الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف، رجل الدين وأستقلال مؤسسات الدولة

شاكر الناصري

2012 / 11 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ربما، ليست مصادفة ان يتم الترويج لخطبة رجل دين عراقي يدافع فيها عن استقلالية مؤسسات ودوائر الدولة العراقية وينتقد التعازي التي تقام فيها بمناسبة عاشوراء وتأكيده على ان تلك المؤسسات والدوائر لا تخص طائفة بعينها لأنها ملك للشعب العراقي بمختلف تكويناته وانتماءاته الدينية والطائفية. في الوقت نفسه، رُوِج فديو يُظهر عددا كبيرا من ضباط وافراد الجيش العراقي يمارسون "اللطم" بقيادة "رادود" للاهازيج والأشعار التي عادة ما يتم ترديدها في ايام عاشوراء. وهي المظاهر التي شاهدناها خلال السنوات الماضية حيث تقوم العديد من الوزارات بتنظيم مواكب العزاء او المشاركة باللافتات والوفود في "ركضة طويريج والمشاية " وغيرها من المناسبات ذات الصلة بعاشوراء.

من المؤكد ان المقارنة بين الواقعتين تكشف عن الحال الذي وصلت اليه الدولة في العراق وما ينتظرها مستقبلا. ما بين هذه الواقعة و تلك فإن ما يعنينا هنا موقف اعداد من المثقفين العراقيين الذي روجوا وبفرح كبير يقارب الانبهار والامتنان فديو رجل الدين المذكور بحيث لم يتردد الكثير منهم في التعويل على تحوّلٍ في مسار ونهج المؤسسة الدينية وان جهود اصلاح هذه المؤسسة قد بدأت وان مثل هذه الأصوات سوف تحدث تحولا في عملية بناء المؤسسة الدينية يختلف عما هو سائد.

ان وجود رجل دين يتصف بالعقلانية ويدعو الى ابعاد مؤسسات الدولة عن المناسبات والشعائر الدينية هو امر محمود جدا خصوصا وسط فوضى هائلة تعم المجتمع والدولة ومؤسساتها بسبب اتساع سلطة الدين والطائفة وخطب رجال الدين وما يثيرونه من جهل وخرافات مهولة وفزع وحروب ودماء، ولعل المقارنة بين خطبة الرجل الذي نشير اليه مع خطب "جلال الدين الصغير والمهاجر والصافي" وغيرهم من الذين يبدعون في اشاعة الذعر والانقسام الطائفي وتعزيز الشعور بالظلم المتواصل و الخضوع ستكون غير منصفة تماما لانها ستكون مقارنة بين العقل والجهل.

ان الجدل حول استقلالية مؤسسات الدولة أو "دولة المؤسسات" في العراق لم يكن وليد الفترات القريبة من تاريخ العراق، بل انه بدأ منذ ان تأسست الدولة العراقية، والذي كان يشير الى دولة مؤسسات خصوصا وانه تزامن مع تزايد الحديث عن قيام دولة حديثة مختلفة عن المحيط الاقليمي الذي وجدت فيه. لقد ساهم الكثير من المثقفين والمفكرين العراقيين في هذا الجدل وسعوا الى تبيان مخاطر ان تتحول مؤسسات الدولة الى ساحة للصراعات والانتماءات الطائفية والقومية وان وجود دولة حديثة في العراق لايمكن ان يتحق ما لم يتم التأكيد على استقلالية مؤسساتها والدفاع عن هذه الاستقلالية.

ان وصول قوى الأسلام السياسي الى السلطة في العراق قد عزز من فرص استغلال مؤسسات الدولة من قبل هذه القوى حيث سعى الكثير منها لتجيير الوزارات والمؤسسات التي تحصل عليها بفعل سيادة نظام المحاصصة الطائفية والقومية لصالحها وان الحديث عن وزارة ما سيكون مقرونا بالحديث عن الحزب الذي يديرها.

منذ سقوط النظام البعثي في العراق في نيسان من عام 2003 فإن اعداداً كبيرة من المثقفين والكتاب قد سلطوا الضوء على ضرورة اعادة بناء الدولة العراقية وفقا لمعايير وأسس معاصرة مختلفة عن تلك التي بُنيت عليها سابقا. كان الحديث يتم عن دولة مؤسسات تمارس كل مؤسسة عملها وواجباتها بحياد وشفافية بعيدا عن التدخلات المختلفة لانها وبكل بساطة مؤسسات تنفيذية تعنى بحياة وأمن المواطن وعيشه الا ان ما حدث هو تحول مؤسسات ووزارات الدولة الى اقطاعيات تابعة الى هذا الحزب او ذاك. لقد تمكنت القوى والاحزاب من استغلال مؤسسات ودوائر الدولة لخدمة أغراضها واهدافها السياسية والحزبية لذلك نجد ان الاحزاب القومية الكردية تقوم بعمل ممنهج من اجل ان تتحول الوزارات التي تسيطر عليها الى اداة في مشروعها السياسي والقومي، وفي الوقت نفسه فان احزاب الاسلام السياسي الشيعي والسني منها قد مارست الدور نفسه وحولت الوزارات والمؤسسات التي تخضع لها الى ساحات لتعزيز الانقسام الطائفي ولرفع راية المظلوميات والخضوع لسلطة هذه المرجعية الدينية او تلك.

حين نتحدث عن دولة مؤسسات فاننا نتحدث عن دولة معاصرة تعترف بحقوق وحريات مواطنيها وانها تسعى جاهدة لتلبية تلك الحقوق والدفاع عن الحريات وصونها. ان دولة حديثة تنتمي الى العصر الذي نعيش فيه لا يمكنها ان تدار بعقلية رجل الدين او بعقلية الحزب الطائفي والقومي واذا كان رجل الدين الذي دافع عن مؤسسات الدولة واستقلالها، انطلاقا من قناعاته الشخصية، قد أفرح وأبهر العديد من المثقفين فان اصل الحديث يجب ان يكون عن منع الدين والمؤسسات الدينية من التدخل في شؤون الدولة ومهامها وعملها وطبيعة نظامها السياسي. ان الحديث يجب ان يكون عن منع تدخلات الدين في التربية والتعليم والاعلام والجيش والشرطة والقضاء ...الخ وان ان يكون الدين شأنا خاصا بالأفراد ولا تقوم الدولة بتخصيص الامكانات المالية الكبيرة من اجل تحقيق أهداف دينية وطائفية ستفرض على الدولة هوية معينة لاحقا، لان هذه التدخلات تعرقل اية خطوات يمكن ان نخطوها نحو المستقبل والاندماج مع ما يحيط بنا من مجتمعات معاصرة يشكل العلم والمعرفة والحقوق والحريات ركائز أساسية في وجودها ونهضتها وتطورها او نتبادل معها الخبرات والأحترام و العيش المشترك على الارض.

على المثقف ان لا يفرح كثيرا لوجود رجل دين واحد يتحدث بلغة وفهم يقارب لغته وفهمه للدولة واستقلال مؤسساتها لأننا ازاء مؤسسات دينية نافذة وقوية وتسعى بكل قواها ومنذ ان وُجدت لأن تفرض سطوتها وسلطتها الدينية على الدولة والمجتمع وان تتحول الى مرجع للقانون والدستور والعلاقات الاجتماعية مستفيدة من وجود قوى وأحزاب لا تخالفها الرأي بل هي معبرة عن توجهاتها وانها ذراعها السياسي. فحين نعرف ان لكل مرجع ديني حزبا سياسيا يمثله ويمتثل لأوامره وتشريعاته وفتاواه عندها سنعرف مقدار تدخل المؤسسة الدينية في مرافق الدولة ومؤسساتها.

ان على المثقف ان يواصل جهده الفكري والنقدي للدولة ومؤسساتها وللسلطة وقواها ولكل المؤسسات التي تسعى لاحتكار الدولة والسلطة لصالحها وبما يفرض على المجتمع واقعا مزريا ومتخلفا لا يمت الى العالم المعاصر الذي نعيش فيه بصلة. على المثقف ان لا يتردد في قول ما يجده صحيحا والتصريح بآرائه اسوة برجل الدين او خطيب الجامع الذي انبهر به . ان هذا وحده الكفيل بأخراج المثقف من كنف العزلة الأجتماعية ويحوله الى قوة فاعلة تدافع عن وجود دولة مدنية، دولة مواطنة، دولة مؤسسات لا يمكن تجاهلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحتاج لحسين مروة جديد
جلال البحراني ( 2012 / 11 / 23 - 07:03 )
شكرا أستاذ شاكر على هذه المعلومات القيمة
لكن! لا يمكن تفكيك و نقد الدين بخطاب ديني أخر، و لا يمكن نقد خطاب طائفة بخطاب طائفة أخرى، .
موقع الحوار يفتقر كليتا للدراسات العلمية و الجادة ،لدراسات تعتمد التحليل المادي الجدلي للنسق الفكري للطائفة الشيعية بالذات!
و منهج المادية هو الوحيد القادر على تعرية منظومة الأفكار تلك التي نمت و تطورت في خضم الواقع المادي البحت، الذي أدى لنشوء الحركات السياسية و تشكيل المطالب الحياتية و الاقتصادية للشيعة، منذ بروز الإسلام و حتى (غيبة) المهدي وصولا لمنتظريه بيومنا هذا.
لنأخذ رأي الشهيد الصدر بالقانون و الدولة، يرجع تكونهم و نشوئهم للأنبياء و يستشهد بالكثير من الآيات، فأي دين و أي معتقد يستطيع نقد هكذا رأي!
أما المادية الجدلية فهي تستطيع تبيان الخطل و الا واقعية بمجمل تنظيراته، و التي تشكل بنيان مرصوص و محكم في كل التفسيرات الشيعية الحديثة!
لهذا نحتاج لحسين مروة أخر، يمتلك المنهج و الشجاعة و عمق المعرفة
ملاحظة، لا ينبغي نقد الفكر الشيعي في العراق و إيران و البحرين تحت أسماء معروفه،جميع التيارات الشيعية الموجودة حاليا لا تقل تشعطش للدماء عن القاعدة


2 - العزيز الناصري
حسين طعمة ( 2012 / 11 / 23 - 07:53 )
تحية للصديق شاكر الناصري على موضوع في غاية الاهمية وهو يطرح مسألة تعزيز قيام الدولة المدنية والتي تلغي بموجبها كل انواع الاستبداد والقسر والهيمنة لأي مجموعة كانت .ولكن يا عزيزي حينما يتصدى رجل دين لبعض الظواهر السلبية التي تتفشى على نطاق واسع ،فأنها بادرة تستحق الاشادة بها والوقوف معها .شكرا للعزيز الناصري على الاحاطة بكل تداعيات واحدة من المشاكل التي تؤثر على توجه ومستقبل الوطن والمواطن .

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah