الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لا ننسج جوارب-للعقول-!

ابراهيم ازروال

2012 / 11 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لعل من ميزات عبد الله العروي ، جمعه بين النظرية وبين الانشغال بقضايا الواقع المغربي تخصيصا والواقع الإقليمي و العالمي تعميما .المزج بين النظري والعملي ، يمنح العمل الفكري الحيوية التاريخية ، والدينامية الفكرية ، الجديرتين بمنجز فكري ، منغرس ، جذريا ، في "أرض" الواقع وفي" سماء" النظرية .

(أحاول دائما ، في ما يخصني ، أن انطلق مما يحيط بي ،و إن انتهيت إلى عبارات وتحليلات بالغة التجريد ، لأن هذا هو أسلوبي في الكتابة ، ولكن الدافع عندي هو دائما تجربة أعيشها في الشارع المغربي .فمساءلتي الأولى للواقع الاجتماعي ، ثم للمفاهيم في أعلى مستويات التجريد ، ثم أخيرا في تطبيق الثانية على الأولى للوصول إلى حكم هادف . )
(-محاورة فكر عبد الله العروي – جمع المقالات ورتبها : بسام الكردي – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – الطبعة الأولى -2000-ص.20) .

بهذا المزج ينفتح الباحث على "المثقفية" ، ويستحيل المنجز البحثي ، إلى كتابة مترعة بأسئلة الواقع الإشكالية .إلا أن الملاحظ ، أن ثمة باحثين ، انحصروا في حيز "البحثية" الصرف ، دون أي انشغال بالأسئلة الاجتماعية والسياسية والثقافية ، الحارقة ، وتحولات الاجتماع المغربي والدولي ، خصوصا بعد انكسار الجدار البرليني وريح التغيير العولمي .
ثمة سؤال عن تعفف بعض الباحثين المغاربة عن "المثقفية " ، أي عن التدخل الاستراتيجي ، في الشأن العام ، دفاعا ، عن الخطاب والممارسة المعليين للوجود والمدافعين عن الاختيار الأسمى والأرقى ثقافيا وسياسيا .الواقع أن بعض الباحثين ، استمرأ المواقع البحثية ، النظرية المحضة ، ولا يتفاعل ، مع القضايا ومع المعتركات الحياتية والوجودية ، إلا تعاليا أو عرضا . الاشتباك بالراهن ، بالسيرورة في احتراقات وقودها ، واشتعال أتونها ، مما لا يتقبله "العقل" البحثي الرصين ، المنشغل بالمفاضلة بين الأدلة ، أو بين الاستدلالات ، أو تخير أفضل المناهج النقدية للكشف عن مخفي النصوص وعن مجهول البيانات أو عن النظريات التفسيرية ذات الكفاءة التفسيرية الكبرى ؟
لماذا يستنكف الباحثون إذن ، عن الاشتباك ، بالتاريخ ، بالديناميات الظاهرة والكامنة ، مغربيا ودوليا ؛ والانخراط ، في التقاليد الفكرية ، المزدانة بالانهمامات "الثقافية " الظاهرة؟ .اشتباك النظري بالعملي ، التاريخ بالنظرية ، المنحى الشخصي بالسيرورة التاريخية ، هو مما يمنح الممارسة البحثية بعدها الأصيل، تحقيقا ، أي بعدها التاريخي . أما الممارسة البحثية الغارقة ، في التأنق المعرفي وفي التحذلق المنهجي وفي الاستعراضات التجريدية ، المنفصلة، عمقيا ، عن حيثيات وديناميات الواقع المتحول ، فمما لا يمكن التأكد من أصالته ولا من جدارته الفكرية، لا الآن ولا مستقبلا .
ما معنى أن نخصص دراسات متناسخة ، متضاربة المنهجيات ، متعارضة المقاصد ، متخالفة الاستراتجيات ، للرشدية أو للخلدونية أو للشاطبية من جهة أو للهايدغيرية أو للفوكولدية أو للهابرماسية من جهة أخرى ، هنا والآن ، في غياب أي استثمار عملي لها في واقعنا الراهن ؟
هل يمكن استعمال المفاهيم الخلدونية أو التصورات الرشدية أو المقاصد الشاطبية أو العرفان الأكبري، في فهم أو تأويل النسق الاجتماعي أو الثقافي المغربي ، راهنا أو مستقبلا ؟ هل تضمن البراعة البحثية في الرشديات أو في الخلدونيات أو في الغزاليات ، إمكان صمود النتائج البحثية ، مستقبلا ، علما أن تطور البحوث والنظريات والمناهج ، كثيرا ، ما أحال بعض الدراسات ، في الشرق والغرب على حد سواء ، إلى النقود التاريخية ذات القيمة" الوثائقية "لا غير ؟
(أما هؤلاء العلماء فينعمون بالبرودة ويتفيأون الظل ، ويكتفون في كل الأمور بأن يكونوا مجرد متفرجين ، ويحذرون الجلوس حيث الشمس تلفح المراقي .
ومثل أولئك الذين يقفون في الطريق فاغرين أفواهم ليرقبوا المارة ، كذلك ينتظر هؤلاء وينظرون فاغرين أفواههم إلى الأفكار التي أنتجتها عقول الآخرين .
و إذا ما أمسكنا بأيدهم تطاير منها الغبار ، رغما عنهم ، مثل أكياس الدقيق ، ومن سيحرز أن غبارهم مصدره القمح وحبور الحقول الذهبي إبان الصيف ؟ ) .

(-فريدريك نيتشه-هكذا تكلم زرادشت –ترجمة وتقديم : محمد الناجي – أفريقا الشرق –الدار البيضاء -2006-ص.115-116) .


تقتضي الممارسة الثقافية ، إذن تعريض النظريات والمفاهيم ، لنار التاريخ ولوهج الواقع ؛ أما الممارسة التقنية البحثية ، المعزولة عن أية ممارسة ثقافية ، فتفقر ، لا للديناميات التاريخية ، في هذا المنعطف الحاد ، بل تصيب "النظري " نفسه بالضمور .
الكتابة مستويات والخطاب أصناف ، كما في التوضيح الرشدي والممارسة الحنفية ( حسن حنفي ) ؛ وعليه ، فليس الباحث ملزما بالتزام نفس التدليلات أو التمثيلات أو البراهين ، في كل المواقف والمواقع ؟ثمة مرجعيات تسري كالدم في جسد النص ، وثمة مرجعيات يحملها النص كزوائد على الأطراف.حين تبتلع الهوامش المتون ، فتلك علامة ، على قلة النسغ التاريخي أو الوجودي في المكتوب ، وكثرة" الصقالات "المساعدة على ترميم ما اخترمته يد الصياغة وإعادة الصياغة في ليل البحث البهيم .

أين المثقف ؟
ما موقف المثقفين من المستجدات الوقتية ومن التحولات الحادثة ، المفاجئة طورا والصاعقة طورا آخر ؟ كيف "اختفى" المثقفون من المشهد ، وظهرت بدائل ، أخرى، وخطابات راجعة إلى ما قبل المثقف الفولتيري أو السارتري ؟
أسئلة تواتر طرحها ، كلما ظهرت محدودية ،التوضيحات والتعليلات المقدمة ، من قبل المنشغلين الأبديين بالوقتي ، بالعرضي أو بالمدد القصيرة ( خبراء العلوم السياسية / الصحافة/التنشيط الثقافي ...الخ) ، دون حمولة نظرية ولا شبكات فهم مدارة بدراية ؟
السؤال الحقيقي ، في اعتقادنا ، هو التالي : لماذا لا ينتقل بعض الباحثين من إطار "البحثية " إلى إطار "المثقفية " ؟ لماذا لم يتمكن الباحثون ، من صياغة بحوثهم التقنية ، صياغة واقعية ؟
هل تكفي البراعة البحثية ، أو التقنية ، في الفلسفة الإسلامية أو في الفلسفة الغربية ،مثلا، لخلق مفكر أو لخلق مثقف يشتبك بنيران المفاهيم والدلالات في عالم قلب مثل عالمنا ؟
ما معنى أن تنجز بحثا عن كانط أو عن هيجل أو هيدغر أو عن ابن عربي أو الحلاج أو السهروردي ، في مغارب الألفية الثالثة ، إذا كنت عاجزا عن "مغربة "المقروء ، أي عن تصييره علامة من علامات جغرافياتك الخاصة أو موشورا أو بوصلة للتوجيه ، في مفازات التاريخ الحديث والمعاصر ؟ ألا تقود فتنة التأويل بله شرنقة التأويلانية إلى تجميد "المتخيل البحثي" ، وتجفيف احتمالية النص ودينامياته المتجادلة وتناغمه أو تعارضه مع مجرى الوقائع في اليومي الهادر ؟ ألا تكمن قيمة المقروء في التجادل الخلاق بين الواقعات وكيمياء الخطاب ؟ ألا تقود المعارف الورقية ، أحيانا ، إلى الانقطاع عن سيل ودفق ، السيرورة ، وعن حرارة المعرفة الصاعدة من رحم النظريات وهي تشق دروبها الصعبة بين صواعق وبوارق التاريخ الحي ؟
ما معنى الانهمام بالمنطق والمناظرة والجدال ، إذا كنت عاجزا عن مداورتها ، وتوظيفها ،توظيفا ملائما للتحولات الفكرية والتقانية ، وممارستها عمليا في النقاش العمومي ، دون متعاليات أكاديمية أو امتيازات سوسيولوجية ؟
ما معنى التنظير للمناظرة ، في عالم ، التخصص البحثي ، والتعالي عن "المثقفية " ، أي عن المشاركة الفكرية " في النقاشات والتداولات العمومية ، والدفاع المبرهن عليه ، على القيم وعلى المسلكيات" الايجابية"، فكريا أو ايطيقيا أو اقتصاديا ، في عالم العولمات المعممة والينبوعيات المعصرنة ؟ما معنى التنظير للمناظرة ، والتشبث بطريق العرفان ، مع أن التداول العصري ، تداول لا عرفاني أساسا ؟من سنناظر، إذا أغلقنا منابع الحجاج ، وأكدنا شروط "المريدية "، وألغينا موجبات العقل التواصلي ؟
ما معنى الانكباب على "الحجاج " الآن ، مع انحصار الباحثين في " البحثية " ، وقلة اندماجهم وانخراطهم في الشؤون الجماعية ؟
أليس الاعتصام بقلاع ، البحثية ، دليلا ظاهرا ، عن قصور بين في تتبع النسغ التاريخي في مجريات النصوص والخطابات أولا ، وعن الافتقار إلى براعة التطويع وإعادة الصوغ وإعادة التنسيق وحسن التنزيل الإبستمولوجي للحداثة المستعصية ثانيا ؟
هل تكفي البرودة الإبستمولوجية ، لمواجهة ، رياح التاريخ ، وتصيير الباحث التقني مفكرا ؟
مهمة الباحث "اللامنتمي "، أصعب راهنا .فهو ، يتنكب طريق "المثقفية "، وهو غير متيقن ، من احتياز صفة "المفكر "، بالنظر إلى نقص ، تقني في العتاد، والى غياب المجاري والمنحنيات الحداثية في التاريخ الجماعي ؟

إبراهيم أزروال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة :كارثة في الأفق ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم




.. هل تمتلك السعودية سلاحًا نوويًا؟| #التاسعة


.. روسيا تحذر...العالم اقترب من الحرب النووية!| #التاسعة




.. رئيس الاستخبارات الأميركية يلتقي نتنياهو لإنقاذ المفاوضات وم