الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجسد في الثقافة البطريركية

عائشة خليل

2012 / 10 / 27
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


تعمل الثقافة على إخضاع الجسد وتهذيبه، كان هذا هو الشغل الشاغل للثقافة منذ قديم الأزل. وتنشغل الثقافة البطريركية بجسد المرأة على وجه الخصوص. فعوضًا عن أن يكون الجسد ساحة للحرية والتعبير الذاتي، يكون مكانًا للدلالة على الانصياع والمواءمة والتماشي. لا تريد الثقافة البطريركية أن ترتبك بتفسيرات مختلفة عن أجساد الأشخاص، وتفضل أن تنزلهم منازلهم بمجرد نظرة عابرة. لذا فهي تلفظ أي خروج عن النصوص المرسومة، وتشدد على القولبة والتنميط.
ومدى نجاح الثقافة المسيطرة في تحديد المسموح والممنوع يمكن أن يُرى في معظم البلدان العربية من الخليج إلى المحيط حيث يتواءم الجميع مع الأطر المرسومة فلا نلحظ اختلافات تذكر في المظهر الخارجي، ويختلف مستوى النجاح من بلد إلى آخر: ففي بعض البلدان ينعدم الاختلاف، ويؤطر الجميع في أزياء تدعى بالوطنية. ولكن حتى في البلاد الأكثر كرنفالية، هناك أطر مرسومة يلحظها من يدقق النظر: فالجسد ليس ساحة للتعبير عن الفردية، بل هو ساحة للانصياع والطاعة.
هناك بالطبع اختلافات مسموح بها في إطار الثقافة البطريركية، ولكنها اختلافات في الدرجة وليست في النوع. ومن ذلك التعبير عن الثراء أو الطبقة الاجتماعية. فقد تكون خامة الحذاء أفضل، أو ماركة الرداء أقيم ليعبر الشخص عن رقيه في السلم الاجتماعي أو ثرائه النسبي. وبما أن هذه هي الساحة الوحيدة المسموح فيها بالاختلاف فقد يغالي البعض فيها، بل قد يمضون من الوقت ويبذلون من الجهد ما لا يتلاءم وحقيقة موضعهم في السلم الاجتماعي أو إمكاناتهم المادية.
ويعمل أفراد المجتمع على التأكد من نمطية مظهر كل المنتمين إليه. فالنقد نصيب كل شخص يجرؤ على الخروج عن النصوص المرسومة (المنطوقة وغير المنطوقة). ويتدرج النقد من التلميح إلى التصريح، إلى التهكم، ويتدرج الاعتداء اللفظي ليصبح اعتداء نفسيًا، بل وبدنيًا إذا لزم الأمر. وهو لا يصل إلى ذلك إلا في الحالات المستعصية، فلقد دربت الثقافة البطريركية الجميع على الانصياع منذ نعومة أظافرهم، ويعرفون وبال عاقبة عدم الانصياع. والمؤسسة الأهم التي تعمل على تشكيل الأفراد هي المدرسة بشكلها الحديث. فإذا تأملنا طابور الصباح، وشكل الفصل الدراسي، وتوحيد الكتاب المدرسي، وغيرها من الرموز المدرسية العتيدة لعرفنا أنها ما هي إلا ماكينة ضخمة للتأطير (تأطير الفكر، وتوحيد الُمنتج).
وبالرغم من أن الاعتداء اللفظي والنفسي غير مبررين على كل المستويات، ولكن بإمكاننا تفهم دوافعهما، فالمعتدي مهزوز الشخصية، غير واثق من نفسه، لا يرى في نفسه قوة وقدرة ذاتية، وإنما قدرته وقوته مستمدة من انصياعه للثقافة المسيطرة وكونه جزءا منها؛ ولذا فإن الاختلاف تهديد لشخصيته المهزومة في الأصل، الاختلاف اعتداء على ذاته. وهو يرد - من خلال عنفه - ما يشعر بأنه اعتداء على ذاته. لا يدرك المعتدي أنه يكرس الثقافة البطريركية بلا وعي منه.
وفي حالات نادرة - فالثقافة مسيطرة، وتختبر قوتها بمدى سيطرتها، ولذلك لا يفلت من قبضتها إلا بعض الشواذ - يلزم التدخل العنيف ليعود الفرد إلى جادة الصواب. ولقد استحدثت الثقافة البطريركية العديد من المؤسسات الْحريَّة بالمارقين مثل السجون ومستشفيات الأمراض العقلية ومصحات الأمراض النفسية. فكما نعرف فإن "السجن تأديب وتهذيب وإصلاح" أما المصحات فهي "للمختلين عقليا والمجانين" والجنان لغة هو فساد العقل، وما أفسد من عقل من لا يتبع الجماعة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذة عائشة خليل المحترمة
ليندا كبرييل ( 2012 / 10 / 27 - 12:39 )
تناولت قضية في غاية الاهمية عزيزتي
شعرت بقوة عبارتك التالية عندما رفضوني في عمل لأني لا ألبس الحجاب، تفضلت بالقول

مهزوز الشخصية غير واثق من نفسه ... ولذا فإن الاختلاف تهديد لشخصيته المهزومة في الأصل، الاختلاف اعتداء على ذاته

ولما أعربت للمسؤولين عن موافقتي على لبس الحجاب ، رفضوني أيضاً !! لماذا ؟
لأن ارتدائي له ليس عن قناعة وإنما لأسهّل لنفسي العمل هاهاها
ما رأيك عزيزتي عائشة؟
قال أحدهم : ظهورك بهذا الشكل الفاضح لا يتناسب مع العمل، حتى لو وضعت الحجاب فإن المفضوح يظهر بشكل آخر
لعله ظنّ أن المفضوح في النظرة ؟ التصرف؟ ذلك أن المحافظة على الأخلاق ليس في حساب السافرات أو المخالفين في الاعتقاد
وهذا موضوع يجرنا إلى نقاط بعيدة عما تطرقت إليه
أحييك عزيزتي وأتمنى لك عيداً سعيداً وكل عام وأنتم بخير





2 - كل عام وأنتم بخير
عائشة خليل ( 2012 / 10 / 31 - 03:09 )
كل عام وأنتم بألف خير عزيزتي ليندا

اخر الافلام

.. لهذا قُتلت لاندي جويبورو التي نافست على لقب ملكة جمال الإكوا


.. الدول العربية الأسوأ على مؤشر المرأة والسلام والأمن




.. إحدى الطالبات التي عرفت عن نفسها باسم نانسي س


.. الطالبة التي عرفت عن نفسها باسم سيلين ز




.. الطالبة تيا فلسطين