الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكل عراقي عاشوراء :سيرة حزن من أجل الحياة

واصف شنون

2012 / 11 / 19
المجتمع المدني



في أوائل عام 1987 أصدر الجنرال عدنان خيرالله طلفاح وزير الدفاع العراق آنذاك عفواً عاماً عن كافة الهاربين والمتخلفين من الخدمة العسكرية أو الهاربين من جبهات القتال مع العدو الإيراني (المجوسي الفارسي ) ..،بشرط أن يتم التسليم عن طريق المقرات الحزبية لحزب البعث العربي الإشتركي وبكفالة الرفاق الأعضاء ، وهذا العفوّ له خاصيّة تتعلق بشطب كلّ سنوات الهربّ والمجالس العسكرية ضد الهارب والمتخلف من الخدمة العسكرية ، كنتُ حينها مطارداً ومحصوراً في بيت (عمتي) في سوق الشيوخ كآخر حصن بعد محاصرة بغداد وكل المحافظات ومراكزها ، وكان إقتراحا جميلاً تقدم به أحد اقاربي عن طريق والدي يقضي بالتسليم اي (أسلم نفسي )الى فرع سوق الشيوخ لحزب البعث مع ضمان بعدم الإهانة وعدم التسفير المذلّ مع كتاب عفوّ عام ، وافقت على ذلك وذهبت ذليلا ً مسلماً نفسي برفقة أحد أقاربي من المحبين للعائلة ، الناس هناك إحترموني حقيقة دون الهاربين الأخرين من العشائر والأرياف الذين ابقوهم في الخارج وهم يردحون (غلطة وسويناها ..صدامّ إغفر ) بمعنى لقد أخطأنا يا صدام حسن الرجاء الغفران !! ، كنت صامتاً لم انطق كلمة واحدة ،ولم يسألني حزبياً عن :أ ين كنت ؟؟وكم سنة هربت من الجيش ؟؟ومن أي وحدة عسكرية ؟؟ فقط سألني الرجل الذي يكتب كتاب تسويقي الى الجيش من جديد : أين تريد بغداد أو ديالي ؟؟ قلت له البصرة ، قال لا لدينا معلومات محددة ديالى او بغداد ، في النهاية قلت :ديالى والله كريم ..فقد جربت الهروب من بعقوبة (مركز ديالى ) وسيطراتها عدّة مرات في أوقات سابقة ولي خبرة في ذلك ..!!.
خرجت من فرع سوق الشيوخ لحزب البعث العربي الإشتراكي وقريبي الجندي الوسيم المحبوب (كريم الكحلي ) أو (كريم جخيور البدري ) هو مرافقي وأنا مخفوراً لديه ، بمعنى هو السجان وانا السجين ، سافرنا في نفس الليلة الى بغداد ثم الى بعقوبة - ديالى،كانت وجهتنا ( مدرسة إدارة فرقة قتال المشاة 16 ) ،وصلنا ضحى اليوم التالي ،وبلا أي اهتمام من الحراس الكسالى هناك دخلنا باب نظام تلك المدرسة حيث الإشارة التي وجهتنا الى (القلم ) يعني (الإدارة او المكتب ) ، وحال قراءة النائب ضابط مسؤول المكتب للكتاب الذي كان بحوزتنا حتى أخذنا مرتبكاً الى (الآمر ) الضابط الذي قال لقريبي كريم بلا أي ترحيب ارجع الى أهلك أو وحدتك ،فقد وصلت الأمانة ،هو لدينا الأن الله ما يطلعه بعد ..!!.
وخلال دقائق معدودة وجدت نفسي سجيناً في غرفة قذرة ،وحين حاولت الإستفهام بهدوء معتاد تعلمته حين أتعرض الى مصيبة محدقة ،قال حارس السجن ، ياعفوّ ياعدنان خيرالله ، العفو (لغوه عيوني ) وعرفت ذلك ان الرئيس القائد ألغى عفو وزير الدفاع ، وبالتالي كل الذين سلموا أنفسهم سوف يحاكمون أو يرسلون الى جبهات القتال ، والأمر برمّته هو خديعة لا أكثر ولا أقل لأن اعداد الهاربين وصلت معدلات كبيرة وغير متوقعة ..!! المهم أنا أكلت الفخ أو حقيقة أكلت أكثر من ذلك .
وبعد تسفيرات وإهانات خفيفة ومذلات تم إجراء محاكمتي خلال دقائق ،الحكم الأول كان الإعدام ،ثم الحكم الثاني السجن المؤبد ، والثالث عشرين سنة مع الأشغال الشاقة ،والقاضي عسكري برتبة لواء يدخن سيكارة ( سومر الطويلة – سنّ طويل ) ومحامي الدفاع نقيب كان يحلُ مسابقة كلمات متقاطعة في إحدى الصحف التي تصفق للحرب وقائدها، وكل تخفيضات الأحكام تلك جرت وفقاً لقرارات رئيس مجلس قيادة الثورة والقائد العام للقوات المسلحة .
بعد يومين تأسف لي ضابط السجن الصغير الذي كنت فيه وهو (وحدة رعاية الخيول العسكرية ) فقد كنت مسجوناً في إسطبل صغير ، حيث تم نقلي الى سجن إعادة تأهيل الهاربين ، وهو سجن عظيم يتألف من عشرات القاعات الطويلة العريضة المبنية في العهد البريطاني كوحدات للعسكر الإنكليز وسعته اكثر من الف سجين او هارب من ذوي السوابق والأحكام الثقيلة ،في طابور الإنتظار وهم يوزعوننا على تلك القاعات كان يتم تفتيشنا تماماً ، تفتيش كل شيء دون حفظ ولا آمانات ، بل مصادرات للأموال والجواهر والساعات مع رفسات او ( جلاليق) لكل سجين ، وصل دوري ، فتشني الحارس الشاب المبتسم لي ، ثم تصفح محفظتي، كنت أحتفظ بصورة لأميّ في شبابها وصورتها وهي جميلة وسافرة الوجه دون حجاب ، قائلاً بعصبية : هل هذه قحبتك ؟؟ فوجئت بسؤاله السوقي وبلا تفكير قلت له : هذه خالتك ، فأنهال الحارس عليّ بالصفعات واللكمات ثم سحبني زملاؤه وتسلوا بإهانتي بكل أنواع الشتائم العراقية والركلات ، ثم وضعوني في غرفة كونكريتيه مظلمة لمدة يومين ، وكل ليل يأتون ،يمنحون الشتائم والبصقات والرفسات والركلات ..!!
كان معي في نفس السجن الشاعر العراقي أجود مجبل لمدة اكثر من عام وكان شاهدا على ما جرى وقد تعرض هو الآخر الى ما هو ابشع ، وحين اكتب هذا كي أقول لكل عراقي عاشورائه..، هذا عاشورائي ، وهذه دعوة لكل العراقيين ان يكتبوا عاشورائاتهم..كي نتخلص من الحزن ونبدأ بالحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جمهورية عاشوراء
سيلوس العراقي ( 2012 / 11 / 19 - 09:01 )
سيد واصف
إن بلداً كالعراق أسمى ما لديه هو : عاشوراء، سيظل في عاشوراء ولا يتزحزح عنها، كل عمر العراقيين هو عاشوراء، وكل العام في العراق هو عاشوراء، الى أن سيغيروا اسم البلاد لتصبح جهمورية بلاد (ء) عاشوراء، مع تحية لك


2 - سيد ؟
علي فهد ياسين ( 2012 / 11 / 19 - 12:39 )
سيلوس أضاف لنا سيد جديد الى سادة يتناسلون دون تدقيق
لكن هذه المرة نحن مطمئنون من رفض السيد الجديد للقبه المضاف

اخر الافلام

.. -العربية- في مخيمات النازحين الأيزيديين بالعراق.. موجات حارة


.. ما مدى خشية تل أبيب من إصدار المحكمة قرار باعتقال نتنياهو وغ




.. الجزء الثاني - أخبار الصباح | الأمم المتحدة تعلق مساعداتها إ


.. أطفال فلسطينيون يطلقون صرخات جوع في ظل اشتداد المجاعة شمال ق




.. الأمم المتحدة: نحو نصف مليون من أهالي قطاع غزة يواجهون جوعا