الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهيد قزمان بن الحارث .. رد اعتبار

مؤمن المحمدي

2012 / 10 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ماذا تقول عزيزي المسلم في رجل قاتل في جيش نبيك وأبلى بلاء حسنا، حتى إنه لم ينسحب حينما انسحب الرجال، بل استمر في القتال حتى أدت به الإصابات إلى الموت؟
إنه شهيد، أليس كذلك؟

حسنا، دعنا نقص عليك قصة رجل فعل هذا ويعتبره نبي الإسلام محمد "من أهل النار". إنه قزمان بن الحارث.

كان هذا الرجل من أهل يثرب، ولما هاجر إليها المسلمون فارين من اضطهاد أهل مكة، أهلهم، لم يكن قزمان من المؤمنين بالإسلام، ولا بنبي الإسلام. وهو ما جعل محمدا يقول حينما يذكر اسمه: إنه من أهل النار.
يوم غزوة أحد، لم يخرج قزمان للقتال، لعدم اقتناعه بجدوى القتال، لكنه عندما استيقظ، ووجد النساء في الدور، والرجال في المعارك، اتحذ القرار بالدفاع عن بني قومه. سحب سيفه، وخرج حتى لحق بالجيش، واخترق الصفوف حتى الصف الأول، وكان صاحب أول سهم ألقي في وجه المكيين.
ونحن نعرف أن المسلمين انتصروا في بداية المعركة قبل أن يفعل خالد بن الوليد فعلته، ويحكم خطته، مما جعل الأمور تنقلب رأسا على عقب، وهنا انسحب كثير من المسلمين إلى الجبال، حتى كبار القادة انسحبوا وفروا.
قليلون هم من ثبتوا، وكان أول هؤلاء القليلين هو قزمان بن الحارث، الذي ظل يدافع عن قومه حتى أصيب في كل موضع بجسده، وعندما انجلى غبار المعركة بشائعة وفاة محمد التي كفت يد المكيين عن جيش المسلمين. تجمع "المؤمنون" حول قزمان الذي كان قد اقترب من الموت، وقالوا له: أبشر يا قزمان، فكان رده: بم أبشر؟ لقد قاتلت دفاعا عن قومي أو كما قال (حتى لا تطأ قريش سعفتنا).
لم يتحمل قزمان جراحه، فانتحر.

ويتلقى محمد نبأ وفاة قزمان فيعتبرها دلالة على أنه رسول الله حقا، إذ أن الرجل قد مات منتحرا، إذًا مات كافرا، إذًا هو من أهل النار!
غير أن لنا ملاحظات على هامش قصة قزمان، تكشف بعضا من طريقة تفكير العقل المسلم، حتى يومنا هذا.


1. رغم أن النبي محمدا يعرف تماما أن قزمان لم يكن من أهل الإيمان، إلا أنه قبل، وهو قائد الجيش، أن يدافع الرجل عن راية الإسلام، حتى إن ضحايا سيفه كان نصف قتلى المكيين يوم أحد. ويقال الثلث. أي أنه كان جيشا بنفسه. وكان تعليق نبي الإسلام وقتها إن الله يسخر الكافرين لخدمة الإسلام.
هذه المقولة المحمدية تتكرر اليوم بحذافيرها، حين تجد مسلما يتحدث عن إنجازات الغرب باعتبارها تسخيرا من الله عز وجل للكافرين، فيتعبون ويخترعون ويستكشفون، حتى يتفرغ المسلمون لذكر الله.
نعلم أن هذا الرأي ليس منتشرا بين المسلمين، لاسيما المتعلمين، لكنه موجود، كما يمكننا أن نلمح هذا الفكر في مواقف أخرى كثيرة ليست بهذه المباشرة، وإذا امتد خيط الأمر على استقامته، ربما كشف لنا هذا كيف يتحالف الإخوان المسلمون مع الإدارة الأمريكية، ولماذا يحصل أمهاتهم وأبناؤهم على الجنسيات الغربية، التي يعتبر أهلها أهل كفر وضلال.


2. على عكس الشائع، من أن الطرح الإسلامي يقدر "الوطنية" و"القومية"، وشعور الإنسان بالانتماء إلى بلده، فإن هذه القصة تكشف أن المشروع الإسلامي لا يعترف إلا بالانتماء الديني، فهذا الرجل قتل دفاعا عن بلده، التي هي بلد الإسلام وعاصمته، ولم يكن هذا كافيا حتى يجد ولو تأبينا مجاملا بكلمات طيبة.
أن تكون مسلما أو لا هو المعيار الأول، وربما الأوحد على مسطرة المسلمين. فقزمان الشهيد من أهل النار، في حين نجد عثمان الذي فر من المعركة قبل بدايتها، في الواقع لم يشارك في أي معركة إلا بأمواله، عثمان هذا في الجنة، بل إنه من العشرة المبشرين بالجنة.


3. يصف كثير من المراجع الإسلامية قزمان هذا بأنه "منافق"، استنادا إلى أن قتاله لم يكن في سبيل الله، وإنما لأهداف أخرى. ومن هنا نفهم أن فكرة "المنافقين" في السياق الإسلامي، التي أفردت لها سورة في القرآن، ليست لها ذات الدلالة التي نعرفها الآن. فإذا كنا نعتبر النفاق هو أن تظهر عكس ما تبطن، فإن الرجل كان أبعد ما يكون عن النفاق، حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
كان بإمكانه وهو يموت أن يقول كلاما كأي كلام يستدر به عطف رفاق السلاح، أو يلقى ميتة أفضل، أو تأبينا لائقا، أو ذكرى، أو خلودا، أو ما أشبه. لكنه كان ثابتا على مبدئه وفكرته. ولو كان فعلها لما نعته المسلمون بالنفاق! بل ربما درسوا سيرته في المدارس، واعتبره المسلمون بطلا من عليه الله بالإسلام في آخر لحظة، وفي تقديري الشخصي البحت أن المسلمين يحبون النفاق عن قول الحق.


4. تعطينا قصة قزمان فكرة أنه كان بيثرب رجال لم يؤمنوا بالإسلام ولا بالرسول، أو آمنوا وكان لهم اجتهاد خاص، وأن هناك تعمدا لإغفال ذكر هؤلاء، ولولا أن الرجل كان شريكا أساسيا في واقعة ضخمة كمعركة أحد، لما ذكر من الأساس، وحتى دوره البطولي لم يكن شافعا للمؤرخين المسلمين حتى يقصوا لنا تفاصيل أكثر عن حياته، وطبيعة علاقته بالسلطة الجديدة في يثرب، وتاريخه قبل الإسلام، وهل كان من الأوس أم من الخزرج، وما هو انتماؤه العقدي والفكري، هل كان وثنيا، أو مسيحيا، أو ..... إلخ.
إنهم يكتفون بذكر أنه "منافق". وهو الأمر الذي يتطلب جهدا بحثيا لإعادة النظر في الحياة السياسية أثناء نشاة الدولة الإسلامية، وتفاعلات هذه الحياة. حتى نعرف أن الأمر لم يكن بهذه البساطة: مسلمون أخيار يواجهون كفارا أشرارا. ويا ليته كان كذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أستاذ نضال
مؤمن المحمدي ( 2012 / 10 / 27 - 11:57 )
بعد التحية والشكر للذوق، يا سيدي يسعدني تشكيكك في القصة، وربما كانت هذه فرصة ليقرأ المسلمون كتب الأحدايث ليعرفوا أنها تحتوي على ما يرفضونه، وما لا يتسق مع خطابهم. من ناحيتي ذكرت القة لأنها متواترة في أمهات الكتاب، وإذا كان لنا أن نراجع هذه الكتب وما تحتويه فلتكن مراجعة شاملة، وستكون النتيجة مذهلة صدقني.
، بخصوص الإخوان المسلمين، أنا فقط أرصد واقعة وهي اتفاقهم مع الإدارة الأميريكية
وأحاول أن أبحث لها عن جذور ومن نافلة القول أنني لا أعنيهم فردا فردا
تحياتي


2 - إلى ياسر
مؤمن المحمدي ( 2012 / 10 / 27 - 14:41 )
ردك بشكل عام منصب على موقفي من النبي بذاته، بينما انتقادي كله ذاهب إلى العقلية الإسلامية التي تم تشكيلها من قول النبي مضافا إليه سياقه التاريخ والذي أفهمه من الكتابات الإسلامية
عموما,


3 - تحية طيبه
ابو الحق البكري ( 2012 / 10 / 27 - 17:43 )
شكرا استاذنا المحمدي على هذا الجهد الرائع الذي قدمته في مقالك الكريم
اليوم فقط المتاسلمون والسلفيون والجهاديون هم اصحاب الجنه
اما بناة الحياة ومن يطالبون بالحريات فهم في الدرك الاسفل من النار لان حالهم اشبه بحال قزمان الانسان

اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي