الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة تفكيكيّة إلى رفيقي السلفيّ

مصطفى القلعي

2012 / 10 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رسالة تفكيكيّة إلى رفيقي السلفيّ
في مقاومة الاستقطاب النهضويّ الندائيّ


رفيقي العزيز السلفيّ
صباح الخير
سأفكّك وإيّاك، اليومَ، مسألة التسمية السياسيّة في تونس. وسترى أنّ الاسم السياسيّ يتراوح بين المكر والبراغماتيّة وقلّة الذوق وسوء الفهم والتلبيس وحتى السّرقة الموصوفة التي يُفتَرض أن يعاقب عليها القانون. أرجو المعذرة منك، يا رفيقي، ولكن يحدث كثير من هذا أثناء وضع السياسيّين أسماء أحزابهم وحركاتهم وتيّاراتهم. واسمح لي، يا رفيقي، أن أتحدّث عن تسميتيْ "النهضة" و "نداء تونس"، باعتبارهما يتمّ التسويق لهما على أنّهما يمثّلان بطلي المشهد السياسيّ في تونس، اليوم، أقصد البطولة بمعنى حجم الحضور، كما في المسلسلات والأفلام.
• "النهضة":
لقد غيّر الإسلاميّون اسمهم من حركة الاتّجاه الإسلاميّ إلى حركة النّهضة، كما تعلم، يا رفيقي. لماذا؟ لغايات تكتيكيّة سياسيّة متّصلة بالتفكير في الحكم يوما؛ يعني الخروج من البوتقة الجهاديّة إلى التنافس على السّلطة؟ لتنفيس تهمة التشدّد اللاصقة بهم؟ لتلبّس مسحة حداثيّة وتخفيف الحِمل السلفيّ، أعني البدلة الإفرنجيّة وربطة العنق بدل العراقيّة والجلباب أو كليهما معا؟ ولكن، ما علاقة حركة "النهضة" الإسلاميّة بعصر النهضة؟ هذا هو السّؤال. هل تبنّت حركة الاتّجاه الإسلاميّ التونسيّة "النهضة" أدبيّات فكر النهضة؟ لو افترضنا أنّها تبنّتها، هل يعني ذلك أنّها تخلّصت من سلفيّتها وصارت حداثيّة؟
رفيقي العزيز،
أطال الله بالك عليّ. يفرض علينا المنهج أن نعود إلى عصر النهضة. أنت تعرف أنّ عصر النهضة ليس تسمية إيديولوجيّة. والكثير من المؤرّخين والمفكّرين يعيدون التسمية إلى حملة بونابرت على مصر سنة 1798. فقد تفاجأ العرب بالآلة العسكريّة لاسيما البارود، وهم يعدّون للمواجهة بالسيف والخنجر. صدموا للتفاوت الحضاريّ بين الشرق والغرب. ومن هناك رغبوا في التدارك الحضاريّ. ووضعوا له استراتيجيا تقوم أساسا على إرسال البعثات العلميّة إلى أوروبا مركز الحداثة. ولا تنس، يا رفيقي، أنّ تسمية "عصر النهضة" هي نفسها مستوحاة من تسمية عصر النهضة الأوروبي بين القرنين الرّابع عشر والسّادس عشر. وللمصطلح دلالاته في الانتقال من العصور الوسطى إلى النهضة. وقد انفتحت النهضة الأوروبيّة بالفنّ من إيطاليا حيث قادها الرسّامون والشعراء والمفكّرون والرّحالة كمايكل أنجلو وليناردو دافنشي وميكيافيل وكولومبس وفاسكو دي غاما وغيرهم. ومصطلح "النهضة" اختاره العرب لترجمة مصطلح (Renaissance). ومع أنّ في الترجمة نظر، فقد راج هذا المقابل العربيّ في الاستعمال واستقرّ في المعاجم العربيّة.
رفيقي العزيز
لقد أنتج عصر النهضة العربيّ مفكّرين ومصلحين ومعلّمين وزعماء كمحمد علي باشا وخير الدّين باشا ورفاعة الطهطاوي وابن أبي الضياف وغيرهم. فماذا أنتجت حركة النهضة الإسلاميّة التونسيّة؛ ذكرياتٍ مؤلمةً للكثير منّا، أصواتا ناشزة خارجة عن العصر، صورة سكيزوفرينيّة مشقوقة بالازدواجيّة والانفصام، عجز عن ولادة شاعر فذّ واحد أو روائيّ فذّ واحد أو رسّام فذّ واحد أو سينمائيّ فذّ واحد؟
رفيقي العزيز السلفيّ
أنت تلاحظ أنّ بين النّهضتين الأوروبيّة والعربيّة قرنين من الزمان. وهي ما اصطلح المفكّرون على تسميته بالفجوة الحضاريّة بين الغرب والشرق التي يلهث العرب عبثا وراءها لإدراكها. ويحمل المفكّرون وعيا دراميّا بكونها لا تتقلّص وإنّما تتوسّع أمام لامبالاة العرب واستكانتهم للتبعيّة قدَرًا.
رفيقي العزيز
لاحظ أنّ تسمية "النهضة" ذات منبت حضاريّ حداثيّ، فما علاقة حركة الاتّجاه الإسلاميّ التونسيّة بها؟ ما مدى تمثّل الإسلاميّين التونسيّين لأدبيّات عصري النهضة الأوروبيّ والعربيّ؟ هل أتى النهضويّون التونسيّون استمرارا لحركة النهضة العربيّة المعطّلة؟ هل يرغبون في تدارك العطالة الحضاريّة؟ هل يرغبون في سدّ الفجوة الحضاريّة؟ أنا لا أفهم اختيارهم اسم "النهضة" إلاّ بهذا المعنى. أمّا عدا ذلك فهو استيلاء وتلبيس مخزيان. فليردّوا الاسم إلى أصحابه معتذرين. وليستعيدوا اسمهم الأصوليّ. فهذا الحقّ، كما لا يرونه.

• "نداء تونس":
جئنا للنّداء الآن، يا رفيقي.
اسم "نداء تونس" يقوم على استعارة ماكرة. تعال أشرحْ لك ما أقصده. يقوم الاسم على علاقةِ مُشابَهةٍ بين عمليّة النداء، وهي من أعمال البشر العاقلين، وبين حاجة تونس إلى التونسيّين لنجدتها، كما قدّرها أصحاب التسمية. فتونس تنادي. والمناداة تخفي مكرا آخر يدلّ عليه معنى الاستغاثة الثاني أو الخلفيّ (قريب من نظريّة المعنى ومعنى المعنى عند الجرجاني). فجماعة النداء سمّوا الاستغاثة نداء. وأرادوا من لفظ النداء أن يؤدّي معنى الاستغاثة. بل هم يطمحون إلى أن يصير معنى النداء هو الاستغاثة. وبهذا المعنى، وعملا بما أسمّيه قانون تنادي المعاني، ينادي معنى الاستغاثة معنى الإغاثة والإجارة. فنجد أنفسنا في عمق نظريّة قيم الفحولة المعلاة عند العرب القدامى إلى عصر ما قبل الإسلام.
رفيقي العزيز
أنت تعرف أنّ العرب كانت من قيمها أن تجير وتغيث دون أن تسأل المغاث شيئا. وللإغاثة إكراهاتها كأن يكون على المغاث وتر يقضيه. ولذلك قد تدخل القبيلة المغيثة في حرب، وقد تتعرّض للغزو مع ما فيه من سبي وقتل وخسران. ومع ذلك ظلّت هذه القيمة من قيم الفخر والمدح عندهم. بهذا المعنى، فإنّ الندائيّين، وأمينهم العامّ رجل بلاغة وعلم باللغة، يحرجون التونسيّين؛ فانضمامكم إلينا إغاثة لتونس وعدم الانضمام خذلان لها. وهكذا يُحصر مفهوم الوطنيّة في الانضمام إلى النداء استجابة للاستغاثة. أليس هذا نوعا من الاستبداد المغلّف؟
أرأيت مكر التسمية، يا رفيقي؟
ولذلك، يحرص الندائيّون على مناخ التوتّر. فهو يخدم استراتيجيّتهم القائمة على رسم صورة لتونس تبدو من خلالها كالغريق أو كالهارب من الموت الذي يحتاج إلى النجدة والإغاثة. فيمتدّ الحبل من النداء. إذن، خطابهم هو: تونس ليست بخير، والخراب مطبق، والإرهاب أكلنا، والمؤسّسات استلبت وطوّعت.. و.. و.. و.. ولا خلاص لتونس إلاّ في النداء. وهذا لا يعني أنّي أقول إنّهم يمارسون العنف. لا، أبدا. هم فقط كثيرو الصراخ. ويميلون إلى التضخيم والتشهير والتنافس على لعب دور الضحيّة مع رفاقهم النهضويّين.
أتعرف، يا صديقي؟ أشعر أحيانا بأّنهم ينتظرون الاعتداء عليهم، بل يسعون إليه لغايات سياسيّة تتمثّل في تسجيل نقاط على رفيقهم الخصم النهضويّ تسحب من رصيده الانتخابيّ. وصدّقني، يا رفيقي، في العاميّة التونسيّة، توجد صفة ملائمة تماما لرفيقنا الندائيّ، ولكنّي لم أجد لها مقابلا فصيحا. ولذلك اغفر لي ذكرها بالعاميّة، هي صفة "الشوكاع". رفاقنا الندائيّون "يتشوكعوا" كثيرا، مع الاعتذار الشديد لرفاقنا المعجميّين على تطاولنا على إدراج العاميّ في الفصيح وعلى تجرّئنا على الاشتقاق من العاميّ إلى الفصيح.
أين المشكل، يا رفيقي؟
المشكل أنّ النداء يصرّ على المرجعيّة الدستوريّة والبورقيبيّة ويتسامح مع المرجعيّة التجمّعيّة. والسؤال هو: كيف مارست مراجعهم السلطة؟ كيف تعامل حزبا الدستور والتجمّع مع مؤسّسات الدولة؟ كيف عامل بورقيبة التونسيّين؛ أليس هو القائل: L’Etat c’est moi؟ ألم يكن جهويّا حدّ المرض؟ أليست الجهويّة عنصريّة فاشيّة مقيتة، أيضا؟ كيف يكون النداء حضن المستغيثين وهو بهذه الخلفيّات؟ أليست خلفيّته ومراجعه هي ما ثار عليه التونسيّون؟ ثمّ أليس الإحياء نوعا من الميثولوجيا المستحيلة؟ أليس الإحياء إقرارا بالموت أوّلا، فكيف يحيى من كان قد مات؟ أليس الاتّكاء على صنميّة بورقيبة سلفيّة أيضا باعتبارها تطمح إلى إعادة ماض قد مضى؟
فكن حذرا من لعبة التسمية، يا رفيقي. إنّها لعبة ماكرة غير بريئة. انتبه إلى ألاّ تكون طرفا فيها. كن معنا فقط.
تلقّ فائق التحيّة والاحترام، يا رفيقي. وأعدك أن أعود إلى اسمك لتفكيكه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اخر الغرائب
hkimi hakim ( 2012 / 10 / 29 - 17:49 )
عصر النهضة الاسلامية التونسية عجزعن ولادة شاعر فذ او روائي فذ...هذه اخر العجائب...النهضة فاشلة لانها لم تحقق نموا اقتصاديا هائلا ..وهي فاشلة لانها لم تقدر على حل مشكلة مليون بطال..وهي فاشلة لانها لم تقدر علىجلب بن علي..وهي فاشلة لانها لم تشن حربا على السلفيين..وهي فاشلةلانها لم تحل مشكلة القضاء والاعلام.وهي فاشلة لانها لم تقض على الاعتصامات والاضرابات والاغتصابات ومسؤولة عن موت الخرفان الرومانية وعن نقص الحليب والدواء وتكدس الزبالة في الشوارع..و..و..و...لا تستغربوا اذا برز محلل سياسي وقال ان النهضة قد فشلت لانها تحكم البلاد منذ تسعة اشهرولم تتمكن من اطلاق قمر صناعي ..او من صنع طائرة بدون طيار.. او من تحرير فلسطين والجولان..اما عن التسمية فمن حق كل حزب سياسي ان يختار لنفسه تسمية تناسب طموحاته وليست التسمية هي التي ستمكن هذا الحزب او ذاك من الفوز في الانتخابات


2 - السبب في الجواب
عبد الله خلف ( 2012 / 10 / 29 - 21:18 )
سؤال : ماذا عملت الأنظمه العلمانيّه للشعب التونسي؟... و لماذا ثار الشعب التونسي على الحكومه العلمانيّه؟... و لماذا أختار الشعب التونسي الإسلاميين على العلمانيين؟ .

اخر الافلام

.. القوى السياسية الشيعية تماطل في تحديد جلسة اختيار رئيس للبرل


.. 106-Al-Baqarah




.. 107-Al-Baqarah


.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان




.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_