الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفية الوهابية والعود الأبدي

يوسف هريمة

2012 / 10 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تتغذى فكرة السلفية والوهابية منها على وجه الخصوص من فكرة العود الأبدي، حين تستحضر الماضي وإمكانية استنساخه في الحاضر، فحسب نيتشه فالأحداث والوقائع يمكن إعادتها كلها بعد موتها وفنائها في الزمن اللامتناهي. إنها الفكرة نفسها التي تحرك عشاق الماضي والسلفية مرحلة من مراحل هذا الماضي الذي يمجدونه بشكل انتقائي وكأن عالمهم ملائكي إلى الحد الذي يصعب معه إيجاد الثغرات.
كثيرا ما يتردد في قنواتنا والجهات المسؤولة عن الإسلام الرسمي مقولة:” لا يصلح حال الأمة إلا بما صلح به الأوائل “، وهي مقولة قديمة معاصرة تأخذ أشكالا مختلفة حسب الزمان والمكان. وهي فكرة تتغذى أساسا من فكرة العود الأبدي، الذي يستلهم تجربة الماضي، وأن التاريخ يعيد نفسه. وهي فكرة ضاربة في القدم ترى في القديم الملجأ والحماية كلما عجز الفكر عن أن يستجيب لمطالب الإنسان، وأن يصنع من نفسه بديلا حضاريا ينعم فيه الإنسان بالكرامة المفقودة وراء لقمة العيش، وبالحرية السجينة وراء قضبان الكتمان، وبالعدالة النسبية المحتكَرة من الطبقات النافذة في مجتمعاتنا المحرومة من أبسط حقوق إنسانيتها.
إن مقولة مثل هذه تريد أن تمرر لنا خطأ نظرية، قد تبين زيفها من خلال الواقع التاريخي. وهي مقولة لا تحتاج كثيرا من التدبر حتى يخِرَّ عليها السقف من فوقها. فالقياس الذي درج عليه مجموعة من مشايخ الظلام والعبث الفكري والفتاوى المقززة في هذا العالم هو قياس باطل، والجمع بين السلفية والإسلام هو جمع بين النقيضين. لأن الإسلام أكبر من أن نحصره في فترة زمنية لها ظروف نشأتها، وبأشخاص معينين لازموا من بعيد أو من قريب هذه الفترة الزمنية. ولكن الإسلام هو تراكمات البشرية الممتدة في أعماق التاريخ بقيمه وأهدافه وأبعاده، التي لا يمكن أن تكون إلا قيما للحياة والتعايش السلمي، والإبداع الحضاري المتجاوز لحدود الذات الجامدة في براثن التبعية والتقليد:” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين “، ولن يكون رحمة إلا إذا كان رمزا للعطاء والخير للإنسانية جمعاء، لا كما هو واقع الفكر الديني المعاصر.
أما الانتساب إلى السلف تحت أي مسمى طائفي أو ديني أو عرقي، فلن يعدو أن يكون أماني نفس تشتهي العيش بين أحضان الماضي المثالي في الذاكرة البشرية. فالانتساب إلى السلف مهما تعددت الأسماء، ومهما حاولوا أن يجملوا الصورة أو يشوهوها، هو انتساب إلى “النسبي البشري”. فهم بشر يخطئون ويصيبون، ويتأثرون بالعوامل المختلفة التي تشكل عقل الإنسان من زمان ومكان وثقافة.
ودعوى مثل هذه تسوي بين السلفية والإسلام، أو بتعبير آخر السلفية هي الإسلام كما قال الشيخ الألباني ، هي محاولة لإضفاء الشرعية على مجموعة اجتهادات، ووجهات نظر أعمل فيها السلف فكرهم. كما أنها ارتفاع بمقام الإنسان إلى مقام التسلط الذي يصبح فيه إلها يمارس ألوهيته على من شاء الانصياع له. وهذا الشعار المذهبي المقيت، كانت له آثاره العميقة في تهييج روح العصبية، ومحدودية النظرة المرتبطة بالتاريخ القديم دون النظر إلى آفاق الإنسانية اليوم. فدين الله في الأرض لا يعترف بالأسماء ولا بالنعرات الجنسية أو العنصرية، وأيًّا وجدت هذه المعطيات فهو التدخل البشري الممتد إلى قيم الدين تحريفا أو تضليلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال


.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا




.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي


.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية




.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا