الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إستوح من طوّق الدنيا بما وهبا.. المعرى فى بغداد

نبيل الحيدرى

2012 / 10 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بدعوة كريمة من أرك غاليرى فى لندن وتقديم مديره الفنان المبدع يوسف الناصربنبذة مختصرة عن المحاضِر والندوة، ألقيتُ كلمة عنوانها متواضعة عن المعرى ورحلته إلى بغداد، والتى استغرقت خمسا وأربعين دقيقة ثم تلتها المداخلات والأسئلة والحوار بين الحضور النوعى من الأكاديميين والمثقفين والكتاب العراقيين خصوصا المهتمين بالأدب والفلسفة والفن مما جعلها ندوة متميزة ثرية ممتعة بشهادة بعض الحضور حتى تمت الدعوة لإعادتها فى أماكن أخرى
كانت البداية بشكر بالغ إلى مسؤولى أرك غلارى ومبدعيه الفنانين الرائعين يوسف الناصر ودلال المفتى منذ إنشائه قبل 16 عاما عندما أخذت بناية مهجورة وتم ترميمها وإصلاحها من مجموعة من الفنانين العراقيين، ولازال الغاليرى باقيا رغم ضعف الإمكانات المادية لكنه يقدم عطاءا مستمرا وبجهود شخصية وتبرعات محدودة رغم انقطاع الدعم السابق وضعف الإمكانات لتأجير المكان وإقامة الندوات
ثم الحديث فى الندوة مختصرا عن حياة المعرى وميزاته وذكْر قصصٍ عديدةٍ عن شدة ذكائه وفرط ذاكرته وخصائصه ثم أهميته وأبداعاته والجدل الكبير حوله وحول آرائه وكتبه وأفكاره وتمرده
وذكر بعض ممن كتبوا حوله مثل طه حسين وعباس العقاد وبنت الشاطئ وأمين الخولى وهادى العلوى وعبد الله العلايلى ولويس عوض ويوسف البديعى وعلى كنجيان ويوحنا قمير والحموى وابن العديم وغيرهم
واهتمام المستشرقين البالغ مثل نبكلسون ووليم واط وماركليوث وغولدزيهر وبوشه وأغناطيوس وكريمر وهيار وسلمون وأوخو وبروكلمان وماسنيون وبلاسيوس.. وسر اهتمامهم بالمعرى فقد ترجمت اللزوميات مثلا إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والروسية وغيرها
وكيف كانت بغداد آنذاك مدينة العلم ومركز الحضارة وتلاقح الفكر وملتقى الأشراف والأدباء والمثقفين وقد إزدحم الناس من كل أطراف الدنيا وسميت (دار السلام) ...يصفها طه حسين (كانت بغداد كباريس اليوم فلاترى فى العالم الإسلامى شابا أتم الدرس فى بلده إلا وهو يتحرق شوقا إلى الرحلة إلى بغداد ودراسة العلم فيها من أصفى موارده وأعذب مناهله).عرضت علي المعرى كتب بغداد من مدينة العلم وبيت الحكمة وكثير من خزائنها فكان كما قال ابن الفضل (جعل المعرى لايقرأ عليه كتاب إلا حفظ جميع ما يقرأ عليه). ودخول المعرى ومحاججته الفكرية والأدبية والفلسفية فى بغداد لاسيما مع الشريف المرتضى نقيب الطالبيين التى أدت فيما أدت وغيرها كمرض أمه إلى هجرته بغداد وتسميه رهن المحبسين وهو يتحسر على بغداد طيلة حياته
شربنا ماء دجلة خير ماء .. وزرنا أشرف الشجر النخيلا
ثم الحديث عن بعض مؤلفاته مثل سقط الزند واللزوميات و رسالة الغفران واختار منها ما يناقشه حيث حاكت الأخيرة الملحمة الشعرية (الكوميديا الإلهية) لدانتى الإيطالى و(الجنة الضائعة) لجون ميلتون الإنكليزى
حكمه الكثيرة التى صارت مضربا للأمثال وما تميز به عن غيرهوشعره الجميل حيث نظم فى مختلف فنونه من الوصف والمديح والهجاء والغزل والنسيب والخمرة والرثاء والإفتخار وتم اختبار نماذج منها: فى ديوانه سقط الزند الرثاء قصيدته الخالدة التى قال فيها طه حسين (نعتقد أن العرب لم ينظموا فى جاهليتهم وإسلامهم ولا فى بداوتهم وحضارتهم قصيدة تبلغ مبلغ هذه القصيدة فى حسن الرثاء):
غير مجد فى ملتى واعتقادى.. نوح باك ولا ترنم شاد
وشبيه صوت النعى إذا قيس.. بصوت البشير فى كل ناد
أبكت تلكم الحمامة أم غنت.. على فرع غصنها المياد
صاح هذى قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد
إن حزنا فى ساعة الموت أضعاف سرور فى ساعة الميلاد
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
رب لحد قد صار لحدا مرارا ضاحك من تزاحم الأضداد
ودفين على بقايا دفين فى طويل الأزمان والآباد
تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب فى ازدياد
سر إن اسطعت فى الهواء رويدا لا اختيالا على رفات العباد
قبيح بنا وإن قدم العهد هوان الآباء والأجداد
وكذلك قرئت قصيدته فى الفخر من ديوانه سقط الزند ونظمها ببغداد أيضا
ولما رأيت الجهل فى الناس فاشيا تجاهلت حتى ظن أنى جاهل
فوا عجبا كم يدعى الفضل ناقص ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل
إذا وصف الطائى بالبخل مادر وعبر قسا بالفهاهة باقل
وقال السهى للشمس أنت ضئيلة وقال الدجى للصبح لونك حائل
وطاولت الأرض السماء سفاهة وفاخرت الشهب الحصى والجنادل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدى إن دهرك هازل
وتم اختيار فقرات من كتب عربية وأخرى استشراقيه فى الموضوع
وتم الحديث عن رسائله وأجوبته الكثيرة التى وصلته من الأمراء والزعماء والفقهاء والأدباء وأصحاب المذاهب والفرق والمقالات
كما كانت قصة وفاته لونا من التراجيديا التى ختمت حياته المليئة بالأحزان ولتحديه فى الخروج عن المألوف أدت إلى انقسام الناس والجدل الكبير حوله من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار
وقف على قبره أكثر من ثمانين شاعرا يرثيه منهم القائل
العلم بعد أبى العلاء مضيع والأرض خالية الجوانب بلقع
ما كنت أعلم وهو يودع فى الثرى أن الثرى فيها الكواكب تودع
لو فاضت المهجات يوم وفاته نا استكثرت فيه فكيف الأدمع
رفض الحياة ومات قبل مماته متطوعا بأبرّ ما يتطوع
قصدتك طلاب العلوم ولا أدرى للعلم بابا بعد بابك يقرع
ثم ختمت الجلسة بقصيدة الشاعر الكبير محمد مهدى الجواهرى فى ذكرى أبى العلاء وفيها
قف بالمعرة وامسح خدها التربا واستوح من طوق الدنيا بما وهبا
وهكذا كانت الجلسة استيحاءا من روح المعرى وفكره وأدبه وفلسفته وتمرده
لاشك أن الحضور الكريم فى مداخلاتهم ونقدهم وملاحظاتهم قد أثروا الندوة مثل مداخلة البروفسور العراقى عبد العظيم السبتى فى إعادة هذه الندوة الثرية لأهميتها
ومداخلة الدكتور أبو عبير (عبد الحسين الطائى) حول العلاقة بين رسالة الغفران للمعرى والكوميديا الإلهية لدانتى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ