الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات على هامش الشريط الوثائقي: المهدي بنبركة... اللغز

حسام هاب

2012 / 11 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قدمت قناة الجزيرة الوثائقية يوم الجمعة 16 نونبر 2012 الشريط الوثائقي: "المهدي بنبركة: اللغز"، للمخرج المغربي محمد بلحاج، و هو الشريط الذي كان من المفترض أن يتم عرضه خلال شهر أكتوبر تزامنا مع الذكرى 47 لاختطاف المهدي بنبركة لكنه أجل لأسباب مجهولة. و تكمن أهمية الشريط الذي انتظره الرأي العام المغربي باهتمام بالغ في كونه تناول حياة أحد أهم الشخصيات السياسية المغربية التي لعبت دورا محوريا في النضال ضد الاستعمار الأجنبي، و ساهم في حصول المغرب على استقلاله، و كان له دور محوري في الحياة السياسية خلال سنوات الاستقلال من خلال قيادته للمعارضة الاتحادية ضد سياسات المؤسسة الملكية، و تحوله إلى زعيم أممي و عالمثالثي ضد الامبريالية حيث أصبح من أهم رموز حركة التحرر الوطني العالمية، وصولا إلى عملية اختطافه يوم 29 أكتوبر 1965 من أمام مقهى ليب بباريس، و التي تعتبر إحدى أعقد الجرائم السياسية التي عرفها المغرب خلال سنوات الرصاص.
رغم أهمية هذا الشريط الوثائقي حول المهدي بنبركة، و قضية اختطافه، فإن متابعتي النقدية الدقيقة له جعلتني أسجل مجموعة من الملاحظات من زاوية نظر تاريخية حول العديد من القضايا التي تناولها الشريط الوثائقي أطرحها للنقاش و التأمل، و هي كالتالي:
1. وجود أخطاء تاريخية: الخطأ الأول هو تصريح مقدم الشريط بأن إيكس ليبان هي اتفاقية بين الوفد المغربي و المسؤولين الفرنسيين، في حين أن إيكس ليبان ليست اتفاقية بل جاءت في سياق رغبة الحكومة الفرنسية في إعطاء الأولوية للمسألة المغربية، فتبلورت فكرة تشكيل لجنة من خمسة وزراء فرنسيين للاستماع إلى عدة أطراف مغربية قصد التعرف على تصوراتها، و مواقفها، و هو ما سيعرف "بلقاءات إيكس ليبان" التي عقدت ما بين 22 و 27 غشت 1955، و قد اختلفت وجهات نظر من شاركوا أو كتبوا عن إيكس ليبان حيث اعتبر الفرنسيون إيكس ليبان عملية سياسية، و بداية حوار جاد و صادق، و اعتبرها حزب الاستقلال بمثابة لقاء تمهيدي لتشييد مستقبل أفضل، أما العربي المساري فأكد أن ايكس ليبان لم يكن في الحقيقة تفاوضا ولا مؤتمرا، و إنما لقاء بين لجنة وزارية فرنسية، و بين مغاربة يمثلون مختلف الحساسيات. و من جهته اعتبر عبد الرحيم بوعبيد أحد أعضاء الوفد الاستقلالي المشارك في ايكس ليبان في مذكراته، بأنه لم تكن هناك مفاوضات في ايكس ليبان، و لا مشاركة في مائدة مستديرة. و يظهر من خلال محاضر الاجتماعات أن الهدف كان هو جس النبض، و الاستئناس بمختلف آراء الأطراف المغربية للاستفادة منها فيما سيأتي من توافقات، و مفاوضات لحل الأزمة المغربية.
أما الخطأ الثاني هو القول بأن حكومة عبد الله إبراهيم سقطت سنة 1959، في حين أن هذه الحكومة الرابعة بعد استقلال المغرب، و التي فتحت الباب أما إصلاحات سياسية، و اقتصادية، و اجتماعية ذات توجه وطني تحرري، سقطت يوم 20 ماي 1960 نتيجة للتحالف بين ولي العهد آنذاك الأمير الحسن، و القوة الثالثة المشكلة من الجناح التقليدي داخل المخزن.
2. غياب غير مفهوم للباحثين، و المؤرخين المغاربة في البرنامج (باستثناء مشاركة وجيزة للأستاذين حسن أميلي و المعطي منجب)، خاصة الذين اشتغلوا بشكل كبير على فترة الحماية الأجنبية بالمغرب، و بدأوا بالاهتمام بالتاريخ الراهن الممتد من 1956 إلى 1999. ذلك أن حضورهم، و مساهمتهم في الشريط الوثائقي من خلال تقديم مقارباتهم لإشكاليات موضوعه كان سيوضح الظروف السياسية، و الاقتصادية، و الاجتماعية للمغرب خلال مرحلة الاستعمار، و التي عاش فيها المهدي بنبركة و تفاعل معها، بالإضافة إلى طبيعة تحولات النسق السياسي المغربي خلال مرحلة الاستقلال، و التي ساهمت في انفجار الخلافات الكامنة بين المؤسسة الملكية و فصائل الحركة الوطنية، حتى نفهم بشكل عميق مواقف المهدي بنبركة خلال مرحلة الاستقلال، و تحولاتها، و أسباب قطيعته النهائية مع النظام التي أدت إلى اختطافه و اغتياله.
3. لم يتناول الشريط الوثائقي العديد من المحطات المفصلية في المسار السياسي للمهدي بنبركة و أهمها: دور المهدي في الإشراف على تنظيمات حزب الاستقلال بعد خروجه من السجن سنة 1945، و مواقفه من الصراع بين أجنحة حزب الاستقلال، و قيادته لحركة 25 يناير سنة 1959، و مساهمته في تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، و مساهماته الفكرية و السياسية في المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني في ماي 1962، و قيادته لمعركة الانتخابات التشريعية سنة 1963 التي نجح فيها كنائب برلماني عن دائرة يعقوب المنصور بالرباط.
4. تجاهل الشريط الوثائقي الحديث عن فكر المهدي بنبركة من خلال مقالاته، و محاضراته المنشورة و أهمها: "مسؤولياتنا" التي طرح فيها تصوره لمغرب بعد الاستقلال و متطلبات بناءه، و كانت بمثابة تقرير سياسي و اجتماعي لوضعية الحزب، و المغرب خلال فترة أولى سنوات الاستقلال، و "الأزمة الوزارية" التي تطرق فيها إلى الأزمة السياسية، و الحكومية التي كان يعيشها المغرب بعد سقوط حكومة البكاي الثانية في 16 أبريل 1958، و عدم استعداد الأداة الحزبية للمهام التي كانت ملقاة عليها خلال مرحلة الاستقلال. أما محاضرة "نحو بناء مجتمع جديد" فقد كانت أقرب إلى تقرير إيديولوجي قدم فيها المهدي قراءة نقدية للتاريخ و للمجتمع المغربي، و قد كانت مسألة القيام بحركة تصحيحية داخل الحزب حاضرة بقوة في هذه المحاضرة. أما أهم وثيقة سياسية لم يتناولها الشريط الوثائقي فهي "الاختيار الثوري" باعتبارها وثيقة سياسية مؤسسة للفكر السياسي للمهدي بنبركة، و أساسية لفهم طبيعة الصراع السياسي خلال مرحلة الاستقلال، حيث حلل فيها بشكل عميق وضعية المغرب السياسية منذ 1956، كما قدمت الوثيقة أيضا نقدا لتجربة الاتحاد الوطني الذي كان قد مر على تأسيسه سنتان و نصف، و نقدا ذاتيا أيضا للأخطاء الثلاثة للحركة الوطنية.
5. وجود ثغرات تاريخية خلال تناول البرنامج لمرحلة ما بعد 1956، حيث أنه لم يؤطر المرحلة تاريخيا بشكل يفسر للمشاهد مسارات دخول المغرب إلى حقبة صراع السلطة، و السلطة المضادة لتدبير شؤون الحكم في المغرب المستقل، حيث تغافل الشريط الوثائقي عن الحديث عن المؤامرات التي عرفها المغرب خلال هذه المرحلة: مؤامرة اغتيال ولي العهد سنة 1960، و مؤامرة 16 يوليوز 1963، و محاولات تصفية الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سياسيا. فتأطير المرحلة تاريخيا، و إبراز القضايا التي كانت مطروحة خلال المرحلة، هو المدخل الأساسي لفهم شخصية المهدي بنبركة، و أسباب بروزه كمعارض للنظام المغربي و حامل لمشروع سياسي، لأن اختطافه و اغتياله هو نتيجة لانقطاع شعرة معاوية بين القصر و الحركة الوطنية.
6. أغفل الشريط الوثائقي الحديث عن الجنرال أوفقير إلا عندما تناول قضية اختطاف المهدي بنبركة، بينما لم يتحدث عن الدور الحقيقي للجنرال في بناء الدولة البوليسية منذ إشرافه على مؤامرة 1960، و تعيينه مديرا للأمن الوطني خلفا لمحمد الغزاوي في 13 يوليوز 1960.
7. يبدو من خلال المعطيات التاريخية التي قدمها الشريط الوثائقي، أنه لم يتم توظيف مادة تاريخية مهمة من وثائق و مصادر و دراسات و شهادات لفاعلين سياسيين، كان بإمكانها إغناء المعلومات بدل الاعتماد على الصور و أشرطة المركز السينمائي المغربي.
على ضوء هذه الملاحظات التي استنتجتها من خلال مشاهدتي النقدية للشريط، يمكن القول ختاما أن هذا الشريط الوثائقي الذي قدمته الجزيرة الوثائقية يظل مهما، و الحاجة إليه آنية في ظل تهميش الإعلام العمومي لشخصية المهدي بنبركة، و قضية اختطافه. لكن مثل هذه الأفلام الوثائقية التاريخية تبرز ضرورة أن يكون للمؤرخين دور مهم في توفير المادة التاريخية التي يجب الاعتماد عليها في إعداد هذه الأفلام الوثائقية، و تقديم رؤيتهم، و مقارباتهم للقضايا و الإشكاليات التاريخية التي يتم تناولها، و خاصة إشكاليات الفترة الراهنة الممتدة من 1956 إلى 1999، و الموسومة بالصراع السياسي بين الدولة و الحقل السياسي و المجتمع، الشيء الذي سيساهم في تقريب تفاصيل تاريخنا الراهن إلى المجتمع حتى نؤسس لمصالحة معرفية، و تاريخية مع تاريخ الزمن الراهن بالمغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف