الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأدوار المرسومة اجتماعيًا

عائشة خليل

2012 / 11 / 18
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


منذ سنوات نبهت ابني أن رحيل الخادمة المقيمة يعني أن عليه القيام ببعض الواجبات المنزلية. وجاءني رده المفاجئ في براءته ولكنني لست بخادم! فسألته: "ومن سيقوم بالمهام المنزلية إذن؟" فرد ببساطة: "أنتِ"، "إذن فأنا الخادمة في هذا المنزل"، رد سريعًا "نعم". ثم استطرد بعد اعتراض عنيف مني مشفوعًا بنظرة صارمة: "لقد شاهدت على التلفاز الأم تقوم بأعمال النظافة والطبخ وخلافه" .. هكذا إذن يتشبع الأبناء بالثقافة من مشارب شتى ليرسموا صورًا ذهنية عن الأدوار الاجتماعية لكل جنس، وما هو المقبول والملائم لكل منهما.
ثم لاحظت على مدار الشهور كيف يمتعض من القيام بأي عمل منزلي، ويقوم به عندما أجبره على ذلك - وأكون أكثر حزمًا من المعتاد معه - على نحو سيئ، بحيث يصبح من الأسهل عَليَّ القيام به بنفسي. وفي ذات الوقت يقوم بالكثير من المشتريات وبدون الكثير من الضغط من جانبي، فيشتري بعض البقالة أو الخبر أو غيرها بدون تلكع وبجودة مناسبة لسنه، فهو يحافظ على ما أعطيه من مال، ويعيد ما تبقى منه، ولكنه ما إن يدخل المنزل يتحول إلى شخص آخر ، فيضع ما اشتراه على أقرب طاولة، وبدون انتباه إلى محتويات ما يحمله من أكياس. وكأنه بذلك يفصل بين الخارج والداخل، فداخل المنزل تصبح محتويات الأكياس مسؤوليتي، بينما يحتفظ بها سليمة قبل أن تنتقل مسؤوليتها إلىَّ.
ولقد حيرتي مثل تلك التصرفات كثيرًا، فكيف يتحول هكذا على الخط الفاصل بين داخل المنزل وخارجه، وتحدثت كثيرًا مع صديقاتي اللواتي اشتكين من عدم مرونة الأبناء في القيام بالأعمال المنزلية، وكانت الأحاديث تنتهي عادة بغبطة من لديها بنت منا، حيث تساعدها وتوأزرها في القيام بالأعمال المنزلية الرتيبة والمتكررة. وعندما قرأت مقالا عن الأعمال المنزلية كتبتها الناشطة النسوية بات مانارد منذ أكثر من ثلاثين عاما تروي فيه عن تجربتها مع زوجها بدأت أعي ما أخبره وصديقاتي مع أبنائنا.
فالزوج لا يرفض بشكل مباشر المشاركة في الأعمال المنزلية، ولكنه يقوم بعدد من التكتيكات والمناورات التي تؤدي في النهاية إلى عدم القيام بالأعمال المنزلية. فيقول مثلا: لن ألتزم بمستوى النظافة التي تبتغينه، فمن غير العدل أن تطلبي مني ذلك. بما معناه: سوف أقوم بالأعمال على شكل رديء بحيث يتعين عليك إعادة ما قمت به. أو يقول: سأقوم بالأعمال المنزلية في الوقت الذي يروق ليِّ، بما يعني أنه سينظف المنزل كل ثلاثة أشهر، ويقوم بالغسيل مرة كل شهر. أو قد لا يفعل. مما يعني في نهاية المطاف أن عليكِ القيام بها بشكل أكثر دورية، وبهذا لا يقوم هو بأي شيء. أو يقترح استئجار خادمة للقيام ببعض الأعمال (ما يتعين عليه هو القيام به) ويبقى نصيبكِ لتكدحي كالعادة. أو قد يقول: إنني سأفعل ما يحلو ليِّ ، أي أنه سينتقي ما يقوم به من أعمال سهلة مثل إصلاح المواسير والنجارة. والسؤال هو: كم مرة في السنة سنحتاج إلى مثل تلك الأعمال في المنزل. أو قد يحذر: إنني لا أعرف ما يتوجب عليَّ فعله، ولذا فسوف أستفسر منكِ كثيرًا عن طريقة عمله، مما يعني أنكِ ستقفين إلى جواره كثيرًا وهو يقوم بتلك الأعمال، ولن يكون بمقدوركِ الاسترخاء أو القراءة في تلك الأثناء. وكل هذه تكتيكات تؤدي في نهاية المطاف إلى قيام المرأة بكل الأعمال المنزلية الرتيبة والمتكررة بدون أي مساعدة.
ويحضرني في هذا السياق وصف عالم الاجتماع الفرنسي بيار بوردوا كيف يقوم الرجل بذبح الذبيحة بشكل احتفالي يتخلله الكثير من الصخب، وقيامهم بهذه المهمة الجليلة لا يستغرق سوى دقائق معدودات، بينما تمضي النساء معظم النهار وهن يكدحن في المطبخ لإخراج وليمة للرجال الذين يمضون تلك الساعات في التدخين وتجاذب أطراف الحديث. وهكذا يقوم الرجال بالأعمال اليسيرة، ويتركون الأعمال المنزلية للنساء، ذلك كما قالت الناشطة لأن "الرجال يعرفون أنها أحقر الأعمال، ولذا فهم يأنفون من القيام بها."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تمثال ميليسنت فاوست


.. العمال في مقاطعة الشهباء يقودون ثورة العدالة والحرية




.. الرقة... يومهم نتاج عقود من النضال


.. يوم واحد لا يكفي للاحتفال بما قدمه العمال




.. لجنة الاقتصاد تساهم في تنمية واقع العاملات في مجتمعهن