الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياحة و السواح

سلمان مجيد

2012 / 11 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قد يتبادر من اول وهلة من قراءة هذا العنوان وكانه اعلان من اعلانات الشركات السياحية التي اكثر وعودها و برامجها السياحية ما هي الا مبالغات تحاول من خلالها اغراء الافراد في الانضمام الى افواجها السياحية ، وفي الوقت ذاته تكون تلك الشركات قادرة على ادعاء التبريرات ، للتخلي عن وعودها و برامجها تلك ، متذرعة بازوف الوقت او تقلبات الظروف الطبيعية و حتى السياسية ، المهم الذي اريده من هذا الموضوع ان اصل الى اصل الرغبة الفردية او الجماعية في البحث عن اجابات او توضيحات للاسئلة المفرطة التي تدور في خلد كل انسان ، عن المحيط الذي يعيش فيه طبيعيأ كان ام بشريأ ، وحتى قد يصل الامر في البحث عن اجابات عن اسئلة قد تكون للخرافة اقرب منها الى الواقع ، و اجابات من هذا النوع من الصعوبة الوصول اليها الا من خلال الافعال العملية ، لا كما كان يجيب ( السفسطائين ) على سؤال : كم هو عدد اسنان الحصان ؟ عندها يغمض ذلك ( السفسطائي ) عينيه ليفتحها عن اجابة قد تكون من الناحية المنطقية مقبولة ، الا انها من الناحية الواقعية فأنها تعتبر الخطأ كله ، و كان الافضل لهذا ( السفسطائي ) ان ينزل الى الاسطبل الذي يوجد فيه حصانه ، ليعد الاسنان بنفسه ، عندها ينتهي الامر الى اجابة تعد الصدق كله . الذي يراد من تلك التساؤلات التي اشير اليها اعلاه و التي تدورفي اذهان البشر من الممكن الوصول الى اجاباتها عن طريق المعرفة الفردية او الجماعية ، من خلال تلك التي تسمى ( السياحة ) عندها من الممكن ان ترتقي السياحة تلك ــ كوظيفة فكرية ــ الى مرتبة الفلسفة و التفلسف ، لان اصلهما قد يكون واحدأ ، فالفلسفة هي عبارة عن سياحة عقلية و فكرية من خلال طرح التساؤلات عن الوجود و المحيط الذي يحيط بالانسان ، و السياحة كذلك ، و ان صح هذا الربط بين الفلسفة و السياحة اذن لابد من ان تكتسب احداهما من الاخرى تلك الشمولية التي تعتبر من ابرز سمات الحياة و الكون ، وطبعأ الغاية من السياحة فردية كانت او جماعية لا تقتصر على نوع معين من البشر او مرحلة من مراحل تطوره ، بل تعتبر شاملة لكل هذه و تلك ما دامت هي اقرب الى الفطرة منها الى الادعاء ، اضافة الى انها لا تقتصر على جانب واحد من جوانب متطلبات الحياة ، كأن تكون لاغراض اشباع الرغبات الفردية او الجماعية ، لمعرفة ما يحيط بهؤلاء من امور غامضة ، فمعرفتها على اقل تقدير تزيل حالة الخوف المقترن بالمجهول ، ففي حالة معرفة ذلك الذي كان مجهولأ حتمأ سوف لا يبقى للخوف من اثر ما فيه ، او قد يكون الامر متعلقأ ( بالغلبة و الهيمنة ) على الاخرين ، و هذا لا يتحقق الا ( بالسياحة ) عن طريق الجند المدججين بالحديد ، لا كما هي الحروب المعاصرة التي لا تتطلب سوى ضغطة على زر ، لتستولي على مساحات اكبر من تلك التي استولى عليها ( الاسكندر المقدوني )خلال عقود طويلة من الزمن ، استغرقتها ( سياحته الحربية ) التي ملئت صفحات التأريخ احداثأ و حكايات ، تحتاج الى تفسير قد يتطلب الى ( سياحة ) من نوع اخر ، مثال ذلك : ان بعض التجمعات البشرية التي تعيش في بعض مناطق اواسط اسيا ، و التي وصلت اليها جيوش الاسكندر ، ان هؤلاء يحملون بعض ملامح ( قوم الاسكندر ) و لغتهم تحوي بعض المقاطع التي تنتمي الى لغة هؤلاء القوم ، وكان ( للسياحة البحرية ) دور عظيم في الاستكشافات الجغرافية البعض منها كان لاغراض غير بريئة كمحاولات الغرب الاستعماري اتخاذها اداة للتسلط على البشر وثرواتهم ، و البعض الاخر كان يبغي من تلك السياحة ان يكتشف السبل للوصول الى العوالم البعيدة ، تحقيقا لاهداف اصبحت لها قيمة عالية في التواصل بين البشر ، ومع الزمن اصبح
( ما وراء البحار) امامها ، حيث اكتشف ما عرف بالعالم الجديد ، و اذا ما اردنا ان نذكر بعض من رواد هذه السياحة
يبرز لنا : ابن بطوطة و احمد بن ماجد و من الاوربين ماجلان و فاسكو ديكاما و امريكو وغيرهم الكثير . وقد يكون للسياحة اغراض تجارية او تبادلية ، حيث اصبحت السياحة المتعلقة بها مقصودة بعد ان كانت غير ذلك ، كما يدعي بعض ( الانثربولوجين ) حيث يرون ان التجارة التبادلية ظهرت ( صدفة ) حيث المجموعات السكانية المتنقلة كانت تلقي او تتخلى عن الفائض من انتاجها الذي تختص به و الذي فرضته الطبيعة عليهم ذلك التخصص بالعمل ،ثم تلقي ذلك الفائض على قارعة الطريق ، تخلصأ من اعباء حمله ، لتأتي مجموعة اخرى تختص بأنتاج شئ اخر ، لتلقي ما يفيض عن حاجتها من انتاجها ، لتأخذ ما تخلت عنه المجموعة الاخرى ، وهكذا جرت الامور و بالتتابع الى ان ادرك الطرفان حاجة كل منهما لفائض انتاج الطرف الاخر ، عندها اصبحت هذه العملية ( عملية تبادل السلع ) عملية مقصودة بعد ان كانت تجري بشكل عفوي و دون علم احدهما بالاخر ، وهذا كله لم يحدث لو بقي البشر في مكانه لا يبرحها و دون ان ( يسوح ) يمبنأ او شمالأ ، وقد تكون السياحة ذات دوافع و اغراض عقائدية ( دينية او فكرية ) فهذا السيد ( المسيح ) ـ ع ـ حتى كنيته التي اتخذت اسمأ له مأخوذة من فعل ( السياحة ) ، اضافة الى تلك الشخصية التي وردت في احدى الروايات لقس مصري ، يروي فيها عن شخص يبحث عن ( الله ) بالمفهوم المسيحي ، على مدى عقود عديدة يتعقب سياحة المسيح من مكان لاخر مابين مصر و سيناء و فلسطين ، ولم يلتق به الا و هو جسدأ مسمرأ على صليبه ، وهذا ( سلمان الفارسي ) الذي ( ساح ) من بلاده ( فارس ) و هو لأب له شأن في المال و الحكم ، ليبدأ ( سياحته ) تأركأ غير مبالي للمال و الجاه ، للبحث عن ذلك الذي ينير قلبه و عقله ، فأعتنق اكثر من عقيدة ، لم يجد ضالته في واحدة منها ، الى ان وصل الى الصحراء ليلتقي بمن كان يبحث عنه ، كعقل وفكر حر اكثر من بحثه عن شخص معين ، مفضلأ ذلك و هذا على رغيد العيش المضمون بين قومه ، مقتنعأ بشضف العيش ، مقتفيأ نهج امامه ( علي بن ابي طالب ) في محاربته للترف و الفقر على حد سواء ، لانهما احدهما ظهيرأ للاخر ، و مفضلأ في ذلك العدالة في التوزيع على ( الاثرة ) على حساب الاخرين ، كما قال احدهم ــ حينها ــ للمؤتمن على ( بيت المال ) عندما اعترض ذلك ( المؤتمن ) على الاسراف بمال ( بيت المال ) (( ما انت الا خازن لنا )) .
و للسياحة غرض سام يتمثل بالبحث عن المعرفة ، و اذا ما حاولنا ان نعرف من تصدى لهذا الغرض لعجزت الذاكرة عن استحضارهم في اللحظة المطلوبة ، دون الرجوع الى صفحات التأريخ التي تروي ظروف ( سياحتهم ) و المصاعب التي واجهوها ، و حتى البعض منهم فقد ماله كله و حتى البعض قد فقد حياته على يد قطاع الطرق الذين ينتسبون الى البشر ظلما و عدوانا ، و ان ( المفترس ) من الحيوانات اكثر رحمة منهم ، لانه لا يسرف بالقتل الا بقدر حاجته ــ و ليس من بني نوعه و انما من الانواع الاخرى ــ و انه يكتفي بفعلة واحدة و الى حين ، و للتعبير عن اهمية هذه السياحة اورد بعض الشواهد ، منها حديث للنبي محمد ـ ص ـ حيث يقول (( اطلبوا العلم ولو في الصين )) (1) و هنا لابد ان ننتبه الى : اين الصين من جزيرة العرب مسافة ، وما هي وسائل التنقل بينهما ــ انذاك ــ ، فتصور اهمية و قيمة العلم المستمدة من هذا القول الكريم ، و الشاهد الاخر هو : سياحة ( موسى ـ ع ـ ) من خلال مصاحبته ( للخضر ) و كيف صبره على التعنيف الذي تعرض اليه من قبل ( الخضر ) لعدم استطاعته ( صبرأ ) على الحكمة من وراء الافعال التي قام بها ، لكي يعلمه ان لا يأخذ الامور على مظاهرها ، لانه هناك امر وراء كل فعل و عمل قد يكون غير واضح حتى لمن سيصبح ( نبيأ ) ، فكيف للاخر البسيط ؟
وهناك شاهد ثالث مفاده : انه هناك حكاية عن ( سائح يسوح ) من اجل توثيق صحة ( رواية ) عند شخص معين ، ذهب باحثأ عنه باذلا الجهد و المال ، فعندما وصل الى غايته و جده يطارد فرسأ شاردأ حاملا جزء من ردائه و كأنه يحمل فيه ما يغري فرسه بالهدوء ليقبض عليها ، فهدأة ثم قبض عليها ، اما صاحبنا الباحث عن صحة الرواية عاد من حيث اتى دون ان يتوثق من ما جاء التوثق منه ، من ذلك الرجل صاحب الفرس ، و تفسير ذلك من وجهة نظر الباحث عن صحة الرواية ، ان الذي يوهم حيوانأ قادرأ ان يوهم نظيره من البشر ، بل قد يكذب متعمدأ ، عنها تضيع الغاية التي جاء من اجلها .
يبقى امر اخر هو : هل ان ( السياحة ) قادرة على تغير اتجاه و مسار حياة الفرد و المجتمع ، او هل ان التغير يحصل عند المكان الذي ( يساح ) اليه ؟ و الجواب هو : ان الحالتين محتملتين الحدوث ، وهذا يعود الى عامل القوة المؤثرة عند فاعل التأثير و المنفعل به ، و المسألة يراد منها اخيرا : هل ان المجتمعات ( السائحة ) او ( المساح ) اليها ، تاثيرها و تأثرها يتسم بالتجانس ، ام هناك اختلاف في مقدار التاثير و التأثر ؟ و الجواب هنا يتعلق بطبيعة ذلك المجتمع ، ان كان متجانسأ فأن تأثيره و تأثره سيكون بنفس الدرجة من تجانسه ، اما اذا كان غير ذلك فستكون النتيجة بذات الطبيعة التي يتصف بها ذلك المجتمع ، و ابرز مثال لعدم التجانس عندما يكون هناك :
1 / عدم تجانس الحاكم مع المحكوم ( السلطة الحاكمة و الشعب )
2 / عندما يتسم المجتمع ( بالطبقية ) ذات المصالح غير المتجانسة ، خاصة اذا كان ذلك ( اقتصاديأ ) ــ كما هو الحال في النظام الراسمالي ــ
اخيرأ : الذي يهمنا جميعأ هو ان يتخذ من السياحة ــ خاصة في عصرنا هذا عصر تناقض المصالح ــ وسيلة و اداة للتقريب بين الامم و الشعوب حتى لو كانت حكوماتهما متناقضة المصالح ، لان المصالح الدائمة المقرونة بالمحبة الانسانية ، هي الابقى ، و دليل ذلك ان الانظمة الحاكمة دائمأ في زوال على مدار الزمن ، اما البقاء الدائم فهو من نصيب الشعوب ، و يبقى قول ( علي بن ابي طالب ) مصداقأ لذلك عندما اوصى ( مالك الاشتر ) عامله على مصر ان يعامل البشر على انه (( اما اخأ لك في الدين او نظير لك بالخلق )) . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) ان جمهور اهل العلم بالحديث قد حكموا على هذا الحديث بانه ضعيف من جميع طرقه ، الا ان ( المزي ) يقول ان للححديث طرقأ كثيرة ، ربما يصل بمجموعها الى ( الحسن ) ، وعن ( الذهبي ) انه روي من عدة طرق واهية و بعضها ( صالح )
ملاحظة / بالرغم مما احيط بهذا الحديث ، الا انه هناك ما يؤكد الاهتمام بالعلم عن طريق ( السياحة ) وذلك : ب ( استحباب الرحلة الى العلماء لطلب العلم و سؤالهم )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها