الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم في العراق : نظام متردي وأبنية آيلة للسقوط

شاكر الناصري

2012 / 10 / 23
التربية والتعليم والبحث العلمي


في الوقت الذي أعلن فيه محافظ بغداد عن افتتاح ثلاثة مدارس جديدة في العاصمة بغداد (اثنتان في الشعلة وواحدة في الغزالية ) وبكلفة بلغت 90 مليار ديناراً ، أي بواقع 30 مليار دينار لكلّ مدرسة ( 30 مليون دولار تقريباً ) ، فإن العديد من نشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنيت قد نشروا وتبادلوا صورة لإحدى الصفوف في مدرسة "علي الأكبر " الإبتدائية في منطقة " جكوك " ببغداد .

الصورة تبين إن 140 تلميذاً و تلميذة يُحشرون في صفٍ واحدٍ وأن هذا الصف مجهز ب18 رحلة ( مقعد ، كرسي ) فقط . أكثرية التلميذات والتلاميذ يقضون الوقت وقوفاً بينما يجلس القسم الآخر على الأرض فيما تقف المعلمة في باب الصف لتتمكن من تدريس هذا العدد.

لم تكن هي الصورة الوحيدة التي تبين حجم الزخم والعدد الكبير في الصفوف الدراسية وكذلك ليست هي المرة الأولى التي يُشار فيها الى ما تعانيه المدارس من رداءة وتقادم وسوء تصميم واهمال وتعرضها لمخاطر الإنهيار على رؤوس التلاميذ ومعلميهم ، فهناك الكثير الذي يبين سوء حالة الأبنية المدرسية وقلتها قياساً لحجم السكان في العراق .
من المؤكد إن خبرَ إفتتاح المدارس الثلاث في بغداد وبهذا المبلغ الضخم جداً ، يدفع الجميع للمقارنة ما بين المبلغ الذي تم أنفاقه لبناء ثلاث مدارس فقط وبين حالة صف يزدحم ب140 تلميذاً وتلميذة ويحتوي على 18 رحلة فقط .

ما الذي تحتويه تلك الأبنية المدرسية الجديدة لتكون بهذه الكلفة الكبيرة ؟

ما مقدار سعتها وعدد الطلاب الذي ستتمكن صفوفها من إستيعابه ؟

أعتقد أننا جميعاً مع بناء مدارس حديثة تتمكن من إستيعاب أعداد الطلاب في المدارس ولتتمكن اخيراً من التخلص من الاختناقات والانتهاء من حالة التناوب ما بين عدّة مدارس على بناية واحدة ، أحياناً يتم إستغلال البناية من قبل مدرستين أو ثلاث مدارس ، مما يعني تقليل الحصص الدراسية التي تعني انخفاضاً فيما يحصل عليه التلميذ من مادة علمية تعاني أساساً من قلة الجودة والتخلف ولا ترتقي الى ما يحققه العلم من تطورات وإنجازات متلاحقة ، ويتم إعتماد طرق تعليمية قديمة جداً لإيصالها الى التلميذ .
هناك مدارس طيّنية او مبنية من القصب والبردي خصوصاً في مناطق الأرياف والنواحي البعيدة عن مراكز المدن وهناك مدارس بائسة جداً ومتآكلة ومهددة بالإنهيار على رؤوس التلاميذ في مراكز المدن الكبرى في العراق ، وما يعنيه ذلك من الطرف الآخر للتأويل هو إنهيار منظومة التعليم بأكملها ، وبالتالي إنهيار العراق كمشروع ثقافي مكمل للحضارة الانسانية .

الكثير من التقارير تقول : إنّ الغالبية العظمى من مدارس العراق مهددة بالانهيار بسبب قدمها وقلة صيانتها وكثرة استخدامها وإذا ما أعدنا قراءة الخبر عن انجاز المدارس الثلاث فأننا نجد في طياته أن وزارة التربية قامت بهدم 100 مدرسة آيلة للسقوط في بغداد وحدها والتي هي وكما يقول الخبر بحاجة الى بناء 2000 مدرسة وأن العراق بحاجة الى 6000 مدرسة جديدة .

وفي نفس الوقت فأن الإزدحمات الموجودة في الصفوف الدراسية والاهمال المتزايد من قبل إدارات المدارس وسوء الوضع التعليمي وإنتشار ظواهر الرشوة والفساد ودفع الطلاب نحو الدروس الخصوصية وكذلك تواصل ظاهرة العنف المدرسي ضد التلاميذ الصغار من قبل المعلمين والمعلمات كلها دفعت بالكثير من العوائل العراقية لأرسال أبناءها الى المدارس الأهلية الخاصة التي أصبحت تنمو بشكل متزايد ولافت للانتباه وبما يضع قضية مجانية وإلزامية التعليم وكامل النظام التعليمي ومؤسسات الدولة ذات الشأن والمعنية بأمر التعليم في العراق تحت طائلة السؤال عن كل هذا الخراب والإهمال والإنهيار الذي يصيب النظام التعليمي والتربوي في العراق .

ان مقارنة نسب النجاح والرسوب بعد كل موسم للامتحانات يعطي مؤشرات خطيرة عن الحال الذي آل اليه التعليم في العراق وتحول هذه العملية ،التي يفترض انها تربوية وتعليمة وبعيدة عن العنف والتجريح وتقوم على أساس مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، الى فلم رعب للأطفال ولأهاليهم الذين يريدون لهم النجاح .

ما تفضحه صورة صف واحد في مدرسة " علي الأكبر " يمكن أن يرسم صورة عن أوضاع المدارس وحال التربية والتعليم المتردي في العراق . إن حال كهذا لابد وأن يدفع كل من يعنيه الأمر لمواجهة الجهات المسؤولة في الدولة عن هذا التردي المريع لأن الأمر لا يتعلق بوضع الابنية المدرسية فقط والتي تتحجج السلطة بتكلفتها الباهظة وبتلكؤ الجهات المنفذة وهروب العديد من المقاولين بمبالغ بناء المدارس وعدم تخصيص الأراضي اللازمة وتقاطع الصلاحيات وتبادل الاتهامات بين الوزارة المعنية ومجالس المحافظات ودوائر البلدية فيها ...الخ ، بل يتعلق أساساً بمستقبل العراق وبمستقبل التنمية والعلوم التي سيكون لها الدور الأكبر في تحقيق تطور البلد وخلق فرص العمل والارتقاء بالوضع المعاشي والثقافي وكذلك لأننا إزاء أجيالاً من العراقيين ، أجيالٌ نريد لها أن ترسم ملامح المستقبل المختلف الذي بإمكانه ان يتخطى على الأقل الواقع المزري الذي نعاني منه الآن .

إنّ إخضاع التعليم للمساومات بين القوى السياسية وجعله ساحة للفساد واللصوصية وإختلاق الأعذار والتلكؤ في بناء المدارس او تخصيص المبالغ اللازمة لها وكذلك عدم وضوح رؤية المؤسسات المعنية للتعليم ولآفاقه المستقبلية وتخلفها عن كل ما تحققه دول العالم من تقدم وتنمية وتطور في مجال التعليم من أبنية ومناهج وأساليب الدراسة والتعليم المعاصر، وتدخل الكثير من الأطراف وسعيها لفرض وصاية دينية على مسار التعليم والتحريض على فرض عدد من المواد الدراسية التي لا تساهم الا في زيادة التخلف والكراهية والتطرف الديني والطائفي ، سوف تجعلنا امام شكوكاً جدية حول المستقبل الذي سيصله العراق .

أن الدول التي تمكنت من تحقيق نهضة اقتصادية وعلمية وصناعية كبيرة ومتقدمة رغم كل مشاكل الفقر ونسبة السكان المرتفعة وضعف الموارد الاقتصادية ، اي الدول التي دائماً ما تتم الاشارة اليها كنماذج جيدة وناجحة مثل ماليزيا وسنغافورا والهند ، فأنها وضفت كل مواردها وجهودها للإهتمام بالتعليم وتطوير المناهج الدراسية واعتماد طرق وأساليب تربوية وتعليمية معاصرة تحمل مميزات العصر وتنافس ما حققته دول العالم المتقدمة تعليمياً وتكنلوجياً وكذلك إيجاد بنية تعليمة مناسبة وقوية تتشارك فيها الجهات المعنية والعائلة ، المعلم والتلميذ.

ما يمتلكه العراق من قدرات مالية وثروات تمكنه من الارتقاء بأوضاع وبنية التعليم بنسب كبيرة ومتقدمة ولكن الواقع السائد ، واقع الفساد واللصوصية والتكالب على تحقيق المصالح الضيقة كلها تجعل من العراق ساحة لأسوء نظام تعليمي في المنطقة والعالم .


https://www.alsumaria.tv/news/65165/%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%AD-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB-%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%A8%D9%83%D9%84%D9%81%D8%A9-90-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1/ar








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المشكلة لها خلفياتها
زرقاء العراق ( 2012 / 10 / 24 - 20:45 )
سيغضب البعض من تعليقي ولكن الحقيقة يجب ان تقال

اول خطوة لتدمير التعليم في العراق جاءت من عبد الكريم قاسم حيث اصدر قرار الزحف المشؤوم فكرّم الفاشلين دراسيا وكانت الشهادة العراقية مقبولة في كل دول العالم وحتى شهادة الطب

واكمل المسيرة صدام حسين المغوار يمنح الدرجات الإضافية إلى المجموع العام لأبناء الرفاق في تنظيم حزب البعث
و صفق الجميع للزعيم الأوحد و بعده للقائد الضرورة

الى ان وصلنا حسب نظرية التراكم الى ما يصفه الكاتب الكريم عن التعليم في العراق ويستغرب الجميع ويتناسى الخلفيات

اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ