الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا الإصلاح والمجتمع المدني في السعودية : الجزء الثاني والأخير

نجيب الخنيزي

2012 / 11 / 13
المجتمع المدني


قضايا الإصلاح والمجتمع المدني في السعودية : الجزء الثاني والأخير

لا نستطيع تجاهل البواكير (قد تكون لا تزال جنينية ومتواضعة حتى الآن بالمقاييس العالمية) الأولى، لقيام مؤسسات المجتمع المدني في بلادنا، التي يمكننا الانطلاق منها والاستناد إليها وتطويرها وتعميمها، بما في ذلك سن وتطوير الأنظمة والتشريعات، التي تكفل حرية تأسيسها ونشاطها والانضمام إليها، دون أية معيقات إدارية وبيروقراطية أو اجتماعية أو أمنية على حد سواء. وعلى هذا الصعيد نشير إلى ضرورة الاستفادة من خبرة وتجربة الجمعيات (358 جمعية) والمؤسسات (34 مؤسسة) الخيرية والجمعيات التعاونية (153 جمعية) والجمعيات النسائية (35 جمعية) القائمة، وهي جمعيات أهلية متعددة الأغراض والمهام ولها دورها الملموس في خدمة المجتمع. كما وهناك غرف التجارة والصناعة، الأندية الرياضية، الأندية الأدبية، الجمعيات الثقافية، الجمعيات والمراكز الدينية والدعوية، مراكز الشباب، والجمعيات العلمية والمتخصصة مثل جمعيات المهندسين والصيادلة والمحاسبين والاقتصاديين، كما لا يمكن أن نقلل من أهمية ومغزى تأسيس بعض الجمعيات المهنية والحقوقية، في السنوات القليلة الماضية ، وان كانت لا تزال متواضعة ،مثل هيئة الصحفيين السعوديين (2003 ) والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية (2004)، والسماح في عام 2004 للعمال في المنشآت التي يزيد عددهم فيها على المائة عامل، تشكيل لجان عمالية فيها، غير ان معظم تلك التشكيلات لا تزال لأسباب وعوامل مختلفة، تفتقر أو لم تستكمل بعد، معايير ومواصفات مؤسسات المجتمع المدني، وخصوصا لجهة تبعيتها المباشرة أو غير المباشرة لهيئات وجهات رسمية أو لوجود إشراف وتدخل مباشر من قبلها، رغم ان حيز نشاطاتها في الغالب هو المجتمع المدني، الذي يتمايز بالضرورة عن المجتمع السياسي. من هنا نرى ضرورة الإسراع في إصدار نظام الجمعيات والهيئات الأهلية الذي أنهى مجلس الشورى مناقشته في ديسمبر 2007 وتم رفعه إلى مجلس الوزراء لإقراره ، باعتباره خطوة مهمة على صعيد تعزيز العمل المدني المؤسسي واستقلاليته ، رغم بعض السلبيات التي اكتنفت إصداره ، حيث جرى استبعاد مشاركة المكونات الاجتماعية والثقافية والفكرية والمهتمين بالشأن العام والقضايا الحقوقية في بلادنا في مناقشة أو اقتراح تعديل بعض بنوده ، والتي تتعارض مع الاستقلالية التامة لمؤسسات المجتمع المدني . مع أهمية وضرورة إقرار الأنظمة والتشريعات الحكومية على هذا الصعيد، غير انه لا يكفي لوحده، إذا لم يعزز بنشر وتعميم وترسيخ الثقافة المدنية ، و مبادئ حقوق الإنسان ، وتأكيد التعددية ،واحترام حق الاختلاف لدى المجتمع ، و الذي لا يزال تسوده ثقافة أبوية / ذكورية و يتحكم فيه لأسباب تاريخية وموضوعية الموروث القبلي والمناطقي والمذهبي على صعيدي الممارسة والوعي الاجتماعي السائدين، مما جعل ثقافة وممارسات المجتمع المدني متدنية وهشة وضعيفة، إن لم تكن معدومة الجذور في مجتمعنا المحافظ وثقافتنا التقليدية، وبالطبع كل ذلك ينعكس بالضرورة على غالبية المرافق والأجهزة الحكومية البيروقراطية. وهنا تقع مسؤولية كبيرة على وسائل الإعلام (المقروء والمسموع والمرئي) و مناهج التعليم ، و دوررجال الدين، وكذلك الجمعيات والهيئات (المشرعة رسميا) والمنتديات والديوانيات الاجتماعية والثقافية " الأهلية " ومواقع الشبكة العنكبوتية، وغيرها من المناشط الاجتماعية والثقافية القائمة. وقبل كل شيء هو مدى تحقق وتشكل مؤسسات المجتمع المدني المستقلة على أرض الواقع .
لا نستطيع إغفال بعض الخطوات المهمة التي تحققت ، في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتبنيه لعناوين الإصلاح و الشفافية والمصارحة إزاء العديد من القضايا والمشكلات الجدية التي تواجهنا، ونذكر من بينها إقامة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ( 2004 )، الذي نظم العديد من الفعاليات والدورات للحوار والنقاش الصريح، بين ممثلي المكونات الاجتماعية والمذهبية والثقافية المختلفة في بلادنا، وخرج بتوصيات مهمة غير أنه لم يجر تفعيلها على الصعيد العملي ، وكذلك معاينة التحسن النسبي في ارتفاع منسوب حرية التعبير والرأي والفكر، وخصوصا على صعيد الصحافة والإعلام في السنوات القليلة الماضية ، لكن في المقابل نشهد تراجع على هذا الصعيد في الآونة الأخيرة والذي عبر عنه نظام المطبوعات والنشر المعدل الصادر في شهر حزيران / يونيو 2011 ، و الذي أشتمل على عقوبات قاسية كالسجن والغرامة المالية لكل من ينتقد كبار العلماء وموظفي الدولة ، والأمر ذاته ينطبق على ما جاء في مشروع مكافحة الإرهاب والذي يحمل في طياته تضيقات على حرية الرأي والنشر والتجمع والتظاهر السلمي . لا يمكن تجاهل بعض الخطوات الإيجابية التي تحققت على صعيد حقوق المرأة نذكر من بينها ما جاء في خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز لدى افتتاحه لأعمال مجلس الشورى لعام 2011 حول إشراك المرأة في عضوية مجلس الشورى في دورته القادمة وحقها في الانتخاب والترشح في انتخابات المجالس البلدية مستقبلا . لكن في المقابل نجد بأن القضاء أمر بجلد امرأة في جدة في نفس الأسبوع، لقيادتها السيارة ( ألغي الحكم بقرار من الملك ) . بوجه عام نرى وتيرة الإصلاح ، وفي مفاصله الأساسية ، لا يزال يراوح مكانه ،ويكتنفه العديد من التناقضات والعقبات والمعوقات الجدية . ونذكر من بينها دور البيروقراطية الحكومية ، وخصوصا تلك الفئات ذات المصالح والامتيازات غير المحدودة ، إلى جانب تجاهل أو رفض وممانعة أطراف نافذة في الدولة ، و معها قوى اجتماعية ودينية محافظة لها سطوتها ونفوذها القوي على صعيدي الدولة والمجتمع ، حيث تسعى تلك المجاميع وفقا لمصالحها ، لفرض استمرار الذهنية والأساليب والممارسات القديمة، وهو ما يفسر عداءها و مناهضتها لفكرة الإصلاح الحقيقي والشامل ، والذي يتطلب في المقام الأول ، قيام دولة القانون والمؤسسات الدستورية ، المستندة إلى مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وتحقيق المشاركة الشعبية الكاملة في اتخاذ القرار ، من خلال اعتماد مبدأ الانتخاب الحر والمباشر لمجلس الشورى ، والمجالس المحلية والبلدية ، وغيرها من المرافق والمؤسسات ذات العلاقة بالمواطنين . الأمر ذاته ينسحب على الموقف من وجود مؤسسات مستقلة للمجتمع المدني، تتكامل موضوعيا مع الدولة، وتكون رافدا ومعينا لها، في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية المحدقة كافة، وخصوصا من خلال العمل على تثبيت وترسيخ الوحدة الوطنية والمجتمعية، كما تكون داعما ومشاركا، في عمليتي التنمية المستدامة والإصلاح الشامل. مؤسسات المجتمع المدني، إذ تتمايز عن مؤسسات المجتمع الأهلي من جهة، وعن المجتمع السياسي ( الدولة ) من جهة أخرى، إلا إن ذلك لا يعني ولا يتطلب على الإطلاق وجود تناقض أو صراع تناحري ومحتدم وينعدم فيه التعايش والحوار السلمي بينهما.
لذا ينبغي العمل على تبديد الالتباس، وتجاوز حالة الشكوك المتبادلة إن وجدت، والعمل على صياغة رؤية ومشروع إصلاحي حقيقي وشامل يعمل على تعزيز الوحدة الوطنية ، و يطال شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وينطلق من الإقرار بقاعدة ومشروعية التنوع والاختلاف، واحترام تعدد الهويات والمكونات الاجتماعية والمذهبية والثقافية ( تحت خيمة الوطن ) ، والقبول بتعدد قراءات الواقع، والتعايش والقبول بالآخر المختلف، وذلك من خلال تأكيد مفهوم المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات و وترسيخ قيم العدالة والحرية و التسامح والتعددية، وهو ما يتطلب إطلاق الفعل الثقافي والتنوير والعقلانية كرافعة لمؤسسات المجتمع المدني المرتبطة ببيئتها التاريخية والثقافية والمجتمعية . و على هذا الصعيد يتعين استبدال الحلول السياسية ، بالحلول الأمنية ( التي ثبت فشلها في كل مكان ) في مواجهة الاحتقانات الاجتماعية والطائفية والمطلبية ، التي تشهدها بعض مناطق المملكة ، ومن بينها بعض مدن المنطقة الشرقية التي يتمركز فيها الشيعة. المثل العربي يقول بقاء الحال من المحال . اننا نعيش مرحلة جديدة هي بحق مفصلية وحاسمة في حياة بلدنا ومجتمعنا كما هو الحال مع البلدان والمجتمعات العربية الأخرى التي باتت تقف أمام مفترق طرق . هذه المرحلة يمكن اختزالها في عنوانين أو شعارين لا ثالث لهما ، وهما : أما الإصلاح الحقيقي والشامل ( الشعب يريد إصلاح النظام ) ، أو الثورة ( الشعب يريد إسقاط النظام ) . التجربة العيانية لثورات وانتفاضات الشعوب العربية ، تؤكد إن أي نظام يضن أو أو يتوهم أنه سيكون منيعا ، و بمأمن ، ومنأى من تداعيات إعصار الربيع العربي ، تحت دعاوى زائفة عن الخصوصية الوطنية أو الاجتماعية أو الدينية ، سرعان ما جرفه أو ستجرفه حركة الجماهير، وهو ما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن، وما هو حاصل الآن في سوريا والبحرين والكويت ، وغيرها . وهو ما سيحصل بالتأكيد في بلدان عربية أخرى إن لم تتدارك أنظمتها الوقت لتلبية المتطلبات والاحتياجات الملحة و العادلة لشعوبها في العيش بحرية وكرامة ومساواة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل


.. وزير الخارجية الأردني: نطالب بتحقيق دولي في جرائم الحرب في غ




.. نتنياهو: شروط غانتس تعني هزيمة إسرائيل والتخلي عن الأسرى


.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأونروا: 160 موقعًا أمميًا دمرته




.. الصفدي: الأونروا ما زالت بحاجة إلى دعم في ضوء حجم الكارثة في