الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان .. ثورة مضادة

فريدة النقاش

2012 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يجادل عدد من كتاب الأعمدة والسياسيين قائلين : الإخوان المسلمون هم جزء من قوي الثورة، ويرتبون علي هذه المقولة الخاطئة من وجهة نظري مواقف سياسية تدعو إلي التوافق «بين كل قوي الثورة» باعتبار الجميع كانوا في الأيام الثمانية عشرة المشهودة رفاق طريق تعرضوا معا للقناصة المجهولين واصابتهم معا قذائف ما يسمي باللهو الخفي، وسقط شهداء من كل الأطراف وبعيدا عن قول الدكتور «كمال الهلباوي»- وكان حتي وقت قريب- متحدثا باسم جماعة الإخوان المسلمين، إن الإخوان المسلمين هم آخر من التحق بالثورة وأول من خرج منها.. وقد خرجوا منها إلي كراسي السلطة.

أقول بعيدا عن هذه الحقيقة فإن الثورة هي بالتعريف تغيير جذري في الواقع القائم سياسيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، وبناء واقع جديد يتجاوز القائم إلي الأفضل والأرقي. فكل ثورة تلغي المجتمع القديم بتجاوزه وهي بهذا المعني ثورة اجتماعية، وكل ثورة تلغي السلطة القديمة وهي بذلك ثورة سياسية، وكل ثورة تتجاوز نمط العلاقات الاقتصادية القديم وهي بذلك ثورة اقتصادية وإذا كان المجتمع الذي ثارت عليه الجماهير هو مجتمع اقطاعي فإن النمط الجديد الذي تنشئه الثورة هو رأسمالية، وإذا كان المجتمع الذي ثارت ضده الجماهير رأسماليا فمن الطبيعي أن يكون النمط الجديد الذي تنشئه الثورة اشتراكيا أو قائما علي شكل من أشكال إعادة توزيع الثروة القومية علي الأقل. فأين هي الثورة المصرية في 25 يناير من كل هذا، وأي مكان يمكن أن يحتله الإخوان المسلمون في مسيرتها التي تطلعت كما يجمع المحللون إلي بناء عالم جديد أفضل لخصه شعار العدالة الاجتماعية، لكنه لم يتحقق رغم تضحيات الثوار.

لكي نتوصل إلي اجابة علينا أن نحلل شعارات الثورة ومنطلقاتها، ونتعرف بشكل أفضل علي القوة الاجتماعية الأساسية التي اطلقتها وأبقت شعلتها متقدة حتي هذه اللحظة رغم كل ما حل بالبلاد بعد انقضاء الأيام الثمانية عشرة المجيدة. وأبرز ما حل بالبلاد بعد ما يقارب العامين من اندلاع الأحداث هو الدور المحوري لجماعة الاخوان المسلمين وحلفائهم من قوي الإسلام السياسي. فقد نجحت مبادرة الشباب في إزاحة «مبارك» وعدد من أعوانه، ولكن صعود الإسلام السياسي إلي السلطة علي أنقاضه دفع بالبلاد إلي الخلف علي كل المستويات التي كان من المفترض أن تدفع بها الثورة إلي الأمام.

وإذا توقفنا أمام التوجهات الثقافية التي انتشرت وسادت في ظل الإسلام السياسي سوف نجد أن القيم الحديثة والديمقراطية تتراجع وهي تصارع ضد كل ما هو قديم ومناقض للديمقراطية، وتتبني قوي الإسلام السياسي هذه القيم باسم الدين وهي تسعي لفرض قضايا الهوية علي المجتمع بديلا عن قضايا التقدم الاجتماعي الاقتصادي والتحرر الفكري وتحصين الحريات العامة. وتدلنا المواد المقترحة في صياغة الدستور علي هيمنة هذا التوجه لتقييد الحريات باسم الدين وعلي نحو خاص حرية النساء، وحرية الفكر والتعبير. وهو التوجه الذي تعززه ممارسات عملية للمحسوبين علي تيار الإسلام السياسي من إخوان وسلفيين ضد الفنانين والكتاب بدءا من اتهام أدب «نجيب محفوظ» بالفسق والمجون، مرورا بتحريك قضايا الحسبة ضد «عادل إمام» وجره إلي المحاكم بتهمة ازدراء الأديان في أعماله، وليس انتهاء بالهجوم الوقح علي الفنانة إلهام شاهين. هذا فضلا عن السعي لتكميم الصحافة عبر مجلس الشوري الذي تطالب القوي السياسية الرئيسية بالغائه، ولكن الإسلام السياسي يبقي عليه حتي يظل أداته في قمع حرية الصحافة وتقييد حريات الصحفيين وذلك بادعاء أنهم ورثوه عن النظام السابق. وهو المنطق المتناقض مع توجهات الثورة وأهدافها وشعاراتها التي كانت قد اطلقت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام». وهكذا فإن الثقافة التي يسعي الإسلام السياسي لنشرها هي بكل المعايير ثقافة الثورة المضادة التي يجري تأكيدها بالإبقاء علي كل ترسانة القوانين المقيدة للحريات كما هي، بل والإضافة إليها.

وثقافة الثورة المضادة هي التعبير عن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية للنظام الرأسمالي المشوه والتابع الذي ورثه الإسلام السياسي عن «مبارك» وأبقي عليه كما هو مع وضع لافته دينية متجاهلا أحد شعارات الثورة الرئيسية وهي العدالة الاجتماعية، مع توجه خاص لحل قضايا الفقر بإذلال الفقراء والتسول باسمهم من الاغنياء لكي يتصدقوا، وهي الآلية التي كانت قد لعبت الدور الرئيسي في حصولهم علي ملايين الأصوات في الانتخاب باستثمارهم للفقر والمتاجرة ببؤس الناس.


إن الإسلام السياسي هو إذن العصا الغليظة للثورة المضادة وهو ما يعرفه ويقر به مواطنون بسطاء بعد تجاربهم المريرة. وعلي الذين يتحدثون عن الإخوان المسلمين باعتبارهم جزءا من الثورة أن يتوقفوا أمام كل هذه الحقائق لعلهم يراجعون أنفسهم فتصفو رؤيتهم وتتسق مواقفهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المتلازمات
سلوم ( 2012 / 10 / 24 - 07:21 )
الإسلام السياسي أينما حل ببلد تحل به متلازماته : احتقار الفن و تحقيره ، انتشار الفقر و اغتناء أصحاب اللحي و تورم كروشهم ، انتشار الفساد و الانحلال ، تفكك الدولة ... غطاء خارجي يتكلم عن الفضيلة و العفة و داخل يحكي عن الرزيلة و الانحلال ... العفة و الفضيلة ليست في الحجاب أو غطاء جسد و احتقار عقل المرأة ، الفضيلة ينشرها برنامج اقتصادي يتيح العدالة الاجتماعية و يلغي الحاجة و الفقر ... العقول المظلمة لن تعرف طريق برنامج يلغي الفقر ، لذا ستزداد رزائل المجتمع من سرقة و رشوة و فساد و دعارة ببيع الأجساد مقابل اللقمة ، لن ينشيء العقل المظلم مجتمعا معافى ، حتى كبار أصحاب اللحى سيحرصون على شراء السيارات الفارهة التي تنتجها الشعوب العلمانية و سيقتنون منتجات يعجزون عن انتاج مثيلها بل و عندما يمرضون سيذهبون للعلاج هناك عند أهل الفن ، عند من يصفونهم بالانحلال و سيتركون الفقراء يبحثون عن العلاج بالرقية الشرعية و العلاج بالقرآن و بول البعير و حبة البركة ... عوالم غريبة للأسف لن تلاحظ و لن تعرف و لن تفهم حتى يقع الشر الذي لا علاج له


2 - الاخوان قاعدة الثورة
عبد الله اغونان ( 2012 / 10 / 24 - 15:19 )
منذ عقود والاخوان يناضلون وضرباتهم تنزل على النظام الفاسد وساهم شبابهم في الثورة والحراك وقدموا ضحايا واضطهدوا. وانتخيهم الشعب في البرلمان والرئاسة
يمكن ان نعتبركم كتيار هامشي يعمل في النضال الشفوي والكتابي ثورة مضادة


3 - الأستاذة الكبيرة فريدة النقاش المحترمة
ليندا كبرييل ( 2012 / 10 / 24 - 23:42 )
دوما أحيي صوت الحق في شخصك الكريم . أستاذة، أنا ممن دعا إلى ارتقاء الإخوان سدة الحكم لنرى ماذا بإمكانهم أن يفعلوا ؟
ولعلي وأمثالي على خطأ، لكنهم على عقود صدعوا أمخاخنا بمقولاتهم الدينية
ومع أن تجارب السودان والصومال وإيران وأفغانستان والسعودية ماثلة أمام الأعين ، فإننا توسمنا بالشعب المصري أن يقود ثورة ستقتلع الأعشاب الضارة وتقود هذا البلد العظيم إلى مشارف الدول الحديثة لنستلهم نحن أشقاؤكم منكم
لكن الذي حصل أن الشعب الذي بكامل إرادته اختارهم
فليرَ صنيعة يديه .. وكيف بدأت جواهرهم تظهر وتلمع تحت ضوء الشمس
عليكم وعلينا في البلاد التي استلهمت الثورة منكم ومن تونس أن ننصاع لحكم الصندوق، وأن نقبل بوجودهم رغم أن وجودهم سيكون على حساب تقدم الوطن ، ونفي وجود الشريك الأساسي في الوطن ، وإذلاله وقهره، وإعادة البلاد إلى نقطة الصفر
على الذين اختاروهم أن يروا صنيعة أيديهم الغبية
لكني أثق فيمن فجّر الثورة، وببذرة الخير والوعي المتمثلة في شخوصكم التي ستزهر وتأخذ بيد الجيل القادم ليهب هبته الحقيقية
عليكم ألا تتراجعوا وتيأسوا وأملنا بكم
تفضلي تقديري وإعجابي

اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب