الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية والليبرالية العربية .. تاصيل المفهوم

محمد فاضل نعمة

2012 / 11 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الفكر العلماني في العالم العربي ارتبط بشكل كبير بالنظريات الغربية في هذا المجال ولم يستطع تطوير نظرية عربية خاصة ، لذلك فان دراسته تحيلنا حتما الى جذوره التي انطلقت من اوربا ، لتكشف لنا عن المنطلقات الفكرية التي ينادي بها العلمانيين والليبراليين العرب وبالاخص تصوراتهم حول مفهوم الدولة المدنية .
ظهرت العلمانية كمصطلح لاول مرة عام 1871 على صفحات جريدة ( Patric- الوطن ) الفرنسية ، في اطار السجال حول دور الدين في التعليم في فرنسا ، وفي العام 1873 ادرج كمصطلح معجمي ليشير الى ( ما ليس دينيا او الى ماهو مضاد للكهنوت ) ،في حين ان تطبيقات المصطلح سبقت ذلك التاريخ بكثير حيث ارتبطت بتحولات الثورة الصناعية في اوربا وبداية الصراع بين مجتمعات اقطاعية قديمة متحالفة مع المؤسسات الدينية ، واخرى صناعية جديدة اصطدمت مع المؤسسة الدينية ، لذا تظهر فكرة العلمانية او فصل الدين عن الفضاء الاجتماعي والسياسي واضحة في كتابات مفكرين اوربيين بارزين مثل اوغست كونت و هربرت سبنسر و اميل دركهايم و ماكس فيبر و سيغمند فرويد ، كما تعد فرنسا اول دولة جذرت هذا المصطلح قانونيا منذ عام 1905 في دستورها الذي فصلت فيه الدولة بكيانها عن تاثير الكنائس فصلا جذريا بحيث لايكون للكنيسة او الدين او رموزه اية مكانة في الفضاء العام للدولة والمجتمع.
ويختلف الباحثين في تعريف العلمانية فمنهم من يحاول وصفها واخرون يستعيرون خصائصها ،يعرفها هنري بيناروتي بانها ( تحرر المجال العام من كل سلطة تمارس باسم دين ما او ايدلوجية خاصة ، ويؤذن لجميع الافراد بان يتبنوا ذواتهم فيه ) ،كما يعرفها رونيه ريمون بانها (الاداة الناجحة لفض الازدواج بين الانتماء الديني والانتماء السياسي ، والفصل بين المواطنة وبين المذهبية الدينية )، وهو يرى انه ليس على الدولة او المجتمع ان ياخذ بنظر الاعتبار الاعتقادات الدينية للافراد من اجل تحديد مقاسات حقوقهم وحرياتهم ، في حين ينحوا المسيري الى تعداد اهم خصائص العلمانية للتعريف بها والتي تتمثل :
1- انحسار الدين وتراجعه
2- اختفاء فكرة المقدس
3- الفصل بين المجتمع والدين
4- التركيز على الحياة المادية بدلا من التطلع نحو مستقبل روحي
5- احلال المجتمع العلماني بدلا من المقدس
ويعرف العلمانيون كافراد، بانهم الرجال المدنيون في التعريف الكنسي في مقابل رجال الاكليروس ( اي رجال الدين من القساوسة والرهبان )، لهذا عرفت الدولة العلمانية على انها النموذج المقابل للدولة الدينية في العصور الوسطى ، واستعمل البعض كلمة العلمانية للفصل بين الدين والدولة ، او الكنيسة عن الدولة ، وغالى البعض في تعريف العلمانية على انها النموذج المضاد للدين والتدين، كما عرفها البعض على انها الموقف المحايد من الدين .. وظهرت تطبيقات مختلفة ومتعددة للدولة العلمانية في الغرب ، فلا يمكن القول ان الدولة العلمانية الفرنسية تشبه الدولة العلمانية الالمانية او الامريكية او البريطانية، وقد ساهم تعدد النماذج والاطر التطبيقية الى عدم الحسم في تعريف شامل وجامع لهذا المفهوم ،وعلى الرغم من ان النماذج العلمانية للدولة هي غربية بامتياز الا اننا شهدنا تطبيقات من خارج الاطار الغربي مثل التجربة التركية والماليزية .. الخ ، اختلفت في مدى نجاحها من تجربة الى اخرى .
في تطور لاحق لظهور العلمانية ومن بين ثناياها ظهر مفهوم الليبرالية التي استمدت اسسها من مفهوم الحرية المناقض للاستبداد ، والتي تطورت بعد ذلك الى الديمقراطية الليبرالية . لقد ارتبط المفهوم بالجانب الاقتصادي اكثر منه بالجانب السياسي ،على الرغم من ان بعض دعاة الليبرالية يرون بعدها الشامل، حيث يرى ماريو فارغاس ان الليبرالية ( ليست تحرير الاسعار وفتح الحدود للمنافسة ، لكنها الاصلاح الشامل للبلد من خلال الخصخصة واللامركزية وزيادة نفوذ المجتمع المدني ).
الليبرالية مذهب مشتق من لفظ Liber وهي كلمة لاتينية تعني (الحر) فالليبرالية حركة وعي اجتماعي وسياسي داخل المجتمع ، تهدف الى تحرير الانسان من القيود ، وهي تقوم على احترام استقلال الفرد والحريات السياسية والمدنية ، على ان تحرر الليبرالية ليس مطلقا فهي غالبا ما ترتبط بالقيم الاجتماعية والقانونية لكل مجتمع ، والليبرالية اضافة الى شقها السياسي لها شق اقتصادي وقد يكون هو الابرز فكريا وتطبيقيا الذي يبني على فكرة الاقتصاد الحر الذي يمنع تدخل الدولة في الانشطة الاقتصادية ويترك السوق لقانون العرض والطلب .
وكتطور لاحق ولتشذيب الليبرالية من وحشيتها الراسمالية تحدث بعض المفكرين عن الليبرالية الاجتماعية التي تؤيد تدخل الدولة في الاقتصاد وتتخذ موقفا وسطا بين الراسمالية المطلقة والاشتراكية حيث تسعى الى تحقيق التوازن بين قيم الحرية الاقتصادية والمساواة الاجتماعية .
وبالتالي تقوم الليبرالية المعاصرة كما يراها حازم الببلاوي على اربعة اسس رئيسة:
1- انها فلسفة سياسية تؤمن بالفرد كقيمة للتقييم الاجتماعي والسياسي .
2- انها ذات بعد دنيوي ولا تحتكم الى فكرة الدين في اطار المنفعة والمصالح .
3- تؤمن بقيمة الحرية وترفض تدخل الدولة في حياة الافراد .
4- تاخذ بمبدا المساواة بين الافراد في الفرص.
ومن هنا يمكن القول ان التطبيق العربي لقيم العلمانية والليبرالية يواجه صعوبه اكبر مما تواجهه التجربة الغربية التي تدرجت في التطبيق واستطاعت اعادة انتاج الظاهرة لاكثر من مرة بما يتناسب مع احتياجاتها وتطورها المجتمعي ،في حين ان التجربة العربية في هذا المجال كانت حبيسة نخب ارستقراطية او عسكرية او ايدولوجية لمرحلة ما بعد الاستقلال لاتؤمن بقيم الحرية او الديمقراطية ،والمتغيرات الاخيرة في العالم العربي التي شهدت انتفاضات شعبية عارمة ضد نظم دكتاتورية كانت تشكل احد اوجه العلمانية العربية وفقا لمبدا التضاد مع الفكر السياسي الديني، كشفت ان التجربة العلمانية العربية ما زالت في بدايتها وان القوى العلمانية ما زالت في مرحلة اثبات الوجود امام قيم ومؤسسات وقوى دينية متجذرة لها القدرة على كسب الاصوات كما دلت على ذلك نتائج الانتخابات التي شهدتها العديد من البلدان العربية التي تعرضت للمتغيرات السياسية ، لذا من الظلم تقييم التجربة العلمانية والليبرالية العربية بالقياس المباشر للتجربة الغربية وادواتها ونجاحاتها في هذا المجال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القوى الوطنية والإسلامية بفلسطين: ندين أى محاولة للنيل من مص


.. طريقة اختيار المرشد الأعلى في إيران.. وصلاحياته




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. بن غفير يقتحم المسجد الأقصى


.. وزير الخارجية الأردني تعليقا على اقتحام المسجد الأقصى: يدفع




.. وسط حراسة مشدد.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي يقتحم المسجد ا