يبدأ الأمر برفع الأمر إلى القضاء ، بالتبليغ ، أو بالشكوى . ونظر الدعوى يحتاج إلى شهادة شهود . ورفع الدعوى بدون شهود يقع في باب قذف المحصنات ، كما حددته الآية 4 من نفس السورة . وقاذف المحصنة ، غير القادر على إقامة الدليل ، وكذلك الشاهد الذي لا يقنع المحكمة بصحة شهادته ، يقع تحت طائلة الحد ، وهو ثمانون جلدة ، ثم الوصم بصفة الفاسق ، التي تسقط شهادته ، وليس في هذه الدعوى فقط ، وإنما في أية قضايا مستقبلية ، تتطلب الشهادة . وفقط ينجو من ذلك إذا عاد وأعلن التوبة .
والآية كما ترى لم تحدد مضمون الشهادة ، التي تثبت واقعة الزنا . والنبي هو من قام بهذا التحديد ، حيث يتوجب على الشاهد أن يرى فعل الجماع . أن يرى ، عضو الرجل داخل عضو المرأة ، مثل المرود في المكحلة ، ثم يشهد بذلك . وغير ذلك تكون شهادته باطلة ، حتى لو رأى الاحتضان ، وسمع التأوهات ، وشاهد ولمس حرارة القبل ، وتشابك السيقان ، وحتى حركات الدفع ....الخ . وأكثر يتطلب الحكم بحدوث الواقعة ، ومن ثم تقرير العقوبة ، وإيقاعها بعد ذلك ، تطابق شهادات الشهود الأربعة ، وحيث عدم مطابقة واحدة تفسد الأخريات ، ويأتي الحكم بالبراءة .
في وقت نزول الحكم كان من الممكن مفاجأة الفاعلين . البيوت آنذاك كانت بدون أبواب محكمة ، وبساتر من الجلد أو القماش ، في أغلب الأحيان . ثم أن توفر شهود أربعة معا ، وعدول أيضا ، ومضمون الشهادة ، يضع إثبات واقعة الزنا في خانة المستحيل ، أو شبه المستحيل . وحسب معلوماتي ، لم تطبق عقوبة واحدة ، لا في عهد النبي ، ولا في عهد الخلفاء الراشدين ، استنادا إلى شهادة الشهود الأربعة . وفي عصرنا وحيث الأبواب محكمة ، يصبح إثبات واقعة الزنا ، استنادا لمتطلبات الشهادة ، أشد استحالة . وعليه يكون لا سبيل إلى تقرير وقوع الجريمة ، ومن ثم فرض العقوبة ، أو إقامة الحد ، إلا بالاعتراف الذي هو سيد الأدلة . مع ملاحظة أمر هام ، وهو أن الاعتراف يسري على صاحبه ، ولا يسري على طرف العلاقة الآخر ، الذي يبقى في وضع المتهم . وحيث تسقط التهمة عنه إن أنكر .
ولأن محاوري وافق على ما سبق طرحه تابعت القول : هذا يعني أن الإصرار على الاحتكام فقط لآية الشهود الأربعة ، يعني منح رخصة عمل لكل من يرغب في إقامة هكذا علاقة ، متفق على تصنيفها بفاحشة الزنا . فالزانية تستطيع بإقفال باب غرفة النوم من الداخل ، الإفلات من العقوبة ، حتى لو حضرت ثلة من الأمن ، وعلى رأسها ضابط برتبة لواء . إذ بعد فتح الباب ، أو حتى بعد كسره ، يكون طرفا العلاقة قد أعادا لبس ثيابهما ، يستقبلان الداخلين ، وكل منهما في طرف من أطراف الغرفة ، أو حتى على السرير . قال محاوري : ولكن هذا افتراض ينفيه الواقع . فهيئة الفاعلين ، وارتباكهما ، وضبطهما في هكذا حالة تلبس ، كل ذلك كفيل بإثبات الواقعة . قلت : ذلك صحيح لو تخلينا عن منطوق ومضمون آية الشهود الأربعة العدول ، وحيث لو صح الطعن في شهادة واحد منهم ، تسقط كل الشهادة . والآية لا تتحدث لا عن هيئة الفاعلين ، ولا عن ارتباكهم ، ولا عن كونها في وضع مخل . تتحدث بوضوح عن رؤية الإيلاج ، وإلا فالكل باطل . هنا بدا محاوري مشدوها ، مصدوما ، حائرا ، غير مصدق ، لما بدا أنه ليس فقط يسمعه لأول مرة ، بل ولأن مروره على خاطره يحدث كذلك لأول مرة . قلت : هناك حل . حل تقني يخرج الجميع من هكذا ورطة . قال : ما هو ؟ قلت : استبدال منطوق ومضمون نص آية الشهود الأربعة بتحليل مخبري . هذا التحليل يقدم الدليل ، وبكل دقة ، فيم إذا كانت فاحشة الزنا وقعت أم لا . ومن هذا الشخص الماثل أمامنا أم من غيره . قال : أعوذ بالله من هكذا حل . هل يعقل أن يقبل مسلم بنسخ حكم لله ؟ بإبطال آية من آيات الله ؟ لأن تكون هذه مقدمة لفعل لا أحد يدري إلى أين سينتهي ؟ قلت : إذن دعنا نتوقف مؤقتا عن متابعة آية الشهود الأربعة ، وأن نحاول التعمق أكثر في فعل هذه الفاحشة .
اللعان أو الملاعنة :
كما سبق وأشرت ، حيرت آية الشهود الأربعة الصحابة . وبهدف التغلب على هذه الحيرة ، حاوروا النبي ، كما تشير لنا أسباب نزول آيتي اللعان ، أو الملاعنة . بدأ الحوار سعد بن عبادة ، أحد أرفع سادة الأنصار مقاما ، وسيد الخزرج ، القبيلة الأكبر والأقوى في المدينة . سأل النبي : هل يتوجب عليه إن عاد لبيته ووجد امرأته تحت رجل ، أن لا يهيجه أو يمسه ، وأن يعود باحثا عن شهود أربعة ، لضبط الواقعة ، وإقامة الحد عليهما ؟ من ردة فعل الأنصار الحاضرين ، بدا أن السؤال أزعج النبي . الأنصار أخذوا يعتذرون للنبي ويوضحون له بعض صفات زعيمهم ، ومنها شدة غيرته التي تذهب حد منع أي أحد من الاقتراب من مطلقة له ، لطلب الزواج منها . لكن سعدا ، وموجها حديثه للنبي ، أضاف : والله أعلم أنها – آية الشهود – لحق ، ولكن إن ذهبت للبحث عن الشهود ، يكون الفاعل قد قضى وطره وخرج . هنا أخذ النبي يوجه السؤال للحاضرين بادئا بأبي بكر ، ثم بعمر ، عن الكيفية التي سيتصرف بها إن عاد لبيته ووجد امرأته تحت رجل . أبو بكر رد بأنه سيقتلهما ، كما كان يفعل السلف من قبله ، فيما تردد عمر وبانت عليه الحيرة ، وأبدى آخرون تذمرهم ، لأنه إن ترك الجانيين يفلتان ، فسيعتبره المجتمع ديوسا ، وإن قتلهما ، أو واحدا منهما ، يُقتل بحكم الشرع .
وهم على هذه الحال دخل عليهم رجل من الأنصار ، كبير في السن ، وصحته على قد الحال . قال أنه عاد من بستانه فوجد امرأته تحت رجل ، سماه للحاضرين . شاهد بعينيه ، وسمع بأذنيه ، ولم يهيجهما ، وجاء يرفع الأمر للنبي . وجاءت ردة فعل النبي غاضبة . قال له : أثبت وإلا حد في ظهرك . انزعج الأنصار ، إذ قبل قليل أحرجهم سعد ، وها هو أنصاري آخر سيخزيهم ، لأنه سيتعرض للجلد . طالبوه بالاعتذار للنبي وبالتراجع عن شهادته ، كي يتجنب عقوبة الجلد . رد قائلا لا والله لن أفعل . ألم يكفيني ذل تركهم يكملون فعلتهم . ثقتي أن الله سيجعل لي منها مخرجا . في هذه اللحظة غشي على النبي . انتظر الصحابة ما سيجيء به الوحي . وكان آيتي اللعان ، وهما الآيتان 6 و 7 من سورة النور . ونص الآيتين يوجب وقوع مواجهة بين الزوجين ، المدعي والمدعى عليها . يتقدم المدعي ويحلف أربع مرات أنه صادق في ادعائه ، ويحلف الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم يأتي دور المدعى عليها ، في حال عدم اعترافها ، فتحلف أربع مرات بأنه كاذب ، وتحلف الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين . والقاضي في مثل هذا الحال يقوم بتطليقهما ، وخروج كل واحد منهما من باب . النبي طلب من الصحابة ملاعنة هذين الزوجين . أنكرت الزوجة التهمة . وبعد توضيح الصحابة خطورة اليمين لهما ، حلف هو ، وحلفت هي ، وتم تطليقهما . النبي بعد هذا الحكم ، طلب من صحابته مراقبة المرأة ، وصفات الطفل الذي ستضعه ، إذ كانت حاملا . وأوضح إن جاء الطفل بصفات كذا وكذا فهو من الأب المدعي ، وإن كانت صفاته كذا وكذا فهو ابن الرجل المتهم بواقعة الزنا . وبعد الوضع جاءت صفات الطفل مطابقة لصفات الشريك في واقعة الزنا . الصحابة طالبوا النبي بإعادة محاكمة الزوجة الخائنة ، لكن النبي رفض ، لأنها سبق وحوكمت ، ولا مجال لمحاكمتها ثانية . قلت لمحاوري : أنت طبعا تعرف هذه القصة التي سردتها بلغتي ، لصعوبة مفردات اللغة الأصلية ، وبالتالي صعوبتها على فهم القارئ المعاصر . قال : بالطبع أعرفها ، وسردك لها كان دقيقا . قلت : وأنت تعرف بالطبع ، أن المسلمين تخلوا عن تطبيق أحكام آيات اللعان ، ومن ثم عملية الملاعنة كلها ، منذ وقت مبكر ، ولست متأكدا أفي أثناء الخلافة الراشدية أم بعدها . قال : أيضا أعرف ذلك ؟ قلت : وأنتم تطالبون بإعادة تطبيق حد الزنا في الشريعة ، هل ستعيدون العمل بالملاعنة وحكمها ؟ وقلت : ورغم أن هاتين الآيتين لا تتطرقان بشيء للمرأة التي تفاجئ زوجها في حضن أخرى ، فكيف بعد كل التعبئة التي قمتم بها ستعيدون الحياة إلى حكم هاتين الآيتين ؟ قال : عن أية تعبئة تتحدث ؟ قلت لقد طال حديث حوارنا اليوم ، وما بقي من حديث التعبئة ، وحديث تطبيق النبي والخلفاء الراشدين لحد الزنا ، يتطلب حوارا ، إن لم يكن أطول ، فبقدر الذي مضى . وإذن دعنا نرجئه لجلسة قادمة . أو نقول : يتبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2012 / 10 / 17 - 23:09 )
أيها الكاتب , يجب أن تعلم : أن حد الزنا -للمرأه و ارجل المتزوجان- هو الرجم , و هذه شريعة الله , و هي قبل أن تكون بالإسلام , هي بالشريعة اليهوديّه و المسيحيّه , يعني : الرجم بشريعة اليهود و المسيحيين و المسلمين .
مِصر شعبها من المسلمين و المسيحيين , و هذه من شريعتهم , فلماذا المعارضه يا هداك الله؟ .


2 - لافض فوك يا جهبذ
عتريس المدح ( 2012 / 10 / 18 - 17:33 )
أرى ان لاتكتفي بنشر سلسلة مقالاتك في هذا الموقع فقط ، بل لتكون في كتاب لعله ينور عيون النائمين في العسل لعلهم يعرفون كيف يتم اغتصاب الدين من قبل من نصبوا أنفسهم وكلاء لله في الارض، وهم ألاكتر جهلا الغارقون في دياجير الظلام

اخر الافلام

.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن


.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت




.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان