الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يفعل الحزب الشيوعي اللبناني؟

الاخضر القرمطي
(William Outa)

2012 / 10 / 29
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها



لا يُتوقَّع من الإحتفال بذكرى تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني هذا العام أن تكون مختلفةً عمّا سبقها، فهي-كالعادة- لن تظهرَ أكثر من لقاءٍ شعبي يضمّ ما تبقّى من شيوعيين في هذا البلد سيستمعون الى طيفٍ واسعٍ من التحليلات والتفسيرات ومن الكلمات الطنّانة ومن الوعود التي تجترها قيادة الحزب وحلفاؤه "العلمانيون الديموقراطيون" منذ سنين. وسينتهي اللقاء ربّما ببعض الأمل أو على الأرجح بمجرّد عودة الرفاق الى بيوتهم من أجل متابعة حياتهم اليومية الاعتيادية. وتكرار المشهد ذاته كلّ عامٍ-وفي مناسبات مختلفة تطغى عليها سمة الحنين الى ماضٍ مجيدٍ- لا يوحي إلاّ بمدى ما وصلت إليه الحالة الشيوعية اللبنانية من تردٍّ لا يقف عند ما يُفترض به العلّة الجوهرية في الحزب – أي أزمته التنظيمية – بل يتعدّى ذلك الى ما هو جوهري حقًّا أي المأزق البنيوي الحزب في ممارسته السياسية الصراعية اليومية.
علينا أن نرسم ترسميةً يمكن لها أن تختصر حالة الحزب اليوم في ذكرى تأسيسه. وهي ترسمية لا أعتقد انه يختلف عليها رفيقان.
1- النقطة الأولى: أن الحزب الشيوعي اللبناني لم يعد حزبًا جماهيريًا بما تعنيه الصفة من حالة امتداد شعبي يمتلك من القوة ما بإمكانه أن يفرض نفسه في اي معادلة سياسية داخلية على الأقل. فهذا الحزب العريق الّذي كان من المفترض أن يصبح حزب العشرة آلاف عضو، ما زال منذ انهيار الاتحاد السوفياتي يخسر – لا أعضائه فقط- بل حتّى قاعدته الشعبية الكادحة والتي من المفترض أن يمثلّها بإعتباره حزب الطبقة العاملة والكادحين. وهذه الخسارة ليست سوى نتيجة تراكمات من الأخطاء اليومية في الممارسة السياسية، وهي أخطاء لم تنظر الى هذه القاعدة الشعبية سوى بعين مجرّدة متعالية بعيدة عن "اليومي العيني الملموس" لصالح رؤية لا ترى في الجماهير سوى شكلاً عامًا مجرّدًا أو جسمًا إجتماعيًا يكفي "خطابٌ ثوريّ" يكشف له الحقيقة لكي ينضمّ هذا الجسم الىى صاحب هذا الخطاب. أو انها رؤية لا تتذكّر "الشعب" إلاّ في مناسبات معيّنة (ذكرى التأسيس أو ذكرى انطلاقة جمّول أو في استحقاق انتخابي..).والحزب لم "ينزل" الى الشارع، الى هناك حيث المعاناة اليومية للكادحين، لا بل بقيَ في ممارسته المفترضة ضد النظام اللبناني القائم متعاليًا عن هذا الشارع الممتلىء بالقضايا التي يُمكِن من دون شكّ تثويرها بما يخدم الخط الاستراتيجي لحركة شيوعية تبغي تغيير نظام الحكم جذريًا (والحزب بعيد كل البعد عن الطرح الفعلي للتغيير الجذري). وحين يلامس الحزب قضايا الناس لا يلامسها إلاّ عبر البيانات والخطابات أو عبر المشاركة الخجولة في التحركات الشعبية التي تظهر هنا وهناك (الاحتجاجات على تقنين التيار الكهربائي- الاحتجاجات العمالية في المصانع...الخ). ويبرر الحزب ضعف مشاركته في تلك التحركات الشعبية (اذا استثنينا طبعًا المسيرة العمالية السنوية بمناسبة عيد العمال العالمي) إمّا بأنها تحركات مشبوهة تخدم أطرافًا سياسيةً سلطوية أو بعدم وجود اي حضور شيوعي في الأماكن التي تحصل فيها هذه التحركات الشعبية. تبيّن تجربة عمال مصنع المستقبل للأنابيب في الشمال مدى تخلّف القطاعات العمالية النقابية في الحزب عن مجاراة التحركات العمالية، كما الأمر عينه في ما يتعلّق بالاحتاجات الشعبية على انقطاع التيار الكهربائي، والاعتصامات أمام الادارات والمؤسسات وغيرها من التحركات التي تأخّر الحزب على أقل تقدير عن اللحاق بها. ويكفي انه ورغم تردّي الأداء الحكومي لما يزيد عن عام ونصف وازدياد معدلات البطالة ومستويات الفساد والنهب بالاضافة الى الكم الهائل من الفضائح السياسية معطوفًا كل ذلك على ارتفاع الخطاب الاحتجاجي اليومي الشعبي، رغم كل ذلك لم نرَ الحزب الشيوعي اللبناني "ينزل" الى الشارع ولو في تظاهرات مركزية أو مناطقية اللهم اذا استثنينا اعتصامات اتحاد الشباب الديموقراطي الخجولة عادةً. يبدو الأمر وكأنّ القيادة الحزب والحزب بأكمله قد استعان بسياسة "النأي بالنفس" ريثما تتوضّح معالم المرحلة المقبلة في ظل التحوّلات الاقليمية.
2- وانطلاقًا من النقطة الأولى، يتبيّن لنا أصل الازمة التنظيمية الحزبية الداخلية، فالأمر لا يتعلق بمواد النظام الداخلي وبالنقاش حول مفاهيم الديموقراطية المركزية والتكتلات العصبوية الحزبية الداخلية بقدر ما يتعلق بالممارسة السياسية اليومية المغلوطة التي تنعكس آثارها المتراكمة على البنية الداخلية التنظيمية للحزب، من حيث هي بنية هشّة يميّزها "الكسل" العملي وندرة الانتاج الفكري المتجدد وغياب آليات العمل الديموقراطي الحقيقي في ظل تراجع عدد اعضاء الحزب وبالاخص من الشباب. لا يظهر كنتيجة لهذه السياسة سوى مواقف طارئة للقيادة الحزبية في العليق على احداث محلية او خارجية لا يفعل الحزب سوى القيام بتوصيفها واتخاذ موقف نظري منها. ويُمكِن القول ان الازمة الداخلية لها سمة الانقطاع، وهو انقطاع بين نمطين في التفكير: النمط الأول هو الخاص بما قد يُعرَف بالجيل الحزبي القديم ذي التاريخ النضالي العسكري والمتثبّث بعقائدية جامدة وبحرفة الخوف من كل تجديد في آليات التفكير والعمل، وهو جيل لم يعتاد-بحكم هيمنة العمل العسكري في السابق- ذهنية المعاملة الديموقراطية ومفهوم تعددية الآراء ضمن الجسم الواحد، فنراه وبإسم الحفاظ على وحدة الحزب واستمراراه يستميت احيانًا في قطع الطريق على اية محاولة للتجديد وهو الّذي لا يستطيع رؤيتها الا محاولة للانشقاق. كما نّه جيلٌ يتعامل مع النظام اللبناني وفق منطق مساواماتي يتخلّى فيه عن جذرية التغيير. وأما النمط الثاني فهو نمط الجيل الشاب، وهو جيل لم يتمرّس بالعمل السياسي ويفتقر الى الاعداد الفكري والتثقيفي لا فقط في ما يتعلق بالأيديولوجيا العلمية الاشتراكية بل ايضًا حتّى في ما يتعلق بالممارسة الديموقراطية الحزبية ايضًا، ولكنّه مرن وليّن وسمته الاقدام والشجاعة والقدرة على النشاطية العملية، وهو جيل يمتلك امكانيات وابتكارية واسعة في تجديد آليات النضال الحزبي، كما انه وبلا شك مغرق في طوبوية ثورية الملمح وينطلق دائمًا من خلفية تنظر الى النموذج الغيفاري أو الستاليني بإعتباره النموذج المقتدى به؛ ولكن سرعان ما يصطدم هذا الجيل الشاب بالجيل الأول المتمرّس خلف تاريخه النضالي وشبكات علاقاته الحزبية الداخلية، مما يدفع العديد من الشباب عاجلاً أم آجلاً الى ترك الصفوف الحزبية، بالأخص في ظل اوضاع اقتصادية اجتماعية لا تترك لهم فرصة حقيقية لمتابعة حياتهم اليومية وتحقيق طموحاتهم الشخصية المشروعة الى جانب متابعة نشاطاتهم الحزبية التي تبدو في نهاية المطاف وكأنها نسخ متكررة من المشاحنات الداخلية والصدمات الخارجية. تبدة تجربة ما يُمكِن تسميته بالربيع اللبناني المُجهَض خيرُ دليلٍ على اختلاف الرؤية بين الجيلين التي وصلت الى حد التصادم بينهما داخل الأروقة الحزبية.
3- وقد أتت انتفاضات الربيع العربي لتزيد من مأساوية الوضع الشيوعي اللبناني الرسمي، فقد أعلنت هذه الانتفاضات موت اليسار العربي الرسمي حين بدا جلّيًا ضعف تغلغله في الحركات والفئات الاجتماعية التي أطلقت شرارة التغيّرات الأخيرة التي بدأت في تونس، لا بل أن فصائل عديدة من هذا اليسار الرسمي حاولت اعاقة اندفاع الحراك الشعبي ومن ثم حين فشلت حاوت استثماره لتحسين موقعها في التركيبة السياسية الجديدة، لا بل أن احزاب شيوعية تتبنّى "الماركسية اللينينة الثورية" لم تجد أي حرج في وصف خروج الناس للمطالبة بحريتهم بأنه – ولو لم تعي "الجماهير" ذلك - يندرج ضمن مخطط امبريالي لضرب "وحدة الشعب والوطن وصمود الدولة والموقع الممانع للنظام القائم"، نتكلم بالطبع عن النموذج الشيوعي الرسمي في سوريا حيث ان الاحزاب الشيوعية (البكداشي والفيصلي وحزب الارادة الشعبية) يُمكِن اعتبارها – بعد سنين من "التدجين" البعثي – الجناح الماركسي الخطاب لحزب البعث القومي لا أكثر ولا أقل. ولم تكن احزاب شيوعية عربية بعيدة عن موقف الاحزاب الشيوعية السورية، وباستثناء الحزب الشيوعي المصري الّذي وقف الى جانب الانتفاضة السورية، تراوحت مواقف الأحزاب الشيوعية العربية الأخرى بين التماهي التام مع الموقف الشيوعي السوري وبين الرؤية الضبابية الوسطية "المترنّحة" . وهذه الرؤية الأخيرة تجلّت بوضوحٍ مع الحزب الشيوعي اللبناني، والّذي يُمكِن لنا وصف موقفه بأنه يفتقر الى "الأخلاقية" قبل أن يتحلّى بالمضمون الصحيح. فهو يفتقر الى الأخلاقية السياسية حين ينظر الى المطالب المشروعة للشعب السوري بإعتبارها تندرج – ولو عن غير قصدٍ – في مخطط امبريالي حين يطالب جزءٌ من هذا الشعب بإسقاط النظام القائم؛ وهو يفتقر الى الاخلاقية حين يتغاضى عبر وسائل اعلامه (النداء وقناة اليسارية) عن المجازر المتلاحقة التي يرتكبها هذا النظام بحق المدنيين، في وقتٍ نظرَ فيه الحزب الى انتفاضات الشعوب في تونس وليبيا ومصر واليمن بإعتبارها حركات جماهيرية مستقلة عن اي ارتباط خارجي ولو ان الخارج الامبريالي يحاول استثمارها، وهذا صحيح الى حد كبيرٍ، إلاّ ان المستغرب ان في الحالة السورية لم ينظر اليها الحزب بنفس العين، فقط لأن النظام السوري – برأي الحزب وحلفائه- هو عنوان الممانعة والحليف الأول للمقاومة ضد العدو الصهيوني، وكأن هذا المبرر (وهو مبرر ضعيف لعدة اسباب) يكفي للقول بأن سوريا نظامًا وشعبًا تتعرض لمؤامرة خارجية، وان سقوط النظام سيسقط المقاومة، هذا في حين ان الشعوب تمتشق أسلحتها للدفاع عن نفسها في وجه احتلال خارجي بغض النظر عن وجود حليف اقليمي أو لا، وتجربة جمّول خير مثالٍ على ذلك، هذا إن افترضنا بالاصل ان النظام السوري هو نظامٌ مقاومٌ. هذا من ناحية، أمّا من ناحية أخرى، فتحتج القيادة الشيوعية الحزبية على الانتفاضة الشعبية السورية بإعتبارها لا تملك بديلاً حقيقيًا عن النظام القائم، وهنا عين العجب، ذلك أنّ هذا الحزب نفسه لم يطرح المشكلة عينها حين كانت النتفاضة المصرية أو الليبية في خضم صيرورتها، ولم يطرح أسئلة واستفهامات عن البديل، علمًا ان الحزب يؤمن بمبدأ تقرير المصير وهو مبدأ اساسي في اللينينية التي ما زال الحزب يتبنّى بعض مقولاتها ولو خجلاً. لن نطيل الكلام في هذا الموضوع، يكفينا قولاً أن الانتفاضات الشعبية العربية وحتّى ما آلت اليه لاحقًا أثبتت بما لا يقبل الشك العقم الممارساتي والتنظيري للأحزاب الشيوعية الرسمية العربية ومن بينها الحزب الشيوعي اللبناني.
أخيرًا، نعيد طرح السؤال: ماذا يفعل الحزب الشيوعي اللبناني؟ نظنّه ينتظر وهو انتظارٌ يطول يطول ريثما تنقشع الغيوم عن المرحلة المقبلة محليًا واقليميًا، وهو انتظار لا يعبّر إلاّ عن افتقادٍ مؤسفٍ لحدٍّ أدنى من الفاعلية التاريخية يفترض أن يتحلّى بها حزبُ السنديانة الحمراء الّذي أصبح بفعل أخطائه المتكررة حزب الشلل التاريخي. في الذكرى 88 لتأسيس الحزب نردد قول غرامشي بتصرّفٍ "أمام تشاؤم العقل لا نملك إلاّ تفاؤل الارادة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النقد البورجوازي
فؤاد النمري ( 2012 / 10 / 30 - 20:47 )
الحركة الشيوعية هي حركة عالمية تتحدد سماتها الوطنية بما يتساوق مع سماتها العالمية
أحزاب الأممية الثالثة التي ما زالت قائمة رغم انهيار المشروع اللينيني الذي هي أصلاً جزء منه، تحولت هذه الأحزاب إلى أحزاب وطنية ولم تعد شيوعية وإذّاك تتقدم عليها الأحزاب الوطنية البورجوازية
تسأل خالد حداده عن موقف الحركة الشيوعية العالمية في العلاقات الدولية القائمة فلا يجيب إلا بالممانعة ومقاومة المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة وهو لا يعني مختلف الأحزاب الشيوعية من قريب أو بعيد


2 - امراض مشتركة
طلال الربيعي ( 2012 / 10 / 30 - 20:49 )
كثير من تشخيصك الرائع لامراض الحزب الشيوعي اللبناني ينطبق ايضا بحق على الحزب الشيوعي العراقي, وخصوصا في مجال - -الكسل- العملي وندرة الانتاج الفكري المتجدد-, او في - الرؤية الضبابية الوسطية -المترنّحة- للامور, وعدم الرغبة في -تغيير نظام الحكم جذريًا- وتركيزه على مد طوق النجاة للقوى المتنفذة صنيعة الاحتلال بالدعوة الئ عقد مؤتمر يضم هذه القوى لحل مشاكل العراق (كذا), متناسيا ان هذه القوى هي المسببة الرئيسية لمشاكله, فكيف تكون هي الحل؟

اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في