الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باطل ألأباطيل الكل باطل وقبض الريح

فاروق عطية

2012 / 11 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دائما ما يثورون ويملأون الدنيا ضجيجا وعنفا, يهدرون كالسيل الجارف لا يعوقهم عائق, يجتاحون فى طريقهم كل مباح وممنوع, يحطمون الممتلكات ويقتلون الأنفس البريئة بلا ذنب. هم دائما يفعلون مع كل مشكلة تمس مقدساتهم دون روية أوتفكير ودون أن يكون هياجهم موجها لهدف محدد وواضح. وفجأة كما بدأت المعركة محتدمة فجأة وبدون مقدمات تهدأ العاصفة ويعم السكون تماما كبالونة مملوءة بالغاز ولغير سبب تنفسئ وكأنها لم تكن. حدث ذلك مرات عديدة منها على سبيل المثال: حين أصدر سلمان رشدى كتابه آيات شيطانية, وحدث يوم نُشرت كاريكاتيرات مسيئة للرسول (ص) بإحدى الصحف الدنيماركية, كما حدث هذا بعد نشر مقتطفات إعلانية لفيلم ـ لا أدرى إذا ما كان قد أُنتج فعلا أم هى مجرد إعلان ـ بعنوان براءة الإسلام المسيئ للمقدسات اسلامية.

رواية آيات شيطانية التى صدرت 1988 رواية خايبة سيئة الأسلوب والعرض أستخدم المؤلف فيها لغة ركيكة بها ألفاظ إنجليزية ميتة لا تستخدم الآن وتحتاج للبحث عنها فى القواميس, كما استخدم ألفاظا وكلمات هندية مما يجعل الرواية ضعيفة العرض والتكوين. وما اعترض عليه المعترضون كان ما جاء بالرواية عن تدخل الشيطان الذى أوحى للرسول بآيات أنكرها بعد أن صرح بها واعترف أنها من الشيطان وهذه الحادثة موجودة فى كتب التراث الإسلامى ولا ينكرها أحد , ( "عن إبن عباس فيما يحسب سعيد بن جبيران قال أن الرسول وهو يتلو سورة النجم, حين وصل لقوله تعلالى (أفرأيتم اللأت والعزى ومناة الثالثة الأخرى) فجرى على لسانه ( تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى) قال فسمع بذلك مشركو قريش فسروا بذلك, فاشتد على الرسول (ص) فأنزل الله تبارك وتعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول أو نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته" ) . وعندما صدرت هذه الرواية لم يلتفت لها أحد وظلت الرواية ومؤلفها من النكرات التى لا يُكترث بها, حتى انبرى أحد مشايخنا بدون أن يقرأ حرفا من الرواية بالتنديد والوعيد, بعدها هاجت وماجت الجماهير وصدرت الفتاوى بإهدار دم المؤلف الكافر " فتوى الخومينى فى 14 فبرايؤ 1989", والنتيجة أصبح سلمان رشدى من المؤلفين الذين يشار لهم بالبنان وروايته التافهة من أكثر الروايات مبيعا على مستوى العالم وتُرجمت روايته لعشرات من اللغات. وبعد أيام من الهيجان إنقشعت الغيوم ونسى الهائجون الموضوع برمته وكأن شيئا لم يحدث.

فى عام 2005 قام رسام الكاريكاتيرالدنماركى كورت فستر جار برسم 12 صورة لنبى الإسلام ونشرها بصحيفة بولاندس بوستن الدانيماركية وكان أهم صورة بها تبين الرسول يرتدى عمامة على هيئة قنبلة لها فتيل مشتعل. وبعد أيام من نشر هذه الرسومات الكاريكاتيرية المسيئة قامت المظاهرات الحاشدة بجميع الدول الإسلا مية والعربية, وكالعادة تحطمت الممتلكات وقتل من قتل كنوع من الإحتجاج الهيستيرى, وصدرت الفتاوى باستحلال دم هذا الرسام, وبالفعل حاول شخص صومالى التعدى عليه ولكن قبض عليه قبل أن ينفذ تهديده. وقطعت بعض الدول علاقاتها الديبلوماسية مع الدنيمارك وانتشرت الدعوة لمقاطعة المنتجات النيماركية فى العالم العربى والإسلامى. وبعد أيام من هذه الفورات الصاخبة تبخر كل شيئ كأن شيئا لم يكن ونسى الناس هذه الصور بعد أن ملأت كل وسائل الميديا العالمية وأصبح هذا الرسام النكرة من أشهر رسامى الكاريكاتيرفى العالم..
http://face-of-muhammed.blogspot.ca/

وآخر هذه الفورات ـ ولن تكون هى الأخيرة ـ ما حدث بعدعرض المقتطفات من فيلم براءة الإسلام. ظلت هذه المقتطفات معروضة على الفيس بوك قرابة الشهرين (شهر يوليو/12) دون أن يشاهدها غير عشرات قليلة, وبعد أن تصدى لها أحد الدعاة ( الشيخ خالد عبد الله) وعرضها فى برنامجه إحتجاجا (الإثنين 10/9/12), بعدها بساعات عم العالم العربى والإسلامى هيجان هادر يحطم ما فى طريقه دون تبصر, منها على سبيل المثال المظاهرات الحاشدة بميدان التحرير المصرى (الثلاثاء 11/9/12) وتوجُه الغوغاء بتحريض من جماعة الأخوان بالهجوم على السفارة الأمريكية ونزع العلم الأمريكى وحرقه ورفع علم القاعدة على سارية السفارة, ولم يتحرك الأمن المصرى لحماية السفارة إلا بعد الإتصال المباشر من أوباما وتهديده مصر بالعقاب. وفى ليبيا هاجم الغوغاء القنصلية الأمريكية فى بنغازى واغتالوا السفير وثلاث من مساعديه مع التهليل والتكبير. وفى 14 /9/12 بعد صلاة الجمعة خرجت الحشود الهادرة فى جميع أنحاء البلدان العربية والإسلامية للتنديد والوعيد كالسيل الجارف, ففى السودان قام الغوغاء بالهجوم على سفارة ألمانيا وأحرقوها وحين اقتربوا من السفارة الأمريكية ووجهوا بطلقات النار من على أسطح السفارة فابتعدوا, وقتل ثلاثة من السودانيين دهسا بسيارات الشرطة. حتى فى استراليا وانجلترا وفرنسا وباقى العواصم الأوروبية والولايات المتحدة نفسها قام السلفيون بالتظاهرات الحاشدة غضبا واحتجاجا. والغريب فى الأمر صمت السعودية ودول الخليج عن التظاهر والاكتفاء بالشجب. ونتيجة لهذه الفورات الهادرة أنتشرت هذه الفقرات وملأت كل مواقع الإنترنت وأصبح مشاهديها بالملايين.
http://www.youtube.com/watch?v=72W-9nsSrco
وفى 26 /9/12 ألقى الرئيس مرسى خطابه فى الأمم المتحدة الذى بدأه كخطيب فى جامع بالصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين ...إلخ, قائلا من يعادى رسولنا نحن نعاديه ـ ولست أدرى كيف يدعو للمحبة والسلام وفى نفس الوقت يدعو للعداء بين الأديان ـ.وبعد هذه الخطبة الإسلامية الطويلة يتطرق للقضية الفلسطينية داعيا لقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس. ثم يتطرق للمشكلة السورية داعيا الوقوف فى وجه ديكتاتورها ومساعدة الشعب السورى فى محنته. ويتطرق لقضايا السودان ثم الصومال ثم يتحدث عن إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل وحق الدول فى الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية, كما يتحدث عن أفريقيا وقضاياها الإقتصدية الملحة. ثم يدعو لإنشاء جهاز تابع للأمم المتحدة لتبنى قضايا الشباب ويهتم بمشاكلهم المختلفة.
ثم يتحدث عن إزدواجية المعايير مطالبا باحترام خصوصيات المسلمين وتقاليدهم, ومنددا بما يتعرض له المسلمون والمهاجرون فى عدد من مناطق العالم من تمييزٍ وانتهاكٍ لحقوقهم الأساسية والحملاتٍ الضاريةٍ للنيل من مقدساتهم معتبرا ذلك أمرٌ غيرُ مقبول ويتعارض مع أبسط مبادئ ميثاق المنظمة التى نجتمع فى ظلها اليوم حتى أضحى الآن ظاهرة لها إسم : كراهية الاسلام (إسلاموفوبيا) مطالبا الأمم المتحدة بالوقوف صفا واحدا ضد التمييز بين الدول على أساس الدين أو العرق أو اللون, وينسى أو يتناسى إزدواجية المعايير فى البلاد العربية والإسلامية وما يتعرض له غير المسلمين من تمييز واضطهاد وما يحدث لكنائسهم ومعابدهم من حرق وهدم وتعرّض المواطنين الغير مسلمين للقتل والتهجير قسرا والتحريض على إخلاء البلاد منهم. ثم يعرج على قضية الفيلم المسيئ لنبى الإسلام قائلا: إن الأعمال المسيئة التى نشرت مؤخراً فى حملة منظمة للمساس بمقدسات المسلمين أمر مرفوض ويجب علينا ونحن مجتمعون فى هذا المحفل الدولى أن نتدارس كيف نستطيع جميعاً أن نحمى العالم من زعزعة أمنه وإستقراره إن مصر تحترم حرية التعبير، حرية التعبير التي لا تستغل فى التحريض على الكراهية ضد أحد. وليس حرية التعبير التى تسعى إلى استهداف دينٍ أو ثقافة بعينها. حرية التعبير التى تتصدى للتطرف والعنف. وليس حرية التعبير التى ترسِّخُ الجهْلَ والاستِخْفَافَ بالغير. لكننا فى نفس الوقت، نقف بحزم ضد اللجوء إلى استخدام العنف فى التعبير عن رفض تلك السفاهات. ونسى أو تناسى ما تبثه القنوات الفضائية المرئية والإذاعات المسموعة فى بلده من تسفيه الأديان اليهودية والمسيحية والبهائية وحتى المذاهب الإسلامية المخالفة مثل الشيعية والقديانية الأحمدية, وعدم الآعتراف باديان مثل البوذية والهندوسية والسيخية والكونفشيوسية واعتبارها أديان وثنية, وما يملأ وسائل المواصلات من حافلات وميكروباسات وتاكسيات, وحتى فى محلات العصائر من كاسيتات تملأ الدنيا ضجيجا بتحريف الإنجيل والتوراة ولعن اليهود واتلنصارى والمطالبة بإخلاء البلاد منهم باعتبارهم أحفاد القردة والخنازير. ونسى أوتناسى أن حزبه وجماعته كانت المحرض بالعنف (على الفيس بوك) ضد السفارات الأمريكية بعد نشر مقتطفات فيلم براءة الإسلام.
http://rahmamohdah.com/vb/showthread.php?p=3071
وتمر الأيام وينسى الناس أحداث هذه المقتطفات من فيلم براءة الإسلام التى أثارت الغوغاء وأدت للقتل والحرق والتمير, كأن شيئا لم يحدث وتوقفت الدعوة بمطالبة مجلس الأمن بإصدار وثيقة تحرم إزدراء الأديان, وهم يقصدون إزدراء دين واحد, بل مذهب واحد من مذاهب الإسلام. ولا يهمهم باقى الأديان. وكم كنت أتمنى أن تستمر الدعوة لهذا القرار الذى لو صدر لكانت الدول العربية والإسلامية هى الدُول الوحيدة التى سوف تحاكم وتدان لارتكابها جرائم إزدراء الأديان كل يوم بل كل صلاة وكل ساعة من الليل أوالنهار. وفى النهاية لا يسعنى إلا أن أردد الآية: باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع من كاتب شجاع
زرقاء العراق ( 2012 / 11 / 1 - 21:27 )
أحسن كاتب المقال المحترم حيث وضع النقاط على الحروف

نعيش في منطقة يقتل المئات فيها يومياً بأسم الدين ثم يقال لنا أن الأسلام برئ من هذه الأفعال

ومن المضحك المبكي ففي طرابلس لبنان وخلال المظاهرات لنصرة الرسول(ص) قام البعض بالهجوم على مطعم دجاج وأحرقوه ولكن ليس قبل ان أكلوا كل الدجاج وسرقوا كل محتوياته
أما في تونس فقد أحرقوا معهد للغات أحتجاجاً على الفلم

ولم يجرأ أحد الى يومنا هذا أن يعترف بأن الممثل في الفلم المسئ هو أبن قيادي من حماس يناضل من أمريكا


2 - my comment
ميبل ملكى ( 2012 / 11 / 5 - 04:10 )



Yes, these people are doing these big noises but they also burned,killed and destroyed many places in many countries as you know. Their cause is not a legitimate one but to them it is because they are ignorant and they are not gaining anything from it except in the eyes of the world they showed the real Islam they belong to.



Now we come to the Mursi speech in the UN. A Dr. Degree in ignorance and stupidity, does he really believe ? or know ? what he was talking about ? and does he think that the President and Representatives of all the countries present are listening to this ridicules speech, does what he is saying make sense to them? my grand mother used to say people should have ears behind their head to listen to what others say about them, and I bet you this is one time for it.

اخر الافلام

.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا


.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن




.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة