الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة السعادة

ابراهيم هيبة

2012 / 11 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


متى تبدأ السعادة في التحقق؟ - عندما نقتنع بأنه لا شيء مضمون في هذه الحياة؛ وبأن هذه الأخيرة لا يمكن أن تعطي دائما أكثر مما هو ممكن. لقد سلك البشر كل الطرق التي اعتقدوا بأنها تؤدي إلى السعادة، فانتشروا في مناكب الأرض بحثا عن المال أو المجد أو المتعة؛ لكن بعد أن تمَّ لهم ما كانوا يرغبون فيه، وقعوا في الضجر وعدم الرضا. يقول الصديق إبكتيتوس:" السعادة لا تكمن في الكسب والتمتع، بل في الكف عن الرغبة."- وفي الواقع، بقدر ما يرغب المرء ويتمنى وينتظر، بقدر ما تبقى السعادة خارج متناوله. افتح أي كتاب في التيولوجيا أو الحكمة أو الأخلاق، وسترى بأنه لا يقترح عليك ، بخصوص مسألة تحصيل السعادة، إلاّ وصفة واحدة وبسيطة: الإذعان. " واجه العالم بقلب مفتوح، هكذا تجده يقول لك، وستصبح سعيدا؛ تقبل تقلبات الدهر بصدر رحب، وسترى كيف ستنال سكينة الروح وراحة البال."
في يوم ما يفتح المرء عينيه فيجد نفسه بأنه ابن اسكافي أو وزير، وبأنه ملزم بأن يعيش على هذه الطريقة أو تلك؛ وقد يدفع الطموح وعدم الرضا المرء إلى التمرد على هذا الوضع الاجتماعي أو ذاك؛ ولكن عندما يتأمل في أحوال العالم جيدا ويراقب عن كثب تعسفات القدر، سيتبين له، و على نحو واضح، بأنه لا شيء يستحق أن نحزن أو نتمرد لأجله؛ ذلك أن هذا العالم ليس سوى مسرحية كبرى حيث كل واحد منا مجرد ممثل وكل سيرة ذاتية مجرد دور.
السعادة مقولة مشبعة بالتناقض، وإن كانت ممكنة في هذه الحياة فإنها لا تتمظهر إلا على شكل شعور نوستالجي- إنها مثل الصحة، لا نستشعر أهميتها إلا بعد أن نكون قد فقدناها. لهذا، تجد الواحد منا يستعمل دائما في حديثه عن سعادته صيغة الماضي وليس أبدا صيغة المضارع. إنها تكون دائما وراءنا؛ مما يعني أنها تكون دائما خارج متناولنا.
رغم كل البريق الذي يتمتع به مفهوم السعادة في الأدبيات الفلسفية، إلاّ أن روح الانسان لها من الحظوظ لكي تنجو عن طريق البؤس أكثر منه عن طريق الرفاه والازدهار. فليس هناك ما هو أشد خطرا على الإنسان من العيش في بحبوحة دائمة. المرض والأرق والقلق بشأن المستقبل المادي- كلها مظاهر للبؤس توقظ الروح و تدفع المرء إلى طرح الأسئلة ومعاينة كبريات القضايا الميتافيزيقية. و من هذا المنطلق، نجد بأنه ليس هناك فرق جوهري بين الانطلاق في رحلة بحثا عن درهم و الانطلاق في أخرى بحثا عن الله.
وبصراحة، إذا كنا نملك بعض الأفكار العميقة حول الله و الحب والموت، فإننا مدينون بها إلى الطابع الدرامي للحياة؛ فلولا الجراح والتمزقات التي يلحقها الزمن بقلوبنا وأرواحنا، لكنا قد متنا من الضجر والبلادة. ولا غرابة في الأمر، فالإنسان يكون عميقا وهو يعيش تحت سقف كوخ أكثر منه وهو يعيش تحت سقف قصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السعادة تتضمن متعة لكن العكس غير صحيح
بشارة خليل قـ ( 2012 / 11 / 23 - 06:44 )
اوافقك استاذ ابراهيم في مجمل ما قلته, وحقيقة هذا الموضوع هو الشغل الشاغل للبشرية كمجتمعات وكافراد
لا نعلم مقدار اسهام الصحة الجسدية-النفسية في السعادة
ولا نعلم مقدار مساهمة التفكر والتحليل والتعلم والاستنتاج في السعادة
نعلم انه يحكمنا سيدان: اللذة والالم, الاول نلهث خلفه والثاني نلهث امامه
تحديد معيير السعادة وكيفية بلوغها تتحكم به عوامل لا حصر لها تتفاعل بينها ديناميكيا
لكن هنالك بعض الخطوط العريضة لبلوغ السعادة او احد اوجهها كالسكينة التي ذكرت بعضها حضرتك
تحياتي

اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور