الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في معنى - لكل زمان ومكان - .

صالح حمّاية

2012 / 11 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الأساسيات التي يعتمدها التيار النقلي (الأولوية للنص) لإثبات رؤيته في تفسير القران ، هو أننا كمسلمين لا يمكن أن نفسر القران أبلغ مما فسر الأولون (السلف والخلف) وهذا لأن القران حمال أوجه ، وعليه : فلا يجوز لأي مسلم أن يجتهد في تفسير القران لان اجتهاده سيكون قاصر بالضرورة ، في مقابل يرى هذا التيار أن على المسلم الاكتفاء بتقليد ما جاء به السلف من تفاسير وشروح وسنن لأنها الطريق الأقوام في فهم القران .

كسؤال أولي يطرح حول هذه الرؤية من النقليين هو : هل يمكن القول بطريقة ما أنه بالنسبة للنقليين أن حمل القران لأوجه كثيرة في التفسير يمكن اعتباره "نقيصة" في القران .. وأنه لهذا السبب ، يجب الاكتفاء بالقراءة الواحدة التي قام بها السلف في فهمه.

.. لا أدري بصراحة ما إجابة هؤلاء على هذا السؤال مع أنه يمكن الجزم أنهم لا يمكن يطعنوا في القران بأنه قاصر رغم تناقض هذا الجواب مع مواقفهم ، لكن و كجواب شخصي فيمكن القول أن العكس هو الصحيح فحمل القران لأكثر من وجه في التفسير هو في الواقع ميزه فيه لا نقيصة ، فالقران وبحكم كونه لكل زمان و مكان ، فهو من المفروض أن يكون مرننا و متكيّفا ، أي باختصار أن يكون حمال أوجه ، و هذا لمساعدة المسلمين لاختيار الفهم الذي يريدون على حسب حاجيتهم المختلفة مع احتفاظهم بالاعتقاد بالقران ، أي الاعتقاد بالقران مع تحقيق شرط الإسلام على نفسه "أنه دين يسر وليس عسر" و أنه "كل زمان ومكان" .

إن لا نمطية القران هذه تعني في الواقع عالميته ،"فاللانمطية" و "اللاتحديد" هي ما يحقق مبدأ "وبعثناك رحمة للعالمين" الذي جاء به الإسلام ، أي بمعنى "أنك يا محمد لكل الشعوب وكل الثقافات و كل الحضارات و الأزمنة " .

يمكن القول كخلاصة أن احتمالات القران المتعددة أنها أكثر ميزاته ، فهي ما يكسبه "لامحدودية" الزمان والمكان الذي يجيب على تساؤلاته ، وعليه فصفة "حمال أوجه" في القران لا يجب أن تجد من المسلمين الرفض ، بل على العكس يجب أن تجد منهم التشجيع و الدعم ، و هذا لان القران لا يمكن أن يحقق ذاته "الزمكانية" إلا بكونه متنوعا و إبداعيا .

في المقابل .. يمكن القول بطريقة موازية أن الحجر على القران بفهم معين (فهم السلف) و بزمن معين (زمن النبوءة) كما يحاول التيار النقلي الفعل ، أنه جناية بحق القران ، فهذا الأمر يؤدي إلى فقدان القران لميزته الأساسية وهي (أنه لكل زمان ومكان) ، فالقران في حال التنميط لن يعود لكل الأزمنة والأمكنة بل لزمان واحد هو سنة أولى هـ و لمكان واحد هو الجزيرة العربية .

يمكن القول أن هذا ما يفسر"لامعقولية" المطالبات الحالية بتطبيق الشريعة كحل للمشاكل التي تواجه المسلم العصري ، فهذه الشريعة كتبت في الواقع لحل مشاكل المسلمين في العصور القديمة ، أي أنها في حقيقتها لا تمثل حلا للمشاكل التي تواجه المسلم المعاصر بل حلا لمشاكل المسلم القديم ، ولهذا فهي بديهيا غير ناجعة في الإجابة على أسئلته المتجددة ، الأمر الأخر وهو الأكثر خطرا ، هو أن التيار النقلي وبعد اصطدامه بهذه الحقيقة (أي تقادم الحلول المقدمة ، نسبة للمشاكل التي تحاول حلها ) قد قرر وبخطوة بالغة السوء .. أن يعالج هذا الخلل بتكييف الواقع لملائمة التصورات المقدمة ، لا أن يطور التصورات القديمة لتلاءم مشاكل الواقع المعاصر ، وهو ما يمثل تراجيديا الحضارة الإسلامية، فالتيار النقلي بعد هذا الخيار المدمر جعل أساس وجوده و هدفه هو سجن المسلمين في قوقعة من القيم الماضوية ، معزولين و متجاهلين كل التراكم المعرفي الإنساني الذي يحدث ، بحيث و فيما كانت جميع أمم الأرض تيسير نحو الأمام يسيرون هم بهدي النقليين نحو الوراء .

( من هنا يمكن فهم بروز ظواهر كالمطالبة بعودة الرق كحل للفقر ، أو المطالبات بفرض الجزية و الأتاوى لدعم الاقتصاد ، فكلها أمور تنتمي إلى العصور التي عفا عليها الزمن، والتي لم يعد يمكن تصور عودتها ، فنحن ورغم فهمنا لضرورة وجودها في تلك العصور ، إلا أن هذا لا يعني ملاءمتها لعصرنا الحالي عدى استحالة قبولنا بها) .

يمكن القول أن هذا الأمر هو ما يفسر الرفض الكبير الذي تواجهه المطالبات بتطبيق الشريعة ، فالمسلمون رغم إسلامهم يحسون بغبن كبير في حال فرض هذه الشريعة عليهم ، و هذا طبعا ليس غبنا ناتجاً عن الإسلام ، بل غبنا ناتجا لفرض نمط معين من الإسلام صاغته ظروفه و أزمنه ، وعليه فهذا الرفض والتململ من تطبيق الشريعة من طرف المسلمين لا يُعنى به الرفض للإسلام أو للشريعة ، بل الرفض لهذا النمط المتقادم الذي لا يتلاءم في الحقيقة مع واقع الحال لدى المسلمين، فالمسلمون لو قدر لهم أن يرفضوا الإسلام لكانوا كفروا به من الأساس، لكنهم يؤمنون في الواقع بالإسلام ويرتضونه دينا ، لكنهم يكفرون بالشريعة السلفية التي تجافي الوقع بالنسبة لهم .

يمكن القول انه لو أتيحت الفرصة للمسلم الحالي بصياغة فهم عصري يتناسب مع واقعه وعصره ، لما كنا لنجد أي تململ من المسلم بتطبيق الشريعة ولما كان هناك ذلك الادعاء بالجاهلية الحديثة ، لكن وفي ظل الحالة الراهنة من سيطرة التيار النقلي على الإسلام ، وإصراره على فرض شريعته الشمولية و الإرهابية ، فإن المسلم إما سيتململ من فرضها عليه ، وإما انه سيذوق الويلات منها في حال طبقت .

على هذا الأساس وكخلاصة يمكن القول أن تنميط الإسلام هو في الواقع جناية على الإسلام وعلى المسلمين ، فالإسلام يجب أن يكون خلاقا ومبدعا على حسب اختلاف ظروف المسلمين وهذا كي يراعي مصالحهم .

الأمر أخر أنه لا يجب أن نجزع من تعارض التأويلات الإسلامية بين بعض الأقطار أو بين الماضي و الحاضر ، فهذا التعارض نتيجة حتمية للظروف المتغيرة التي تحتمها المتغيرات الطبيعية .

أخير وهو الأمر الأهم و الأكثر حساسية ، هو أن النبي محمد لا يجب أن يكون القدوة للمسلمين رغم مكانته الاعتبارية ، فالنبي في الواقع عاش زامنه ومكانه ، بينما للمسلمين زمانهم و جغرافيتهم ، وهو في النهاية وكما يقول مجرد رسول (هل كنت إلا بشرا رسولا) بينما الأهمية الكبرى هي في فحوى الرسالة .

إن النبي يجب أن يبقى القدوة في الأمور الكلية فقط (ما ينادي به الإسلام)، أما طريقة اللبس و نوع الأكل ، وطرق الحديث وباقي الأمور الحياتية اليومية ، فهذه لا تلزم المسلم بشيء، فهي أمور متغيرة حسب الظروف ، و للمسلمين ظروف شتى ، وكذلك الحال بالنسبة لكل ما جاءنا من تقاليد و أعراف من السلف والخلف و باقي المسلمين الأوائل .

بطريقة أخرى يمكن القول انه يجب اخذ الجوهر من الإسلام ، الجوهر الذي يمكن لجميع الشعوب أن تشترك فيه (رفض الظلم ، إحقاق الحق ، المساواة بين الناس ، نبذ العبودية ) في المقابل فالشكليات و الأمور المتعلقة بطبيعة الشعوب و أحوالهم وطرائق عيشهم فهي تخص كل شعب على حسب ظروفه .

"يجب الوعي أنه ومن أجل إسلام يحقق ذاته العالمية ، أن علينا أن نعلن القطيعة مع الأيدلوجية البدوية التي تسيطر على الإسلام منذ النشأة ، فمعنى العالمية هو أن نلغي كل الأنماط ، و كل القيم الشكلية المعلبة ، و أن نبدد تراث البادية و تقاليد العشيرة و القبيلة وباقي التراث الموبوء ، وهو النقيض لما يحصل الآن حيث صار الإسلام هو شماعة أشباح الماضي في فرض نفسها من جديد" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة توجيهيه مفيدة
شاكر شكور ( 2012 / 11 / 20 - 16:55 )
شكرا استاذ صالح على هذه المقالة العقلانية المتوازنة والتي تفتح باب الأمل لدخول النور من النفق المظلم ويمكن ايضا تخصيص لطلاب المدارس كرّاس للدرس الديني يحتوي على الآيات السلمية والأخلاقية التي تتماشى مع هذا العصر ويكون بمثابة خلاصة تقويمية لسلوك ونشأة الأطفال فماذا سيستفيد المسلم مثلا لو درس شتيمة لأبي لهب وأمرأته حمّالة حطب ؟؟ ، ولكن المشكلة تبقى موجودة يا استاذ صالح اذا احتوى الدستورعلى عبارة (ان الإسلام دين الدولة ، والشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع) ففي هذه الحالة ستخضع المحاكم المدنية لكل مايحتوية القرآن من اوجه في الزواج والطلاق وتطبيق طريقة المحلل ومظلومية المرأة في الأرث والشهادة في المحاكم ... الخ ، انا برأي الأله الذي يعرف الغيب لا يدع رعيته تتخبط في التفسير والتأويل وانتقاء ما يتلائم لكل مرحلة فالأله الذي يفتح سوبر ماركت للتسوق ليس الاها جديرا بالعبادة ، تحياتي ومودتي


2 - معلومات يجب أن يفهمها العقل الناقل
Amir_Baky ( 2012 / 11 / 20 - 19:35 )
الحدود هى عقوبات وضعية كانت تمارس قبل الإسلام وهى صالحة للمجتمعات البدوية فى هذا الزمن و إستمرارها بعد الإسلام ليس بسبب إنها ربانية بل لأنها تناسب هذا المجتمع. فجوهر الشرع عقاب السارق الذى يصلح لكل زمان ومكان. الجزية هى مبلغ من المال تدفعة الشعوب التى تحت الإحتلال و مارسة الروم و الفرس قبل الإسلام. فتطبيقة معناة إقرار بأن المسلمين محتلين البلاد و ليس أصحابها. والعجيب أن الخلفاء الراشدين كانوا يفرضون الجزية على شعوب الأمصار التى كان يفتحونها و يحولونها لبيت المال بالحجاز حتى جاء عمر بن عبد العزيز ورفع الجزية عن اللذين أسلموا. فهل العقل الناقل سيفرض الجزية على الجميع كما فعل الخلفاء الراشدين أم سيطبقون ما فعلة الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز؟ ولو فعلوا ذلك فهل هذا معناة أن ابوبكر و عمر و عثمان و على كانوا على خطأ.


3 - هاذا هو الصواب
سلوم السعدي ( 2012 / 11 / 21 - 17:10 )
تحيه استاذ صالح
هكذى وبهذه الطريقه وهذا التفكير المتنور وصل الغرب للتقدم العلمي والانساني
سلام وتحيه لك استاذ صالح
تحيه للجميع

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | عمليات نوعية وغير مسبوقة للمقاومة الإسلامية في


.. «توأم الروح والتفوق» ظاهرة مشرقة بخريجي 2024




.. تغطية خاصة | إيهود باراك: في ظل قيادة نتنياهو نحن أقرب إلى ا


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان ترفع مستوى الإسناد




.. لماذا تخشى الكنيسة الكاثوليكية الذكاء الاصطناعي؟