الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ثغرات العقل الديني في إثبات الإله

فادي كمال الصباح

2012 / 11 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعيش المؤمن في ظل برمجة عقائدية جاهزة في مجتمعه و عائلته , تجعله يرى بالمنظور العقائدي المعتمد في مجتمعه .
من البرمجة التي يشكل فيه عقل المؤمن هي إيهامه بان المعطيات المطروحة على وجود خالق مفترض للكون, كوجود الكواكب ,الإنسان,التصميم الذكي, هي دليل على أن الإله الذي يطرحه دينه هو المعني بها, فبعفوية بسيطة يدعي اليهودي بأن للكون خالق ولا يمكن إن يكون بلا خالق فذلك يعني أن يهوه موجود , والمسيحي لا يجد سوى صورة وسيرة يسوع في وجود الكون و المسلم أيضاً لا يجد في هذه الأدلة إلا دليل على وجود الله , الله بمعنى التصور القرآني عن الخالق المفترض للكون.
توجد صعوبة في إقناع المؤمن بضرورة عدم الاستدلال على فرضية وجود خالق للقفز منها مباشرة الى أن إله دينه هو الخالق, فالعقل الديني يجعلنا أمام مسألة قريبة من الافتراض التالي : "يوجد آلة معقدة أمام أفراد بدائيين لا يعلمون صانعها و لا الهدف من وجودها ولا طريقة وجودها, فيأتي أحد من قرية مجاورة و يقول بأن للآلة صانع لا محالة و أن صانعها هو فلان الفلاني وأن له هدف محدد من صنعها, هل تظنون أنها يمكن أن توجد بلا صانع, إذا فلان الفلاني هو صانعها".
ويمكن ملاحظة ذلك بأسلوب الأديان الإبراهيمية في إثبات آلهتها الخاصة:
و كأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ( يوسف : 105) .
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (آل عمران:190-191).
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴿ابراهيم :10﴾
«الله الذي خلق السماء والأرض لم يترك نفسه بلا شاهدٍ، بل يعطينا من السماء أمطاراً وأزمنة مثمرة، ويملأ قلوبنا طعاماً وسروراً» (أع 14: 15-17).
«إن أموره غير المنظورة وقدرته السرمدية ولاهوته مدركة بالمصنوعات» (رو 1: 20).
«في البدء خلق الله السماوات والأرض» (تك 11: 1).
الإنسان بشكل تلقائي وبسهولة يتقبل فكرة وجود صانع أو خالق للكون, فمبدأ العلة والمعلول أمر منطقي جداً و من الصعب على الانسان أن يتصور شيء دون علة و مسبب. هذه المسألة تحديداً هي ما يتم إستغلاله من قبل مؤسسي الأديان في تمرير تصوراتهم حول الخالق المفترض القريب من الشعور والمنطق البشري.
بعد ذلك يأتي الشعور الإنسان المتمثل بالطمأنينة و الراحة النفسية نتيجة إيمانه بخالق للكون في زيادة تأكيد أن هذا الخالق هو فعلاً ما يعرضه دينه, فهذه الحالة ليست مقتصرة على أصحاب دين دون غيره بل هي حالة عامة يشعر بها الإنسان بغض النظر عن طبيعة ما يؤمن به , فبمجرد الايمان بأن شيء ما أو كائن ما يجلب المصالح و يدرأ المصاعب والمخاطر و يكون العون و مصدر الأمل ,يشعر الإنسان بشعور لطيف مطمئن و يظن بأنها حالة خاصة به و بدينه , فتزيد من قناعته بمصدر إيمانه و لو كان حجراً أو حيواناً.
في ظل الشعور اللطيف الناتج عن إيمان الإنسان, تتجمد قدرته على التفكير النقدي ولا يعود بإمكانه رؤية الخلل المنطقي أو الأخلاقي في عقائد و تعاليم دينه ,فيعتبر اليهودي والمسيحي حينها أن ما ورد على سبيل المثال في الكتاب المقدس :
"هكذا يقول رب الجنود, فالآن اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلا وامرأة، طفلا ورضيعا، بقرا وغنما، جملا وحمارا "(سفر صموئيل الأول 15 : 1-3),أمراً لا إشكال فيه من أي ناحية أخلاقية أو منطقية ,فيتقبل بكل بساطة أن إلهاً يقدمه بمستوى خلق هذا الكون و يصفه بالحكمة المطلقة ,أن ينزل الى مستوى طلبه القيام بإبادة جماعية لا تميز بين مذنب و بريء و كبير وصغير ,لتشمل أيضاً الحيوانات الأليفة.
والوضع لا يختلف كثيراً لدى المسلمين ,فمن جهة يستهجنون ما هدد به فرعون السحرة ممن أمنوا برب موسى:
" قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ "(الشعراء:49), و من جهة أخرى يتقبلون بكل بساطة و ترحاب تهديد مماثل و مطابق منسوب الى الله :
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا" (المائدة:12).
بذلك تكون الأديان قد ساهمت في تقزيم آلهتها إلى مستوى سلوكي يترفع عنه أي إنسان يتمتع بالحد الأدنى من الحكمة ,بعد أن عظمتها لمستوى خلق كون معقد هائل الحجم .
يمكن تقريب الأمر إلى ذهن المؤمن بتشبيه بعض تصرفات الله في دينه, بتصرف مفترض لإنسان تمكن من خلق أعداد من النمل وطلب منها أمور معينة ولم تطيعه بعضها بذلك و من جملتها أن تؤمن وتعترف بقدراته و جبروته, فيقوم هذا الشخص بطلب من نملات أخريات بقتل و تعذيب النمل العاصي أو يقوم بنفسه بهذا التعذيب ,وحينها ماذا يمكن أن يكون تصورنا تجاه هذا الشخص سوى أنه شخص مريض نفسياً ,سادي الطباع ,ضعيف الشخصية, قليل الثقة بنفسه,...!.
أمام تصورات الأديان التي تعكس العقل الطفولي البدائي , يصح قول الشاعر عمر الخيام : " إنني لا أكفر بالله.. إني أكفر بالإله الصغير الذي في رؤوسكم".
أيضاً ,يغيب عن بال معظم المؤمنين,أن القليل من الملحدين وصلوا الى درجة الجزم بنسبة 100% ,بعدم وجود الله , فمن أشهر من الملحد ريتشارد دوكينز في الدعوة إلى الإلحاد؟!, الذي يعتبر نفسه" بأنه ليس متأكداً من عدم وجود الله ولكن إعتقاده ضعيف جداً و يميل الى أنه ليس هنالك إله وسيكون مفاجأً له وجود أشخاص ملحدين تماماً يعتقدون بأنه ليس هنالك إله " (1)
كما أنه يوجد فيديو منتشر على الانترنت ,يتبجح به الكثير من المؤمنين ,كدليل على هذيان و تردد دوكينز و يستغلون هذا الفيديو كدليل وجود ألهتهم ! ,يؤكد دوكينز ما سبق أن اقتبسناه من كتابه و بأن احتمال عدم وجود الله هو أكثر من 50% و يؤكد كذلك عدم إيمانه بشكل كامل بالآلهة التي تطرحها الأديان جميعا . (2)

إذا ما نريد أن نؤكد عليه لأتباع الأديان والإبراهيمية خصوصاً :
- إن الأدلة المطروحة على فرضية وجود خالق للكون لا يمكن القفز منها مباشر لتأكيد وجود أي إله يطرحه أي دين.
- إن وجود خالق للكون لا يعني بالضرورة أنه الإله ذاته المطروح من قبل أي دين.
- إن ما تطرحه الأديان هي تصورات خاصة حول الإله المفترض ولا يعني أنها الحقيقة.
- إن القليل من الملحدين يجزمون بشكل قاطع 100% بعدم وجود إله.
- إن رفض تعاليم الأديان لا يعني رفض فكرة وجود إله بالمطلق.
- إن وجود إله لا يعني ضرورة وجود أديان.
- إن التصورات التي تطرحها الأديان الابراهيمية لا ترقى الى المستوى المتوقع لخالق كون بهذا الحجم الهائل و المعقد.



الهوامش:
(1)- ريتشارد دوكينز, وهم الاله, ص28.
(2)- http://www.youtube.com/watch?v=H0A320svRB4








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2012 / 11 / 6 - 15:22 )
ما هي الأسباب التي جعلت الملحد ينكر وجود الله؟ .
لم أجد حتى الآن إجابه تدعم الملحد أبداً , الإنسان ب(طبعه) فضولي , و هذا ليست المشكله , و لكن , يجب أن نكون أكثر واقعيّه و عقلانيّه , مثل :
الإنسان يسأل عن كيفيّة الحياه بعد الموت (البعث) , و كأنه قضى على علاج الأمراض المستعصيّه , مثل : الأيدز و السرطان و الكبد الوبائي .
هل يُعقل أن العقل البشري سيستوعب كيفيّة البعث إن كان عاجزاً عن الأمراض؟... ألا تلاحظون معي أن هذه ضرباً من العبث .
الإنسان , لم يستطع أن يعرف كيف تم نقل أحجار الأهرام إلى مِصر .
نحن نعيش في كوكباً من مجموعه شمسيّه من مجره (في كل مجره مليارات المجموعات) من 350 مليار مجره , و هذا فقط 5% , و ال95% ماده مجهوله مظلمه .
هذا الكوكب لم نكتشف كل أسراره , فما بالك ببقيّة كواكب المجموعه الأخرى , ثم بقيّة المجموعات في مجرتنا ثم مليارات المجموعات في مليارات المجرات؟ .
و الغريب أننا نسأل بعد هذا الجهل : أين ملكوت الله؟... أليس هذا يعبر عن عقل الإنسان و جهله .
الحقيقه هي : ملكوت الله فوق طاقة العقل البشري .


2 - الأديان العالمية
وحيد عبد المجيد ( 2012 / 11 / 6 - 17:04 )
لعل خالق الكون (الحقيقى) يظهر نفسه للشعوب المختلفة بطرق مختلفة تماما كاختلافها (أى تلك الشعوب) فى اللون واللغة .. فالأنسب مثلا للشعوب الغربية هى المسيحية والأنسب للشعوب الشرق آسيوية هى الديانات الأرضية البوذية وغيرها والأنسب لشعوب الشرق الأوسط هو الإسلام بالإضافة لليهود الذين عاشوا فى اسرائيل قديما وعادوا لاحتلالها حديثا
ولاشك أن الملحدين فى العالم صاروا فئة كبيرة لا يستهان بتعدادها - لكن هذا أمر حديث يظهر على مسرح التاريخ كموضة ربما لا تدوم طويلا كسائر الموضات الأخرى .. لكن الأصل أن الجماعات البشرية ارتبطت دائما بفكرة الخالق ولا تجد شبرا فى الأرض إلا وسكانه يدينون لهذا الخالق بالحمد والتسبيح والصلاة .. وهذا أمر مثير للتأمل


3 - ليتكم قرأتم المقالة
فادي كمال الصباح ( 2012 / 11 / 7 - 01:28 )
يجب التفريق بين فرضية وجود خالق للكون و بين التصورات المطروحة في الاديان عنه, هل التصور اليهودي للاله يهوه هو نفسه تصور المسيحيين بيسوع الاله و كلاهما هل يتوافقان مع التصور الاسلامي الذي هو الله في القرآن , عندنا ثلاثة نماذج , تشترك بفكرة واحدة هي وجود إله , أما مواصفات و التصورات هي لثلاثة ألهة مختلفين , فلو كنتم مسيحيين كان كلامكم هو نفسه لكي تؤكدون ألوهية يسوع وهكذا لو كنتم يهود بقصدكم يهوه, فعلى الانسان محاكمة هذه التصورات المطروجة من الاديان ,أنتم تنكرون ألوهية يسوع و يهوه ومع ذلك لا يعتبروكم ملحدين , و هم ينكرون ان الله القرآني هو الاله الخالق و لا تعتبروهم ملحدين , مع ذلك هنالك أفراد ينكرون ألهة الأديان كافة لعدم توفر الكثير من المعطيات و للشبهات الكثيرة حولها و للتصور الطفولي المطروح

مع ذلك يبقى سر الوجود هو السر الأكبر لا يوجد أي دليل أو تصور يقيني يفسره , و ان كان هنالك إلها وراء هذا الكون فبالتأكيد لن يكون أحد ألهة الاديان الحالية والسابقة ولن يهتم بأن اعترفنا بوجوده أم لا و لن تشكل أزمة نفسية له كألهة الاديان الابراهيمية الغيورة و التي تحتاج للمديح لتشعر بجبروتها


4 - ليتكم قرأتم المقالة
فادي كمال الصباح ( 2012 / 11 / 7 - 01:28 )
يجب التفريق بين فرضية وجود خالق للكون و بين التصورات المطروحة في الاديان عنه, هل التصور اليهودي للاله يهوه هو نفسه تصور المسيحيين بيسوع الاله و كلاهما هل يتوافقان مع التصور الاسلامي الذي هو الله في القرآن , عندنا ثلاثة نماذج , تشترك بفكرة واحدة هي وجود إله , أما مواصفات و التصورات هي لثلاثة ألهة مختلفين , فلو كنتم مسيحيين كان كلامكم هو نفسه لكي تؤكدون ألوهية يسوع وهكذا لو كنتم يهود بقصدكم يهوه, فعلى الانسان محاكمة هذه التصورات المطروجة من الاديان ,أنتم تنكرون ألوهية يسوع و يهوه ومع ذلك لا يعتبروكم ملحدين , و هم ينكرون ان الله القرآني هو الاله الخالق و لا تعتبروهم ملحدين , مع ذلك هنالك أفراد ينكرون ألهة الأديان كافة لعدم توفر الكثير من المعطيات و للشبهات الكثيرة حولها و للتصور الطفولي المطروح

مع ذلك يبقى سر الوجود هو السر الأكبر لا يوجد أي دليل أو تصور يقيني يفسره , و ان كان هنالك إلها وراء هذا الكون فبالتأكيد لن يكون أحد ألهة الاديان الحالية والسابقة ولن يهتم بأن اعترفنا بوجوده أم لا و لن تشكل أزمة نفسية له كألهة الاديان الابراهيمية الغيورة و التي تحتاج للمديح لتشعر بجبروتها


5 - وسام قبلان
عبد الله خلف ( 2012 / 11 / 7 - 08:08 )
الله في القرآن هو الخالق لهذا الكون , و قد عرف نفسه كثيراً بالقرآن , و هذا التعريف يتوافق بشكل كبير مع الفهم البشري العام للخالق .
الله يصف نفسه بوصف ينطبق عما تبحث عنه في الخالق , قال تعالى : (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) .
و قال أيضاً : (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) .
كل هذا , يؤكد أن هذه الصفات صفات لخالق , عظمته فوق طاقة التفكير البشري المحدود .
ما هو ذنب المؤمن إن كان عقل الملحد قاصر عن معرفة الخالق؟ .

اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran