الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يتلاعبون حتى في أحكام الله

وليد الحلبي

2012 / 11 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يتلاعبون حتى في أحكام الله
وزع السيد نهاد كامل محمود رسالة مطولة يحاول فيها أن يثبت أن الخمر ليس محرماً شرعاً في الإسلام، وقد ساق للتدليل على صحة وجهة نظره مجموعة من الآيات الكريمة، شرحها بطريقته الخاصة، والتي بدت في بعض مظاهرها مضحكة وسطحية وساذجة (كتفسير "فاجتنبوه"، أي تحل الخمرة إذا وضعت كأسها بجانب الشارب وليس أمامه، هكذا فهمت منه).
وبداية، فإن جميع المناصب والمهام التي تسلمها المذكور، والتي ذيلها باسمه وهي بالعشرات، ليس فيها أية إشارة إلى دراسته العلوم الشرعية، بل هو يتباهى بعناوين براقة ليخدع بها القاريء، ويقيني أن الآية الكريمة التالية تنطبق عليه إلى حد كبير (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد – الشورى 16).
ومن ملاحظاتي على ما ذكره:
1- يبدو أنه لا يعلم شيئاً عن تدرج التشريع في القرآن الكريم، والذي في بعض مظاهره يبدو مسايراً للفطرة الإنسانية التي ترفض الأمر القاطع، والنهي الرادع، خاصة وأن الإسلام كان جديداً على قلوب المؤمنين الأوائل، وحيث كانت عندهم عادات جاهلية تأصلت فيهم على مدى مئات السنين، كما وأنه، لجهله بتدرج التشريع، تراه يقدم آية مدنية على أخرى مكية، متجاهلاً الفاصل الزمني بينهما، وأيهما السابق وأيهما اللاحق.
2- يبدو كذلك أنه لا يعرف شيئاً عن الناسخ والمنسوخ، والذي أكده الله تعالى في كتابه الكريم عندما قال (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير – البقرة 106-)، فما باله يجعل الحديث عن الناسخ والمنسوخ محرماً.
3- آتي الآن إلى تفنيد تفسيره الملتوي للآيات التي استشهد بها على مزاجه، وحسب رؤيته التي ترى أن الخمر مباح، ومن حيث المبدأ أنا – وغيري بالطبع – ليس مخولاً انتقاده إن كان يشرب الخمر أم لا، فهذا شأنه، أما أن يوحي إلى الناس، خاصة الذين لم يطلعوا على القرآن الكريم، بأن الخمر حلال، فهذا ما سأحاول دحضه:
أ‌- الآية 67 من سورة النحل (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقا حسنا)، فهذه الآية مكية، أي من أوائل الآيات التي ورد فيها ذكر الخمر، وقد كانت العرب تسميها (سكر)، والآية هنا تقرر أمراً واقعاً كان عليه العرب قبل نزول القرآن الكريم، وتقرير الواقع الذي كان لا يمكن فهمه على أنه إباحة، بل هو مجرد تقرير لأمر يعرفه كل الناس. وعليه لا يمكن عقلاً أن يفهم من هذه الآية تحليل للخمر، بل إنها توصيف لما كان عليه عرب الجاهلية.
ب‌- انظر للتدرج اللطيف في التشريع هنا أيضاً، فعندما أراد المؤمنون الأوائل معرفة ما يجوز وما لا يجوز لهم فعله في أمور دنياهم وتصرفاتهم، بعد أن ترك الوحي لهم أمر ذلك، ولكي لا يخبرهم ما لا يحبون، نزلت الآية الكريمة (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما – البقرة 219-)، فلو قال لك أحدهم: لو أكلت هذا الطعام قديم الطهي لكنه لذيذ الطعم، فالأرجح أنه سيضرك، هل تقدم على أكله، أم يرجح عقلك – إن كان منطقك سليماً – عدم الاقتراب من هذا الطعام؟. والإثم في النص المقدس يراد به تحليل المحرم، كما في آية تحريم اللحوم (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم – البقرة 173-)، أي أن المضطر إلى أكل ما سبق تحريمه في حالة الخشية من الموت جوعاً، فإنه لا يأثم، بمعنى أن أكلها في غير ضرورة هو إثم أي حرام. نعود إلى الآية السابقة (وإثمهما أكبر من نفعهما) أي أن حرمتهما – الخمر والميسر – أكبر بكثير من نفعهما، والذي هو كسب المال، أفلا يحمل ذلك معنى التحريم؟. لاحظ في الآيتين السابقتين حول "الخمر والميسر" و"النخيل والأعناب" أنها لم تبدأ بمخاطبة (يا أيها الذين آمنوا)، إذ لم يكن الإيمان قد رسخ في نفوس الناس حتى يخاطبهم الله بهذه العبارة، بينما سنرى لاحقاً كيف أن الآيات التي قطعت بالتحريم تبدأ بـ (يا أيها الذين آمنوا).
ت‌- الآية 43 من سورة النساء، وتبدأ بمخاطبة المؤمنين (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون). في تفسيره الملوي العنق يبيح المتفيقه المحترم شرب الخمر إلى حد السكر شرط عدم الاقتراب من الصلاة في حالة السكر. وهل سأل الرجل نفسه: متى تكون جلسات القصف والسكر؟، طبعاً ليلاً، وهل يتمكن شارب الخمر حد السكر أن يصحو لأداء صلاة المغرب والعشاء؟، هنا أيضاً فاتته حكمة التدرج، فالمسلمون الأوائل وقد تعلقت قلوبهم بالصلاة، فقد وضع لهم الوحي شرط عدم الاقتراب منها وهم سكارى، ووضعهم على الاختيار: هل يسكرون؟،أم يصلون؟، وجواب المؤمنين لا شك كان واضحاً: الصلاة، ولتذهب الخمر إلى الجحيم، وفي هذا قمة التدرج والتلطف مع مؤمنين حديثي العهد بالإسلام.
ث‌- عند ذكره الآيتين 90/91 من سورة المائدة، شعر المتفيقه بحرج موقفه، لكنه استمر في تجاهل الحكمة من النص، فاجتزأه وبقي على عناده رغم وضوح التحريم وضوح الشمس في رابعة النهار، ولنستعرض الآيتين المذكورتين لمعرفة الحقيقة، والتي تبدأ كذلك بمخاطبة الذين آمنوا: ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون). المتفيقه المحترم فسر كلمة "فاجتنبوه" بشكل سخيف مضحك، بحيث يفهم منه بأنها تعني (وضع كأس الخمر جانباً) وذلك عندما يشبه ذلك بوضع السلاح جانباً، وهو يخلط بشكل مريع بين (المجانبة – أي السير بجانب) و (الاجتناب – أي الابتعاد عن)، والفرق بينهما واضح جلي، كما أن لجوءه إلى حصر التجنب برجس الشيطان وليس بالخمر والميسر والأنصاب والأزلام، أيضاً سخيف وغير موفق، كما أنه لم يفطن إلى أن أمر الاجتناب يحمل معنى التحريم، ولو قرأ الآية التالية لعلم ذلك:( (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور – الحج 30 -)، هنا يأمرنا الله تعالى باجتناب الأوثان وقول الزور، ويصف الأوثان بأنها "رجس" كما وصف الخمر، فهل بعد هذا من دليل لكي يقتنع؟، حسن، هنا دليل آخر: يقول الله تعالى في الآية 145 من سورة الأنعام: ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به)، ألا نرى أن لحم الخنزير قد وصفته الآية بأنه رجس وهو محرم، وطالما أن الخمر رجس كذلك فهي محرمة بالضرورة لاشتراكها مع محرم (لحم الخنزير) بوصفهما رجس، ولو تابع في الآية التالية لوجد (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)، والكلمة الأخيرة المتضمنة أمر النهي يبدو أنه قد تجاهلها تماماً، فالنهي هنا يحمل معنى التحريم بشكل لا لبس فيه، حيث يأمر الله تعالى أهل الكتاب أن يتوقفوا عن قولهم إن المسيح ثالث ثلاثة، ثم يحذرهم بقوله ( ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم – النساء 171 -) أفلا تعني "انتهوا" هنا معنى التحريم.
غير أن الهروب الكبير للمتفيقه كان من الدليل القاطع بتحريم الخمر، وذلك عندما حرمت الأنصاب والأزلام في الآية رقم 3 من سورة المائدة ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلك فسق)، فالأزلام والأنصاب محرمة هنا بشكل لا لبس فيه، وبالتالي فالخمر المقترنة بالأنصاب والأزلام بحرف العطف (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) هي محرمة بشكل مؤكد قاطع لا لبس فيه.
ثم: كيف ينسى، بل يتناسى صاحبنا أن السكر بتناول الخمور هو واحد من أهم دوافع ارتكاب الجريمة، فاختلال العقل يزين للسكير ارتكاب أي فعل مهما كان قبيحاً وهو تحت تأثير المسكر، أفلا يكون هذا موجباً لتحريمه حماية للنفس البشرية من الإزهاق.
ختاماً: لا شك أن كل امريء حر بما يفعل (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، ولكن لي أعناق الآيات، واستنتاج ما يرغب المرء في تحليله لنفسه، لا ينبغي أن يرسل إلى الآخرين على أنه الحقيقة الثابتة، فذلك هو الحرام بعينه.
وليد الحلبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من زمان
عبد الله اغونان ( 2012 / 11 / 13 - 22:08 )
سيد وليد حلبي
شكرا على هذا التوضيح لقد أبلغت في الرد
تعبنا من المناقشات معه في هذا الموضوع دون جدوى
انها ظاهرة ليست خاصك به تجد في هذا الموقع المدعو مصطفى راشد يقول بأنه من عملاء الأزهر يحل الخمر والخنزير بلي الأيات والأستاذ ناهد هو أول من استشهد به
في كون الخمر حلال
راجع موقعه وتدخلاتنا في الموضوع
نسأل الله لنا وله الهداية


2 - اذا كان السعودى بيشرب خمر عندما يذهب الى مصر ..
حكيم العارف ( 2012 / 11 / 14 - 05:20 )

ممارسة الدعارة فى مصر

http://www.islameyat.com/post_details.php?id=5028&cat=28&scat=27&

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah