الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعتراف بالآخر... سيحرركم

نضال شاكر البيابي

2012 / 11 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن موقفاً نقدياً حذراً من الايدولوجيات، والمثل العليا، وأفكار الخلاص، يكشف بأن معظم ما نشتبه بأننا نراه، أو ندركه، في أنفسنا والآخرين، هو مجرد أوهام خالصة، أوهام وأفكار أنتجتها مصالح القوى المهيمنة على الواقع الاجتماعي. وكم للأوهام من إمكانيات إبادة، تكاد "تعادل إمكانيات أكثر الآلهة قسوةً".

ويكشف أيضاً، فيما يكشف، إلى أيّ مدى يخال إنسان وقع تحت تأثير الايديولوجيا، أوهاماً واقعاً وحقيقةً. أعني تلك الأوهام التي هي عبارة عن تسويغات ايديولوجية تضخ بها رؤوس الجماهير، لكي تصبح الأساس لما يدجنهم فيظنونه واقعاً وحقيقة، من أجل الحصول على خدماتهم أو الظفر بطاعتهم. الأوهام التي تهوّن أوجاعَ وانتهاكاتِ الواقع الاجتماعي وتسهم في تأبيده في آن. الأوهام التي تُقدم باعتبارها "الحقيقة المحرّرة"، وعلى محك التجربة العملية تبدو أنها ليست سوى نواة التبعية والاستعباد، أو بالأحرى نواة "الوعي الزائف". الأوهام التي تكبح قوى الفضول في داخل الإنسان، وتحول دون احتكاكه بالواقع/ الآخر، وتكوين صورة حقيقية عنه، لكي يظل أبد الدهر متقوقعاً في كهفه، خائفاً ومتوجساً من أيّ تواصلٍ مع "الآخر".

فأي وهم هذا الإنسان وأي فوضى؟ يتساءل باسكال، وأي ذات متناقضة، وأي أعجوبة، إنه "حاكم على كل شيء، ودودة أرضية غبية، وأمين على الحقيقة، وبالوعة من الشكوك والأخطاء، ومجد العالم وانحطاطه. فمن ذا الذي يفك هذا التشوش؟".

إنّ الذي يفك هذا التشوش هو فهم الإنسان المعقَّد التركيب، لكونه يضم في داخله سمات متناقضة، كل سمة تغدو نقيضة للأخرى، سمات تشكّلت عبر السيرورات البيولوجية والثقافية والاجتماعية والرمزية، الإنسان المتعدد داخل الواحد، والواحد داخل المتعدد- حسب تعبير موران، الإنسان العاقل والمعتوه، الساحر والعقلاني، الباني والهادم، المبدع والتابع، المنتج والمستهلك، الذهاني والعصابي، الشبقي والمتعفف، الواعي واللاواعي. لا أن نركن لقراءات اختزالية تبسيطية تمثلن الأنا، وتشيطن الآخر، قراءات تنطوي على تلك الثنائية البلهاء: إما أسود أو أبيض.

إنّ هذا الغوص في أعماق الإنسان السفلى يشي بأن لدى كل الناس نفس الدوافع اللاشعورية، لكنّ الفارق هو الظروف الاجتماعية المتباينة، التي تعزز دوافع وتكبح أخرى، بينما في الأصل النوعي ليس ثمة أبناء سادة/أحرار، ولا أبناء عبيد/ عوام ودهماء، حيث الكل سواسية على المستويين البيولوجي واللاشعوري، إنما الفارق الجوهري هو مؤثرات الظروف الموضوعية الخارجية، كالبواعث الاجتماعية والثقافية والتاريخية، مع الأخذ في الحسبان القابليات الوراثية، التي قد تَحدّ من بعض الدوافع، أو قد تكبحها تماماً، أو تحفزها. وكما يقول جلال الدين الرومي في عبارة خلاقة: اقترب أكثر، لتعرف أني.. لست سواك أنت.

إذن، الآخر هو النظير، حسب مقولة الإمام علي، وهذا يعني أنه يحمل في داخله ما نحمله من غرابة وتماثل، وكلما انغلقنا على ذاتنا صار الآخر أكثر غرابة عنّا، والعكس صحيح.

الاغتراب الذي جعل "الآخر/ المغاير" في مجتمعاتنا - التي يعوزها الوعي التاريخي، بمثابة غريب أبي حيان التوحيدي: الغريب من هو في غربته غريب. ولعل فكتور هيغو في السياق ذاته، عبر أبلغ تعبير حين وصف "الوحدة" بأنها تجسد الجحيم بأكمله، لأن اعتراف الآخر بنا، واعترافنا به كما هو لا كما نريد، هو صميم الحاجة الإنسانية لتأكيد الذات، ليكون الفرد موجوداً وجوداً فعلياً على نحو إنساني/ طبيعي، وهذا ما جعل ساتر يصرخ: بأن الجحيم هم الآخرون، وبدون هذا التأكيد والتحقق الذاتي نَهلك، أو نُهلِك، أو نتحوّل إلى مجرد مخلوقات فرانكشتاينية معاقة ومتألمة على الدوام.

نضال البيابي

السعودية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي