الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائفة مقولة فلسفية أم جسم اجتماعي قرابي حديث ؟

روبير البشعلاني

2012 / 11 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا فشلت الحركة العلمانية في بلادنا العربية ؟ العلة موجودة في الفاعل أو المفعول به ؟ في العلمانيين أم في العلمانية ذاتها ؟ الكاتب محمد علي مقلد سارع الى حسم الموضوع انطلاقا من قالب نظري مركب من عدد من المقولات قام العلمانيون , عن جهل فيها وفي طريقة استعمالها, بإستخدامها في غير موضعها الامر الذي افضى الى عكس النتائج المتوخاة. ( محمد علي مقلد : "الاصوليون العلمانييون " جريدة "الحياة" بتاريخ 20/07/2011).
تكسر الحركة العلمانية على صخر المجتمع ما قبل الدولتي في دنيا العرب لم يكن اكثر من مجرد
"اخراج المفهوم من حقله المعرفي التاريخي لكي يتم استعماله بشكل خاطىء في حقل معرفي آخر" مما ادى الى إلحاق الاذى به وبمن استعمله ايضا.
لم ينتبه العلمانيون حسب الكاتب الى أن العلمانية مقولة سياسية لا فلسفية ولا يمكن استخدامها في ميدان " الدين والطائفية" وهما من ميدان آخر هو الفلسفي. هذه الغلطة النظرية, بنظر الكاتب, قادت الى نتائج كارثية على الصعيد السياسي, إذ حولت المعركة من سياسية الى فلسفية انزلقت العلمانية فيها الى مقولة الدين لا بل تحولت هي نفسها الى "دين" ينازل دينا آخر, دين ضد دين , وأصولي ديني ضد" أصولي علماني".

المشكلة اذا بحسب الكاتب هي تشوش في الفكر, زلة نظرية نقلت الصراع من السياسي الى الفلسفي تحول بنتيجته العلمانيون الى أصوليين يخدمون بذلك اعداء العلمانية بدل محاربتهم.
بينما المطلوب برأيه هو إعادة إستعمال المصطلح السياسي في إطاره الصحيح عبر التصويب على السياسي وليس على الديني لأن الأخير ليس الا إيديولوجية. وترجمة ذلك عمليا في لبنان تكون في التصويب على نظام المحاصصة, السياسي, فهو الهدف الحقيقي
وليس على "النظام الطائفي الذي يستفز الاديان" فيقودها الى الاستنفار ضد العلمانية فينجح في عزلها والتغلب عليها.
قبل الدخول في نقاش تفصيلي مع أفكار الكاتب حول اشكالية العلمانية والدين والطائفة علينا أولا تسجيل موافقتنا على أن العلمانية فشلت فعلا في كسب رهانها في الشرق العربي ولو كانت ا لاسباب برأينا لا علاقة لها بالتصويب والايديولوجيا والنظام المعرفي ولا بالمقولات.

واسارع الى الى التأكيد مع الكاتب بعدم صحة استعمال المفاهيم من خارج سياقها التاريخي , حقلها المعرفي الطبيعي , ولكن علينا هنا أن نؤكد على أهمية هذه النقطة المنهجية بأن نحسبها له وعليه.
. تعالوا نضع بكل هدوء القضية في اطارها الطبيعي لكي نتأكد من صحة هذه الفرضية التي يطرحها المقال علينا
فهل صحيح ان الحركة العلمانية اللبنانية قد فشلت للاسباب التي يراها مقلد؟

الحركة العلمانية اللبنانية سعت في الواقع الى تحرير الحيز العام, المشترك من هيمنة "القوى" التي تسيطر عليه لتجعله حياديا فعلا. ولقد رأت هذه الحركة في الطوائف الخصم الذي ينهش جسم الحيز المشترك فقامت تطالب بتنحيته عنه تماما وكما جاء في الكتب التعليمية عن العلمانية.
وهي في ذلك تتساوى مع شقيقتها الاوروبية في الطلب نفسه وان يكن الخصم مختلفا, ففي حالتنا يتمثل الخصم في القوى السياسية , وهي عندنا الطوائف, التي تنهش جسد الدولة لهدف غير مشترك, خاص وليس عاما.

وإذا صح أن الطائفة, أو الطوائف مجتمعة, هي التي تمنع الدولة من تحولها الى "حيز مشترك", الى الحيادية, وهذا امر مفروغ منه, فإنها هي من تضع نفسها في دائرة الاستهداف السياسي لا الإيديولوجي فأين الخطأ ؟
لانها بذلك تكون لاعبا يقوم بدور سياسي, سلطوي, لا فكري ولا فلسفي ولا حتى ديني. الطوائف التي
تهيمن على الدولة بكل مفاصلها هي اذا كيانات سياسية-إجتماعية وليست مقولات فلسفية مجردة فمن أين أتى الكاتب بتهمة التصويب على الدين ؟
القصور في فهم الطائفة وعلاقتها بالدين هو المسؤول, برأيي, عن هذا الاعتباط وعن وقوع الكاتب في الخطأ الذي حاول تحذير الآخرين منه. الذي خلط بين المستويات هو بالحقيقة من اعتبر الطائفة دينا بينما هي تنتمي الى السياسي, أو في أسوأ الاحتمالات إلى إلإجتماعي. .
يصوبون على "الطوائف والطائفية، سرعان ما يتحول تصويبهم إلى الأديان" . لماذا وهل الطائفة هي هي الدين ؟

هنا تكمن الزلة الرئيسية في فكر مقلد بإنتقاله من السياسي الى الفكري بدون رفة جفن وبدون أي تفسير منطقي ( اللهم الا كلمة: سرعان ) لانه باعتقادي لا يميِز بين الطائفة والدين. يظن لنهما ينتميان الى حقل معرفي واحد ومشترك بينما هما ينتميان في الحقيقة الى عالمين
."الى حقلين معرفيين مختلفين تمام الاختلاف"
أن تصوب على من يهيمن على الدولة ويجردها من "حياديتها" ويمنعها من إقامة دولة القانون الواحد للجميع عمل غير مشين بذاته اللهم اذا عرفت من هو هذا المهيمن لانك بذلك تكون تصوب على السياسي لا على الديني. فالحركة العلمانية العربية واللبنانية منها, وعلى حد علمي, لم تطالب بإلغاء الدين في لبنان, لا سمح الله, بل بفك سيطرة الطوائف عن الدولة لكي تصير مطرحا مشتركا للجميع ومحايدا .وهي بذلك لم تعان من الحوَل (بفتح الواو ) الذي تتهم به. وآية ذلك أن الطائفة لا يمكن أن تكون هي هي الدين ولا حتى كنيسته والأسباب بسيطة : الدين وكنيسته موجودان على حدة وبموازاة الطائفة التي فيما عدا إسمها لا تمارس لا هي ولا قادتها اي نوع من انواع العبادات أو الممارسات الدينية الإيمانية.
إذا فالطائفة
ليست الدين وإن يكن هذا الاخير جزءا منها.
لا بل هي كيان اجتماعي -سياسي ناجز يهيمن على الحياة السياسية بأكملها من ألفها الى يائها
واما التصويب عليه فليس إلا من قبيل التصويب على السياسي بإمتياز.
وعليه فان التصويب صحيح ولا يعاني من التضارب في المفاهيم كما تراءى للكاتب فالسياسي ولله الحمد مع السياسي والفكري او الديني اذا شئنا مع الفكري او الديني ,كل شيء في مكانه الا النتيجة .فبالرغم من التصويب "الصحيح" فشلت الحركة وعاد كل الى " كرعوبه" ولم تجد هذه الحركة من يذرف دمعة عليها غير "علماني" واحد هو وليد جنبلاط. .
وبالتالي فان الحركة لم ترتكب الخطأ الذي ينسب اليها.الا اذا كان الكاتب يعتبر الطائفة مقولة ايديولوجية.

على اي حال فإذا كانت الطائفة فعلا كيانا سياسيا وليست مقولة فلسفية كما أسلفنا فلماذا أعتبر الدين نفسه متهما عندما قامت الحركة العلمانية بمطالبة الطوائف بتحرير الدولة ؟
هل لأن الطائفة هي نفسها الدين؟ هل هي "الكنيسة", كنيسة الدين؟
وهل هما نفسهما بالنسبة للكاتب؟ لو صح ذلك كيف نشرح مثلا وجود جسمين مستقلين,زعيمين, زعيم للطائفة غير زعيم الدين ؟ كيف نشرح تبعية رجل الدين لرجل الطائفة ؟
) كيف نشرح ان زعيم الطائفة غالبا ما يكون "مدنيا"بينما العكس غير صحيح
. (شمعون والبطريرك, جنبلاط وشيخ العقل, بري وشمس الدين, الحريري والمفتي..........الخ.الخ. فالامثلة لا تحصى
من جهة ثانية وحتى لو افترضنا أن الطائفة هي حقيقة اكليروس الدين و كنيسته ,وهو ما لا اعتقده , فهل المطلوب عندها الامتناع عن التصويب عليها فيما لو كانت كيانا سياسيا يتولى السلطة ويهيمن على شؤون الدولة ؟ إذا كانت السلطة بيد الكنيسة هل على الحركة العلمانية أن تمتنع عن التصويب على السلطة مخافة مجابهة الدين ؟ وعلى اي هدف عليها أن تصوب في هذه الحالة لتحييد الحيز العام وبناء دولة القانون ؟
في كل الحالات يتضح أن
التصويب على الطائفة ليس تصويبا آليا على الدين كما يعتقد الكاتب خطأ. وبالتالي فان المشكلة على ما يبدو تكمن في مكان اخر تماما.
أيا يكن الأمر من قال أن الأديان هي التي استنفرت القوى وواجهت العلمانية .إني أزعم ان الطوائف هي التي شحذت قواها المختلفة, ومن بينها الدين طبعا, لكي تسحق الحركة العلمانية وتحافظ على المحاصصة وعلى مصالحها بشكل عام. وبما ان الطوائف كيانات سياسية شعبية وجماهيرية تمكنت من التغلب على الكيانات السياسية للعلمانية .المسألة مسالة ميزان قوى بكل بساطة.

"الدين العلماني " إذا ليس ضد الدين والعلمانيون ليسوا أصوليين كما بدا لوهلة من خلال تحليل الكاتب. ومع ذلك فشلت الحركة العلمانية في تحقيق النصر على خصومها أيا كانوا. بقيت الاشكالية قائمة لانها ليست بالفاعل بل ربما هي بالموضوع.
التصويب على من يهيمن جعله يستنفر قواه وهذا لعمري طبيعي . السؤال هنا ليس في رد فعل الطائفيين لانه متوقع بل في نوعيته اذ بين بشكل واضح أنه غير معزول وانه ما يزال يتمتع بدعم الجماهير على عكس المهاجم العلماني . فما هو تفسير هذه الجماهيرية لدى هذه الطوائف ؟ الدين برأي البعض. لكن الدين وحده لا يكفي لتفسير هذه الظاهرة المركبة حيث القرابة القديمة النَسَبية الرحمية تلتقي مع الدين ومع اقتصاد الريع التوزيعي ( الرأسمال الشكلي حسب ماركس) لكي تنتج خلطة قرابية جديدة أوسع وارقى من اشكال القرابات السابقة.
فالطائفة كيان معقد لا يمكن ان يتألف فقط من عنصر الدين وإلا لصار دينا ناجزا هو الآخر يضاف الى الاديان الاخرى.

الطائفة جماهيرية قوية صامدة بسبب منها لا بسبب أخطاء الغير في "النظر "إليها فسواء كانت دينا او دنيا, الناس ,سواد الناس,ما تزال تنتظم إجتماعيا من خلالها تؤمن مصالحهم وتطلعاتهم رغم اعتقادات النخب الحديثة واسقاطاتها المحدثة.
أما الحل الذي يقترحه الكاتب بالتصويب على نظام المحاصصة بدل الطائفة فهو برأيي مجرد لعبة كلامية لا تغير في المضمون شيئا. ذلك ان الكاتب يعترف هو نفسه ان المحاصصة تتم بين الطوائف نفسها, فالمحاصصون لهم إسم وهوية هما نفسهما الطائفة, أو بالأصح ممثلو الطائفة.
وإذا اردنا أن نغالي نقول ان التصويب على المحاصصة سوف يزيد إلى خصوم العلمانية خصما جديدا هو الكنيسة كمؤسسسات سياسية وليس كدين بسبب من سيطرتها على قسم كبير من قطاعات الدولة لا سيما الحقوقي منها.

اعتقد ان المفكر يجتهد هنا لكي يجد مفهوما سياسيا , "المحاصص "يحل به اشكالية "الطائفة_الدين" وإشكالية الهرب من تعريف الطائفة وتحديدها تحديدا تاريخيا . فهو يعتقد أن الطائفة مقولة فكرية, بقايا وعي قديم, وأما المحاصص فمقولة سياسية. وبالتالي فإن التصويب على المحاصص هو تصويب سياسي يقي شر استنفار الدين ضد العلمانية, يحيده. وبذلك يخلص الحركة العلمانية من طابعها الديني والاصولي لتصبح حركة سياسية صافية تتحرك على المستوى السياسي فتقبلُ الجماهير عند ذلك عليها دون عقد ذلك أن الجماهير, كما يفترض الكاتب ضمنا, هي بالتأكيد ضد المحاصصين ومع العلمانية, لكنها ليست ضد الدين. الجماهير مؤمنة.

لكن وبما أن الطائفة ليست مقولة فكرية بل مقولة إجتماعية_سياسية معقدة تمثل إنتماء الناس الإجتماعي ومصالحهم المادية فإن الناس
تتمسك بها وتستميت في الدفاع عنها ضد كل من وما يهددها او يهدد " ممثليها" المحاصصين. أكثر من ذلك يعتبر الناس أن أي تهديد لممثليهم (المحاصصون) هو تهديد لدينهم في آن معا . كل ذلك كما لو أننا إزاء ظاهرة فريدة السياسي فيها إجتماعي-إقتصادي والإجتماعي سياسي وفكري وديني والعكس بالعكس.
ييدو لي أن هذه النظرة الى الطائفة كوعي تعاني أسوة ب"الاصوليين العلمانيين" من تشوش في الرؤية يحجب عنها وعنهم رؤية المشكلة كما هي حقا
. ففي غياب تحديد علمي للطائفة تضطر النظرية إلى الترقيع والتحايل على المشكلة الطائفية فتظن نفسها ظفرت بالحل عبر مفهوم نظام المحاصصة لكنه للأسف ليس إلا الترجمة العملية لميزان القوى القائم في لحظة معينة بين مختلف الطوائف المشاركة في النظام الطائفي عينه. فالمحاصصة نظام لحكم الطوائف بعينها لا يخرجنا من المأزق لأنه يعيدنا عمليا الى مواجهة القوى ذاتها التي تحاول النظرية عبثا ان تهرب منها. دليلنا الى ذلك هذا النظام المحاصصي المتسم بعدم الاستقرار الدائم نتيجة قيامه على قاعدة ميزان للقوى متغير باستمرار . إذ كلما أنكسرت شوكة إحدى الطوائف و/أو قويت أخرى أختل الميزان وقامت حروب الغلبة الباردة والحامية من أجل إعادة النظر بالتوازن السابق وإيجاد توازن جديد يعكس ميزان القوى المستجد بأمانة أدق.
وما دام الأمر كذلك أي أن المحاصص ليس إلا هو هو الطائفة فإننا نعود الى نقطة البدء أي الى المأزق نفسه الذي وضعت العلمانية نفسها به عندما صوبت على الطوائف.
أما الظن بأن تغيير "إسم" المهيمن على الدولة وندهه بالمحاصص بدل الطائفي يجنبنا المواجهة معه فنستطيع بهذه الحيلة أن "تبلفه" ونجبره على التخلي عن مصالحه هو كمثل الذي كتب "ملح" على السكرية من اجل ابعاد النمل عن السكر,
أو كمن يطلب عبر التبشير من كيان إجتماعي القبول بالإنتحار الطوعي عبر قبوله بالحرمان من قوته اليومي الوحيد الذي يسمح له بالبقاء حيا.
وهذا ما يصح على كتاب آخرين (سليمان تقي الدين مثلا) لا يتوقفون صبحا ومساء عن "مناشدة " أهل الطوائف تغيير نظامهم لأنه يولد حروبا اهلية ومشاكل دائمة, متناسين علة وجود هذه الكيانات الحربية واستبسالها في
"الدفاع عن "الماء والكلأ .
تتناسى بعض النظريات الطوباوية قراءة المجتمع بتركيبته الملموسة وتناقضاته القائمة على المصالح فيتراءى لها المستوى السياسي معلقا في السماء او موضوعا مستقلا عن إجتماعه يمكن تغييره بالنصح والإرشاد والتبشير. مواقف القوى الاجتماعية وسلوكاتها تصير وكأنها نابعة من أصول أخلاقية أو بناء على تقديرات غير دقيقة. فالمعادون للعلمانية من الطوائف "جهلة" لأنهم "يظنون" أن العلمانية "إلحاد". وكأن المشكلة مجرد سوء فهم بين حملة الطرحين, العلمانيين وغير العلمانيين. سوء "تواصل" بلغة أهل الجيل الحالي.
Problème de communication
أوليست المشكلة متعلقة بمصالح ما لهؤلاء "الجهلة" في "المحاصصة ؟ وإذا كان الأمر كذلك فعلا فكيف يمكن المطالبة بإلغاء المحاصصة دون الدخول في إشتباك وصراع مع " الجهلة" هؤلاء؟
واذا كانت الطائفة هي صاحبة الحصص وتحرص عليها كل هذا الحرص أليس بسبب قطعة الملك التي تقتطعها وما توفره من "دخل" و "غلة" يعينان الطائفة على ري شرايينها القرابية بما يسمح لها بإنتاج وإعادة إنتاج قرابتها نفسها ؟

طالما أن الطائفة هي هي صاحبة الحصص في الدولة فهي اذا جسم اجتماعي سياسي ولا يمكنها أن تكون مقولة فكرية أو ايديولوجية أو وعيا.
لكن لماذا لا تعبر الطائفة عن نفسها وعن هويتها إلا بصفة دينية او حتى مذهبية ؟ إذ نقول الطائفة المارونية الطائفة الشيعية السنية الخ..................الخ.
كيف يستطيع الجسم هذا أن يحافظ على وحدته على المدى الطويل رغم عدم انسجامه الطبقي الداخلي؟ ولماذا لا تنسلخ الفئات
الشعبية فيه عنه؟هل الأسباب إجتماعية, سياسية, أم دينية
أم إقتصادية؟
ما علاقة الدخول الرأسمالي بهذه البنى؟ لماذا لم تقض عليها كما بقينا نتوهم لفترة طويلة ؟ هل ثمة علاقة موضوعية مباشرة ما بين الرأسمال الوافد ,نوعه ,درجته , وبين الطائفة ؟ الطائفة شكل اجتماعي قديم في المنطقة أم حديث ؟ ما هي العلاقة بين هذا الشكل الاجتماعي
المحدد وبين غيره او ما سبقه ؟ ما هو المشترك وما هو غير المشترك ؟ هل الطائفة هي ايضا مثل سابقاتها علاقة قرابة من نوع جديد لا تقوم على رابط الدم ؟ هل يمكن القول ان الطائفة شكل قرابي حديث يتناسب اكثر مع التوسع الرأسمالي الوافد وحاجات الدولة "الحديثة"وجغرافيتها الجديدة ؟ هل هي " العشيرة " الحديثة" الواسعة وسع الاطار السياسي الجغرافي الجديد ؟

أعتقد ان البدء بالاجابة على هذه الاسئلة سوف يسمح ربما ببداية فك اللغز الطائفي والقيام بإنتاج معرفة بالمجتمع الذي نعيش فيه .
اما العلمانية المعثرة هي فلم تفشل لأنها طرحت نفسها على المستوى الفلسفي ولا لأنها لم تطرح نفسها على المستوى السياسي بل لأن الشعوب لا تطرح على نفسها الا المشاكل التي يمكنها حلها.
يجب ان نعود الى الاساسي أي الى الإجتماع البشري في سياق تطوره التاريخي لنتساءل
عن ماهية هذه البنى الاجتماعية , عن تركيبتها الفعلية ,عن كيفية اشتغالها ,عن تطورها التاريخي ماضيا وحاضرا .وقبل طرح شعارات الهروب الى الامام علينا معرفة ما إذا كانت هذه البنى قد وصلت فعلا الى طريق مأزوم يسمح ببناء مشروع سياسي بديل مرتكز لا على نخب معزولة عن المجتمع الفعلي ( مهما كان عددها ) بل على أكثرية شعبية ذات مصلحة موضوعية في التغيير عندما يصير هذا الشكل من الاجتماع فعلا في تناقض حاد معها ومع مصالحها الموضوعية.

من هنا فإن حصر الإشكالية فقط قي التصويب يتجاهل برأيي السياق الفعلي للاجتماع في بلادنا , درجة تطوره,تأزمه,ومدى الضرر الذي يلحقه ليس فقط بالنخب بل بغالبية الناس صاحبة المصلحة الحقيقية ( أو لا) في التغيير
فهل هذا هو الامر الآن ؟
لا يكفي ان تتفرج النخب على العلمانية وعلى الديمقراطية وعلى دولة القانون على النلفزة او الفايسبوك حتى تقتنع الناس بشعارات لم تر أي مصلحة فيها.
من المفيد هنا التذكر لعل الذكرى تنفعنا أن النخب هذه ما لا تنفك تتواضع في شعاراتها يوما بعد يوم وفشلا بعد فشل. فالذي يطالب
بالعلمانية أو الحرية اليوم لم يكن يرضى بأقل من الشيوعية منذ أقل من عشرين سنة أليس كذلك؟

حاشية
في الستينات من القرن الماضي كنا في لبنان مع النهج ضد الحلف مع جان سكاف ضد ابن عمه جوزف طعمه سكاف في منطقة البقاع الاوسط منطقتي : الداعي هو الوقوف ضد حلف بغداد على ما أذكر. وفي السبعينات
أصبحنا مع السنة ضد الموارنة في مطالبتهم بتحسين حصتهم من النظام الطائفي اياه : الداعي هو المسالة الوطنية والدفاع عن المقاومة الفلسطينية . في مطلع القرن الجديد يمكن مع بعض التحفظ القول باننا أمسينا مع الشيعة (للمقاومة) ضد السنة او العكس (للعبور الى الدولة) لأننا نحن صرنا إثنين او حتى اكثر الله يبارك.

أما اليوم وبإسم ثورة الشباب فنؤيد ربما الشيعة في البحرين ضد السنة و اليزيديين في اليمن والسنة في سوريا والشيعة او السنة في لبنان.
في كل مرة من هذه المرات كنا نعتقد اننا نسير وراء هدف رسمته عقولنا الرائدة "الطليعية"الدارسة لمجتمعها و العاقلة لمكنوناته
ألا نمثل نحن طليعته ؟ ولشدة عدم فهمنا لواقعنا الحقيقي وقعنا في كل المرات تقريبا في فخ الاخرين.
صابنا كمثل الذي ركب حافلة ذات المقاعد المتقابلة فجلس في اتجاه يريه العنوان المقصود لكن الحافلة, هي, تسير حقيقة في الوجهة المعاكسة. جلستنا صح لكن الحافلة تسير بنا الى حيث يذهب صاحبها, الطوائف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج