الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البهائية ونشأت العقائد الدينية

نافذ الشاعر

2012 / 10 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نبذة تاريخية:
لقد ظهرت البهائية في بلاد فارس ذات الغالبية الإسلامية، ومن ثم انتشرت في المناطق الإسلامية المجاورة التابعة للامبروطورية العثمانية والروسية ووصلت إلى شمال الهند. وكان المؤمنون الأوائل مسلمين من خلفيات يهودية ومسيحية وزرادشتية دخلوا في الإسلام بخلفياتهم تلك دون التعمق في الدين الإسلامي، وكانوا يحاولون أن يجدوا صدى لمعتقداتهم القديمة في الإسلام.

ومن الجدير بالذكر أن السنوات الأولى من القرن التاسع عشر شهد فترة ترقب وانتظار في العالم الإسلامي والأوربي للمسيح المنتظر الذي يخلص العالم من الشرور والطغيان. ولا شك أن هذا الترقب للمخلص كان من أقوى الدلائل على اشتداد الفتن في أرجاء العالم بحيث تصبح أمال الناس متجهة لانتظار مسيح موعود يخلص الناس من المآسي والكروب.

بلاد فارس والمهدي المنتظر:
لقد كانت أكثر المناطق ترقبا لهذا المسيح الموعود هي بلاد فارس وذلك لأسباب عديدة منها:
الظلم الذي وقع على الناس باسم الدين حيث كان هناك بعض المرتزقة التابعة لرجال، يذيقون الناس ألوانا من العذاب بدعوة الحفاظ على الدين وفرض النظام.
ومنها أيضا الخلفية الشيعية لتلك البلاد حيث كان يسود لديها الاعتقاد بأن الإمام الثاني عشر الذي اختفى عام 873م سيظهر في آخر الزمان..
ومن هذه الأسباب أيضا قيام أحد كبار علماء الشيعة وهو الشيخ أحمد الاحسائي وتلميذه كاظم الرشتي بالترويج لهذه العقيدة، وقاما بنشر تلك الأفكار بين أوساط الشيعة، ويبدو أنه قد عز على الشيخ الاحسائي أن يموت قبل أن يرى المسيح المنتظر، فأعلن الاحسائي أن عودة المسيح المنتظر وشيكة الحدوث، وأشاعت أقواله جوا من الترقب والانتظار. وقبل وفاة الرشتي دعا تلاميذه إلى البحث عن المهدي المنتظر في طول البلاد وعرضها، حتى عثر عام 1844م على شاب شيعي شديد التدين، ترجع جذوره إلى آل البيت يدعى (سيد علي محمد).

وقد تم حشو عقل هذا الشاب بهذه العقيدة، التي كانت نفسه مستعدة لها من قبل، فصادفت في نفسه هوى عميق، وكان هذا الشاب ذا جاذبية كبيرة وقدرة متدفقة على الكتابة والتأويل، فأعلن أنه رسول سماوي مثل عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، فأعلن أنه المقدمة والباب للمهدي المنتظر وليس هو المهدي المنتظر، فآمن به ثمانية عشر شخصا، وقام بإرسالهم إلى مناطق مختلفة من إيران على غرار تلاميذ يحيي عليه السلام، الذين كان يرسلهم للتبشير بالمسيح. وقد اعتقد هذا الشاب بأنه رجعة محمد عليه الصلاة والسلام، وكان يلتمس من الشواهد المحيطة به ما يؤيد هذا الاعتقاد. ومن تلك الشواهد التي التمسها: فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج بخديجة بنت أحد تجار قريش، فها هو قد تزوج بخديجة أيضا بنت أحد تجار شيراز. وإذا كان يحيي عليه السلام قد أرسل تلاميذه ومريديه للتبشير بالمسيح، فليرسل هو تلاميذه للتبشير بالمهدي المنتظر. وإذا كان يحيي عليه السلام قد هاجمه رجال الدين الفاسدون فهاهو يهاجمه رجال الدين الفاسدون. وإذا كان يحيي عليه السلام قد تم القبض عليه وإعدامه، فلا ضير إن تم القبض عليه وإعدامه أيضا، وهذا ما تم حيث ألقي القبض عليه ونفذ فيه حكم الإعدام.

البهاء يخلف الباب:
وحل مكان الباب شخص آخر يدعى (ميرزا حسين علي) الملقب بالبهاء، وقد كان مؤمنا بدعوة الباب، وكان بينهما مراسلات ومكاتبات وتشابه كبير في الأفكار والمعتقدات. وكان (ميرزا حسين علي) من العائلات الفارسية العريقة المالكة للأراضي والعقارات وتنتمي لطبقة الأعيان. وكان هذا الشاب لا يقل ذكاء وألمعية عن الباب، وقد أطلق على نفسه بهاء الله، وبدأ ينشر دعوته بأنه المهدي المنتظر الذي كان الباب يبشر به، مما عرضه للسجن والتعذيب، لكنه نجا من الإعدام نظرا للوضع الاجتماعي لعائلته وللتدخلات الشخصية من السفير الروسي الأمير دولكركوف. ثم صدر أمر بإبعاده مع عائلته إلى بغداد بعد مصادرة ممتلكاته، ولم يمض له في بغداد غير فترة قصيرة حتى ذهب سرا إلى جبال كردستان فرارا من تصرفات أخيه ميرزا يحيي ، وبقي هناك لمدة سنتين يكتب ويؤلف الأدعية والأشعار والمناجاة.

ثم عاد إلى بغداد تحت إلحاح أحد الأصدقاء، وأخذ يعيد ترتيب صفوف البابيين من جديد، ويبث فيهم تعاليمه من جديد، فصدر الأمر بنفيه هو وعائلته إلى اسطنبول، لكنه بسبب الخلاف بين الحكومة التركية والإيرانية لم يدم فيها طويلا حتى تم نفيه إلى أدرنة في الجزء الأوربي من تركيا التي كانت تضم خليطا من الأمم والأعراق من اليهود والنصارى والزرادشتيين والزنادقة.. وهناك لاقت دعوته نجاحا كبيرا. وأخيرا تم نفيه إلى عكا بسبب ضعف الامبروطورية العثمانية وتفككها وانفصال بعض الممالك عنها. وكانت عكا شديدة الشبه بأدرنة من حيث كثرة الأعراق والأمم والجنسيات. واستقر المقام بالبهاء في عكا، وأخذ يوطد لدعوته هناك ويؤلف الكتب والأشعار.

أثر المآسي على نفسية البهاء:
لا شك أن كل تلك المآسي والآلام والحط والترحال تركت آثارها العميقة على نفس البهاء، وجعلته يفكر في أسباب هذه العداوات التي تقع بين البشر، وأخذ يتساءل لماذا لا يعيش البشر مع بعضهم البعض بالرغم من اختلاف دياناتهم وأعراقهم وأجناسهم؟ ولماذا لا يكون لهؤلاء البشر دين واحد يجمعهم ويعيش البشر في وئام وسلام دون قتال أو سفك دماء؟ أضف إلى ذلك أن من بين الأفكار التي نادى بها الباب، بوحي من أستاذه الرشتي، أن المهدي إنما يأتي إلى الدنيا بعد اجتماع الخلق على كلمة واحدة تتوافق فيها عقائد الإسلام والمسيحية واليهودية والوثنية!
هذه النظرة الفلسفية الحالمة جعلته يعمد إلى الديانة الإسلامية فيشطب ويختصر من العقائد ما يشاء، كما يعمد الطالب إلى كتاب ضخم يختصره في كتيب صغير يسهل حفظه واستيعابه استعدادا ليوم الامتحان. وبهذا قام بشطب كل العقائد التي يعتقد أنها مثارا للخلاف بين البشر وبين الديانات، ثم قدم هذا المختصر على أنه ديانة جديدة.

صياغة البهائية على غرار الديانة الإسلامية:
لقد قام البهاء بمحاكاة الدين الإسلامي في تشريعاته كلها، فإذا كان في الدين الإسلامي قرآن فيوجد في البهائية (الأقدس) الذي يقابل القرآن.
وإذا كان في الإسلام صلوات، فيوجد في البهائية صلاة وهي مرة أو مرتان أو ثلاثة، وعلى المصلي أن يختار ما يشاء حسب الظرف الذي يلائمه، وليس هناك صلاة جماعة إلا على الميت، ومن بلغ السبعين من عمره فلا صلاة عليه. أما الوضوء فهو غسل الوجه واليدين فقط. وإذا كان في الإسلام حج فيوجد في البهائية حج، ولكنه سقط عن النساء، وهو إلى مسجد شيراز أو إلى قبر البهاء.

وإذا كان في الإسلام صيام شهر بأكمله ففي البهائية صيام تسعة عشر يوما فقط من شهر مارس في كل عام، ومن يقوم بالأعمال الشاقة فلا صيام عليه ولا فدية..
أما الحدود فهي مخففة أيضا، فلا رجم أو جلد على الزاني، وإنما مثقال من الذهب يدفعه وينتهي الأمر. أما السارق فلا تقطع يده، وإنما يحبس أو ينفى. والقاتل إما أن يقتل أو يحبس وفق ما يراه القاضي. ومن يحرق بيتا يحرق، وذلك لردع من تسول نفسه إحراق بيوت المخالفين له في العقيدة، وكان هذا الفعل شائعا في زمن البهاء.
ويبدو أنه في زمن البهاء كان هناك حدا يقام على من يحلق لحيته، لذلك فقد جاء في الأقدس فقد رفع عنكم حد اللحى فضلا من إنه لهو الآمر العليم.

الاعتبارات التي أخذها البهاء بالحسبان:
لقد قام البهاء بمحاكاة الديانة الإسلامية في تشريعاتها من ألفها إلى يائها لكنه أخذ في اعتباره عدة أمور منها:
-اختصار التشريعات الإسلامية وتلخيصها كي تكون سهلة ميسورة تجتذب إليها الناس، وتتناسب مع عصر السرعة.
-السعي الدءوب لإزالة الفوارق وشطب كل العقائد التي ظن أنها تسبب الخلاف بين البشر، فإذا كان البشر يختلفون بسبب تفضيل دينهم أو نبيهم عن سواه من الأديان والأنبياء، فليس في البهائية دين أحق من دين، فكل الأديان واحدة، وكل دين أدى مهمته في العصر الذي جاء فيه وبالتالي لكل عصر دينه الذي يناسبه، وكلمة الإسلام لا تختص بالدين الإسلامي وحده، فكل من أقر بوجود خالق للكون فهو مسلم، وبهذا فإن اليهودي والنصراني والمجوسي والزردشتي يعتبروا مسلمين.
وإذا كان هناك خلاف سيقع بين الرجال والنساء بسبب الحقوق والواجبات، فليس في البهائية فرق بين الرجل والمرأة من ناحية الحقوق والوجبات.
وإذا كان هناك خلاف سينشأ بين البشر بسبب الجنس والعرق فليس في البهائية فرق بين الأجناس والأعراق، لأن الجنس البشري واحد.
وإذا كان الخلاف سببه زواج الرجل بأكثر من واحدة، فلا يجوز الزواج باثنتين إلا للضرورة، لئلا يحدث الخصام والشقاق بين الأخوة غير الأشقاء كما فعل ميرزا يحيى مع أخيه البهاء.
وإذا كان الخلاف سيقع بين الناس بسبب اللغة، وكل إنسان قد يتعصب للغته، فلا بد من إيجاد لغة عالمية مشتركة تحل عن اللغات المحلية.

أما المحارم التي لا يجوز للرجل أن يتزوجها، فلا يذكر (الأقدس) إلا زوجة الأب. أما باقي المحارم فمرجع تحريمها أو تحليلها هو بيت العدل الذي يقرر في الموضوع حسب ظروف كل إنسان على حدة، وإن كان الأفضل للرجل أن يبتعد عن الأقارب ما أمكن.
أما فيما يختص بالغيبيات من حشر ومعاد، فليس في البهائية قيامة للأموات، وإنما القيامة تعني مبعث نبي جديد إلى أمة من الأمم فهذا هو قيامتها، وليس للدنيا أجل تقف عنده، إنما هي مستمرة إلى أبد الآبدين، ورسالات الله مستمرة كذلك ولن تتوقف، وكل عصر سوف يأتيه نبي بالرسالة التي تناسبه. أما الجنة والنار فلا وجود حقيقي لهما، وإنما هما تعبيران رمزيان فقط، فالجنة هي قربك من الله، والنار هي بعدك عن الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يعتبر اليهودي والنصراني والمجوسي والزردشتي مسلمين!
ليندا كبرييل ( 2013 / 3 / 12 - 15:53 )
بعد قراءتي مقالك زدتُ قناعة بما جئتُ به في مقالي يوم أمس
أشكرك على التعليق في مقالي المتواضع ولفتك نظري إلى موضوعك هذا
حدثتنا حضرتك عن صياغة البهائية على غرار الديانة الإسلامية
لكن الديانة الإسلامية أيضاً على غرار اليهودية
وأكتفي بالجملة الواردة في عنوان تعليقي لأؤكد ما اقتنعتُ به من أن الأديان بمجملها تهدف للسيطرة وبسط نفوذها إذا أتيحت لها الظروف
أنا أقول إن كل دين، مذهب، جماعة، فئة، فرد له تصوره الخاص عن الله
وحضرتك والبهائية أيضاً تقولون إن كلمة الإسلام لا تختص بالدين الإسلامي وحده، فكل من أقر بوجود خالق للكون فهو مسلم
طيب .. إذا كان أهل الأديان الأخرى لا يريدون أن ينضووا تحت كلمة مسلم فهل غصباً عنهم وبالعافية ستدخلونهم؟
حتى الدين البهائي يردد أقوالاً من الكتب المقدسة تميز بين البشر، هم يدعون أن الأديان متساوية لكنهم في الحق يناقضون أنفسهم، والتناقض واضح لكل عين
المعذرة
لا أستطيع استيعاب هذه الأفكار رغم المشاعر السلمية واللغة المتسامحة البادية منها
شكراً دكتور نافذ ولك احترامي وتقديري

اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة