الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لوح بابلي..حوار السيد و العبد

يوسف رزين

2012 / 11 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات





هذا حوار لسيد و عبده انحدر إلينا من بابل القديمة ( نحو الألف الأول قبل الميلاد) لكاتب مجهول . و هو يعكس حيرة السيد و قلقه و علاقته العضوية و الجدلية مع عبده و كيف أنها لا انفصام لها .

- أيها العبد . أنصت إلي
- هاأنذا يا سيدي . هاأنذا
- أسرع و أحضر المركبة و أعدها لأذهب إلى القصر
- اذهب يا سيدي . اذهب ، سأكون تحت تصرفك .
- لا أيها العبد . لن أذهب للقصر .لن أذهب أبدا .
- لا تفعل يا سيدي . لا تفعل . ربما تسير في طريق لا تعرفه . و ربما تندم على ذلك ليل نهار .
**********
- أنصت إلي أيها العبد .
- هاأنذا يا سيدي ، هاأنذا
- أسرع بإحضار الماء لأغسل يدي حتى أتناول غذائي .
- تغذ يا سيدي . تناول طعامك مرة و مرة ، فذلك يريح الذهن من متاعبه ،
و "شمش" نفسه يرعى من يطهر يديه .
- لا يا عبدي . لا لن آكل . لن أغسل يدي .
- لا تأكل يا سيدي . لا تأكل .
الجوع و الأكل . العطش و الشرب . ماذا أفاد منها الإنسان ؟
**********
- أيها العبد . أنصت إلي .
- هاأنذا يا سيدي . هاأنذا .
- قررت أن أكون أسرة و أنجب أطفالا .
- افعل يا سيدي ، و ليكن لك أطفال .
- إن البيت سيسمى الفخ . و الإنسان الذي يتزوج يلقي بنفسه بين أحضان جلاده
و لا بد أن يستسلم و يرضى .
- إذن فاستسلم يا سيدي . كون أسرة و ابن بيتا.
- لا..لن افعل . لن أبني بيتا.
- لا تفعل يا سيدي . لا تفعل . فمن يسر على هذا الطريق يهدم بيت أبيه.
**********
- أنصت يا عبدي ..أنصت .
- هاأنذا يا سيدي . هاأنذا .
- سأقود ثورة .
- قد ثورة يا سيدي . إنك إن لم تفعل فمن أين تأتي بملابسك ؟ من يساعدك على ملء بطنك ؟
- لا يا عبدي . لن أقوم بثورة . لن أقوم . لن افعل أبدا .
- لا تفعل يا سيدي . لا تفعل . فالثائر إما أن يقتل أو يسلخ جلده أو تسمل عيناه
أو يلقى القبض عليه أو يرمى في السجن .
**********

- أنصت يا عبدي .. أنصت .
- هاأنذا يا سيدي . هاأنذا .
- سأعشق امرأة يا عبدي .
- اعشق يا سيدي . اعشق. فالعاشق ينسى الحزن و يطرد خوفه .
- لا يا عبدي . لن أعشق امرأة .
- لا تعشق يا سيدي . لا تعشق .فالمرأة جحر أو حفرة . هاوية ، فخ ، مصيدة .
المرأة خنجر حديدي مسنون يقطع رقبة الرجل .
**********
- أنصت يا عبدي .. أنصت . أسرع أسرع . أحضر ماء لأغسل يدي حتى أضحي لإلهي.
- ضح يا سيدي . ضح و قدم قربانك لإلهك . إن من يقدم الأضاحي لإلهه سيسر للصفقة التي يقوم بها ، إنه يبادل قرضا بقرض ، و يرد دينا بدين .
- لا يا عبدي . لن أضحي لإلهي .
- لا تضح يا سيدي . لا تضح . على إلهك أن يسعى وراءك كالكلب سواء سألك أن تقدم له الطقوس أو طلب منك أن تؤدي له الفريضة أو أي شيء آخر .
**********
- أنصت يا عبدي .. أنصت .
- هاأنذا يا سيدي . هاأنذا.
- سأقرض الناس يا عبدي .
- أقرض يا سيدي . أقرض .فالمقرض يبقى قمحه هو قمحه و يربو مكسبه .
- لا يا عبدي . لن أقرض أحدا. لن أفعل هذا أبدا.
- لا تفعل يا سيدي . لا تفعل . فالإقراض كالعشق . و استرداد القرض مثل إنجاب الأطفال . سيأكلون قمحك و يصبون اللعنات عليك . و يسلبونك الفوائد التي جنيتها.

**********
- أنصت يا عبدي .. أنصت .
- هاأنذا يا سيدي . هاأنذا.
- سأتصدق بالطعام على أهل قريتي الفقراء .
- تصدق يا سيدي . تصدق . من يتصدق يزدد محصوله في الغلة .
- لا يا عبدي . لن أتصدق على فقراء القرية .
- لا تفعل يا سيدي . لا تفعل .سيأتون على قمحك ثم يصبون اللعنات على رأسك .

**********
- أنصت يا عبدي .. أنصت .
- هاأنذا يا سيدي . هاأنذا.
- سأقدم خدمة إلى بلدي .
- قدم يا سيدي . قدم . من يفعل ذلك يبارك مردوخ عمله .
- لا يا عبدي . لن أقدم خدمة إلى بلدي .
- لا تفعل يا سيدي . لا تفعل .اصعد فوق أكوام الخرائب و تمش هناك و انظر إلى جماجم الأعلين و الأدنين . من كان الظالم منهم و من المظلوم ؟ من كان الشرير
و من كان الطيب ؟

**********
- أنصت يا عبدي .. أنصت .
- هاأنذا يا سيدي . هاأنذا.
- ما الخير إذن ؟
- الخير ؟ أن يدق عنقك و عنقي . الخير أن تلقى في البحر و ألقى فيه. من ذا الذي طالت قامته حتى صعد إلى السماء ؟ من ذا الذي اتسع منكباه حتى احتضن العالم السفلي ؟
- لا يا عبدي . سأقتلك و أرسلك أنت أولا إلى هناك .
- لن يحتمل سيدي العيش بعدي ثلاثة أيام.

**********


من خلال هذا الحوار نكتشف أن السيد غير مرتاح في سلطته المطلقة و أن عدم وجود سلطة معارضة له تجعله متوترا و ملولا . و هو ما ينقل صورة عن طبيعة المجتمع الاستبدادي . فالعبيد يعانون من البؤس و الأسياد يعانون من الملل ، ولهذا حينما يسأل السيد خادمه ما الخير ؟ يجيبه بأن الخير هو أن يموت السيد و العبد معا . بمعنى اختفاء هذا النظام الذي يقسم الناس إلى سادة و عبيد و نشوء نظام قائم على المساواة . فنظام قائم على المساواة هو الكفيل بتحقيق المطلق أو الامتلاء
أو ما عبر عنه العبد بالعلو حتى السماء و احتضان العالم السفلي .
لكن السيد سيقرر أن يقتل عبده ، فما كان من العبد إلا أن أخبره بحكمة أخرى و هي أنه سيموت بعده بثلاثة أيام . لأن العبد هو من يحمل عالم السيد على أكتافه فإذا اختفى العبد اختفى معه هذا العالم و سيده .



_________________________

المرجع : د. عبد الغفار المكاوي .جذور الاستبداد ، قراءة في أدب قديم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة