الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النزعات التبريرية لدى -الإسلاميين- في تونس

يوسف بلحاج رحومة

2012 / 11 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعيدا عن التعصب الحزبي والانفعال الإيديولوجي، أصبح واضحا للجميع أن حركة النهضة "الإسلامية" التي صعدت إلى السلطة في تونس بعد "الثورة" ، تتميّز بازدواجية الخطاب والنزعات التبريرية، ويُعتبر الدين الأداة الرئيسية في إنتاج هذه السلوكيات التي تلعب دورا محوريا في الحياد بهذه "الثورة" عن مسارها وتحويلها إلى مجرد انتفاضة شعبية عادية.
هناك قاعدة تقول أن الدين يؤدي وظائفه الروحية والاجتماعية و الأخلاقية عندما يكون حاضرا في المجتمع ويلتجئ إليه الإنسان، أما أن يقع الزج بالدين في مستنقعات التدافع حول السلطة فإنه يتحول إلى عنصر مزايدة وأداة لتمرير أنماط اجتماعية واقتصادية قد تكون غير متناغمة مع مقاصد الدين في حد ذاته، و ما نراه اليوم في تونس يؤكد هذه القاعدة. الواضح أن الإسلاميين ما زالوا متشبثين بموروثات وترسبات عقادية لم تتطوّر، فهم يميلون نحو محورية الذات من خلال توظيف كل ما هو ديني لخدمة مصالحهم السياسية الضيقة، ويظهر هذا من خلال الرغبة الواضحة في السيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع بالتعيينات حسب الولاءات لا حسب الكفاءات في مختلف المراكز السياسية والإدارية، إنهم متشبثون بإتباع فقه التدرج والمخاتلة من أجل الوصول إلى التمكين، وهذه النزعة ليست غريبة عن التيار "الإسلامي" في تونس الذي يحمل في رصيده محاولتي انقلاب سنوات 1987 و1991 إضافة إلى أعمال القتل والإرهاب ، "فالإسلاميون" في تونس يميلون إلى مهادنة النظام الاستبدادي القائم ثم البحث عن ثغرات لاصطياد السلطة من خلال تصيّد الإنفلاتات والانقلابات.
يستعمل الإسلاميون أساليب التحقير والتكفير لكل من يخالفهم الرأي أو ينافسهم سياسيا، وأصبحت الدعوات إلى القتل عادة يومية في المساجد ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إنه العنف الحلال والقتل الحلال !! ، فلقد دعى الصادق شورو أحد قياديي حركة النهضة أثناء تدخل له في المجلس التأسيسي إلى قتل وصلب أبناء الشعب الذين يطالبون بحقوقهم الاجتماعية، مدعّما فكرته ومضفيا عليها طابع القداسة من خلال آية قرآنية ((إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)). كما دعى راشد الغنوشي زعيم النهضة "الإسلامية" أنصاره للخروج إلى الشارع لنصرة المقدسات الإسلامية بعد نشر صورة مسيئة للإسلام في معرض العبدلية بالمرسى خلال شهر جوان الماضي، في وقت كان فيه الشارع التونسي يعيش حالة احتقان كبيرة جراء التصعيد العنيف وأحداث الشغب والتخريب التي تسبب فيها أتباع التيارات السلفية الذين تحركوا " لنصرة الإسلام". وجاءت دعوة راشد الغنوشي أنصاره للخروج إلى الشارع، ركوبا على الحدث من أجل حشد مزيد الأنصار والظهور في ثوب حامي الإسلام، غير عابئ بحالة الاحتقان و التوتر التي تعيشها البلاد. وتبين فيما بعد أن هذه الصورة التي وقع الإدعاء بأنها تمسّ بالإسلام، غير موجودة في معرض العبدلية بل موجودة في السينغال. وقد وصل التوتر أشده خلال الأيام الأخيرة حيث دخلت البلاد مرحلة التصفية الجسدية للخصوم السياسيين من خلال إقدام مجموعة مدعومة من حركة النهضة "الإسلامية" على اغتيال أحد قياديي حزب نداء تونس المعارض للنهضة في مدينة تطاوين بدعوى أنّه تجمعي، في حين أن حركة النهضة هي التي أعطت ما يكفي من التبريرات لعودة التجمعيين من خلال استمالتهم للدخول في صفها وتعيينهم في مفاصل الدولة للاستفادة من خبرتهم في التمكن من الحكم.
مرّة أخرى مع راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة "الإسلامية" ، لكن هذه المرة في حوار إذاعي حيث صرّح أن الله يُوصف بالغني وليس بالفقير، وبالتالي فهو يحب الأغنياء، مدعما فكرته بأن العبادات تحتاج إلى المال وبالتالي فالغني قادر على أداء العبادات أكثر من الفقير الذي لا يستطيع الذهاب إلى الحج ودفع الزكاة. وتماشيا مع هذه النظرية المستنبطة من الفلسفة "الغنّوشية" صوّت أعضاء حركة النهضة "الإسلامية" في المجلس التأسيسي بكل حماس على الإعفاء الضريبي لأصحاب رؤوس الأموال الكبرى الذين إستكرش أغلبهم بالاستفادة من فساد نظام الرئيس الهارب بن علي، وبالمقابل رفض هؤلاء النواب التصويت على مشروع قانون لإلغاء ديون صغار الفلاحين.
في التعامل مع الفاسدين و"الفلول" ينتهج "الإسلاميون" سياسة المكيالين، فكل من يساندهم ويدخل بيت طاعتهم، يتحصل على صكوك الغفران ويقع تنصيبه في مفاصل الدولة للاستفادة من خبرته في التمكّن من السلطة، وبالتوازي مع ذلك تحضر شعارات المصالحة و "التسامح الإسلامي" والمصلحة العليا للوطن لتبرير هذا السلوك. أما الخصوم السياسيون الذين يرفضون دخول بيت الطاعة، فتفتح ملفاتهم وترفع ضدهم القضايا العدلية وتغيب شعارات "التسامح الإسلامي" لتتحول إلى حملات تكفير وتخوين واتهامات. وأوضح مثال على ذلك بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011، اقتراح قادة النهضة إعطاء منصب رئاسة الجمهورية للباجي قائد السبسي الذي شغل منصب رئاسة الوزراء في الفترة الانتقالية، للاستفادة من خبرته في التمكن من السلطة، أما اليوم وبعد أن أصبح الباجي منافسا سياسيا جديا من خلال حزبه نداء تونس، تحوّل بقدرة قادر وبفضل "إشارات ربانية" إلى مجرم ورُفعت ضده قضايا عدلية.
استغلال الدين في المزايدات الحزبية وفي التشبث بالسلطة يجعل الحكام يشعرون بمحورية الذات ويدخلون في حالة من الشيزوفرينيا، فيفعلون الشيء ونقيضه، ويفعلون ما يدعون أنهم يقاومونه وينهون عنه، ويتحالفون مع من يدعون أنهم أعداء الوطن ...
في خضم التجاذبات العقائدية الفارغة والاعتقاد في محورية الذات، ضاعت أهداف الثورة وضاعت معها المضامين والمقاصد الحقيقية للإسلام، فالإسلام تحوّل إلى تكفير وغوغاء، وأصبح صفقة تعقد مع هذا وذاك. ويوم بعد يوم تتساقط أوراق التوت لتظهر عورة هؤلاء الحكام الطامعين في قيادة تونس عبر استقطابات مغلوطة لا علاقة لها بطموح الجماهير الشعبية، وفي الأيام الأخيرة بدأت تظهر جليا أوهام "الإسلام السياسي" ...
يوسف بلحاج رحومة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah