الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة ترميم صورة الزعيم تعقيب الباحث عقيل الناصري

عقيل الناصري

2012 / 10 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


شهد العراق في مطلع القرن العشرين واحدة من أهم وأخطر مراحل وصيرورات تطوره المستقبلي على الأصعدة الاجتماسياسية، حيث أدت التراكمات الكمية البطيئة المتعددة في الحقول:المادية/الفكرية والارتباط بالسوق العالمية وتنامي حركة الاحتجاج (المشروطية) والانقلاب العثماني، والدخول المكثف والاندماج مع المحيط العربي المتنور من خلال المعطى الثقافي المقترن مع بدايات انطلاق الصحافة العراقية المحلية.
أدت كل هذه العوامل وغيرها في خاتمة المطاف، إلى تغيرات نوعية جديدة انعكست مباشرةً على بدء نشوء المجتمع العراقي الذي اقترن بالحراك الاجتماعي الشعبي وعلى أجنة تكوين فئة المثقفين (الانتليجنسيا الوطنية )، سواءً التقليدية منها أو الراديكالية، والأهم من كل هذه العواقب والتحولات هو تأسيس الدولة (الوطنية) المركزية على أعقاب المجتمعات العشائرية المتشظية المتصارعة والمجتمع الساكن، وتحولهم من جماعات إلى مجتمع متكون من “ منظومة علاقات وقواعد تضبط إيقاع حركات الجماعات المتباينة من حيث المصالح والقيم والتقاليد والثقافة . ولا يجتمع شملها إلا تحت خيمة الدولة ( في مطلع القرن العشرين لم يكن العراقيون شعباً واحداً أو جماعة سياسية واحدة. وهذا لا يعني الإشارة إلى وجود الكثير من الأقليات العرقية والدينية في العراق ، فالعرب أنفسهم الذين يؤلفون أكثرية سكان العراق كانوا يتشكلون إلى حد بعيد ، من جملة من المجتمعات المتمايزة والمختلفة فيما بينها والمنغلقة على ذاتها بالرغم من تمتعهم بسمات مشتركة . حنا بطاطو،الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق، ترجمة عفيف الرزاز،الكتاب الأول.ص.31 ، مؤسسة الأبحاث العربية،بيروت 1990. د. سليم الوردي،ضوء على ولادة المجتمع العراقي المعاصر، ص. 6، كتاب الصباح الثقافي رقم15، بغداد 2009)

تشكيل الدولة
لقد تشكلت الدولة العراقية وتأثرت بمساعي الدول الاستعمارية ( بريطانيا وفرنسا أول الأمر ومن ثم الولايات المتحدة) الرامية إلى بقاء وإدامة سيطرتها ونفوذها على هذه الدول وباستثناء اليمن الشمالي، فليست هناك دولة من الدول العربية برمتها، والشرق أوسطية على وجه الخصوص، لم تعان من التدخل الخارجي ليس في عملية بناء الدولة ومؤسساتها ورسم حدودها، بل ومن الهيمنة على سلطتها وتحديد طريقة تطور نظامها السياسي والتحكم بنخبها على وفق مصالحها وستراتيجيتها البعيدة والقريبة. وعند تأكيدنا على هذه الصيرورة السياسية لا نوجه الاهتمام فقط، إلى ما لهذه العلاقة من طابع واضح الإجحاف والاستغلال، بل كذلك إلى التأكيد إن عملية بناء الدولة في هذه البلدان قد تمت تحت وصاية أو (إرشاد) أهم المراكز الرأسمالية والمنطلقة من محور مصالحها ومن اطر مركزيتها الأوروبية.
لقد جرت هذه الصيرورات على حساب تطور المؤسسات الليبرالية والديمقراطية ولم تتطور هذه الدول تطوراً (طبيعياً) كنتاج لعمليات الصراع الاجتماعي أو من خلال التنافس الحر بين القوى الاجتماعية والسياسية المحلية، نظراً لغياب المؤسسات الاجتماعية التي تتناغم ومثل هذا المؤسسات ومقتضياتها الفكرية وتجليات الوعي الاجتماعي الجمالية والفلسفية والسياسية والحقوقية. لذا تأثرت بالعامل الخارجي ونموذجه المختار من قبل الدولة الاستعمارية.
وتأسيساً على ذلك دخلت الدولة ومؤسساتها منذ بدء تكوينها في أزمة بنيوية طالت كل مكوناتها ورافقتها وتطورت مع تطورها، وقد تجلت بالأساس في أزمة الحكم وبالنظام السياسي، وكان من عواقبها استمرار الحراك الاجتماسياسي الذي غطى، تقريباً، جغرافية الوطن برمته، وكذلك شمل أغلب المكونات الاجتماعية/ الاثنية بعموم طبقاتها وفئاتها. وكان من النتائج التي تمخضت عن هذه الأزمة، هو ذلك الانقلاب الاجتماعي الكبير والتغيير الراديكالي في بنية النظام السياسي الذي حدث في 14 تموز، الذي ارتقى بذاته إلى مضمون الثورة الاجتصادية/ السياسية، بكل معنى الكلمة.

تغيرات بنيوية
ومن هذا المنطلق وتأسيساً عليه فقد مثلت هذه ثورة.. أحد أهم معالم عراق القرن العشرين لما تمخض عنها من تغيرات بنيوية طالت الحقول الاجتصادية/السياسية وغطت مساحات معرفية/فكرية.. أدت في العاقبة إلى وضع العراق، كما اعتقد، على منطلق سكة الحداثة والتحديث في الوقت نفسه، لمناحي الحياة المادية والفكرية والمعرفية التي انعكست نسبياً في بنية العلاقات الاجتصادية، ومحاولة خلق نوع من التوازن بين الدولة والمجتمع من خلال تبني عقد اجتماعي بينهما مؤسس على قواعد العيش المشترك ويعكس واقع التركيبة الاجتماعية المتنوعة بأفق متزامن مع ماهية المرحلة الانتقالية التي يمر بها العراق المعاصر.
كما حددت الثورة الاتجاه العام لجنينية التطور الانتقالي في منحاه (الرأسمالي الموجه ) ( نعي تماماً ما تثيره موضوعة الانتقال من نمط اقتصادي إلى آخر من إشكاليات نظرية وعملية .. إذ أن العراق لم يتبلور فيه نظامًً اجتماعيً حتى الآن.. بل هو منذ تأسيس الدولة المركزية قد تميز بتعددية الأنماط الاقتصادية.. وإن كان النظام الملكي الغلبة النسبية فيه كانت للنمط شبه الإقطاعي.. الذي فقد وجوده بعد ثورة 14 تموز، وأمسى الاقتصاد العراقي منذ تلك المرحلة مجتمعاً متعدد الأنماط الاقتصادية ذات الملامح الرأسمالية التي لم تتبلور إلى نظام اجتماعي نظراً لتداخل هذه الأنماط فيما بينها وهذا الأمر ينطبق، كما يبدو، على الواقع الحالي والمستقبل المنظور) المتلائم مع درجة تطور القوى المنتجة المحلية والوعي الاجتماعي في حينه.. وهذا الاستنتاج مستنبط من ذات السياق التاريخي المنقطع جذرياً عما سبقه من نواحي:
-ماهية القوى الطبقية المحرك لها؛
-القضايا التي تبنتها والتي بمجملها تعبر عن رؤية الطبقة الوسطى وبعض فئاتها؛
-الأفق التاريخي لمشروعها التحرري؛
- ومما حققته في زمنيتها القصيرة جداً، وما رافق ذلك من تغير أولويات الأنماط الاقتصادية وما أسست له مادياً لمستقل العراق.
إن الحديث عن هذا التغيير وما تمخض عنه من عواقب، سلبية كانت أم ايجابية، وعن ماهية القوى الاجتما/سياسية التي ساهمت فيه، وكذلك عن مكانته التاريخية، قد خضع للكثير من الأهواء والرغبات الذاتوية البعيدة عن الموضوعية ببعدها التاريخي والمفهومي ، خاصةً بعد التغيب ألقسري للثورة، كمنهج حكم، ولقيادتها ذات كاريزمية سياسية ذات النمط الخاص.

اختلاق تواريخ
وفي الوقت نفسه اُختلقت (بطولات!) زائفة ومنحت أدوار مضخمة متسربلة بالادعاء غير الحقيقي لشخوص وقيادات سياسية وقوى اجتماعية لم يتمتعوا بما نسبوا إلى ذاتويتهم أو نُسب إليهم. وقد شهدت الجمهورية الثانية (9شباط 1963- 9 نيسان 2003) تكثيفاً كبيراً لمثل هذه المغالطات والإختلاقات، وفي الوقت نفسه قمعت الكتابة الموضوعية ومنعت السير الذاتية من التدوين عن هذا التغيير ومضمونه وأهميته وقواه ورجاله المحوريين، حتى أن (ممثل القصر الجمهوري في لجنة إعادة كتابة التاريخ ، السيئة الصيت، في منتصف تسعينيات القرن المنصرم، طالب بحذف كل ما يمت للجمهورية الأولى (14 تموز 1958-8 شباط1973) بصلة باعتبارها، كما يرى، مرحلة سوداء في تاريخ العراق). لكن تغير هذا الوضع في الجمهورية الثالثة (9 نيسان 2003- ) عندما أطيح بالنظام (القوماني) السابق.. إذ أُتيح للكتابة الموضوعية ببعدها الصادق والتاريخي والمقترن في غالبيته بالمفهوم العلمي من الظهور ثانيةً، بعيداً عن الإغراءات والقمع، وتم كشف العديد من الأسرار ورفع السرية عن الوثائق الرسمية وغير الرسمية وبانت الحقائق التاريخية تظهر كما حدثت فعلاً وانكشفت أسماء وقوى سياسية كانت مغيبة قسراً. وانقشعت غمامات التهويل والافتراء وأعيدت المكانة التاريخية للحدث ذاته وللكثير من قادته المحوريين الذين حرثوا حقل التغيير وكتبوا تاريخاً جديداً للعراق ، في الوقت ذاته، نحن نعرف انه لا يوجد تاريخ واحد بل تواريخ متعددة، نظراً لتداخل : الموضوعي بالذاتي؛ العام بالخاص؛ المصلحة بالمبدأ؛ الفردية بالجماعية؛ الحقيقة بالوهم؛ الواقعي بالخيالي؛ التاريخي بالا تاريخي؛ المجرد بالملموس؛ المرغوب بالملموس. لذا تعددت الرؤى واختلفت المواقف والروايات من هذا التغيير الجذري في 14 تموز 1958.
طبيعة الحوار وممكناته
وتأسيسا على ذلك يمكننا اعتبار هذه الحوارية مع أحد الضباط الأحرار مهمة جداً، كما أرى، لأنها تعتبر:
- واحدة من الرؤى التي كانت مقموعة ولم يسمح لها بالتعبير عن ذاتيتها التاريخية؛
- أنها رؤية غير مجردة بل ملموسة الأبعاد، لها زمنيتها ومكانها وشخوصها وتاريخها؛
- لكونها تمتعت بالحس الصادق والمعرفة الصائبة للكثير من الوقائع التي كانت مُغيبة ، خاصةً ما يتعلق ببعض من تاريخية الضباط الأحرار وبالأخص، كما يطلق عليها حامدنا ومقصودنا: الضباط الديمقراطييون والتي هي بمثابة التنظيم الخاص بالضباط لكتلة اتحاد الجنود وضباط الصف والضباط، التي كان يشرف عليها الحزب الشيوعي العراقي.
- كما يتمتع هذا الحوار، رغم طابعها الخاص المتمحور في مساهمة صاحبه بالثورة، بامتداده إلى انتكاستها وتغيبها ألقسري ويحاول، بصورة مكثفة جداً، تبيان عوامل ذلك، ودور القوى (القومانية) المنطلقة من أولوية عروبة العراق وليست من عراقية العراق في امتداده العربي، والتي تعاونت مع القوى الإقليمية والمراكز الرأسمالية الكبرى في وأد هذه الصيرورة الاجتصادية وأفق تاريخيتها.
- كما أن الحوار قد سلط الضوء التاريخي على بعض جوانب شخصية الزعيم قاسم قبل وبعد التغيير الجذري، لأن قاسم كقائد، كما أرى، لم يظهر بصورة عفوية، بل طبقاً للضرورة التاريخية ذاتها بسبب نضج الظروف الموضوعية والذاتية الملائمة للتغير.. وكونه كان مدركاً لهذه الضرورة. وهو ليس نتاج نفسه وليس نتاجا عرضياً لمرحلته، قدر كونه نتاج تفاعل حيوي بين النشأة الشخصية والنشأة الاجتماعية.
- وكذلك لم يوضح، بما فيه الكفاية، هذا الحوار ولم يسلط ضوء المعرفة على دور الحركة الكردية في مناهضة ذاتها التحررية، قبل مناهضة الزعيم قاسم عندما سيطر الجناح (المتعاون مع الشيطان) مع القوى الانقلابية القومية في 8 شباط، ومع أعداء ذات الحركة ( إيران والكويت وبعض المراكز الرأسمالية)
- أعتقد جازماً، أن الحوار وماهيته وإبعاده، كان مكثفاً جداً بل في بعض الأحيان مختزلاً بصورة كبيرة، ضمن نطاق ممارسته العضوية. إذ سرد حوادث كان المفروض فيه التعمق في معطياتها ومسبباته ونتائجها ضمن النظرة الكلية الجدلية وليس الميكانيكية السكونية. منها على سبيل المثال ( انتفاضة) معسكر أبو غريب في 11 /12 مايس 1958 وغيرها.
- لقد ركز الحوار والمحاور على الجوانب الداخلية للظاهرة العراقية حسب، وتجاهل العامل الخارجي (الإقليمي، العربي وغير العربي، والدولي) ودوره في تأزم الوضع الداخلي ومن ثم التكالب على الثورة ووأدها،. نظرا لأن هذا العامل لعب دوراً كبيرا يوازي العوامل الداخلية، إن لم يكن يفوقها، في نشوء الظاهرة العراقية المعاصرة وفي سيرورة ارتقائها، طالماً أن ثورة 14 تموز هي النافي الطبيعي لدور العامل الخارجي وتأثيره، والذي كان، في الوقت نفسه أحد مسببات الفعل الغائي للضباط الأحرار.
- كما لم يقف هذا الحوار الحيوي على مسألة في غاية الخطورة تمثلت برأي، في مسببات تشتت وانهيار جبهة الاتحاد الوطني (الكتلة التاريخية) التي استندت عليها ثورة 14 تموز وضمنت نجاح صيرورة فعلها. وبالتالي يمكننا طرح التساؤل العضوي في مدى إمكانية قوى هذه الكتلة في وعي ذاتها، العامة والخاصة، ودورها في الظرف الجديد ومدى جديتها وقراءتها الموضوعية ونضجها لأوالييات (ميكانزم) الحراك الاجتما / سياسي وسنن تطور الثورة ضمن اللأفق التاريخي لعراق المستقبل.
لقد سلط هذا الحوار على الكثير من مفاتيح الإدراك التاريخي لبعض مفاصل الثورة ومرحلة تبلور فكرتها وغائيتها، كما ألتفت إلى تلك الأمور الصغيرة في حينها، والتي كان لبعضها صدى انعكاسي سيء على صيرورة وسيرورة فعل التغيير وأفقه، وتبدل موازين القوى والرؤى وما أصابها من تحولات كبحت الفعل الارتقائي للواقع العراقي. كما كانت لبعضها الأخر جوانب ايجابية كشفت عن بعض من ماهيات الثورة وكيفية تبلورها والتي كانت تتحرك بفعل حياة العناصر السياسية للقوى الاجتماعية العضوية الحية.
لقد ربط التغيير الجذري والانقلاب الاجتماعي دوره، في التأثير على حلقات الزمن الثلاث. لذا علينا عند البحث فيه من مراعاة هذه الروابط ومدى تأثيرها على واقع العراق الحالي، وإن لم تتبد هذه العلاقة بصورة مباشرة.. لكنها في الوقت نفسه تحرك القوى الاجتماعية نحو الإحساس بتجليات الوعي الاجتماعي المنبعث من هذا التغيير( الثورة) .. وما السرديات التاريخية له ومضمونه وغائيته، إلا عوامل مؤثرة في الحركة الاجتماعية وتوجهاتها.
أما المحاور المبدع.. فكان يحاول سبر غور جملة ظواهر فرعية من ظاهرة أرأسية ألا وهي الظاهرة العراقية..كمحصلة جامعة لجملة ما تم التطرق إليه في هذا الحوار والسرد المكثف، عبر أسئلةٍ في غاية الدقة كأنها مفاتيح أبواب التاريخ للعراق المعاصر، الذي يمكننا فهمه من خلال هذا المنهج التساؤلي، رغم طابعه الاحتمالي الذي انطلق منه في السياحة التاريخية لأحد الضباط الأحرار.
كما حاول المحاور أيضاً أيجاد، وفي بعض الأحيان البحث، روابط بين هذه الظواهر الفرعية كي يبرهن على فرضية لديه حاول طرحها بصورة غير مباشرة.. عن قاسم ودوره في قطع الصيرورة الارتقائية للمرحلة الملكية المفترضة، كما يعتقد هو، من دون الخوض في الماهيات الحقيقية لهذه المرحلة وتشابك وتعقد مداخلاتها ومخرجاتها الاجتماعية والسياسية، وماهيات العلاقات الأرأسية التي ميزت هذه المرحلة.. مثل:
دور العسكر في العراق المعاصر؛ واحتمال تطور الحياة الدستورية والبرلمانية؛ فشل الإصلاح الزراعي؛ قانون الأحوال الشخصية وغيرها من الظواهر والدلائل. إن التقريرية لا تعيد إنتاج معرفة، قدر ضرورة الخوض في الطريق الصعب، الطريق العلمي، والربط بين الوقائع ودوافعها، بين وسائلها وغائياتها وماهية القوى المستهدفة منها.
كما لمست من هذا الحوار الوقوف على رؤيتين متناقضتين إلى حدً معين من ثورة 14 تموز. أي متفقتيان ومتقاطعتيان في آنٍ واحد.. مما سيفسح المجال للرؤية المقارنة، وكلاهما انطلقا من ثوابت لا تقبل بذاتها هذا الجمود وتلك المحدودية.. ومع هذا فهو إدراك لما يتطلب أن يدرك.وعليه فأستطيع القول أن هناك شبه إجماع بين الكثير من الأكاديميين والمختصين (وربما) السياسيون واتفاقهم على اعتبار أن التغيير الجذري في 14 تموز وما تمخض عنه.. يعتبر أهم حدث في عراق القرن العشرين في منحاه التطوري.. رغم ما شاب هذا التغيير من:
-انتكاسات وارتدادات؛
- من صراع عنفي ولا عنفي؛
- من تحطيم للتوازنات الاجتماعية بغية تعديلها؛
- ومن تأجيج المنزع الاستعجالي لكل التركيبات الاجتماعية لنيل حقوقها...الخ
لكن يبقى هذا التغيير بما تضمن، بمثابة ثورة اجتصادية وثقافية/فكرية.. ناهيك عن تغير بنية النظام السياسي، حيث طرد طبقات وفئات من مسرح التأثير السياسي وصعود فئات وطبقات لا تمت للصيرورة شبه الإقطاعية بصلة، ومن أفق مستهدف غائي للطبقات الفقيرة والكادحة...الخ . ظواهر تحتم علينا الوقوف بموضوعية إزاء ما حدث كي نعيد الفهم للتغيير الجذري وليس تغييره أنه تاريخنا، ومن ثم ربطه بالحاضر ومنهما ننطلق نحو المستقبل.

رد المحرر
يعد تعقيب د عقيل الناصري احد التعقيبات المهمة وذلك ان الرجل أوقف إعماله التاريخية والفكرية على تحليل وقراءة الحدث 14 تموز 1958 وقد اصدر سلسلة من الكتابات المهمة بشأن تلك الفترة العصيبة من التاريخية الوطنية العراقية ، كتابات د عقيل تتسم بالموضوعية والعقلانية ، بعيدا عن حقلي التقديس والتدنيس للزعيم عبد الكريم قاسم ، مأخذ د عقيل الناصري على الحوار الذي نشر في صحيفة الصباح تحت عنوان ( إعادة ترميم صورة الزعيم ) ان المحاور (تجاهل العامل الخارجي (الإقليمي، العربي وغير العربي، والدولي) ودوره في تأزم الوضع الداخلي ومن ثم التكالب على الثورة ووأدها،. نظرا لأن هذا العامل لعب دوراً كبيرا يوازي العوامل الداخلية نعم إن العامل الإقليمي والدولي لعب دورا كبيراً ، ولكن من الصعب إن تحاور ضابطاً في الجيش العراقي عن هذه العوامل التي هي خارج اهتماماته الفكرية ، فضلا عن ذلك إن الحوار ينطلق من الذاتي نحو الموضوعي ، من حامد مصطفى مقصود ودوره وعلاقاته ومكانته نحو الحدث الأكبر ، اما الحوار بصدد العلاقات الدولية والاقليمية فهذه المسألة على ما اعتقد تحتاج إلى باحث متخصص وليس إلى ضابط في الجيش العراقي ، وكذلك ركز الحوار على اليومي الذي يعد بمجموعه مع العوامل الأخرى الدافع نحو الاحداث التي عصفت في العراق ، اما الاختزال في بعض التفاصيل فهو يعود أصلا إلى حجم المعلومة التي يمتلكها الأستاذ حامد مصطفى مقصود ، فضلا عن ذلك المحاور لا ينطلق من اية فرضيات مسبقة حول القطع التاريخي الذي احدث العام 1958 في تطور النظام الملكي ، الذي كنت افترضه هو صيرورة الدولة العراقية التي عانت القطع التاريخي والانتهاك عبر سلسلة الانقلابات حيث فتحت إحداث 1958 شهية ضباط الثكنات والبيان الأول للثورة القادمة عبر الدبابات والإذاعة ، والحوار ككل هو محاولة لترميم صورة الزعيم الوطني العراقي عبد الكريم قاسم وإخراجه من حقل التدنيس والتقديس ورسم صورة بشرية له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رغم اختلافي
طلال شاكر ( 2012 / 10 / 25 - 23:03 )
تحية الى الصديق الباحث عقيل الناصري
ليس لي الاان اشيد بالجهد المعرفي العميق الذي تبذله في تناول احداث العراق من الملكية الى الجمهورية مدققاً ومتابعاً صبوراً ووفياً وهذا هوشأن المعرفيين تحياتي وتقديري لجهودكم المخلصة


2 - مساهمة
عقيل الناصري ( 2012 / 10 / 26 - 11:05 )
الاعز طلال
شكرا لك ..وكما اعرف انك لست أقل مني معرفة بتاريخ هذه المرحلة وانت المتمرس فيها,.. ولك اجتهادات معينة حولها.. وقد تجاذبنا الافكار شفاها وكتابة.. اروم في التعقيب الصارم تدلني على نقاط الضعف والاختلاف بالموضوع.. وسوف ينشر الرأي كاملا بعد الانتهاء من طبعه .
اكرر شكري المعرفي لك ولنعيد التفكير بالمسلمات وانت الجريء في الطرح.
تقبل مني (هذه الحرشة( لتساهم في التنوير عن الثورة المغدورة
اتمنى تحقيق المؤجل والمرتجى

اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل