الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شخصيات نسائية متفردة

ناهده محمد علي

2012 / 11 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قررت أن أتناول عدة شخصيات نسائية إعتبرتها متفردة في تكوينها الشخصي والثقافي , وسأبدأ نقاط الضوء هذه بنقطة ضوء على شخصية نسائبة ثقافية معروفة وصديقة قديمة وهي القاصة العراقية ( صبيحة شبر ) .
لقد أصدَرت صبيحة شبر العديد من المجموعات القصصية مثل ( التمثال ) , ( إمرأة سيئة السمعة ) , ( لائحة الإتهام تطول ) وغيرها , وتحدثت في الصحافة العراقية والعربية عن الشعر وعن فن القصة , عن المرأة العراقية المطحونة وعن الطفولة المهدورة مابين البرامج الدراسية البالية والنظام الإجتماعي المتخلف والنازف بسبب الحروب .
تحدثت صبيحة عن الواقع التعليمي في مقالات مثل ( ما أسباب تدني المستوى التعليمي وما سبل العلاج ) وتحدثت عن العلاقة مابين المبدع والمتلقي وعن ( تأثير العولمة على الكتابات النسائية ) , وتحدثت كثيراً عن العنف ضد المرأة وعن ( تجارة الجنس ومخاطرها ) , وعن ( الأرامل العراقيات ومجتمع مثقل بالجراح ) , كما تحدثت عن واقع الطفولة المرير في ( إستغلال الأطفال في أعمال لا تناسب طفولتهم ) , ومقالات كثيرة عن واقع المرأة والطفل في المجتمع العراقي .
إن سردي لأجزاء ومقاطع لكتابات صبيحة لا يُقصد بها إلا إظهار الجزء الإبداعي من شخصيتها ولأن أي مبدع هو شخصية تركيبية يأخذ جانب الإبداع منها جزءاً مهماً وتأخذ حياته العامة جزءاً وحياته الشخصية الخاصة جزءاً , كما يأخذ جانب الطموح والآمال الممكنة وغير الممكنة جانباً مهماً في شخصيته وهي في النهاية وحدة واحدة .
لقد كانت صبيحة صديقة الطفولة وكنا نتبادل الفطور المحمول على باب بيتها قبل ذهابنا الى المدرسة , وكنا سعيدتين في طفولتنا وبعد أن أنهينا الإبتدائية لم أجد صبيحة ذات يوم في المدرسة , ثم أخبرتني والدتها بأن ( الحرس القومي ) قد إختطف صبيحة وذهب بها الى المخفر , هرعت الى والدي لأخبره وكان رجلاً قوياً , فإصطَحب الكثير من آباء الحي وإنتشلوا صبيحة من البراثن المريضة .
لم تكن حياتها هادئة ومستقرة لأن الجو السياسي والإجتماعي في العراق لم يكن يوماً هادئاً , فتوزعت حياتها ما بين السياسة والإبداع والعمل التربوي
سمعت ذات يوم بأن جدها المُسن الذي يعيش في مدينة بعيدة قد أُعدم ولم أفهم وقتها لماذا , ثم أُعدم أحد أخوتها , أما الآخرين فيعانون من الأمراض الخبيثة والتي قضت على بعضهم , ولم تكن هذه المعاناة خاصة بل كانت معاناة شعب بأكمله أخذ الإشعاع بالتسرب الى جسده ملتهماً الكثير من أبنائه. عاشت صبيحة القلق السياسي كمواطنة شريفة , والقلق الإجتماعي كإمرأة متطورة تطلب ما لا يعطيه المجتمع العراقي .
لقد إحترَمت صبيحة قلمها دائماً وتعلمت منها أن لا أترك قلمي , فالمرأة المبدعة بقلمها تتعكز وبقلمها تحتمي وبه تضع النقاط على الحروف وبه ايضاً تجفف الدموع لكل طفل أو إمرأة معذبة وأحياناً قد ترسم بقلمها أحلامها وقد يمكنها تحقيقها , لكنها قد تصبح مقاتلة خرافية تقاتل طواحين الهواء بقلمها , لكن صبيحة لم تجعل قلمها سيفاً إلا للصالح العام ولم تحصل يوماً على أوسمة أو أنواطاً للشجاعة والإبداع لأنها تعيش وببساطة في العراق . وحينما قررت العودة الى العراق أرسلت لي تقول أعمل الآن مُدرسة في إحدى المناطق الشعبية والترابية , لقد كانت صبيحة مُدرسة قلباً وقالباً , تبحث دائماً عن المنهج الدراسي والبرنامج المدرسي الصحيح والمضمون الدراسي العلمي , كما بحثت دائماً عن الحداثة والتطوير والتكنولوجيا والتي آن الآوان أن تدخل الى مدارسنا , كما آن الآوان أن تُبنى مدارس كثيرة وجديدة لتمنع التراكم الكمي لأعداد الطلاب في الصف الواحد , لقد نظرت صبيحة دائماً الى العالم المتطور بعين الإعجاب والى التخلف التعليمي بعين حزينة , كيف لا ونحن نلاحظ أن آلاف الأطفال قد صدقوا أنهم يدرسون ما هو ضروري لهم لكن الحقيقة أنهم يدرسون ما هو متوفر لديهم .
لقد حاولت صبيحة بقلمها الحديث عن الأطفال والفتيات العراقيات والأرامل المسحوقات تحت وطأة العازة , كما حللت مخاوف الشابات العراقيات وإندثار طموحاتهن الشخصية والمجتمعية بعد إنتشار العنف الذكوري ضد المرأة وملاحقتها بدل النهوض بإمكانيات الشابات كشريحة مهمة من شرائح المجتمع العراقي . وفي الحقيقة لقد إحتملت المرأة العراقية من العنف المنظم أو غير المنظم ما لم تحتمله المرأة الفيتنامية أو الألمانية أو الروسية في الحروب المحلية والعالمية .
لقد إحتملت صبيحة بقدرتها المعهودة مناظر النزيف اليومي حتى بعد توقف صوت إطلاق الرصاص في الشوارع , لأن هذا النزيف موجود في عيون الأطفال الجوعى والمرضى والمتسربين الكُثر والمصابين بالتشوهات الخلقية والمنتشرة أوصالهم في الساحات العامة , وكثيراً ما تُحذف أسماء الكثير من الطلاب من السجلات المدرسية بسبب الموت المفاجيء من جراء فقر الدم أو الأمراض الخبيثة المنتشرة بين الأطفال أو العبوات الناسفة . كان هذا يُحزن كل المربيات لكن صبيحة كانت تحول حزنها الى إبداع راقي , فإستطاعت أن تقاوم بجلادتها الحزن الخاص لتعبر الى الحزن العام , وكان منظر الأطفال المتسولين وبائعات الهوى من الصغيرات وطوابير الشباب الطالبين للعمل بيأس دافعاً قوياً لها أن تكتب حتى في ظلام بغداد الليلي على ضوء شمعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف ساهم متابعي برنامج -ماذا لو- بتطوّره؟ • فرانس 24 / FRAN


.. رومانسية خيالية، غرام مأجور... اليابان، مختبر أشكال الحب الج




.. العنف الجنسي ضد القاصرات: -ظاهرة متجذرة- في الـمجتمع الـمصري


.. فوضى ونهب وعنف في كالدونيا الجديدة.. هل استقر الوضع الأمني؟




.. التطبيع السعودي الإسرائيلي.. غاية أم وسيلة؟