الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الإله بلقزيز ومرجعية الخطاب العربي والتأويل

مأمون شحادة

2012 / 10 / 31
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


عبد الإله بلقزيز ومرجعية الخطاب العربي والتأويل

اختلافات، وتشابهات، وتناقضات، وتصارعات، هي جملة أفكار لازمت الفكر العربى في نهضته ما بين مشرقه ومغربه، وفق كلمات صيغت على شكل خطاب مليء بالمعنويات، ومفتقر الى الماديات.
"ان الفكر العربي يتصف بتعميم الإشكاليات من الخاص الى العام،،، ويعيش في ازمة دائمة مزمنة، ومشاكل تاريخية ملازمة لتاريخ الامة العربية، والغاء تحديد مشاكل الحاضر المحدود ضمن حدود مكانية وزمانية،،، هذا ما قاله الكاتب والمفكر العربي عبدالإله بلقزيز في كتابه "إشكالية المرجع في الفكر العربي المعاصر"، الذي استوجب الخوض في جوهر وكينونة صفحات كتابه.
يرى عبدالإله بلقزيز: ان الاسلام والعروبة، والدين والدولة، والاصالة والمعاصرة، انما تعني اشكاليات وقعت في مشرق الوطن العربي دون مغربه، مما يعني انها اشكاليات محلية وخصوصية، وخصوصا في سوريا الكبرى، حيث تشكلت تلك الازواج كردة فعل ضد الحكم العثماني وسياسة التتريك، للحفاظ على الكيان العربي "لغة وتراثاً"، وكردة فعل على الاضهاد الديني للاقليات الغير مسلمة باسم الاسلام، فيما تشكلت الاخيرة كـ"دعوة" الى الاصلاح لمحاربة الطرقية، والصوفية، والشعوذة.
فتلك الاشكاليات لم يعشها المغرب العربي، ولكن ردة فعله ضد الاتراك كانت من نوع آخر، وذلك بادخال الحركة الوهابية الى المعترك المغربي للتعبير عن حاجة مزدوجة داخلية خارجية، تختلف عن الازدواجية في المشرق العربي.
تمثلت الحاجة الداخلية في اعتبار الوهابية سلاحا ايديولوجيا لمواجهة الحركات الطرقية في المغرب، اما الحاجة السياسية الخارجية، فقد تمثلت في مقاومة الاتراك على الحدود الشرقية للمغرب، فاذا كانت الوهابية في موطنها الحجازي شكلاً من اشكال التمرد على العثمانيين، فلِمَ لا تكون الشيء ذاته في المغرب والذي استمر يتوجس من التمدد التركي على اراضيه.
يتبين من ذلك ان الفكر المغربي مبني على مصادر داخلية: الرد على الطرقية وسلطاتها السياسية اللامركزية المهددة للمخزون، ومصادر خارجية: الرد على الحملة الاوروربية باستعارة بعض الانظمة والافكار الحديثة الوافدة من اوروبا نفسها.
ثمة اسباب عديدة تفسر غياب ظاهرة الازواج المفهومية المتعارضة في الخطاب الفكري الاصلاحي في المغرب، والميل الذي يبديه نحو بناء علاقة تعايش بين المرجعيات، فمنها السياسية، والاجتماعية، والفكرية. فمن ضمن الاسباب السياسية وعلى راسها العامل الاستعماري، فالحركة الوطنية المغربية التي اتصفت في صيغتها المعاصرة في ثلاثينات هذا القرن، تشكلت كاستجابة للتحدي الاستعماري، وكحركة سياسية اصلاحية، اتخذت من نظام الحماية الفرنسي القائم اطاراً للعمل الوطني السياسي.
اما بالنسبة للاسباب الاجتماعية فمن اهمها عدم وجود تعددية دينية في المغرب. فضلا عن ان المغاربة محكومون في اسلامهم بالمرجع المذهبي السني المالكي. فانهم لم يعرفوا مشكلة الاقليات غير الاسلامية، خاصة المسيحية كما هو الحال في المشرق العربي.
ما يعني انه لم تكن قد وجدت بيئة اجتماعية( ودينية) تدفع نحو تشكل ايديولوجيات عروبية في مواجهة ايديولوجيات اسلامية كما حصل في مصر والشام .
اما على الجانب الفكري، فقد درج الاصلاحيون المغاربة - والسلفيون منهم بخاصة- على قراءة افكار الاصلاحيين في المشرق بعد تجريدها من محتواها وخلفياتها الايديولوجية، وتوظيفها. اي انهم اعتادوا التعامل معها بصفتها افكارا دون الانتباه الى ما يؤسسها من اعتبارات ايديولوجية، ودون رغبة منهم في الانخراط في نزاعات الاصلاحيين المشارقة، باعتبار ان معيار اخذهم بها كان هو المصلحة، لتكييف الدعوة الاصلاحية مع الحاجات وقراءتها لا في ضوء الاستقطاب الايدولوجي المشرقي، وبالانتساب الى احد عناصره، وانما في ضوء الواقع المغربي .
يتضح ان شروط انتاج الخطاب الاصلاحي في المغرب كانت متميزة عن شروط انتاجية المشرق، وهذا قاد الى اختلاف تعاطي الاصلاحيين المغاربة مع قضايا كانت- لاسباب سياسية تاريخية- حساسة في المشرق. اما الحقيقة التي تظل قائمة في مطلق الاحوال تدل على ان الخطاب النهضوي الاصلاحي العربي يظل هو هو-في المشرق كما هو في المغرب- باشكالياته ومرتكزاته النظرية، ونظامه المفهومي، رغم اختلاف شروط انتاجه هنا اوهناك.
الحديث في هذا الباب ينأى بنا عن المقاربة السوسيولوجية الثقافية الى المقاربة الابيستيمولوجية والاعتراف المتبادل بين اطراف الصراع الفكري للدخول الى اعادة بناء الوعي بمسألة المرجع بصورة موضوعية غير ايديولوجية، وبصورة سوية غير عصابية، يستطاع من خلالها تجاوز حرب الوعي هذه، وان يتجه الى انتاج معرفة موضوعية بمسألة المرجع، فعن طريق ذلك يستطيع اعادة بناء الوعي العربي من اجل انتاج ثقافة جديدة تسودها لغة التفاهم والتوافق.
ان الفكر السياسي العربي مدعو الى بناء علاقة نظرية صحيحة بين الوحدة والاختلاف في مظهرياتها المختلفة: الوحدة القومية، الديمقراطية والاختلاف( في الراي والتغيير والتنظيم)، العدالة الاجتماعية، الانتماء الوطني غير العصبوي الضيق.
علاقة تقييم التأليف والتركيب بين هذه الحدود، تحتاج الى اعتراف جمعي، بدلا من اقامة عوازل الانكار وعلاقات الالغاء المتبادل والاتهام والنبذ، في الوقت الذي اصبح الهاجس يراود القومي، والماركسي، والسلفي والليبرالي ويرافقه بطريقة التفنن للوصول الى سلطة الدولة، مسببا الانقلابات، والثورة المسلحة، والاضراب السياسي وغيرها من الاساليب، التي حولت العلم السياسي العربي تدريجيا الى علم عسكري دون وعي من المتصارعين. مما جعل من المجتمع العربي يتجه الى الحداثة وفق مفهوم التحديث بالفعل القسري وفق عملية التصارع ما بين قبول الحداثة ورفضها، ما ادى الى نتيجتين: استثارة مقاومة النقيض، تم فشل التحديث ذاته.
ان تحقيق قطيعة ابيستمولوجية هو المدخل نحو تطوير فاعلية الفكر السياسي العربي في المستقبل. ولا سبيل الى ذلك الا باحلال النظرة النقدية ( نقد المسبقات) بدل النزاعات الايمانية البديهية، واحلال السببية في معرفة العالم بدل النزعة المطلقية، التي يمارسها الماركسي العربي والقومي العربي والاصولي العربي، والتي لا تأتي بما هو جديد وانما هم يعيدون انتاج بديهيات منحدرة من اصول ومنطلقات عُدت لديهم حقائق لا يجوز الطعن فيها، حيث تحتاج الى احداث قطيعة مع النزعة النصية المهيمنة على الخطاب السياسي العربي الحديث، الذي يميل الى الاستناد الى نصوص، ومراجع في عملية بناء المعرفة بالواقع العربي، متخذاً شكلا لاقصاء الواقع والاستعاضة عنه بالنصوص، ما يجعل من الوظيفة الابداعية متخلفة فكريا، والعقل الى عقل قياسي فقهي، فتكون تلك النصوص مستقرا، وليس ممرا لما هو جديد، حيث ان جاذبيتها المغناطيسية تشل العقل المبدع، فيكتفي بترديدها ترديدا، وهذا على الاقل حال مفكرينا العرب.
لقد اغلق اسلاميونا المعاصرون باب الاجتهاد في امور الحياة المستجدة ولم يضيفوا اصلا واحدا الى اصول السلف. واكتفى الماركسيون باعادة تصريف مقولات ومفاهيم نشأت في حقل نظري مستجيب الى حقل تاريخي مطابق. ويبقى افضل القومين يعيش في الفكر القومي الاوروبي للقرن التاسع عشر دون اضافة.
ان الذي يستوجب من ذلك ليس ترك النص، وانما اعادة بناء العلاقة به انطلاقا من مرجع اخر، وهو الواقع، لقراءة النص قراءة واقعية، لا قراءة الواقع قراءة نصية.
ان ظاهرة اللفظية الخطابية الشعاراتية السائدة في الخطاب السياسي العربي المعاصر بما يحويه من مفاهيم ومقولات وشعارات يرددها رجل السياسة العربي، تحمل محتوى ايديولوجيا معينا، تتجاوز احيانا المجال الدلالي، وترتفع بالمعنى الى مستوى القداسة عبر الارتفاع باللفظ الى مستوى السحر، وهكذا كلما ذهب اللفظ في اكتساب سحريته، كلما زاد معناه تكلسا، وامعن في قداسة اللفظ، والذي يتوجب ابعاد الفكر العربي عن النظرة الميتافيزيقية من خلال استيعاب النزعة التاريحية وغرسها في التفكير والبعد عن الاستقطاب الحاد الفكري والنظري نحو الاخذ بهذا المرجع او ذاك الفكر: الاسلامي (التاريخ الماضي) او الفكر الاوروبي الليبرالي ( التاريخ المستقبلي) ما يؤدي للهروب من مرجعه الحقيقي( الحاضر)، بمعنى انه يفكر خارج تاريخه الفعلي، اخذا بوصف الواقع لا بتحليله، ولم يعرف من الواقع سوى ( فشل الاشتراكية) ونجاح الليبرالية، او (فشل تطبيق معين للاشتراكية) ونجاح الديمقراطية، او سقوط الديكتاتورية وصعود الديمقراطية.
اما تحليل سياق التناقض الدولي بين المعسكرين فيما يحويه من الامور العسكرية والاقتصادية من تنظيم وتوازنات دولية، فهذه الامور لا تدخل في نطاق التفكير السياسي الا لماماً، مركزا على ظاهرة الوصف والسرد.
من ذلك يتحتم على المفكر العربي الاهتمام بعقلنة الرؤية، والاستشراف المستقبلي وفق خصوصية عربية، مبنية على الوعي ونقد "الواقع والذات والتاريخ"، وبدون تلك الاشياء لن يتمكن مفكرنا من بناء سقف هذا البيت، بيت الخطاب العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا