الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار أملاه الحاضر 8 النبي وتطبيق حد الزنا

عبد المجيد حمدان

2012 / 11 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حوار أملاه الحاضر 8
النبي وتطبيق حد الزنا
أما وقد وصلنا في حوارنا ، عن حد الزنا ، إلى هذه النقطة الهامة ، الانتقال من التعميم إلى التخصيص ، أو التفصيل ، فقد أشرت لمحاوري مذكرا بأن الفرائض ، كالصلاة ، نزلت عامة ، خمس صلوات في اليوم ، وأن النبي هو من عرف المسلمين بِ ، وعلمهم تفاصيلها . قال محاوري : نعم ذلك صحيح . قلت : أعتقد أن الأمر ذاته ينطبق علىالحدود . قال : وكيف ذلك ؟ قلت : حملت النصوص عليها طابع التعميم . ووقعت أفعال ، قام النبي بالحكم فيها . وأعطى نظره ، وأحكامه الصادرة فيها ، وتوجيهاته اللاحقة المفسرة لها ، تلك التفاصيل اللازمة للمسلم في معالجاته للقضايا المشابهة فيما بعد . قال : أتفق معك في هذا . قلت : اتفاقنا هذا مهم ، كي تجنبني الرجوع إلى هذه القاعدة الفقهية أو تلك ، وأنت تعرف أنني لا أشتري أيا منها ببصلة . ضحك محاوري وقال : لك ذلك ، سألتزم بتطبيق نبينا صلوات الله عليه ، لموضوع حوارنا ، وهو حد الزنا . قلت : إذن دعنا نتفق على المنهج ، نبدأ من القضايا البسيطة ، الصغيرة ، لننتقل بعدها فنصل إلى المعقدة والكبيرة . ومن الآن لا تسألني من أين لك هذا الحديث ، حين لا يعجبك ، وهو كثير ، فأنا لن أستشهد بحديث غير صحيح ، أو ضعيف الإسناد ...الخ ، وأنت ولا شك تعرفها ، بما لا أجد داعيا لذكر مصادرها ، صحيح كذا ، وصحيح كذا ...الخ . قال : ولك هذه أيضا .
من المقدمات ، نظرة فابتسامة ... :
قلت : أنت ولا شك تتابع ما يخرج به علينا الدعاة ، وأئمة المساجد ، مما يصفونه بزنا العين ، استنادا لحديث عن ما يصفونه بخائنة الأعين . قال : نعم صحيح . ولكنك تعرف أن طريق الخطيئة يبدأ بخطوة . وخطيئة الزنا تبدأ بنظرة . وبالرجوع إلى قاعدة درء المفاسد ، وجب تحريم هذه النظرة واعتبارها خطيئة ، وإن كانت خطيئة صغرى . قلت : ها أنت ، ومن البداية نقضت اتفاقنا . وأسألك : هل اعتبر النبي النظرة ، خائنة الأعين ، خطيئة ، زنا عين ، ولها قصاص ، كما يقول الوعاظ ، وغيرهم ، اليوم ؟ قال : أكيد فعل ذلك . قلت : لعلك تذكر واقعة تبادل الفضل بن العباس ، ابن عم النبي مع المرأة الخثعمية ، التي جاءت النبي تستفسر منه أمرا من أمور الدين ؟ قال : في الحقيقة أذكر شيئا عنها ، ولكن لا أتذكرها بدقة أو بتفصيل . قلت وقعت الحادثة في حجة الوداع . جاءت امرأة خثعمية – من قبيلة تدعى خثعم – والخثعميات مشهورات بجمالهن على مستوى الحجاز ، تسأل النبي عن أمر من أمور دينها . وكان الفضل ، ابن عم العباس في صحبته ، وهو أيضا شاب جميل ، فجعل الفضل ينظر إليها ، وهي تنظر إليه . عنى ذلك أن خائنة الأعين ، ومن الطرفين ، فعلت فعلها . وبحسب الوعاظ ، حدث الزنا بالعين ، وأمام النبي ، وبشهادته . فماذا فعل النبي ؟ قال : في الحقيقة لا أعرف . قلت : لم ينهر النبي المرأة . واكتفى بأن استخدم كف يده ، مرة بعد أخرى ، في إدارة وجه الفضل ، إلى الناحية الأخرى . وما يجب أن يكون مثيرا للاهتمام والانتباه ، أن النبي لم يصف ما وقع بزنا العين . ولذلك لم يُقرِّع الفضل . ولم ينهر المرأة . ولم يقم خطيبا في المسلمين ، يحذرهم ، وينذرهم بالويل والثبور ، من ارتكاب جرم زنا العين ، ولم يضع قاعدة ، ولم يصدر حكم قصاص . كل ما فعله أن اكتفى بإدارة وجه الفضل إلى الناحية الأخرى . وأظن أنك تتفق معي في أن ظرف وقوع الحادثة شديد الأهمية . تساءل محدثي : وكيف ذلك ؟ قلت وقعت الحادثة أثناء حجة الوداع . أي في وضع يفرض على المرء الخشوع ، والتضرع إلى الله ، والابتعاد عن نداء العاطفة ، وكبح الغرائز ... الخ ، مما يجعل الخطأ ، إن وقع ، مضاعفا أضعافا . ومع ذلك وقع زنا العين هذا ، وكان ذلك حكم النبي . وأنا أتخيل ، مدفوعا بعظات الوعاظ ، كيف سيتصرف أب أو أخ ، أو محرم ، مع إحدى محارمه ، بلغه خبر أنها تبادلت نظرة مع جارها ، أو غيره . ردة الفعل أنه سيقوم بتكسيرها . وبدعوى أنه يطبق شرع الله . أليس كذلك ؟ قال : أظن ذلك .
القبلة :
قلت : لننتقل إلى ما بعد النظرة ، أو زنا العين . لخص لنا شاعرٌ الأمر بأنه يبدأ بنظرة فابتسامه فموعد فلقاء . وفي اللقاء قد يبدأ الأمر بالقبلة ، وقد يتعداها ، وقد يقف عندها . والقبلة يسبقها الضم ، ويرافقها اللمس . وبداية عن اللمس ، أنت ولا شك تعرف الحديث عن رجل جاء النبي يستشيره فيما يفعله مع زوجته التي ، كما وصفها ، لا تمنع يد لامس . ويد اللامس هنا واضحة ، لا تحتاج إلى مزيد من التوضيح . النبي نصحه قائلا : غربها . والنصيحة واضحة : أبعدها ، طلقها ...فرد الرجل أنه يخاف أن يشتاق لها ، أو تتبعها نفسه . فرد النبي : إذن استمتع بها . وحكم النبي هنا واضح : لم يأمره بتعنيفها ، أو بضربها لإجبارها على الحفاظ على جسدها ، بعدم التجاوب مع اليد الممتدة لتحسس عضو فيها ، بنهره أو زجره ..الخ . قال : ما دامت نفسك تغلبك في شوقك لها ، فعليك أن ترضى بما هي عليه ، واستمتع بها . وأسألك : على ضوء هذه التعبئة التي يقوم بها الدعاة ، ماذا تتصور من رجل يتحسس آخر جسد زوجته في حضوره ، وهي لا تمانع ، أن تكون ردة فعله ؟ قال : أكيد سيقتلها وسيحاول قتله .
قلت : دعنا إذن ننتقل إلى القبلة . النبي حكم في قضايا عدة في هذا المجال . في قضية أنصاري ومهاجر آخى النبي بينهما . ائتمن المهاجر أخاه الأنصاري على بيته أثناء غيابه مرافقا للنبي في غزوة من غزواته . الأنصاري دخل بيت أخيه المهاجر بدون استئذان ، فوجد الزوجة تغتسل . أعجبته ملاحتها فحاول تقبيلها ، لكنها امتنعت عليه . والمحاولة ، لولا امتناع المرأة ، كانت ستقود إلى ارتكاب الخطيئة . قال : نعم أعرف الحادثة وحكم النبي فيها . قلت : وأظنك تعرف حادثة بائع التمر الذي جاءته امرأة حسناء تبتغي شراء بعض التمر ، فما كان منه ، وقد استشعر الخلوة وانعدام المراقبة ، إلا أن ضمها وقبلها . قاومته المرأة فخجل من نفسه ، وذهب إلى النبي معترفا ، وطالبا تطهيره من إثمه . قال : وهذه أعرفها أيضا . قلت : وهناك أكثر من حادثة أوصلها أصحابها إلى النبي ، ضم وتقبيل ، ومحاولة للذهاب إلى ما هو أبعد ، فهل نمضي في سردها ؟ قال : لا . أظن أن ما قلناه منها يكفي لتوضيح هذا الجزء من القضية الكبرى ، قضية الزنا . قلت : هل تذكر حكم النبي فيها كلها ؟ قال : بالطبع أذكر . أمر كلا منهم بالصلاة والاستغفار وفعل الحسنات ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والحسنات يذهبن السيئات . قلت : وبماذا رد على كل من سائليه إن كانت الآية :{وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } 114 هود ،وعما إذا كانت له خاصة أو لعموم المسلمين ؟ قال : كان الرد أنها لعموم المسلمين . قلت وماذا يقول الدعاة اليوم ؟ قال : يضعون هذا الفعل ، القبلة والضم على نفس مستوى جريمة الزنا ، ويحرضون على إيقاع عقوبة القتل على أساس ذلك . قلت : يعني أنهم يخالفون شرع الله وشرع نبيه جهارا نهارا ، ويزعمون أن هذه هي الشريعة ، التي يجأرون صبح مساء بضرورة تطبيقها . قال : ليس الأمر كذلك . فهناك قواعد فقهية يستندون إليها ، وهم لا يبغون شيئا غير خير الأمة وصلاحها . قلت أية قواعد وأي فقه ، وأي خير وأي صلاح ، وحكم النبي هنا قطعي وواضح وضوح الشمس ، ومخالفته التي استدعتها ظروف وثقافة عامة ، فرضت نفسها على هؤلاء الفقهاء ؟ قال : ما أفعل معك وأنت ترفضهم وترفض قواعدهم ؟ قلت أنا لا أرفضهم ولا أرفض قواعدهم . كل ما في الأمر أنهم عاشوا عصورا فرضت مناهجها على فكرهم ، وهي تغيرت ولم تعد صالحة لعصرنا . والأهم أنهم هم من خرج على شرع الله ورسوله ، وهذا واضح كل الوضوح من القضايا التي حكم النبي فيها ، والتي لا يختلف عليها اثنان . ومع ذلك دعنا نتقدم إلى نقطة أخرى في نقاشنا ، ولأريك إلى أي مدى ذهب ذلك الخروج .
الأخذ بالشبهة :
والآن أسألك هل يجوز شرعا أخذ المرأة بالشبهة ، ومن ثم مساءلتها بسبب ذلك ؟ قال : بكل تأكيد ، وإلا فكيف نحصن المجتمع من آفات السقوط في الرذيلة والعياذ بالله ؟!! . قلت : ولكن ذلك مناقض تماما لحكم النبي ، ولسنة عمر . قال : ليس صحيحا ، وإلا ما هي حجتك ؟ قلت : لا أظنك تجهل حديث النبي في هذا المجال ، إذ قال صلى الله عليه وسلم :" لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت فلانة فقد ظهرت فيها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها " . قال : لم أسمع بهذا الحديث ، من أين جئت به ؟ قلت رغم أننا اتفقنا على عدم طرح مثل هذا السؤال ، وعلى تركك تتحقق مما تقول أنك لا تعرفه ، فسأخرج عن القاعدة هذه المرة ، وهذه المرة فقط ، لأقول أنه ورد في " مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة " للشهاب البوصيري . وهذا الحديث يشير إلى أنه رغم توفر ثلاثة شواهد واضحة ، الهيئة ، طريقة الحديث ، وفي الرجال الذين يدخلون عليها ، فإن النبي لم يسمح لنفسه بجلبها ومساءلتها ، ومن ثم توقيع العقوبة عليها ، إن تم الإثبات بالاعتراف ، الذي هو سيد الأدلة . وسؤالي أيضا : هل يمكن ، بعد كل التعبئة التي قمتم بها ، إقناع الناس بأخذ مثل هذا الموقف ؟ بتجنب توجيه الاتهام ، وإيقاع العقوبة ، استنادا إلى شبهة ، مهما كانت أدلتها واضحة ؟ ولأن محاوري تردد ولم يجب ، قلت إذن دعنا ننتقل إلى عهد الخليفة عمر .
قلت : في عهد عمر اتسعت ظاهرة الدخول على النساء ، خصوصا المغيبات ، أي اللاتي يغيب أزواجهن في الحروب . وللحد من هذه الظاهرة ، اضطر عمر للخروج على القاعدة السالفة ، التي أرساها النبي . ولأريحك هذه المرة أيضا من سؤالي عن السند ، أشير إلى أن الإمام ابن الجوزي ، وفي مؤلفه " سيرة ومناقب عمر بن الخطاب "، وفي باب " في ذكر هيبته في القلوب " ، أشار إلى حكاية بلغت عمر ، عمن وصفها بامرأة يتحدث عندها الرجال . أرسل عمر يستدعيها . ارتعبت المرأة ، وفي طريقها إليه أخذت تولول : ويلي ما لي وعمر . ومن شدة خوفها ، وقد كانت حاملا جاءها المخاض . ساعدتها بعض النساء ، فولدت جنينا صاح صيحة واحدة ثم مات . جمع عمر ، بعد أن بلغه خبر ما حدث ، جمعا من الصحابة ، واستشارهم فيما إن كان قد وقع من جانبه خطأ . أجمعوا على أنه لم يفعل ، إلى أن قام علي بن أبي طالب موضحا أن القوم مالئوه ، ولم ينصحوه ، وأن عليه دفع دية الوليد ، وقد فعل . وسؤالي مرة أخرى : بعد كل التعبئة التي قمتم بها ، هل يمكن لمسؤول ، يطبق الشريعة ، الالتزام بنهج عمر هذا ؟ قال : وكيف يمكن حماية المجتمع من الفساد ، والسقوط في الرذيلة ، إن لم نطبق القواعد الفقهية بدرء المفاسد وسد الذرائع ؟ قلت : يا هذا ، يبدو أنك مثل الكثيرين من الوعاظ والدعاة والأئمة ، لا تنتبه إلى حقيقة ما تقوله ، وأنه كلام خطير . قال مستنفرا : وكيف ذلك ؟ قلت : تفحص كلامك . ولو فعلت فإنك تكتشف أن فيه اتهاما مباشرا للنبي أولا ، ولعمر ثانيا . قال محاولا ضبط أعصابه : ما تقوله غير صحيح . قلت : ولكنك ، في واقع الحال ، ومن قراءة الوقائع السابقة ، تتهمهما بأنهما وضعا أسسا للفساد ولانتشار الرذيلة . قال : اللعنة عليك . ثم سكت شاردا فيما يبدو في نوبة محاولة للتفكير عميقة . ولما استرد نفسه قلت : دعنا ننتقل إلى النقطة التالية .
وإلى الأواخر :
قلت : بدأنا من مقدمات فعل الزنا ، لنصل إلى الأواخر ، إلى الفعل ذاته . وأضفت : أنت تعرف ، ولا شك ، أن النبي حكم في عدة قضايا ، رفعت إليه ، وتتعلق ببكر وجدها الزوج ، في ليلة الدخلة ، إما حاملا ، وإما مفضوضة العذرية . قال : نعم أعرف . قلت : إذن لا داعي لتعدادها ، ولنكتفي بذكر الحكم فيها . وبعد موافقته قلت : في قضايا الحوامل ، جاء حكم النبي بإعادتهن إلى أهلهن ، أولا ، وبإقامة حد الجلد عليهن بعد الولادة ثانيا ، وبأخذ المولود عبدا للزوج ثالثا . قال : نعم هو كان كذلك . قلت : ولو أنني لم أفهم ، ولا أفهم حتى الآن ، الحكمة من الحكم بعبودية الوليد للزوج ، كتعويض عما لحق به ، إلا أنني سأتجاوزها الآن . وأشير أنه في الحالة التي اتهم فيها الزوج عروسه بأنه وجدها غير عذراء ، استدعاها النبي وسألها ، فأنكرت . وبناءا على إنكارها كان الاحتكام إلى الملاعنة . تلاعنا وانفصلا ، ومضى كل في طريقه ، أي أنها رجعت إلى أهلها . قال : ذلك صحيح أيضا . قلت : سأؤجل السؤال : هل بعد كل ما فعلتموه من تعبئة ، يمكن لدعاة تطبيق حدود الشريعة ، الالتزام بحكم النبي هذا ؟ ورفعت يدي أمامه قائلا : لا تجب الآن ، ودعنا نمضي إلى أبعد .
وفي الأبعد أذكرك بالحادثة الشهيرة التي قضى فيها النبي ، والمعروفة بحادثة المرأة من جهينة . هذه المرأة جاءت النبي ، طالبة منه أن يطهرها ، لأنها زنت ، ولأنها حامل من واقعة الزنا تلك . بعد حوار صرفها النبي طالبا منها العودة بعد أن تضع مولودها . بعد الوضع عادت ، وهي تحمله ، مصرة على الاعتراف والتطهر . نظر النبي إلى الوليد ، ورأى حاجته إلى الرضاعة من أمه ، فصرفها من جديد ، طالبا عودتها بعد بلوغه السنة . عادت . ومن جديد نظر النبي للوليد ، ورأى أنه ما زال بحاجة الرضاعة من أمه . صرفها للمرة الثالثة ، طالبا إليها العودة بعد إتمامه الحولين . وعادت مصرة على طلب التطهر . نظر النبي إلى الوليد ، ورأى أنه لم يعد بحاجة الرضاعة من أمه ، فحكم بإقامة الحد عليها . ولأنها كانت متزوجة ، كان الحد برجمها . أثناء الرجم ، ومن حرارة الروح كما يقال في عاميتنا ، حاولت الهرب . لكن عمر ، وقد كان قريبا منها ، عاجلها بحجر شج رأسها فسقطت ، بعد أن نشب دمها ، ولوث ثوبه . وأمام النبي ، الذي لم يحضر تطبيق حد الرجم هذا ، كما لم يحضر أي رجم آخر ، تأفف عمر من أن دمها نجَّس ثوبه . كره النبي ذلك ، وأوضح أنها بتوبتها ، وإقامة الحد عليها ، طهرت نفسها ، ومن ثم لم يعد دمها نجسا . ولم يكتف النبي بذلك ، بل التفت إلى الوليد ، الذي نسب إلى أمه ، ومنع الناس من تعييره بأمه ، ومن تحميله ذنبها . وقلت لمحاوري خاتما الحكاية : وأظنك تعرف أن هذا الوليد ، وحين كبر ، صار واليا على مصر . قال : نعم أعرف هذه الحكاية ، وأؤكد أن كل الوقائع التي ذكرتها صحيحة .
قلت : إذن دعنا نختم الحديث عن أحكام النبي بحكمه في حادثة الصحابي ماعز بن مالك . وسألته : هل تعرفها ؟ قال : نعم أعرفها . قلت : ماعز هذا مارس الزنا مع واحدة ممن كن يوصفن بالمغيبات ، أي اللاتي يغيب أزواجهن في الغزوات ، أو المهمات التي يوكلها لهم النبي ، كالبعثات إلى الملوك ، وحكام الدول المجاورة لجزيرة العرب . أقنعه صديق له أن يذهب إلى النبي معترفا وطالبا تطهيره . فعل بنصيحة صاحبه ، واعترف للنبي بفعلته . ويبدو أن النبي لم يصدق ، أو استغرب ، ما يسمع ، فأخذ يستجوبه ، وهو يرد مصرا على اعترافه . وبلغ من استغراب النبي أن سأل قومه إن كان الرجل مجنونا ، أو أن في عقله لوثة . وحين تأكد من أنه صحيح العقل ، وبسبب تأكيده لاعترافه ، قضى بإقامة حد الرجم عليه . ولم يحضر النبي التنفيذ كعادته . وبعد التنفيذ أبلغه بعض من شاركوا أن ماعزا ، ومن حلاوة الروح ، حاول الهرب . وعلق النبي بما معناه ، ليتكم ساعدتموه على ذلك . ولم يكتف النبي بما حدث ، بل عمد إلى عتاب صديقه قائلا ما معناه : ألم يكن أفضل لو أنك سترت عليه ، ولم تحرضه على الاعتراف ؟ !!!. قال محاوري : نعم ، أنا أوافقك تماما على سردك للحادثة ، وعلى حكم النبي فيها .
وخلاصة أولى :
قلت : إذن وقبل الانتقال إلى تطبيقات ابن الخطاب ، دعنا نحاول استخلاص بعض المبادئ ، أو الأفكار من الوقائع والأحكام النبوية السابقة . قال : كلي آذان صاغية . قلت : أولى الاستخلاصات أن كل القضايا التي حكم فيها النبي ، لم تستند إلى شهادة الشهود الأربعة ، فهي متعذرة ، أو شبه مستحيلة الإثبات كما سلف وأوضحنا . ثانيها أن الأحكام ثبتت المبدأ القائل بأن المسؤولية عن خطيئة الزنا تقع فقط على عاتق فاعلها ، ولا تتعداه إلى أي أحد آخر ، عملا بقاعدة " ولا تزر وازرة وزر أخرى " . وثالثها أن المجتمع مطالب بوقف عادة تعيير الأهل بفعل الخطيئة التي وقعت فيها البنت . معنى ذلك أن الشريعة تتعارض تماما ، وتتناقض بالمطلق ، مع مفهومي العار ، والشرف ، اللذين يتم الالتجاء لهما ، في مجتمعاتنا ، ويدق عليهما الدعاة والوعاظ ، وتقع جرائم الشرف بمقتضاهما . ورابعها أن حضور النبي بين ظهراني أهل ذلك الزمان ، وبسبب جدة الدعوة ، وقوة فعلها ، استجاب الناس لطلب النبي ، وتجاوزوا تلك العادة ، وهي لوك سيرة الغير ، وتعيير الأهل ، وتجليلهم بالعار ...الخ . وخامسها أن عمليات إصدار الحكم وتطبيقه نزعت تماما من يدي الأهل حق مساءلة الأنثى ومحاسبتها ومعاقبتها . وأكثر منعت الأهل من إضافة أي عقوبة ، كاللوم ، أو المقاطعة ، أو المجانبة ، بعد عقوبة الحد عليها . و سادسها أن الأحكام كفلت لطفل الزنا حياة طبيعية ، ومنعت المجتمع من إهانته ، عن طريق تعييره بفعل أمه أو أبيه ، أو إهماله ، بعد أن حكمت على الأهل بقبوله ورعايته ...الخ . وسابعها قضت الأحكام بتطبيق حكم الشرع فيمن يخالف ذلك ، كأن يلجأ لعقاب البنت بضربها أو إهانتها ، أو قتلها ، بإيقاع عقوبة مماثلة لما ارتكب ، وأهمها قتله في حالة القتل ، تطبيقا لحكم الشرع في القتل . أخيرا نقضت الأحكام تماما ما يعرف بفورة دم المحرم ، والتي تخوله حق قتل إحدى محارمه ، في حال أن فوجئ بها في وضع يوصف بالمخل بالشرف ، وذلك لأن الأحكام ، نفت تماما ما يوصف بمفهوم الشرف . وسألت محاوري : هل تتفق معي في هذه الاستخلاصات ؟ رد محرجا : أتفق ولا أتفق . قلت إذن دعنا ننتقل لتطبيقات عمر .
مع عمر :
قلت لمحاوري : منعا لأي إطالة غير لازمة سأتوقف عند حكمين شهيرين لعمر . الأول خاص بحالة اغتصاب . والحادثة وقعت أثناء أداء المسلمين لفريضة الحج . فقد فوجئ عمر ، وهو في منى ، بجمع من الناس ، يحيطون بامرأة أركبوها على حمار ، يكادون أن يقتلوها بزحامهم حولها وهم يصرخون : زنيتِ .. زنيتِ ، وهي تبكي ، وتقول أنها مظلومة . أوقف عمر الناس متسائلا ، وماذا لو أن المرأة استُكرهت ، أي اغتصبت ؟ سأل المرأة : فقالت ، وهي امرأة ضخمة الجثة ، أنها امرأة ثقيلة الرأس – نومها ثقيل أو عميق – كانت ترتزق من صلاة الليل ، وأنها بعد أن صلت نامت في صحن الجامع ، وصحت على رجل يركبها . وفي عتمة الليل لم تنجح في تبيان ملامحه ، وقد هرب ، والناس شاهدوا ما حدث ، فكان أن صاحوا بها زنيتِ زنيت ِ، وكادوا يقتلونها . وماذا كان حكم عمر ؟ قال : والله لو قتلت هذه لخشيت على الأخشبين النار . والأخشبان هما جبلا أبي قبيس والأحمر المحيطين بمكة . إذن لم يوقع عمر عليها أي عقاب رغم شهود ناس كثيرين على الواقعة ، لأنها واقعة اغتصاب ، التي يقع حكمها على الفاعل ، لا على المفعول بها . وسألت محاوري : هل الواقعة صحيحة ؟ قال : نعم هي صحيحة . قلت : وبعد كل التعبئة التي داومتم عليها ، هل يمكن إعادة تطبيق حكم عمر في حادثة مماثلة ؟ قال : بالطبع ذلك واجب وليس ممكنا فقط . قلت : وإذن لماذا تسكتون ، بل وتزكون وتؤيدون قتل ضحايا الاغتصاب ، بداعي غسل العار ، وتصنفون مثل هذه الجريمة تحت باب جرائم الشرف ؟ قال : نحن لا نفعل ذلك وهذا افتراء علينا ، وتضليل للناس . قلت : يا رجل هناك الكثير من هذه القضايا ، وكما قلت لك سابقا ، ثبت بعضها في كتابي " حقوق المرأة بين شريعة القبيلة ورداء الشريعة " ، وقد أهديتك نسخة منه ، فهل قرأته ؟ تلعثم ، ثم قال : في الحقيقة لم أقرأه . قلت : إذن دعنا ننتقل إلى الواقعة الثانية .
والمغيرة بن شعبة ، كاتب رسائل النبي ، وأحد رجال حراسته ، ووالي عمر على الكوفة ، هو بطلها . والمغيرة هو صاحب ، ومطبق ، تفسير الآية { ...فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ...} بأنها تبيح للرجل أن يتزوج اثنتين معا ، أو ثلاثا معا ، أو أربعا معا ، ثم يطلق ويعيد الكرة مرة ومرات . وهو من كان يتباهى بأنه أحصن – تزوج – ثلاثمائة امرأة ، ومع ذلك شكاه أربعة من الصحابة ، ومن قومه بني ثقيف ، بارتكاب فاحشة الزنا ، مع امرأة من بني هلال يقال لها أم جميل . عزله عمر عن الولاية ، واستدعاهم جميعا إلى المدينة . شهد ثلاثة منهم ، وكلهم من رواة الحديث ، أنهم شاهدوا فعل الزنا كاملا . أما الرابع ، وهو زياد بن أبيه ، الذي اشتهر بجبروته فيما بعد ، فشهد أنه رأي ساقين – للمرأة – كأذني حمار ، واستا – هو است ألمغيرة – ينبو – يصعد ويهبط – وسمع نفسا – لهاثا وتأوهات - يعلو ، ولم ير شيئا غير ذلك . أي أنه لم ير المرود في المكحلة – عضو المغيرة داخل عضو أم جميل – كما تقضي الشهادة الصحيحة . اعتبر عمر أن الشهادة الرابعة ناقصة . برأ المغيرة ، وأقام الحد على الشهود الثلاثة ، ثمانين جلدة مع إبطال شهادتهم . وسألت محاوري هل تعرف هذه الواقعة ؟ قال نعم ، ولكن المرأة التي شهدوا ضدها لم تكن أم جميل ، كما تقول الروايات ولكنها كانت زوجته . والحكم كان بسبب أنهم اقتحموا بيته ، كشفوا ستر بيته ، وظهروا على عورة زوجته . قلت : اتق الله يا رجل . لو كان حدث ما تقول كان المغيرة ، وهو الوالي الذي يملك من السلطة ما يملك ، قد نكل بهم ، وحال بينهم وبين الوصول إلى الخليفة . لقد كمنوا له ، بعد أن لم يعد سلوكه محتملا ، وما أن رأوا أم جميل تدخل عليه ، وبعد أن تعريا ، وبدآ فعل الفاحشة ، أطبقوا عليه ، وأمسكوه بالجرم المشهود . وشهادة ابن أبيه التي اعتبرها عمر ناقصة ، تؤكد صحة الفعل . قال : لا أصدق ذلك فحاشا لصحابي كان على هذا القرب من الرسول ، أن يقع في مثل هذه الخطيئة . قلت : لا تصدق أو لا تريد الاعتراف أن فعل الزنا ، كما يحدده الشرع ، هو غير ما تقولون تماما ؟. قال : لا ، ليس هناك تناقض بين ما نقول وما يقول الشرع . ولو أخذنا بما تقول هذه الواقعة ، لفهمنا أن الشرع ، وحد الزنا تحديدا ، لا يحمي المجتمع من الرذيلة ، وإنما ، والعياذ بالله ، يحرض عليها . قلت ها أنت قلتها ولم أقلها أنا . وإلا ما معنى أن تدخل امرأة غريبة على رجل ، وأن يختلي بها ، وأن يتعريا ، وأن يلتحم جسداهما ، وأن يحدث الهز والرهز ، ولا يوقع الخليفة أية عقوبة ، مهما كانت بسيطة ومحدودة على فاعليها ؟ لا يمكن فهم ذلك إلا أن تكون مفاهيم زمن النزول ، لفعل الزنا وغيره ، هي غير المفاهيم السائدة اليوم . وإذا أردنا معرفة الحقيقة فإننا في حلقات الحوار الثلاث السابقة ، وقفنا على جانب واحد من ذلك المجتمع . وحتى نفهم لا بد من الوقوف على الجانب الآخر . ذلك المجتمع كان مجتمعا عبوديا ، نصفه من الأحرار ، والنصف الآخر من العبيد . نصف النساء كن حرات ، والحدود التي ناقشناها خاصة بهن ، ونصفهن إماء ، ملك يمين ، عبدات ، وتلك الحدود لا تخصهن ، ولا تنطبق عليهن بالمرة . وإذن وحتى نفهم الأمر فهما صحيحا ، وقبل أن نقول فهمنا الخاص ، رأينا الخاص ، دعنا نفرد لهذا الموضوع ، موضوع الإماء والعبيد حلقة حوار جديدة . وإلى لقاء .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من تخدع ياهذا؟ أوجز غرضك!
فارس ولدشمر ( 2012 / 11 / 24 - 09:23 )
هل نحن الآن بفضلك عدنا للقصة؟ وفن القصة؟ أفق! نحن بعصر الانترنت والفيس بوك وتويتر؟ والفضائيات! خلطت الأمور عن قصد وببراعة قد تمرق على البعض! ماذا تريد؟ كن صريحا وجرئ وأظهر هدفك ولو بسؤال تهكمي! تخلط وتحرف بالزيادة بالوقائع بطرح ذكي وسنشبع غرورك أنت ذكي جدا! فأوجز ماذا تريد؟ هل تريد أن تناقش حد الزنى بالإسلام؟ وانتبه المحصن أي المتزوج ليس حده كحد غير المحصن! الأخير جلد والأول رجم ذكرا كان أم أنثى! وانتبه الحدود بحد ذاتها ليست مطلبا! وانتبه أربعة شهود يرونه! وانتبه الرجم باليهودية موجود لكنه بشهادة إثنين! وانتبه لايفرقون بين المحصن وغيره! وانتبه ابنت الكاهن إذا زنت تحرق حية! ياصديقي حتى باليسوعية موجود بدليل قول يسوع من منكم بلا خطية فليرجمها! يقصد المرأة التي أتى بها بعض اليهود له وقالوا زنت! ليختبروه! وانتبه هو قصد خطية الزنى! بدليل إيمانهم بخطية آدم المتوارثة! يسوع لم يلغ الرجم كما حرف قدامى آباء الكنيسة ! فماذا تريد ياصديقي ؟!‏‎ ‎


2 - رد
عبد المجيد مصطفى حمدان ( 2012 / 11 / 25 - 10:19 )
أنا يا صديقي إتسان يحترم العقل ويكرس قلمه لإعلاء شأنه . حقائق العلم ، قوانينه لا نظرياته هي المقدس الوحيد عندي . وسأحي لك حكاية . في العام 75 أجرت مجلة تايم الأمريكية حوارا مع موشيه ديان ، وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك . في المقابلة تحث ديان بصراحة عن استرتيجية إسرائيل العسكرية ، وعن أسلحتها الجديدة ، مداها وفاعليتها . استغرب الصحفي صراحة ديان وسأله لم يكشف أسرارا بهذه الأهمية ، تحتاج المخابرات لجهود مضنية للحصول عليها ، يكشفها بهذه السهولة لأعدائه العرب . ضحك ديان وقال : العرب لا يقرأون وإن قرأوا لايفهمون ما قرأوه ، ، وإن فهموا لا يستوعبن أو يعون . كلماته ، وكنت في السجن آنذاك ، لايفارق طنينها أذني . . أنا أتحداك أن تقول لي أين خلطت أو زدت أو حرفت في الوقائع ، وأنت تعترف أنها وقائع . أنا يا سيدي لم أخترع المسألة . ولاأطنك إلا وتسمع صيحات الإسلاميين في مصر عن تطبيق حدود الشريعة . وكل ما أفعله أن أدفع القارئ للتساؤل ‘ن أي حدود يتكلمون وهم الذين أعادوا العقل العربي إلى ما كان عليه في الجاهلية ، والأهم أنهم عملوا وما زالوا يعملون على تعميق مفاهيم وعادات وقيم وأخلاق الجاهلية ، وباسم الإسلام

اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر